“خصلة فضّة”.. عندما يصمنا المجتمع بالشعر الأبيض

تقف أمام المرآة، تتطلع في خصلات شعرها، انزاحت عنه الصبغة وتحوّل الشعر إلى اللون الأبيض. تمسك بهاتفها المحمول، لتحجز موعدًا في مركز التجميل لتصبغ الخصلات البيضاء كما اعتادت. فتتجنب تعليقات زميلاتها/زملائها في العمل، وأيضًا أفراد أسرتها. فعند ظهور الشعر الأبيض، تتجلى معايير الجمال الأبوية حول شعر الرأس بغض النظر حتى عن اللون.

عبارات الإعجاب التي تتلقاها النساء اللواتي قررن التوقف عن صبغ الشعر الأبيض، تحمل وصمًا ضمنيًا لنساءٍ أخريات يقومن بصبغه.

هل صبغة الشعر هي الحل؟

هناك عدة أسباب لظهور الشعر الأبيض، منها الوراثية، ومنها المرتبطة بالصحة الجسمانية والنفسية. إلا أن ظهور الشعر الأبيض قد تم تنميطه أبويًا وربطه بالتقدم في العمر، لا سيما مع النساء. فيتم حصر ما يتم تسميته بالجمال على فئات عمرية محددة. ويتم إقصاء نساء أخريات بمجرد أن تظهر عليهن أي علامة مرئية على تقدم السن.

ولهذا السبب، فإن اختزال ظهور الشعر الأبيض في أنه “شيبٌ” فقط، يغفل أن هناك عوامل أخرى تسبب ظهوره في الرأس وأماكن متفرقة من الجسد. ويجعل منه وصمة تلاحق النساء، بدلًا من اعتباره أمرًا فردانيًا، قد يتعلق بالسن أو لا.

مايا هشام، تبلغ من العمر 42 عامًا، بدأت الخصلات البيضاء تظهر على شعرها منذ ما يقارب  12 عامًا. فزعت للمرة الأولى عند رؤيتها، حتى طمأنها صاحب صالون التجميل، بأن الصبغة هي الحل، ولتصبح الصبغة منذ تلك اللحظة روتينها الشهري. “قالوا لي: لازم تصبغي شعرك علشان سنك يبان صغير. بس هو إيه علاقة السن بلون الشعر؟

روت مايا لـ”شريكة ولكن”، أنها لم تختَر صبغ شعرها، و”لكن ما يحدث بمثابة إجبارٍ غير معلن من المحيطين/ات، والمجتمع، الذي وضع معايير محددة لقبول النساء”. وأضافت: “المجتمع بيشوف الست كأنها عروسة لعبة علشان تعجبه ويتقبلها. ولو خالفت المعايير دي، تبقى مش حلوة”.

تحوّل الأمر لدى مايا إلى مراقبة مرهقة لشعرها، وهو الأمر الذي ربما تفسره العديد من الأشياء حولنا. فدائمًا ما تتغزّل الأغاني بالنساء ممشوقات القوام، وذوات الشعر الأسود، كما تتغزل أيضًا بصاحبات الشعر الأشقر. وهو ما يُضيف عبء الظهور الاجتماعي بمظهر يتفق مع معايير الجمال الأبوية إلى أعباء نفسية أخرى خلقتها تلك المعايير التنميطية على النساء حصرًا.

لكن مَن يحدد مقاييس الجمال ومعاييره في نظر المجتمع؟

الشعر الأبيض.. وصم وتنميط

تعود مايا لتتذكر اليوم الأول لظهور خصلات الشعر الأبيض في شعرها: “جوزي وقتها انزعج جدًا. وقالي إيه ده انت كبرتي بدري ليه؟! وكان كلام محبط جدًا. مامتي وأخواتي كمان قالوا لي: لازم تصبغي شعرك علشان سنك يبان صغير. بس هو إيه علاقة السن بلون الشعر؟”.

في طريقها إلى صالون التجميل، وجدت خصلات من شعرها تتساقط على معطفها، وهو الأمر الذي بدأت ملاحظته منذ فترة: “في الصالون، قال لي المزيّن: ده بسبب الصبغة الكتيرة اللي بتسبب تساقط للشعر، وإنه ممكن نحط مواد كيماوية تانية علشان نقلل التساقط”. لتقرر النهوض من على الكرسي، وتخبره أنها عدَلَت عن الفكرة، ولن تصبغ شعرها اليوم.

“لقيته بيقولي: أمال هتمشي بيه أبيض كده؟ وكأنه في حاجة عيب”.

في هذا اليوم، أدركت مايا أن معايير جمال الشعر، لا تقتصر على اللون فقط. إنما تمتد إلى وجود الشعر نفسه كمظهر جمال نسائي من منظور أبوي. وهنا، تذكّرت النساء الناجيات والمتعايشات مع الأمراض التي تسبب سقوط الشعر، كالسرطان، والثعلبة، والصلع الوراثي، والاضطرابات النفسية، وغيرها. وكيف أن هؤلاء النساء يعانين مع معايير الجمال التنميطية الخاصة بالشعر، على مستوى آخر لا يقل أهمية عن وصم صاحبات الشعر الأبيض.

وجدير بالذِكر أن معايير جمال الشعر الأبوية، لا تقف هنا أيضًا. بل تشمل كثافة الشعر، وطوله، وتموجاته. وتكون الصورة الأمثل لما يجب أن تظهر به النساء هو رأسٌ ذو شعرٍ منسدل طويل لا يميل إلى درجات الأبيض، ولا يوجد به تموجات أو فراغات تظهر منها فروة الرأس. 

في هذا الصدد، تربّحت الشركات الرأسمالية من هذه المعايير التنميطية والاقصائية. فبدأت الشركات في تصنيع علاجات للتساقط، وامتدادات للشعر، وشعر مستعار. وباعت بعض هذه الشركات الوهم للنساء بأن الشعر هو محور ما يدعى بالجمال النسائي. أو كما تقول المقولة الشهيرة: “تاج المرأة.. شعرها”.

يجب علينا تطبيع عدم التعليق على مظاهر النساء العامة وعلى أجسامهن بالخصوص، إلا لو طلبن ذلك بشكلٍ مباشرٍ.

الشعر الأبيض.. “خصلة فضّة”

الضغط المستمر لوضع النساء في قالب واحد لا يتغير، و هو ما دفعَ مايا لاتخاذ قرار التوقف عن صبغ الشعر الأبيض. “هو في كل الأحوال الناس مش بتبقى راضية عن شكلي. فأنا قررت إني المهم أكون أنا راضية عن شكلي”.

عندما تجد النساء أخريات مثلهن مررن بنفس التجارب، وعانين من نفس المشكلات، يستطعن التغلب على الأمر أسرع، ودعم غيرهن. من هذه الفكرة انطلقت مبادرة “خُصلة فضة”.

ما عاشته مايا، تعيشه الكثير من النساء، ومنهن رشا الرومي، التي بدأت الشعرات البيضاء في الظهور برأسها في سنٍ مبكرة. لكنها قررت تدشين مبادرة لتقبُّل الذات، وما وصفته بخصلات الشعر الفضي التي تظهر برؤوس النساء.

حثت المبادرة، التي حملت عنوان “خصلة فضة”، النساء على الاستمتاع بهذه الخصلات التي تشبه الفضة.

بحسب رشا، فإن فكرة المبادرة هي “تشجيع ودعم النساء بعضهن البعض. فعندما تجد النساء أخريات مثلهن مررن بنفس التجارب، وعانين من نفس المشكلات، يستطعن التغلب على الأمر أسرع، ودعم غيرهن”.

في سياقٍ آخر، سبق أن دشنت الأميركية “مارثا سميث” مبادرة مماثلة، بعد أن قررت في عيد ميلادها الرابع والعشرين أن تتوقف عن صبغ شعرها الأبيض وأن تتركه من دون تدخلات.

ثم كتبت على صفحتها، أنها اتخذت قرارها بعدما لاحظت أن نساء كثيرات يُمارس عليهن ضغط مجتمعي بسبب ظهور شعر أبيض في رؤوسهن، وإن كان نتاج التقدم في العمر. فقررت أن تقدم لهن الدعم من خلال تأسيس هذه الصفحة، لخلق مجتمع تشعر فيه النساء بالراحة، وينفتحن على التصورات الثقافية المختلفة لمعايير الجمال وقبول الذات.

في وقتٍ قصير، تحوّلت تلك المبادرة إلى حركة يتابعها ما يقرب من ربع مليون امرأة من مختلف أنحاء العالم.

وعلى غرار المبادرة الأميركية، بدأت النساء في نشر صورهن على المجموعة المغلقة الخاصة بـ”خصلة فضة”. منهن مَن كتبت أنها تشعر بأن شكلها غير معتادٍ عليه، بينما أجابتها عضوات المجموعة بأن الأمر مسألة وقت. وأخريات نشرن صورهن مع شعور بالراحة بعد التخلي عن الصبغة، وكأنهن تحررن من حملٍ ثقيل.

رحلة قبول وحب

من مايا ورشا، إلى أماني فهمي، التي روت أن الشعر الأبيض بدأ بالظهور في رأسها عندما أتمت 18 عامًا. ورثت أماني الأمر عن والدتها، لتلجأ إلى الصبغة، لكنها بدأت تشعر أنها لا تعرف من هي، بحسب ما قالت لـ”شريكة ولكن”.

وأوضحت أنها “بقيت بحس بغربة. أنا مش عارفاني.. مش عارفة شكلي وهو كل شوية بلون شعر مختلف. وسألت نفسي: هو أنا بصبغ شعري ليه؟ وليه عاوزة أغير لونه طالما مش مرتاحة؟”.

وجدت أماني راحتها في المجموعة التي أسستها رشا، وانضمت إليها، لتقرر حينها التوقف عن صبغ شعرها، وقبول ذاتها بالشكل الذي تحب أن تكون عليه.

منذ ذلك الحين، تقول “بقيت شبهي أكتر، مبقتش بحس إني غريبة عني”. لا يهم أماني أن تتلقى دعوات إعجاب بلون شعرها الأبيض، ولكن كل ما يهمها هو شعورها بالرضا عن نفسها، وعدم السير على قيود مفروضة عليها.

تلفت قصة أماني النظر إلى أن عبارات الإعجاب التي تتلقاها النساء اللواتي قررن التوقف عن صبغ الشعر الأبيض، تحمل وصمًا ضمنيًا لنساءٍ أخريات يقومن بصبغه. كما لو أنه من الصعب أن يتم ترك النساء وشأنهن. منهن من تقرر رفض معايير الجمال، ومنهن من تتوافق معها. كلٌ على حسب تجربتها الشخصية وأفكارها وقراراتها فيما يخص جسدها.

من هنا، يجب علينا تطبيع عدم التعليق على مظاهر النساء العامة وعلى أجسامهن بالخصوص، إلا لو طلبن ذلك بشكلٍ مباشرٍ.

وأنتِ، هل واجهتِ انتقاداتٍ أو وصمٍ أو تنمّرٍ بسبب احتفاظكِ بخصلات الفضة؟

 

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد