قتلٌ جماعيّ للمهاجرات/ين الإثيوبيات/ين على حدود السعودية مع اليمن
أصدرت “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا جديدًا، وثّقت فيه عمليات القتل الجماعي التي تنفّذها قوات حرس الحدود السعودية ضد مئات المهاجرات/ين وطالبات/ي اللجوء الإثيوبيات/ين.
وذلك أثناء محاولات عبورهنَّ/م الحدود من اليمن باتجاه السعودية، في الفترة الممتدة بين آذار/مارس 2022 وحزيران/يونيو 2023.
واعتبرت المنظّمة أنه “في حال كانت هذه الجرائم، التي يبدو أنها مستمرّة، تُرتكب في إطار سياسة حكومية سعودية لقتل المهاجرات/ين، فإنها تُشكّل جريمة ضد الإنسانية”.
وتحدّث التقرير عن مقطع مصوّر تم نشره على تطبيق “تيك توك”، في 4 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي. يظهر مجموعة من نحو 47 مهاجرة ومهاجر، منهم 37 امرأة، يسرنَ في منحدرٍ حادٍ إلى السعودية، في مسارٍ يُستخدم للعبور من مخيم “الثابت” للمهاجرات/ين.
“أطلقوا علينا النار مثل المطر”!
وثّق التقرير المؤلّف من 73 صفحة، استخدام الأسلحة المتفجرة من قبل حرس الحدود السعوديين بشكلٍ ممنهجٍ وواسع النطاق في عمليات القتل. إضافة إلى قيامهم بإطلاق النار من مسافات قريبة على مهاجرات/ين، بينهن/م طفلات وأطفال.
وفي بعض الحالات، كان عناصر حرس الحدود يسألون المهاجرات/ين عن الطرف في أجسامهنَّ/م الذي بودّهنَّ/م أن يطلق عليه النار، قبل تنفيذ الجريمة من مسافاتٍ قريبة.
كما أطلق الحرّاس نيران أسلحة متفجّرة على مهاجرات/ين حاولنَ/وا الفرار والعودة إلى اليمن.
“محاولات السعودية تحسين صورتها لن يصرف الانتباه عن جرائمها المروّعة”!
صرّحت نادية هاردمان، الباحثة في حقوق اللاجئات/ين والمهاجرات/ين في “هيومن رايتس ووتش”، قائلةً: “في هذه المنطقة الحدودية النائية بعيدًا عن أنظار العالم، يقتل المسؤولون السعوديون مئات المهاجرات/ين وطالبات/ي اللجوء”.
وأضافت: “إنفاق المليارات على شراء البطولات الرياضية لتحسين صورة السعودية ينبغي ألَّا يصرف الانتباه عن هذه الجرائم المروّعة”.
وأكدت أن “حرس الحدود كانوا يعلمون، أو كان ينبغي أن يعرفوا، أنهم يطلقون النار على مدنيات/ين عُزّل”.
وختمت نادية هارمان: “ما لم تتحقق العدالة بشأن ما يبدو أنها جرائم خطيرة ضد المهاجرات/ين وطالبات/ي اللجوء الإثيوبيات/ين، فلن يؤدي ذلك إلَّا إلى زيادة القتل والانتهاكات”.
وكانت المنظّمة الدولية نفّذت مقابلات مع 42 شخصًا، منهنَّ/م 38 مهاجرة ومهاجر أو طالبة وطالب لجوء إثيوبيّ/ة. بالإضافة إلى 4 أقارب أو أصدقاء لأشخاص حاولنَ/وا العبور خلال الفترة نفسها.
وحلّلت المنظّمة أكثر من 350 مقطع فيديو وصورة. تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي أو جمعها من مصادر أخرى. فضلًا عن صورٍ من الأقمار الصناعية تغطّي مئات الكيلومترات المربعة.
وأكدت أنها حاولت التواصل مع السلطات السعودية والحوثية في اليمن للتحقّق من الأمر. إلَّا أن الأخيرة ردّت فقط في 19 آب/أغسطس الجاري. من دون توضيح ما جاء في الرد.
ووفقًا لأرقام “هيومن رايتس ووتش“، يعيش ويعمل في السعودية حوالي 750 ألف إثيوبيّ/ة. بينهنَّ/م فارّات/ين جرّاء الانتهاكات الحقوقية الجسيمة في إثيوبيا، والتي ارتكب جزء منها خلال النزاع المسلح الوحشيّ الأخير شمالي البلاد.
وتقوم المنظّمة بتوثيق عمليات قتل المهاجرات/ين على الحدود بين اليمن والسعودية منذ عام 2014. لكن “يبدو أن حالات القتل المستهدِفة تعكس تصعيدًا متعمدًا من حيث العدد والأسلوب”، بحسب تعبيرها.
استهداف المهاجرات/ين بقذائف الهاون والأسلحة المتفجرة!
شاركت مهاجرات/ون شهاداتهنَّ/م ضمن التقرير نفسه.
ووصفنَ/وا كيف “عبرنَ/وا خليج عدن في سفن غير صالحة للإبحار ليتم نقلهنَّ/م من قبل المهربين اليمنيين بعدها إلى محافظة صعدة. والخاضعة حاليًا لسيطرة جماعة الحوثي المسلحة، قرب حدود السعودية”.
وقالت ناجيات/ون إن قوات الحوثي تعمل مع المهربين. وأنها كانت تبتزهنَّ/م أو تنقلهنَّ/م إلى مراكز احتجاز يتعرّضنَ/ون فيها للانتهاكات حتى دفع “رسوم المغادرة”.
وأضاف التقرير: “كانت محاولات المهاجرات/ين لعبور الحدود إلى السعودية، في مجموعات قد تضم ما يصل إلى 200 شخص، منتظمة وتتكرّر في كلّ مرّة يعيدهنَّ/م فيها حرس الحدود السعوديون إلى اليمن”.
فيما كشفت مهاجرات/ون أن مجموعاتهنَّ/م تغلب عليها النساء وتضم كذلك رجالًا، وطفلات وأطفالًا غير مصحوبات/ين بذويهنَّ/م.
وحدّدت “هيومن رايتس ووتش” من صور الأقمار الصناعية مواقع لحرس الحدود السعودي تتوافق مع الشهادات.
كما حدّدت ما يبدو أنها مدرّعة مضادة للكمائن والألغام. كانت متمركزة منذ 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021 وحتى 31 كانون الأول/ديسمبر 2022، في أحد مواقع حرس الحدود السعودي.
ووفق وصف التقرير، “بدت المدرّعة مجهزة بمدفع رشاش ثقيل مثبّت في برج على سطحها”.
وأفاد أن “الناجيات/ون تعرّضنَ/وا لهجوم بقذائف الهاون وأسلحة متفجرة أخرى من طرف الحرس بمجرد عبورهنَّ/م الحدود”.
ووصف 28 شخصًا من الناجيات/ين واقعة استخدم فيها حرس الحدود أسلحة متفجرة. كما أكدنَ/وا احتجازهنَّ/م على يد الحرّاس في مراكز اعتقال لعدة أشهر في بعض الحالات.
مشاهد مرعبة!
تحدّث الجميع عن تعرّضهنَّ/م لمشاهد مرعبة. مثل تبعثر نساء ورجال وطفلات وأطفال في أرجاء المناطق الجبلية. ناهيك عن المصابات/ين بجروح بالغة ومُقطّعات/ي الأوصال، أو الجثث الهامدة.
وجاء في إحدى الشهادات: “كنت أتناول طعامي مع أشخاص أراهنَّ/م قتيلات وقتلى لاحقًا. بات التعرّف على البعض مستحيلًا لأن أشلاءهنَّ/م متناثرة، في حين شطر البعض إلى نصفين”.
في سياق متصل، أجرت “هيومن رايتس ووتش”، تحقيقًا رقميًا لمقاطع فيديو، تظهر مهاجرات/ين قتيلات وقتلى وجريحات وجرحى، في المسالك الجبلية والمخيمات والمنشآت الطبية.
وكشف التحليل الجغرافي المكاني للمقاطع التي تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تم إرسالها إلى المنظّمة مباشرةً، وجرى التحقّق منها، عن ازدياد مواقع الدفن قرب مخيمات المهاجرات/ين وتوسيع البنية التحتية لأمن الحدود.
كما حلّلت عضوات وأعضاء “الفريق المستقل لخبيرات وخبراء الطب الشرعي” التابع “للمجلس الدولي لإعادة تأهيل ضحيات وضحايا التعذيب”، مقاطع وصور تُبيّن مهاجرات/ين مصابات/ين أو متوفيات/ين لتحديد أسباب إصابتهنَّ/م.
وخلصنَ/وا إلى أن بعض الإصابات أظهرت “أنماطًا واضحة تتفق مع انفجار ذخائر قادرة على إنتاج الحرارة والتشظّي”. بينما أظهرت إصابات أخرى “خصائص تتفق مع جروح الطلقات النارية”، وفي حالة واحدة، كانت “الحروق مرئية”.
وأوضحت بعض الناجيات/ين اللواتي/الذين سافرنَ/وا ضمن مجموعات صغيرة أو بمفردهم أن الحرّاس المسلحين ببنادق كانوا يطلقون النار عليهنَّ/م بمجرّد عبورهنَّ/م الحدود.
ولفتنَ/وا إلى تعرّضهنَّ/م للضرب بالحجارة والقضبان المعدنية على يد الحرّاس. كما شهد 14 شخصًا، تمت مقابلتهنَّ/م، جرائم إطلاق نار من مسافة قريبة أو كنَّ/وا أنفسهنَّ/م ضحيّات وضحايا لها، واستهدف 6 منهنَّ/م بأسلحة متفجرة وإطلاق نار.
وعبّرت بعض الناجيات/ين أن حرس الحدود السعوديين كانوا ينزلون من مواقعهم فقط لضربهنَّ/م.
إجبار القاصرين على اغتصاب الفتيات
كشف أحد الناجين القاصرين (17 عامًا) أن حرس الحدود أجبروه مع ناجين آخرين على اغتصاب فتاتين ناجيتين. ذلك بعد أن أعدموا مهاجرًا آخر رفض اغتصاب إحدى الفتيات الناجيات.
مطالبات للسعودية وحلفائها بوقف جرائمها
طالبت “هيومن رايتس ووتش” السعودية بإلغاء “سياسات استخدام القوة القاتلة ضد المهاجرات/ين وطالبات/ي اللجوء، سواء كانت صريحة أو بحكم الأمر الواقع”.
وبحسب المنظّمة الدولية، تشمل هذه السياسات “الاستهداف بالأسلحة المتفجرة، وإطلاق النار من مسافات قريبة”.
وقالت: “ينبغي على حكومة المملكة التحقيق مع أفراد الأمن المسؤولين عن أعمال القتل والإصابات غير القانونية والتعذيب على الحدود اليمنية وتأديبهم أو ملاحقتهم بحسب المقتضى”.
كما طالبت من أسمتها “الحكومات المعنية” بـ”دعوة السعودية علنًا إلى إنهاء أيّة سياسة من هذا القبيل والضغط من أجل المساءلة”.
وفي غضون ذلك، ينبغي -وفق التقرير نفسه- على هذه الحكومات “فرض عقوبات على المسؤولين السعوديين والحوثيين الضالعين بشكل موثوق في الانتهاكات الجارية على الحدود”.
كما دعتها إلى “فتح تحقيق مدعوم من الأمم المتحدة لتقييم الانتهاكات ضد المهاجرات/ين. بالإضافة إلى “تحديد إذا ما كانت أعمال القتل ترقى إلى أن تكون جرائم ضد الإنسانية”.