كشوف “عذرية” على ضحايا العنف الأبوي.. عنف جنسي بمباركة القانون والمجتمع

كشوف العذرية.. لعنةٌ تلاحق النساء والفتيات اللواتي فقدن حيواتهن بسبب جرائم العنف الأبوي في مصر. ورغم تعدّد أسباب القتل العمد للنساء، بين قتلٍ بعد الرفض، أو انتحارٍ بعد ابتزاز، أو قتل عمدٍ بذريعة “الشرف”، إلا أن كشوف العذرية تنتظرهن بعد الوفاة.

إذ اعتادت السلطات المصرية إجراء ما تُسميه “فحص مهبلي” على ضحايا هذه الجرائم، بحثًا عن “أسباب خفية” للقتل. وأحيانًا تلجأ عائلة القتيلة إلى طلب فحص عذرية رسمي من هيئة الطب الشرعي، “لتبرئة” سمعة القتيلة وأسرتها.

ما حدث مع “آية الشبيني”، المصرية التي قتلها زوجها بعد ساعات من الزفاف، لم يتوقف على القتل. حيث تم إخضاعها إلى كشف عذرية بعد مقتلها.

في تعريف منظمة الصحة العالمية لفحص العذرية، تقول: “فحص يحدث تحت اعتقاد أنه يُحدد إذا ما كانت امرأة، أو فتاة، قد مارست الجنس بالإيلاج”.

كشوف العذرية كإجراء “رسمي”

في كل مرة نقرأ فيها عن جريمة قتلٍ لامرأة أو فتاة، تتوالى علينا الأخبار بالحديث عن “عذريتها”، أو بمعنى أدقّ، حالة غشاء بكارتها.

وبينما تتشارك السلطات مع المجتمع في الهوس بالبكارة، تقع النساء والفتيات ضحايا لهذا النوع من العنف الجنسي بعد قتلهن. كما لو أن جريمة عنف أبوي واحدة.. لا تكفي.

ويُعد إجراء “الفحص المهبلي” على النساء في وجهة نظر السلطات، أمرًا روتينيًا وجزءً من عملية التحرّي والتحقيق في جرائم قتل النساء. حيث يتم اتباع هذا الإجراء، خاصة على اللواتي لم يسبق لهن الزواج. إلا أن اللواتي سبق لهن الزواج، لا يسلمن منه كذلك.

في جريمة قتل “نيرة أشرف”، التي فقدت حياتها على يدِ شابٍ رفضته، تم إجراء فحص عذرية بعد الوفاة.

في جريمة قتل “آية الشبيني” على يد زوجها بعد ساعات من الزفاف، تم فحص غشاء البكارة.

كذلك تم توقيع كشف عذرية على الطفلة “بسنت خالد” التي انتحرت بعد تهديدٍ وابتزاز. وقبلها، تم توقيع كشف عذرية على “داليا قتيلة السلام” التي قتلها جيرانها بعد شكوك في سلوكها.

رحلة البحث عن “الشرف”

عندما يتم توقيع كشوف العذرية على هؤلاء النساء والفتيات، لا يتم فقط انتهاك حرمة أجسادهن بعد القتل. بل أيضًا تُرسخ الجهات الرسمية الربط بين السلوك والبكارة، في صدد التحرّي عن دوافع الجريمة.

فالنيابة نفسها تعتقد أن حالة غشاء البكارة قد تكشف سببًا خفيًا وراء القتل. وبذلك، يتم تحميل القتيلات مسؤولية تعرضهن إلى القتل، بدلًا من وقوع المسؤولية بالكامل على القتلة.

كما أنه ليس هناك مبررٌ قانوني لتوقيع فحوص عذرية إجبارية بعد الوفاة، إلا في حالات محاولة إثبات الاعتداء الجنسي والاغتصاب.

إلا أن “الشرف” والبكارة، فجأة يقفزان إلى بؤرة الاهتمام وسير التحقيقات، لتغذّي بذلك الجهات الرسمية هوس “الشرف” المجتمعي. هذا الذي يتم حصره على أجسام النساء وسلوكياتهن.

لم تستخدم النيابة العامة هذه الوقائع المتكررة للتأكيد على أنه ليس هناك أي علاقة بين حالة غشاء البكارة وأسباب القتل.

عنف جنسي تحت إشراف المجتمع

إن كانت جهات التحقيق تنظر إلى حالة أغشية بكارة قتيلات العنف الأبوي، بوصفها ذات أهمية، فلا شك أن المجتمع نفسه يراها من نفس المنظور.

ذلك لأن جهات التحقيق نفسها هي جزء من هذا النسيج المجتمعي، والذي بدوره امتد للسلطة لوجود الرجال في مواقع صنع القرار والجهات الرسمية. لذلك تحرُص جهات التحقيق على إرضاء المجتمع “المحافظ”، الذي لا يتردد لحظة في اتهام القتيلات بـ”سوء السمعة” بناءً على حالة غشاء البكارة.

فعندما يتم إعلان وجود غشاء البكارة، تعتبر تلك تبرئة من تهمة “الانحلال الأخلاقي” الذي وفقًا للمنظور الأبوي يستدعي القتل. ويكون هذا الإعلان، إما من خلال الصحافة أو بيانات النيابة العامة. ليكون بذلك نقطة انطلاق تجاه “البراءة” المجتمعية للأسرة وأفرادها اللاتي/الذين على قيد الحياة.

حيث لا يتوانى المجتمع عن اتهام النساء والفتيات بأنهن تسببن في قتل أنفسهن بعدم اتباعهن للمعايير الاجتماعية والأكواد الأخلاقية.

لكن هذه “البراءة” التي تأتي مختومة بختم النسر، لم تؤدِّ يومًا إلى التوقف عن ممارسة هذا العنف الجنسي تجاه قتيلات أخريات. بكلماتٍ أخرى، لم تستخدم النيابة العامة هذه الوقائع المتكررة للتأكيد على أنه ليس هناك أي علاقة بين حالة غشاء البكارة وأسباب القتل.

تغطية صحافية ذكورية ومتحيزة ضد النساء

ليست “الثقافة العامة” وجهات التحقيق وحدهما المتسببين في التطبيع مع كشوف العذرية على قتيلات العنف الأبوي. فالصحافة أيضًا تلعب دورًا مركزيًا في ترسيخ الربط بين حالة غشاء البكارة وأسباب القتل. حيث يتم تغطية هذه الجرائم بمنطلق ذكوري يعتمد على جذب انتباه الجمهور باستخدام كارت “العذرية”.

فهذا النوع من الصحافة يروي تعطّش الجمهور الدائم إلى لوم النساء على تعرضهن للقتل، بأي شكلٍ.

وعليه، تتم صياغة الأخبار المتعلقة بكشوف العذرية على قتيلات الجرائم الأبوية، كأنها إضافةٌ محوريةٌ في سير القضايا.

فنقرأ في العناوين كلمات مثل: مفاجأة الطب الشرعي في قضية فلانة، الطب الشرعي يؤكد عذرية فلانة، سلامة غشاء بكارة فلانة، هتك غشاء بكارة فلانة، فلانة لازالت بِكرًا، فلانة عذراء، إلخ…

كشوف العذرية.. عنف جنسي

في تعريف منظمة الصحة العالمية لفحص العذرية، تقول: “فحص يحدث تحت اعتقاد أنه يُحدد إذا ما كانت امرأة، أو فتاة، قد مارست الجنس بالإيلاج”.

وتُضيف في كتيّب عن ضرورة وقف هذا النوع من العنف الجنسي، أن كلمة “عذرية” ترتكز على “مفاهيم ثقافية واجتماعية ودينية حول ممارسة الجنس بالإيلاج”.

كما تؤكد أنها “ليست علمية وليس لها أي داعٍ طبي، أو سند علمي أو سريريّ (Clinical)”. نفس الكتيّب ينص على أن “أكثر المتعرضات/ين لفحوص العذرية كشكلٍ من أشكال العنف الجنسي، هن/م المسجونات، والمعتقلات، والمحتجزات أمنيًا”.

إلا أننا نضيف اليوم أن النساء والفتيات اللواتي فقدن حيواتهن في جرائم عنف أبوي، هن أيضًا من أكثر المتعرضات إلى كشوف العذرية بوصفها عنفًا جنسيًا.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد