أشرف حكيمي.. عندما يتم استغلال الأمهات للتحايل الذكوري

في الأسابيع الأخيرة، زادت جرعة الاحتفاء الذكوري. حيث أصبح لاعب كرة القدم المغربي أشرف حكيمي، وقضية طلاقه من الممثلة الإسبانية-التونسية هبة عبوك، مثارًا للجدل. بعد تداول أطوار محكمة الطلاق، تصدر حكيمي عناوين الأخبار و”تريندات” مواقع التواصل الاجتماعي بين غضبٍ نسائي واحتفاء ذكوري. أما سبب الفجوة بين مشاعر النساء ومشاعر الرجال تجاه قضية طلاق حكيمي، فتأتي بعد بيان تنازل اللاعب عن أملاكه لوالدته. ليتنجنب بذلك اقتسام الثروة مع طليقته هبة عبوك.

أظهرت قضية طلاق حكيمي وهبة عبوك جوانب كثيرة لا تخفى على أغلبنا. لكنها أيضًا، تغدو أكثر رعبًا عندما نشاهد ملايين الأشخاص من سياقات إسلامية وبلدان ناطقة بالعربية يحتفون بالرجال ولو كانوا متورطين في قضايا اغتصاب.

تبتهج الجموع بأي نصر لرجلٍ، ولو كان هذا “النصر” بالتحايل ومداعبة المشاعر بكارت الأمومة. هذا بالإضافة طبعًا إلى الكذب على الشريكة، والمراهنة على القيم الذكورية التي لا ترى الرجل – لا سمح الله – مخطئًا أبداً.

الأم تشكّل دائمًا هالة من القداسة حول الرجال، وبها يتم تقييم الرجل وصلاحه الاجتماعي، مهما كان فاسدًا أو مجرمًا.

الكذب وعدم الشفافية في الزواج يتحول لنصر ذكوري

تعد قضايا الطلاق في بعض الدول الأوروبية “مصيدة” حقيقية للكثير ممَّن يرفضون الشفافية في الزواج. حيث تفرض قوانين دول، كإسبانيا وفرنسا، على المُقبلات/ين على الزواج القيام باتفاقيات تضمن حقوق جميع الأطراف في حال الانفصال. ومن خلال الاتفاق على اقتسام الممتلكات بعد الطلاق أو فصلها، يتم ضمان حقوق الطرفين الاقتصادية والاجتماعية.

هذا الاتفاق يُلزم الطرفين في حالة قبول اقتسام الأملاك والديون، بالكشف عن كل ما يملكاه أمام المحكمة، وأن يحظى الطرفان بما تم الاتفاق عليه قبل الزواج. تأتي هذه الإجراءات القانونية نتيجة لتعقيد قضايا الانفصال والنفقة والحضانة، بالنسبة إلى الآباء والأمهات وحقوق الأطفال.

هذا الأمر على بساطته، بدا شديد التعقيد والظلم بحق الرجال، حسبما رأى رواد مواقع وسائل التواصل الاجتماعي في البلدان الناطقة بالعربية.

بعد تداول الجرائد الإسبانية والفرنسية لأطوار المحكمة التي يتابع فيها أشرف حكيمي وهبة عبوك قضية طلاقهما، انتشر خبر أن أملاك حكيمي كلها مسجلة باسم أمه. وبالتالي، لا يملك أي شيء يتقاسمه مع هبة عبوك، كما كان متفق عليه قبل الزواج. ابتهج كثيرون بالخبر، لأن هبة عبوك لن تحصل على أي شيء من أملاك اللاعب الثري. بل ستضطر هي لاقتسام أملاكها معه، في إشارة واضحة كما يقولون لبرود حكيمي ودهائه.

فالرجال الأذكياء، حسب المعايير الأبوية، هم الذين يستطيعون منع النساء من الحصول على مالهم، باعتبار أنهن ماديات وجشعات حسب نفس المنطق. أما قيم الصدق والشفافية والأمانة التي يُبنى عليها الزواج والشراكة، فيتم ضربها عرض الحائط، وتجاهلها تمامًا لو بدت في صالح النساء.

هؤلاء لا يهتمون بأن حكيمي تحايل على زوجته بالكذب عليها وإيقاعها في فخ تقاسم ممتلكاتها معه، بينما نكث هو باتفاقهما. طالما أن ذلك سيؤدي إلى خسارة امرأة.. أيّة امرأة.

استخدام الأمهات للتحايل الذكوري الوصفة الناجحة

نال أشرف حكيمي ثناء الجماهير الذكورية في أماكن مختلفة من العالم، وتم الاحتفاء به كبطل. هذا البطل هو رجلٌ انتصر للرجال المظلومين من كيد النساء، اللواتي يظهرن في هذه الرواية بصفة المتعطشات للمال والثروة. في وجهة النظر هذه، حطّم حكيمي فرصة طليقته في “الاستيلاء” على ثروته التي تقدر بالملايين، مثلما يُحطّم فرص فريقه المنافس في الفوز. ولإضفاء الشرعية على الخداع، استخدم ورقة “بر الوالدين” الرابحة، لتُزيده فوزًا على فوزٍ.

هذا الاحتفاء الذكوري بأشرف حكيمي سبقته موجة من التبرير والدفاع عنه بعد اتهامه بارتكاب جريمة اغتصاب في فرنسا مطلع العام الجاري. دفاعٌ اكتمل حين وصلت قضية الطلاق إلى مرحلة اقتسام الأملاك، والتي تعد جزءًا من الاتفاق الذي أبرمه حكيمي مع هبة عبوك. أما الهدف الذي أحرزه حكيمي هذه المرة، فهو انتشار خبر أن كل أملاكه مسجلة باسم أمه، حتى راتبه ومستحقاته المالية يتلقاها عن طريقها.

لم يكن من الصعب أن تكون الأم هي النموذج الحامي لابنها في هذا السيناريو الأبوي المتكرر. فجزء كبير من عملية التنشئة العائلية يرتبط بالحماية وتوفير الدعم والمساندة للأبناء. لكن ذلك يبدو أكثر غرابة، عندما نطالع الدور الأساسي للأم مع ابنها في المجتمعات الأبوية.

حيث تتحول الأمهات إلى دروع تحمي، وقلوب تدعو، وأجساد تفنى لخدمة الأبناء. الأبناء الرجال هم وريثو سلطة العائلة، وأسلحتها في التفاوض مع النظام الأبوي، ومن واجبهن كـ”أمهات” تحقيق القيم الأبوية عن طريقه. تلك القيم التي تقول بأن الرجال لا يخطئون. هم دائمًا مظلومون من النساء، ولن يقف أمام هذا الظلم سوى الأمهات. هن التميمة التي يتحصّن بها الأبناء، وهنّ الجدار الذي يرد عنهم كل محاسبة.

في عرف الذكورية من يقدر أمه لا يقلل من امرأة أخرى

ليس من الصعب تقديم أمثلة دافعت فيها أمهات عن أبنائهن الرجال الذين ارتكبوا جرائم ضد النساء. هم دائمًا أبرياء في نظرهن.

يصعب على الأمهات أن يساندن بناتهن اللاتي كسرن القواعد الذكورية أو يتم معقابتهن، لأنهن تعشن حياتهن كما يردن. في حين يُتوقَّع من الأمهات أن يكن رحيمات بأبنائهن الرجال، ولو أخطأوا. وأن يوفرّن جهودهن لحمايتهم، حتى ولو كان ذلك بالمشاركة في الاحتيال والكذب.

تقوم القيم والسلطة الأبوية على الكثير من الهرميات التي تطبّع مع العنف والأذى. لكنها أيضًا، تستخدم النساء أنفسهن لبسط المزيد من الهيمنة وتطبيع الذكورية. واحدة من أبرز هذه الآليات هي استخدام الأمهات لشرعنة الذكورية، وإعطائها طابعاً لا يتم التشكيك فيه. وتكون الأمومة في النظام الأبوي مرتبطة أساسًا بقدرة الأم على نقل القيم والهرميات الذكورية، والحفاظ على سلطة الرجال من خلال تنشئتهم وحمايتهم من المحاسبة.

يظهر هذا الجانب بشكلٍ كبير في قضية أشرف حكيمي الذي حرص على تقديم والدته للإعلام وسرد قصتها الشخصية وكيف ساهمت في صنعه كرجلٍ ولاعب ناجح.

شكّلت والدة حكيمي نموذجًا مثاليًا للأمهات في بلداننا. هي امرأة من الطبقة العاملة، تعبت وضحت لأجل أولادها. أم تدافع عن الابن الناجح المُتهم بالاغتصاب أمام الإعلام، وتحرس ثروته من أي محاسبة قد تطاله. هي العنصر النسائي الذي تتحسن صورته من خلال تواجدها إلى جانبه. فالأم هات يخلقن دائمًا هالة من القداسة حول الرجال، وبها يتم تقييم الرجال وصلاحهم الاجتماعي، مهما كانوا فاسدًا أو مجرمًا.

لم يكُن تصرف حكيمي المتداول في الإعلام بكتابة أملاكه باسم أمه عفويًا بريئًا. إنما كان أسلوباً ذكوريًا معتادًا يلجأ إليه الرجال، كلما تحسسوا التنافس من امرأة ما، باستخدام كرت البِرّ وحب الأم.

المراهنة هنا على تحييد الأنظار والألسن عن حقيقة أن هبة عبوك طلبت الطلاق بعد تورُّط حكيمي في قضية اغتصاب.

الجماهير الذكورية متعطشة لكسر النساء

نجح حكيمي في تحويل الأنظار عن سبب طلاقه، ووضع والدته أمام زوجته واختار أداة ذكورية تحوّل هبة عبوك إلى الطرف الشرير في الرواية. هنا، هي الزوجة الشمطاء التي تخلّت عنه، لأنها تسعى خلف أملاكه لكن برّه بوالدته أنقذه.

رواية تتكرر في المجتمعات الذكورية. إذ لا يصح أن يكون الرجل البارّ بأمّه مخطئًا، ولا يمكن أن يؤذي امرأة أخرى. إذا كانت علاقته بأمه جيدة، فهذا دليلٌ كافٍ أنه لا يُمكن المساس به، ولا تُأخذ بشهادة أي امرأة أخرى تتحدث عن سوء معاملته أو عنفه.

يصعب اليوم التعامي عن أي خبر يتعلق بتوغل الذكورية، وقدرة المجتمعات الهائلة على تطبيعها بل والسخرية من أي وضع تكون فيه النساء في حالة من الانكسار أو الألم. حيث تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في تقديم مئات المنشورات الساخرة من النساء والمحتفية بالرجال حتى ولو كانوا مغتصبين. كما يصعب التغاضي عن الابتهاج الهائل بحكيمي، ومن قبله جوني ديب، أو أي رجل تورّط في قضية عنف أو يواجه امرأة في محاكمة علنية.

حيث تطلّ علينا المنشورات التي تمجّد أشرف حكيمي، وكيف أنه انتصر لكرامة الرجال المظلومين من “النساء الماديات”. كما يحلو لمجموعات الذكورية الالكترونية تسمية أي امرأة ترتبط قضيتها بشق اقتصادي، (Gold Digger).

انتشرت مقاطع و memes تسخر من خسارة هبة عبوك لاتفاق الزواج. ترندات تزيد من ثروة اللاعب المتهم بالاغتصاب، والمتحايل على زوجته السابقة. ومن خلال هذه المقاطع والـ”ميمز”، تبرز أيضاً السخرية والنكتة اللتان لا يمكن فصلهما عن الذكورية.

لنتخيّل مثلًا أن المحكمة أخذت منحى آخر دون تلاعب من حكيمي، والتزم باتفاقية الزواج، ومنح طليقته وأولاده نصف ممتلكاته. بالطبع، ستتحول السخرية إلى بكائيات ذكورية تتحدث عن المؤامرة التي حلّت به، بسبب شهرته ونجاحه في الكرة.

رجلٌ مظلوم وامرأة ظالمة

ظاهرة الرجل المظلوم من امرأة تسعى إلى الانفصال عنه، أو تطالب بحقها، أو تكشف عنفه ضدها، انتشرت مؤخرًا بشكلٍ كبير. ورغم أنها كانت المعيار دومًا، إلا أننا نشهدها الآن بشكلٍ منظّم. كأن هناك اتفاق مسبق بين آلاف المعرّفات من مختلف دول المنطقة، تُفيد أن أي رجل يتورط في قضية عنف جنسي، أو عنف أسري، أو فعل ذكوري، هو مظلوم بالضرورة.

كما حدث مع احتفاء آلاف الناس على منصات مثل فيسبوك وتويتر وسناب شات بتسجيل حكيمي لأملاكه بإسم والدته، وسخريتهم من خسارة هبة عبوك بالاتفاق الذي كان يلزمه بتقاسم ممتلكاته مناصفةً معها. وكان الفرح الأكبر هو أن حكيمي الآن هو مَن سيستفيد من أملاك هبة ويحصل على نصفها.

لم تكن خطوة حكيمي في تسجيل أملاكه باسم والدته – إن صحّت – هي المشكلة. لكن الإشكال الحقيقي هو التحايل على زوجته، واستخدام الأداة الأبوية الأفضل لربح أي معركة وهي وضع امرأتين في وجه بعضهما، والرهان على صورة الأم المثالية في مقابل الزوجة الناشز التي تريد ثروته والانفصال عنه.

وبالتالي، المراهنة هنا على تحييد الأنظار والألسن عن حقيقة أن هبة عبوك طلبت الطلاق بعد تورُّط حكيمي في قضية اغتصاب. وهذا ما يسهّل إغلاق أي منفذ للمحاسبة الاجتماعية، وكسب ودّ الجمهور الذكوري.

والإشكال دائماً يقبع في القيم الذكورية التي تنزع أي إنسانية عن النساء، وتعتبر استهدافهن والعنف ضدهن والتحايل عليهن واستخدامهن ضد بعضهن انتصار لأخلاق وقيم المجتمع. هي نفس القيم التي تعتبر أن رجلاً مغتصبًا وكاذبًا ومتحايلًا، أفضل من امرأة تدافع عن حقها.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد