استمرار التضييق على الحريات في مصر.. الراقصة حورية تهدد “قيم الأسرة”!
في استمرارٍ لنهج استهداف الحريات الشخصية وحقوق النساء في الفضاء العام، اعتقل النظام المصري الراقصة حورية بذريعة تهديد “قيم الأسرة”.
يعمد النظام الأبوي في مصر إلى وضع رقابة أبوية صارمة على المحتوى الرقمي خصوصًا على تطبيقات مثل تيك توك وانستغرام. وتعبتر حورية أحدث ضحايا هذه المقصلة الأبوية.
ولعلّ هذا التوجه يهدف أساسًا إلى منع أي تشكّلٍ للنشاطات الاجتماعية غير الخاضعة للرقابة، الذي يمكّن الناس من التصرف وفقًا لقناعاتهم/ن.
أحكام قاسية وتبريرات عبثية
بعد اعتقال الراقصة حورية، حكمت محكمة الجنح الاقتصادية بمحافظة الإسكندرية عليها بالسجن عامين وغرامة قدرها 100 ألف جنيه. ووجهت لها تهم نشر مقاطع وصور “فاضحة” “و”الاعتداء على القيم الأسرية”. لتنضم بذلك إلى لائحة طويلة لما أصبح يعرف في مصر بـ “فتيات التيك توك”. وهنّ نساء وفتيات اعتقلن ولُفقت لهن تهم أبوية وكيدية، مثل “الإتجار بالبشر” و “التعدي على قيم الأسرة المصرية”.
وغالبًا ما يتم استخدام شهرتهن على وسائل التواصل الإجتماعي كذريعة لنشر ثقافة الإرهاب والقمع في المجتمع وتحذير النساء من التصرف وفق قناعاتهن.
تترجم هذه الأحكام واستهداف النساء بناءً على صور ومقاطع فيديو ينشرنها على حساباتهن الخاصة، خوف الأنظمة السياسية الأبوية من وجود مساحة غير خاضعة للقواعد الذكورية المعتادة. ما يؤدي إلى إضعاف السلطة الأبوية، وتمّكن النساء من الإحساس ببعض الأهلية والسيطرة على حيواتهن وخياراتهن.
وسبق أنالنظام تعرضت العشرات من صانعات المحتوى للاعتقال بنفس الطريقة وتحت نفس التهمة. غالبيّتهن حًكم عليهن بأحكام قاسية.
رغم ذلك سيظل النظام الأبوي غير قادر على التحكّم في تدفق المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي. وذلك بسبب وجود مساحات تمكّن النساء والشباب من التعبير عن أنفسهن/م، ولو بشكلٍ بسيط خارج القواعد المعتادة.
“قيم الأسرة المصرية”.. ضوءٌ أخضر لاستهداف النساء
تعد “قيم الأسرة” أكبر مصدر لتهديد حياة النساء في مصر، ووضعها في خطر محدق. حيث تستخدم كتبريرٍ للعنف ولوم الضحية/ الناجية، وارتكاب جرائم القتل والعنف بشكلٍ أكبر.
وهي غطاءٌ للسماح بانتهاك الحقوق الأساسية لهن، وعلى رأسها الحق في الحياة والحق في الفضاء العام.
كما أنها “تهمة” تستخدم كغطاءٍ على العنف الأبوي والحجر على حرية النساء والفتيات. فالعديد منهن، خصوصًا صانعات المحتوى على وسائل التواصل الإجتماعي، يواجهن حكمًا بالسجن لفترات طويلة. ناهيك عن التشويه بسبب عدم امتثالهن للسلطة الأبوية.
استهداف النساء بالاعتقال يشجع على قتلهن أيضًا
في جوٍّ يتسم بعقاب النساء وملاحقتهن عبر السجن والأحكام القاسية بسبب نمط حيواتهن، ترتفع أيضًا معدلات العنف الأبوي وجرائم قتل النساء في مصر.
ما يعني أن النظام الأبوي في شقه الرسمي يشجع على الاعتداء على العنف ضد النساء. كما يترك مساحةً كبيرة للرجال لفعل ذلك “بداعي التربية والتأديب”.
فمنذ مطلع هذا العام فقط، سجّل عدّاد جرائم النظام الأبوي الخاص بمنصة “شريكة ولكن”، عشرات الجرائم. راحت ضحيتها نساء وفتيات على أيدي رجال العائلة أو شركائهن. والذريعة، عادةً ما تندرج ضمن التبريرات الأبوية، وفرض السلطة على النساء كحقٍّ مسلّم به للرجال.
ما لم تتوقّف ملاحقة النساء من أجهزة الدولة بذريعة تأديبهن أو عقابهن على خياراتهن الخاص، سنظل نشهد ارتفاع جرائم العنف والقتل بدواعي أبوية.
وما لم لم يتم تفكيك مفهوم قيم الأسرة، والاعتراف بأنها مبنية أساسًا على قيم التحكّم والعنف، ووضع النساء ضمن قالبٍ واحد يتسم بالخدمة الاجتماعية والخضوع الكامل للقواعد الذكورية، فإن هذه القيم ستظل السبب في إزهاق أرواح النساء وتضييع مستقبلهن وسلب حرياتهن.