وسواس الحجاب القهري.. لماذا يقتنع البعض بوجود مؤامرة “درامية” على المحجبات؟

أصبح اسم الممثلة المصرية منى زكي محط جدلٍ كلما طرح في أي مناسبة؛ سواء بمنشورٍ تقوم بمشاركته على صفحتها الرسمية، أو إعلانٍ عن مسلسلٍ جديدٍ خاصٍّ بها. ومؤخرً أثار ظهورها بـ”الحجاب” في إعلانٍ عمل درامي جديد انتقاداتٍ كثيرةٍ بحقها، بعد اتهامها بـ”تشويه الحجاب”.

تهمة تشويه الحجاب تلاحق الممثلة منى زكي

وكان آخر ما تعرضت له، حملةٌ شديدة الشراسة على منصات التواصل الاجتماعي بعد إعلان عملها الجديد “تحت الوصاية”. عملٌ مصور من المرتقب أن يُعرض في النصف الثاني ضمن موسم دراما رمضان 2023.

وكان حاجبيها سبب الهجوم هذه المرة.

نعم عزيزي/تي القارئ/ة، لا تتعجب فقد شُن هجوم بسبب أن الممثلة ظهرت بحاجبين أكثر سمكاً وبحجابٍ بسيط.

فانطلقت الاتهامات لها بتشويه الحجاب.

“تشويه الحجاب” هي العبارة الأكثر انتشاراً عندما تظهر ممثلة مُرتدية ملابس المحجبات في عمل درامي أو سينمائي.

ويبدأ المعترضون/ات في نسج أشكالٍ حول ماهية الصورة التي “يجب” أن تظهر بها المحجبة.

“ترتدي أفخم الملابس، وأفضل لفات الرأس، وتضع أجمل مساحيق تجميل. بسيطة وغير مبالغ فيها، وفي نفس الوقت تبرز أنها أجمل من غيرها غير المحجبات”.

وهكذا يرفض هؤلاء أي صورة أخرى غير هذه. نتيجةً لذلك، حدث إشادة كبيرة بشخصية الممثلة مي عز الدين في مسلسل “رسايل”.

وفي المقابل، إذا نظرنا إلى شخصية هالة التي جسدتها مي عز الدين في المسلسل المذكور، نجد أن طريقة ملابسها مناسبة للطبقة الاجتماعية التي تعيش فيها.

زوجٌ يعمل في منصبٍ جيدٍ، وهي تعمل في شركةٍ كبيرة، ويتضح الفرق بينها وبين أختها المحجبة مها أحمد من خلال طريقة ملابسهما.

فالأخت لا تعمل، وزوجها سائق تاكسي، وظروفهم المالية سيئة، وهنا يلعب مظهر الشخصية -الشكل الخارجي- عامل مهم للتعبير عنها.

الملابس عناصر بصرية تعبر عن الشخصية .. ليست لتجميل طبقةٍ أو تشويهها

“الشخصية هي وسيلة كاتب السيناريو لتحويل الأحداث إلى حركةٍ وأفعال. فالشخصيات في الدراما هي بما تقول وبما تفعل وبما تظهر وبما تخفي وبما تلبس وبما تستخدم من أشياء.

والشخصية المتكاملة ينبغي أن تقدم إنساناً متعدد الأبعاد، له حياته الخارجية، وله الباطنة التي نرى انعكاسها على عالم الواقع.

وللشخصية الدرامية 3 أبعاد أو مقومات؛ جسماني، واجتماعي، ونفسي”.

هكذا شرح بإيجاز علي أبو شادي في كتابه “سحر السينما” مواصفات الشخصية الدرامية.

لا بد من الالتفات هنا إلى عبارة “بما يلبس” لأنها في صلب السياق الذي نتحدث عنه. فالملابس هي إحدى العناصر البصرية التي تعبر عن الشخصية ضمن عناصر أخرى، مثل الديكور -تصميم المناظر -والأكسسوار وغيرها.

فتناغم جميع هذه العناصر يخلق الجو العام للحدث الدرامي، وللتعبير عن الشخصية.

من هنا، فإن الشكل الخارجي للشخصية يجب أن يكون معبراً عن كثير من التفاصيل التي يمكن اختصارها.

كما يمكن أن لا تُترجم خلال الحوار على لسان أحدى/ إحدى الشخصياتن بل تنعكس من خلال ما نراه.

على سبيل المثال، شخصية ضحى في مسلسل “وش وضهر”. وهي فتاة من أرياف طنطا تتولى أمور أسرتها، وتعمل راقصة درجة ثالثة في الخفاء، لكن أمام الناس تدعي أنها ممرضة.

نلاحظ أن مصممة الأزياء ريم العدل اختارت شكل معين للملابس التي تظهر بها رهام؛ حجاب، إيشاربات، -و”عبايات”. وأحياناً تنانير طويلة، و”بادي” كارينه تحت “البلوزات”، وألوان غير متناسقة أحياناً، وهي هنا تحاول الاقتراب من البيئة التي تنتمي لها.

ليس جميع المحجبات يرتدين أغلى الملابس وأشهر الماركات. فشخصية ضحى تتحدث عن فتاة عادية جداً، بل في حالةٍ ماديةٍ سيئة.

في سياقٍ آخر، قدمت شيري عادل نموذج آخر للفتاة المحجبة في مسلسل “إلا أنا حكاية أمر شخصي”.

وتناولت الشخصية قصة فتاة من الطبقة المتوسطة، ترتدي حجاباً أكثر حداث “مودرن”، يقترب من أزياء الفتيات من نفس الطبقة.

حجابٌ متناسق وجميل، ولكنه غير مبالغ فيه، ولا يبدو وكأنها من سكان “كومباوند” أو تعيش فيه رفاهية.

وهكذا فمن المهم أن يظهر/تظهر الممثل/ة بطريقةٍ تعكس شيئاً ما عن الشخصية، مهما كان بسيطاً.

وإذا عدنا إلى الماضي قليلاً، في مسلسل “الوتد”، حيث جسدت هدى سلطان شخصية سيدة ريفية غير متعلمة في القرن العشرين.

كانت حينها ترتدي جلباباً فلاحياً وحجاباً، ولكنه على شكل “طرحة من خامة التُل”. وهي شكل من الزي ترتديه النساء الكبيرات سناً في الريف والصعيد، وتُسمى تزييرة.

بينما يختلف ملابس نساء أولادها قليلاً بسبب ارتدائهم للألوان والعبايات الفلاحي المزركشة والمنقوشة.

وذلك يعكس البيئة الريفية التي ينتمي لها الجميع، وهكذا ملابس الرجال أيضاً.

الخوف المُشتق وعلاقته بهاجس استهداف المحجبات

“إن الخوف شعورٌ معروفٌ لكل كائن حي. فالبشر يشاركن/ون الحيوانات ذلك الشعور.

ويسهب الدارسون/ات لسلوك الحيوانات في وصف المخزون الثري لاستجابتها للخطر المباشر المهدد للحياة. ولكن البشر يشعرون، إضافة إلى ذلك، بشيءٍ آخر. إنه شيء أقرب إلى الخوف من الدرجة الثانية. خوف يعاد تدويره اجتماعياً وثقافياً. والخوف المشتق الذي يتحكم في سلوكهن/م ويصبح عاملاً مهماً في تشكيل السلوك البشري”.

هكذا تحدث زيجمونت باومان عن الخوف في كتابه “الخوف السائل”.

يعرف باومان الخوف المشتق بأنه “إطارٌ ثابتٌ للعقل، وهو أقرب إلى أثرٍ ناتجٍ عن التعرض للخطر”.

كما قال إن “القبلية والانتماءات بشكلٍ أساسيٍّ تدفع المنتمين/ات لها إلى الشعور بالحاجة إلى الدفاع عن قوميتهم/ن، والخوف عليها من الفساد والتهميش أو القهر، وغير ذلك من الظروف”.

و”ينتمي هذا الخوف على القبلية وزوالها والخوف من التهميش والامتهان إلى نوعٍ يدعى الخوف المشتق، والذي ينقسم إلى عدة أنواع. من بينها تهديد موقع الفرد من العالم (مكانته، هويته، عرقه، ودينه)، وخوفه على حصانته من الامتهان والإقصاء الاجتماعي”.

نظرية المؤامرة على الحجاب

وإذا ركزنا في التصرف الجماعي الذي يظهر مؤشره ضد ظهور الممثلات بالحجاب، واتهامهن بنظرية المؤامرة على الحجاب، سوف نجد أنه يرتبط بشكلٍ أساسيٍّ بالخوف المشتق الذي تحدث عنه باومان.

إذ يتم الترويج لمخاطر مُحتملة بذريعة تناول “الحجاب” بصيغةٍ دراميةٍ يرفضونها/ يرفضنها، أو لا يتقبلون/يتقبلن عرضها.

كخطر “التهميش”، على سبيل المثال. فيتم الإيهام بأن المجتمع لا يرحب بالمحجبات، وبأنه هناك خطرٌ “مفتعلٌ” بزوال “مكانتهن”.

وبصيغةٍ أخرى، تحاول المنظومة المنتفعة من هذه النظرية الترويج لانتقاص الدراما من “المنزلة المفترضة للمحجبات”. وتسعى من خلال الانقضاض على تناول الحجاب درامياً إلى ترسيخ مبدأ إقناع المحجبات بـ”أفضليتهن” المفترضة.

بالإضافة إلى فرض ما هو مقدس، وتصوير الدراما على أنها خطرٌ يهدد الدين و”المقدسات”.

وبالعودة مرةً أخرى إلى الملابس، يجب أن يدرك المشاهد العملية التي تدور لكي تظهر فيها الصورة الخاصة بالعمل الفني.

“هناك ثلاث طرق يتبعها كاتب السيناريو في وصف شخصياته؛ أولها أن يشرحها بأدق التفاصيل، أو أن يرسم الإطار العام لمظهر الشخصيات تاركاً للمصمم حرية وضع التفاصيل، أو يترك للمصمم حرية التصميم بكل مقوماته”، وفق ما ذكر في كتاب “جماليات الملابس في السينما دراسات ورؤى”.

وأشار الكتاب إلى أنه “بعد عملية الدراسة والتحليل، يجتمع المصمم مع المخرج لمناقشة وتبادل وجهات النظر، ثم يتم وضع التصورات الأولية. وبعد ذلك يضع مصمم الأزياء تصميماته في شكلٍ نهائيًّ مشتملة على أدق تفاصيل من أقمشة وخامات مساعدة وألوان وحلي ومكملات وللمصمم مساعدات/ين يتابعن/ون التنفيذ. ويتم إعداد اسكتشات الملابس والمكملات إن اقتضى الأمر. ويعد السيناريو هو نقطة البداية في بحث مصمم الأزياء. وهو بأبسط تعبيرٍ وصفاً للصورة المكتوبة على الورق، أو إعادة كتابته للمرئيات”.

“النار بالنار” و”تحت الوصاية”.. و”إهانة الحجاب”!

كما يقول مارسيل مارتن في كتابه “اللغة السينمائية” إن “للصورة دلالات مختلفة، ومنها دورها الدال. فكل ما يظهر على الشاشة في الحقيقة له معنى، ويمكن للصورة أن تكون دالة، ليس بطريقةٍ مباشرةٍ وتصويريةٍ فحسب، وإنما بطريقةٍ رمزيةٍ أيضاً”.

لكن بعض المتفرجين/ات ينقلب لديهم الأمر أثناء عملية التلقي، فتصبح مجرد صورة لفنانة من عمل درامي في مهب الهجوم. كما حدث مع منى زكي في فيلم “أصحاب ولا أعز” أو مع بوستر مسلسلها “تحت الوصاية”، أو مع الممثلة كاريس بشار بسبب مشهد خلع حجابها في مسلسل “النار بالنار”.

ففي المثال الأخير، ذهبت مريم (الممثلة كاريس بشّار) برفقة عمران (الممثل عابد فهد)، لإستخراج جواز سفرٍ مزور لتسهيل تنقلاتها. حين طُلب منها خلع حجابها، بحجة أن من يراها سوف يعلم أنها ليست من الجنسية اللبنانية من طريقة وضعها للحجاب.

بغض النظر عن جدلية هذا المقاربة وعدم الاتفاق على موضوعيتها أو انسجامها مع السياق الدرامي، أشعل المشهد نقاشاً حاداً دار حول  ما اعتُبر إهانةٌ لـ”الحجاب”. ورأى المنتقدون/ات أن “عدم إبداء ردة فعل كافية عن فكرة التخلي عنه”، هو جزء من المؤامرة التي يتم التسويق لها.

وتدور هذه المؤامرة، على حد اعتبارهم/ن، حول “تشويه وإهانة الحجاب”. وهي نفسها التهمة التي تُلقى على أي عمل فني أودرامي يكون الحجاب جزءاً منه.

من ناحيتها، لقيت منى زكي هجوماً مماثلاً.

فاعتبر أحد الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أنه “حيم يرغب المخرجون والممثلون العرب تقديم دور امرأة محجبة، ستكون بحواجب سميكة غير مرتبة، وبوجهٍ أصفر بائسٍ يائس معدوم من الحياة. ولبس غير أنيق و نظرات ضعف وخضوع”!

واعتبر أن الأمر ممنهج ويستهدف “تنميط النساء المحجبات”.

ووافقه حسابٌ آخر، رأى أنه هناك حملة ممنهجة لتسويق صورة النساء المحجبات على أنهن “كئيبات وبائسات، يطمحن عمرها نفسها تركب عجل وتقلع لقيادة العجلات، ودخول السينما، إلا أن غطاء الشعر والتقاليد يمنعاها. وستتمكن من التحرر من كل هذه ال الكآبة حال خلعها للحجاب”. واعتبر أن ذلك يصب في إطار التسويق لـ”الحرية العلمانية”.

صورةٌ واحدة ومعانٍ متعددة

انطلاقاً مما تقدم، يرتبط التلقي بعقلية المشاهد الذي يفسر العمل وفق كثيرٍ من العوامل.

في هذا السياق، أشار مارسيل إلى أنه “في الإمكان أن لا يفهم المتفرج/ة ما أراده المخرج أو أن يسيء فهمه”. وأوضح أن “يستطيع أن يرى ما في الصورة نفسها معانٍ مختلفة، طبقاً لانتباهه ومستوى ذوقه وتعلمه وثقافته و آرائه الأخلاقية والسياسية والاجتماعية ووجهات نظره”.

وشبّه الصورة بـ”حبة الحنطة في آية الإنجيل. في الإمكان أن تسقط في الأرض الطيبة أو بين الأشواك أو على الصخر  وهناك تصورات بقدر عدد المتفرجين/ات”.

وتلعب العوامل التي ذكرها مارتن دوراً مهماً في تفسير المشاهِد/ة لما يرى. وقد ينساق وراء بعض التفسيرات، بفعل ضغط منصات التواصل الاجتماعي، عشرات الآراء المشابهة، حتى وإن لم يكن/تكن المتفرج/ة قد شاهد/ت العمل بالفعل.

يكفي أن يكتب الرأي رجل دين، أو شخص “ذو/ذات ثقة”، أو لديه/ا متابعين/ات، ويحمل نفس التوجهات، كـ”مؤثّر/ة/مدوّن/ة”. فيتشارك كلماته/ا العشرات والمئات ممن يؤيدن/ون نفس الرأي. فيتكون رأيٌ عامٌّ جمعيٌّ لـ”الدفاع عن الدين”، متمثلاً في “حجابٍ” أسيء فهم استخدامه في عملٍ فني.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد