كيف تُسيَّس وسائل التواصل الاجتماعي ضد أفراد مجتمع الكوير؟

“بالنسبة إلي، أتمنى أن أتمكّن من التواجد يوماً ما على وسائل التواصل الاجتماعي من دون الخوف من أي عواقب. فحتى وأنا بعيدة حالياً عن السعودية، ولاجئة في بلدٍ آخر، ما زلت أخاف من عواقب هذا التواجد”.

كانت هذه أمنية ناد سلام، وهي كاتبة وناشطة ومنظمة كويرية، وعابرة جندرياً سعودية، تبحث عن أمانٍ مفقود، خصوصاً في الفضاء الإلكتروني.

مساحة افتراضية تمكنت السلطات، في المنطقة الناطقة بالعربية، من تطويعها.

وأصبحت أداة في يدها، تمارس عبرها أبشع أنواع الانتهاكات والعنف، بحق الكويريات والكويريين.

فتلاحقهن/م التهديدات من دون توقف، وفي جميع المساحات.

يتعرّضن/ون لمختلف أنواع العنف وأشكاله، أكثر بأضعاف من أي فئةٍ أخرى، وفي جميع الأماكن.

يمارس الجميع بحقهن/انتهاكات، وإقصاء وتمييز بشكلٍ مستمر.

ويُمعن المجتمع، والدولة، والدين، والناس، والعادات، والمنظومة البطريركية في تهميشهن/م.

كيف تُبيح الأنظمة استهداف وترهيب الكويريات والكويريين؟

في مقابلتها مع “شريكة ولكن”، قالت ناد إن “النساء العابرات ولا ثنائيات الجندر، هن من أكثر الفئات المستهدفة بالعنف الإلكتروني”.

وأضافت: “نحن هدف سهل بشكل مؤسساتي، ومن خلال الحكومات، التي تطوّع الذباب الإلكتروني لخدمتها، كما يحدث في السعودية مثلاً”.

ناد سلام
ناد سلام

 

فلطالما حاولت الأنظمة في المنطقة الناطقة بالعربية وسعت إلى السيطرة على الفضاء الإلكتروني، ليصبح أداة ليّنة في يديها.

فتمارس عبره انتهاكاتها تحت غطاء قوانين، أقل ما يقال عنها إنها غير إنسانية، ولا تحمي أي من الفئات المهمّشة، خصوصاً أفراد مجتمع الكوير.

قوانين تجرّم المثلية الجنسية في مختلف هذه الدول، وتضيّق عليهن/م حياتهن/م وتحرّكاتهن/م، وتنتهك خصوصياتهن/م، وتضعهن/م تحت خطرٍ كبير يهدد حياتهن/م نفسها!

فحوّلت الفضاء الرقمي إلى مساحةٍ خطرة عليهن/م، بدلاً من أن يكون منصةً للتعبير عن أنفسهن/م.

وفي هذا السبيل، طوّعت هذه الأنظمة القمعية، وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة، لاستهداف الكويريات/يين.

الكويريات والكويريين يخلخلن/ون المنظومة السياسية البطريركية

تقوم المنظومة البطريركية، التي تتحكم بكل شيء في منطقتنا، على تقديس التناغم المغاير.

فترّسخ ثنائية “رجل وامرأة”، وتكرّس أسطورة “تفوّق الرجال على النساء، وهيمنتهن/م عليهن”.

لذلك، تعتبر وجود الكويريات والكويريين نفسه، أمراً مهدداً لها، ويخلخل هيكلها.

وتستخدم كل الوسائل المتاحة، لتهميش بقية الهويات الجندرية والجنسية، واستهدافهن/م.

وتسخّر لذلك، تحريض المجتمع، والمنظومة الدينية، والأفراد، والذباب الإلكتروني على وسائل التواصل الاجتماعي، لملاحقتهن/م وتصيّدهن/م.

وبما أن الوضع القانوني لهن/م من الأكثر هشاشةً، يتمكّن الجميع من استهدافهن/م والإفلات من العقاب.

من تونس، شاركتنا أصالة بوزير، وهي عابرة جندرياً، تجربتها مع التنمر والابتزاز والتهديدات عبر الفضاء الإلكتروني.

وهي الهجمات التي بدأت من الجميع منذ إعلانها عن هويتها/ميولها الجنسية/الجندرية، على فيسبوك وسناب شات، عام 2021.

أصالة بو زير
أصالة بو زير

“الأمان على مواقع التواصل الاجتماعي أمر نسبي”

وقالت أصالة لـ”شريكة ولكن” إن “تبعات كشفها عن هويتها الجندرية وصلت إلى حد تلقيها تهديداتٍ بالقتل”.

فتصلها رسائل خاصة على تطبيقات التواصل الاجتماعي، وتعليقات على منشوراتها من قبل حسابات مختلفة، تحتوي ابتزاز لممارسة الجنس، وتنمر، وتهديدات بالقتل”.

تهديد أصالة بوزير عبر رسالة خاصة
تهديد أصالة بوزير عبر رسالة خاصة على مسنجر

 

بينما اعتبرت الناشطة المصرية داليا الفغال، التي تحب أن تعرّف عن نفسها كـ”شخص عاش تجربته كامرأة وكشخص كوير أو غير نمطي الميول والهوية الجندرية”، أن “الأمان على مواقع التواصل الاجتماعي أمر نسبي وبحسب السياق”.

لكنها أوضحت أنه “بالنسبة إلى السياقات التي اضطررت خلالها إلى الاحتكاك بأشخاص مختلفات/ين معي بالرأي، وهن/م الغالبية في المنطقة الناطقة بالعربية، كان الموضوع شرساً جداً”.

إذ أكدت تعرّضها لتنمّرٍ شرس وعديم الرحمة، من “أشخاصٍ لديهم إيمان راسخ بأن ما يمارسونه بحقي من عنف أمر إيجابي، هدفه تطهير المجتمع من أمثالي!”، وفق تعبيرها.

داليا الفغال
داليا الفغال

هيومن رايتس ووتش: انتهاكات عبر الإنترنت وتفتيش غير قانوني للهواتف، ثم اعتقالات تعسفية وتعذيب

في سياقٍ متصل، كشفت هيومن رايتس ووتش أن عناصر تابعين للدولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يستهدفون أفراد مجتمع الكوير.

إذ أصدرت أواخر شباط/فبراير الماضي، دراسة بعنوان “كل هذا الرعب بسبب صورة”: الاستهداف الرقمي وعواقبه في الحياة الفعلية على مجتمع الميم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

بيّنت الدراسة استخدام قوات الأمن للاستهداف الرقمي، وعواقبه بعيدة المدى خارج الإنترنت، بما فيها الاعتقال التعسفي والتعذيب.

بينما أجرتها في 5 دول هي مصر، والعراق، والأردن، ولبنان، وتونس.

فأظهرت النتائج كيف تُوظف قوات الأمن هذا النوع من الاستهداف، لـ”جمع وفبركة أدلّة لدعم المحاكمات”.

واعتمدت هذه القوات، وفق الدراسة، في المحاكمات على صور رقمية، ومحادثات، ومعلومات مماثلة حصلت عليها بطرقٍ غير مشروعة.

ويشكّل هذا الأمر انتهاكاً للحق في خصوصيتهن/م، وغيرها من حقوق الإنسان.

ولفتت إلى أن قوات الأمن “تتصيّد أفراد مجتمع الميم عين، على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة”.

وتُخضعهن/م للابتزاز والتحرّش على الإنترنت، ولكشف هويتهن/م الجندرية، وتوجههن/م الجنسي من دون موافقتهن/م.

صورة من دراسة هيومن رايتس ووتش
صورة من دراسة هيومن رايتس ووتش

تفاصيل دراسة هيومن رايتس ووتش

استندت الدراسة إلى مقابلات مع 120 شخصاً، منها 90 مقابلة مع أفراد من مجتمع الكوير تأثّرن/وا بالاستهداف الرقمي.

و30 مقابلة مع خبيرات/خبراء، من ضمنهن/م محاميات/محامين، ومتخصصات/ين في الحقوق الرقمية.

درست من خلالها استخدام الاستهداف الرقمي من قبل قوات الأمن والأفراد العاديين/ات، للكويريات والكويريين، وعواقبه الواسعة على حياتهن/م الواقعية.

فوثّقت 45 حالة اعتقال تعسفي، شملت 40 شخصاً من مجتمع الكوير، استُهدفن/وا عبر الإنترنت في مصر، والأردن، ولبنان، وتونس.

وأكدت أنه في كل حالة اعتقال، فتش الأمن هواتفهن/م، بالقوة أو تحت التهديد بالعنف، لجمع أو حتى إنشاء، معلومات رقمية شخصية لتمكين مقاضاتهن/م.

كما راجعت الدراسة الملفات القضائية لـ23 فرداً من مجتمع الكوير، جرت محاكمتهن/م بناءً على أدلةٍ رقمية بموجب قوانين تجرّم “السلوك الجنسي المثلي”.

كما تم استخدام قوانين الجرائم الإلكترونية في ذلك، في مصر، والأردن، ولبنان، وتونس.

فوجدت أن معظم الذين/اللواتي تمت محاكمتهن/م حصلن/وا على البراءة عند الاستئناف.

وفي 5 حالات، أُدين أشخاص وصدرت بحقهن أحكام بالسَّجن، راوحت بين سنة و3 سنوات.

ولم توجّه تهم إلى 22 شخصاً، لكنهن/م حُبسن/وا احتياطياً، بحسب التقرير.

وتعرّض من احتُجز منهن/م لانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة.

مثل مصادرة هواتفهن/م، والحرمان من الاتصال بمحامٍ/ة، والإجبار على توقيع اعترافات بالإكراه.

كما واجهن/وا الحرمان من الطعام والماء، والزيارات الأسرية، والتمثيل القانوني، والخدمات الطبية، والاعتداء اللفظي، والجسدي، والجنسي.

تصيّد واستهداف عبر فيسبوك وغرايندر

ووثّقت هيومن رايتس ووتش 20 حالة تصيّد عبر الإنترنت، باستخدام غرايندر وفيسبوك.

بينما ارتكب هذه الحالات عناصر أمن، أنشأوا حساباتٍ مزيفة لانتحال صفة أشخاص من مجتمع الكوير في مصر، والعراق، والأردن.

ورصدت 17 حالة ابتزاز عبر الإنترنت، من قبل أفراد عاديات/ين عبر غرايندر، وإنستغرام، وفيسبوك في مصر، والعراق، والأردن، ولبنان.

بعضها حصل على يد عصابات منظّمة في مصر، وجماعات مسلّحة في العراق.

و26 حالة تحرّش عبر الإنترنت، منها نشر معلومات شخصية، مثل أسمائهن/م الحقيقية، وأرقام هواتفهن/م وعناوينهن/م.

كما تم كشف توجههن/م الجنسي أو هويتهن/م الجندرية، على فيسبوك وإنستغرام في الأردن، ولبنان، وتونس.

نتيجةً لذلك، وفق تقرير المنظمة العالمية، أفاد/ت كويريات/ون أنهن/م فقدن/وا وظائفهن/م، وعانين/وا من العنف الأسري.

كما اضطررن/وا إلى تغيير أماكن إقامتهن/م وأرقام هواتفهن/م.

وحذفن/وا حساباتهن/م على مواقع التواصل الاجتماعي، وهربن/وا من البلد، ويعانين/ون من عواقب صحية نفسية وخيمة.

بينما أبلغ معظمهن/م المنصة الرقمية المعنية عن الانتهاكات، لكن لم تحذف أيٌ منها المحتوى.

مشاهد لن تُمحى من الذاكرة

لا يتوقّف العنف الإلكتروني ضد الكويريات والكويريين على الأنظمة وحسب، بل يمتد إلى مستخدمات/ي وسائل التواصل الاجتماعي.

ويُعتبر التمييز، إساءة المعاملة، التنمّر، التهميش والإقصاء، التحرش الجنسي، التحريض الديني والمجتمعي المليئ بخطاب الكراهية، بعض أبرز الانتهاكات التي تواجههن/م في الفضاء الإلكتروني.

شاركتنا داليا الفغال أنها تعرّضت لهجمةٍ إلكترونية بسبب هويتها عام 2017. لكنها ذكرت أنها واجهت أيضاً هجمةً أخرى أعنف.

وقالت: “حين كشفت عن حادثة تحرّش بي وتهديد من قبل إعلامي مشهور، واجهت السخرية، والتنمّر على شكلي وهويتي”.

وأضافت: “هذا ما جعلني أدرك أن التنمر على الفئات المهمّشة، سواء بسبب هويتي، كشخص نشأ كامرأة، أو هويتي كشخص كوير، جزء لا يتجزأ من تجربتي الإنسانية”.

أما أصالة، فتحدثت عن مشهدٍ لا يُمحى من ذاكرتها بسبب قسوته.

إذ قالت: “وصلني تهديد إلكتروني من أقرب الناس إلي، يبتزني ويهددني بفضحي أمام أهلي وعائلتي، إذا لم أمارس معه الجنس. وبأنه سيرسل إليهن/م صوري وفيديوهاتي”.

أثرت هذه الحادثة كثيراً عليها من الناحية النفسية. وكشفت أنها بقيت فترةً طويلةً تعاني من الخوف منه.

وأوضحت: “صحيح أنني اكتشفت أن القانون في تونس يُعاقب على التشهير بالأشخاص، وأنه بإمكاني مقاضاة من يشهّر بي، لكن لا يمكنني التصرّف”.

وأكدت أنها في حال قررت أن تشتكي، ستعرّض نفسها للمساءلة، وقد تتعرّض للفحص الشرجي”.

 

بينما تعرّضت ناد إلى عدة هجمات إلكترونية، لكن أكثر موقف عالق في ذهنها، حملة كبيرة تعرضت لها واستمرت نحو 3 سنوات بشكلٍ متقطع.

وقالت ناد إن “هذا كان أكثر موقف أثر علي نفسياً، وعلى طريقة اكتشافي لهويتي، والتعرّف إلى نفسي جيداً، خصوصاً أن الحملة بدأت وأنا في سن المراهقة”.

وأوضحت أن انطلاق الحملة كان بسبب “صورة لي وأنا أضع أحمر شفاه، أخذت من السوشيال ميديا، وانتشرت الكثير من الميمز عليها، تتّسم برهاب المثلية والعبور الجندري”.

وأكدت أنها واجهت “تنمراً كبيراً، وانتشر الموضوع إلى درجة أن الصور وصلت إلى عائلتي وأشخاص كثيرين/ات يعرفونني، لأن الميمز انتشرت على حسابات تملك آلاف المتابعات/ين”.

حينها كانت ناد مراهقة تقرأ عبر الإنترنت تعليقاتٍ من آلاف الأشخاص، الذين/اللواتي يقلن/يقولون لها إنه “عليها أن تقتل نفسها”!

كما تنمّروا على شكلها، وملامحها، وتعبيرها الجندري.

وأضافت ناد: “كنت حينها في بدايتي، أحاول اكتشاف ما هو تعبيري الجندري، وكيف أتواجد في هذا العالم سواء افتراضياً أو على أرض الواقع”.

كيف أثر العنف الإلكتروني على داليا الفغال؟

في حديثها لـ”شريكة ولكن”، اعتبرت داليا الفغال أنه “في هذه المساحة الافتراضية، لا يمكنكِ التمييز بين التهديدات الواقعية والحقيقية: هل سيؤذيني هذا الشخص فعلاً؟ وبين أن يكون مجرد تهديد!”.

وأضافت: “خفّفت نوعاً ما من نشاطي على السوشيال ميديا، حتى يكاد يكون غير موجود بالشكل الذي كان عليه سابقاً”.

وهناك عدة أسباب لتقليل هذا التواجد.

فقالت إنها لم تعد تملك “القدرة النفسية والعقلية للتعرّض للتعنيف الإلكتروني، لأنه مع الأسف ينجح في النهاية في إسكاتنا”.

ولفتت إلى أنه يسبب لها “احتراق طاقة، وقلق، ورهاب اجتماعي أحياناً”.

فهي تتعرّض لأنواع مختلفة من الانتهاكات في هذا الفضاء من عنف، وتعقب، وتنمر، وتهديد وابتزاز”.

وأكدت أنه “مؤذي بشكلٍ تراكمي، وليس فقط بشكلٍ مباشر. وفي بعض الأحيان يبقى قابعاً في المخ، لا يخرج منه إلا فجأةً، فأشعر بالإنهاك الشديد وانعدام الطاقة”.

كما ابتعدت عن هذا العالم الافتراضي لـ”عدم مبادرة ميتا أو فيسبوك، بأي فعلٍ تجاه التنمّر والتحقير، ما يساهم في زيادة عدم أمان هذه المساحات”.

وأشارت إلى سببٍ آخر، هو أن “القضايا التي تعنيني، وأريد أن أكتب عنها مثل القضية الفلسطينية، أشعر بأنني لم أعد أملك القوة التي أملكها على وسائل التواصل لمشاركتها كالسابق”.

إذ بات معلوماً أن تعامل هذه الوسائل، خصوصاً فيسبوك، مع القضية الفلسطينية خاضع لمزاج الاحتلال الإسرائيلي.

والألغوريزم، بحسب داليا، يهدف إلى “نشر أمور بعينها بشكلٍ كاسح بعيداً عن نوعية وهدف المحتوى”.

ورأت أن “الأهم بالنسبة إليهم هي الإعلانات، لذا لم تعد هذه المنصات مساحات تواصل اجتماعي، بل أصبحت سوقاً”.

أصالة: “لم أجرؤ على الخروج”

“لولا الأخصائية النفسية التي تباشر حالتي كان يمكن أن أنتحر، لم أكن قادرةً على تحمّل كل هذا الكم من ظلم عائلتي وضربهم الدائم لي، والعنف الذي كانوا يمارسونه علي. لم أعد أستطيع أن أحتمل كل هذا العنف”.

اختصرت أصالة بهذه الجملة كيف كانت الهجمات الإلكترونية تؤثر عليها، خصوصاً من الناحية النفسية.

وقالت إن التهديدات بالضرب والقتل كانت تخيفها جداً، وأضافت: “حين أتلقى تهديدات لا أجرؤ على الخروج إلى الشارع، لأنني أخاف من مقابلة الشخص الذي يهددني”.

وأكدت أنها عاشت في رعب، وأُرهِقت نفسياً، وعانت من الأرق وقلة النوم، وكانت تفكّر بينها وبين نفسها بأن أشقاءها سيدخلون إلى المنزل، ويعتدون عليها بالضرب، إذ سبق لهم أن عنّفوها كثيراً.

وأوضحت أن “حياتي المتوقفة أصلاً، توقفت أكثر بعد التهديدات، فأنا لم أعد أستطيع الخروج من المنزل بسبب الخوف”.

وأضافت أنه “صحيح أنني بعد ذلك أصبحت أقوى، واقتنعت بأن هذه التهديدات والشتائم والهجمات، هي مجرد كلام وليس هناك فعل. لكن ذلك لا يمنع أنني اليوم إذا خرجت من المنزل أكون حذرة، فأتنكّر وأحاول أن لا ألفت الانتباه”.

 ناد سلام: تاثرت نفسياً وحياتياً

أوضحت ناد في حديثها لـ”شريكة ولكن” أن الهجمات الإلكترونية أثرت عليها نفسياً وحياتياً بشكلٍ كبير.

وتحدّثت عن الأفكار الانتحارية التي كانت تخطر في بالها، ورغباتها في إيذاء النفس، “وهذا الأمر جعلني أبتعد عن نفسي. وأشعر بأنني أستحق كل هذه المعاملة السيئة”، وفق تعبيرها.

وقالت إن “الهجوم الذي تعرّضت له بعد انتشار صورتي وأنا أضع أحمر الشفاه، أدى إلى انتشار الموضوع، وكنت سأتعرّض للكشف عن هويتي الجنسية والجندرية”.

وأشارت إلى أن “هذا الأمر اضطرني إلى إخبار والدتي قبل أن تصلها الرسالة/الصورة، بشكلٍ مباشر. فاضطررت إلى إخبارها عن محتوى الصورة، وأقنعتها أنني كنت أسخر ليس إلا. كنت حينها مراهقة، وما زلت أعتمد على أهلي في المعيشة والحياة، وفي أشياءٍ كثيرة”.

القانون يمكّن الجميع من استهداف الكويريات/يين

تعرف الأنظمة كيف تسيّس القوانين التمييزية التي تسعى للحفاظ على المنظومة البطريركية، لأن الأشخاص المتحررات/ين من القوالب الجندرية، يهددن/ون هذه المنظومة وثنائيتها، التي تمكنّها من التحكم بأجساد وحيوات الفتيات والنساء.

في تقريرها الذي ذكرناه سابقاً، أكدت هيومن رايتس ووتش أن “تطبیق النصوص القانونیة الغامضة المتعلقة بالآداب والفسق والفجور، ضد الكويريات والكويريين یعزز الاستھداف الرقمي، ویقمع تعبیرھن/م على الإنترنت وخارجه، ويشُكّل أساساً لمحاكمتھن/م”.

وأشارت إلى أن هذا الأمر يحدث في ظل غیاب تشریعات أو قواعد كافیة في المنصات الرقمیة، تحمي مجتمع الكوير من التمییز على الإنترنت وخارجه.

من يحمي الكويريات والكويريين؟

أكدت أصالة بو زير أنها تعرّضت للـ”تشهير، والابتزاز، إما أن أمارس الجنس معهم أو يفضحون هويتي الجندرية”.

لكنها أضافت: “هذا هو الفضاء الإلكتروني. بالنسبة إليّ لم أعد مهتمة أو قلقة، فليقوموا بفضحي، والتشهير بي، لكن الابتزاز ومحاولة إرغامي على ممارسة الجنس لن تنجح معي، ولو على قطع رقبتي”.

بينما لفتت داليا إلى أنه “أصبح هناك ديناميكيات قوى مختلفة تماماً، وطبعاً مكتب ميتا في الشرق الأوسط متعنّت جداً، ومحدود جداً، ويعكس بالتأكيد شكل أو فكر المنطقة. فأكيد التنمر لا يعتمد فقط على الأشخاص الذين/اللواتي يمارسون هذا الانتهاك، بل على القوانين والقواعد التي تُلزم الأشخاص بأن يحافظن/وا على الحوار، بشكلٍ فيه الحد الأدنى من الاحترام، وطبعاً هذا الأمر غير متاح من خلال شبكات التواصل الاجتماعي”.

من جهتها، أكدت ناد أن لجوء الناس إلى ابتزاز الكويريات والكويريين يأتي بسببب إدراكهن/م بأن “الحكومة ليست في صفنا، وهذا يخلق مساحة وبيئة تجعل المبتز يمارس هذه الجريمة بحقنا بأريحية”.

وأضافت أنه هكذا يصبحن/ون “هدفاً سهلاً، فنحن لا نحتاج فقط إلى أن لا تجرّمنا القوانين، بل نحتاج أيضاً إلى قونين تحمينا، لأننا نواجه تمييزاً مجتمعياً، وليس فقط مؤسساتياً. والتمييز المجتمعي نابع من التمييز المؤسسي، إذ يتعلم الناس كيف يميزن/ون بحقنا سواء أونلاين أو خارج حدود الإنترنت”.

كما أثارت ناد في مقابلتها، واحدة من المعضلات التي تواجه مجتمع العابرات/ين أونلاين وخارج حدود الإنترنت، وهو موضوع الصورة.

وأشارت إلى أن “كيفية تعبير الأشخاص العابرات/ين عن أنفسهن/م من خلال صورة، وكيف يلتقط الأشخاص مغايرات/ي الجنس صوراً للعابرات والعابرين بموافقة أو من دون موافقة، أو على وسائل الإعلام، أمران مثيران للاهتمام”.

وختمت قائلةً إن “الطريقة التي نمثل بها أنفسنا كعابرات وعابرين أونلاين معقدة، وقد يكون الموضوع عبارة عن توثيق لتجربتنا وعبورنا عبر السنين، أو هي كذلك على الأقل بالنسبة إلي”.

يأتي العنف الإلكتروني من الدولة أو من مستخدمي/ات مواقع التواصل الاجتماعي، أو من رجال الدين، وجميعهن/م يتّحدن/ون لمحاربة الكويريات والكويريين.

لكن الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي تحمل مسؤوليةً كبيرةً في هذا الشأن.

والأكيد أنها لا تبذل أي جهدٍ يذكر لمحاربة خطاب الكراهية الشرس الذي يواجهه/تواجهه الكويريات والكويريين، أو لحمايتهن/م.

فمن يحميهن/م؟

 

كتابة: منى حمدان

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد