الصحافيات اللبنانيات بين الاستغلال الذكوري والانتهاكات النفسية والجنسية

كشف بحث صادر عن فريق مؤسسة سمير قصير (SKF)، في كانون الثاني/يناير 2024، عن تحدياتٍ مهنية وشخصية تواجهها الصحافيات في لبنان.

وسلط البحث الضوء على حقوق الصحافيات العمالية، مثل الرواتب والترقيات والإجازات، فضلًا عن المضايقات والاعتداءات المختلفة التي يواجهنها في هذا المجال بما فيها التحرش الجنسي، والمنع من المناصب القيادية، واستخدام النفوذ الذكوري للحد من مقدرتهن على العمل.

تضمن البحث 70 مقابلة مع صحافيات يعملن و/أو يغطين لبنان، لمعرفة التكلفة الكارثية لممارسة مهنة الصحافة بالنسبة للنساء.

موازين القوى والعنف الاقتصادي

يكشف البحث عن وضع الصحافيات في لبنان الذي يتسم بالكثير من التحديات التي يخلقها النظام الأبوي والنظام الطبقي في المؤسسات الإعلامية.

حيث لا تقتصر التباينات الطبقية على عامل الطبقة فقط بل تشمل أيضًا عوامل مثل الجندر، مما يجعل الفجوات الاقتصادية في أماكن العمل ترتبط بالنوع الاجتماعي والخلفية الاقتصادية. وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسب الفقر المؤنث بشكل عام، والتمييز في الأجور في قطاعات العمل على وجه الخصوص.

في المقابلات، طرح البحث أسئلة على الصحافيات عن رواتبهن أو دخلهن الشهري التقريبي. فأفادت 41 صحافية (يشكلن 58٪ من عينة البحث) أنهن يعانين من الدخل غير المستقر، الأمر الذي تعاني منه الصحافيات المستقلات بشكلٍ خاص.

كما كشف التحليل البحثي أن 26 من مجموع الصحافيات اللواتي طرح عليهن هذا السؤال، يعملن بشكلٍ مستقل. بينما تعمل الـ 15 المتبقيات في ظل ما يُفترض أنها شروط عمل “ثابتة”. ما يعني أنه يجب أن يحصلن على راتب شهري ثابت، لكن دخلهن غير مستقر، مما يجعل ظروفهن المالية صعبة.

وأظهر الاستطلاع أن 16 مشاركة (23%) يحصلن على رواتب شهرية تتراوح بين 800 دولار أميركي و1500 دولار أميركي، في حين أن 16 أخريات يحصلن على رواتب شهرية تتراوح بين 800 دولار أميركي أو أقل.

وبينت المبحوثات نقطة مهمة تتعلق باستخدام السلطة الذكورية في جعل النساء يشعرن بالتمييز. إذ شددت العديد من الصحافيات اللواتي أجريت معهن المقابلات على أن حقوقهن المالية، وتحديدًا طلب أجور عادلة، لا يتم الاعتراف بها إلا إذا ناضلن من أجلها باستمرار.

وأوضحت أخريات أن القائمين على التوظيف ما زالوا ينظرون إلى النساء على أنهن أقل احتياجًا للمال مقارنة بالرجال، على افتراض أن الرجال يتحملون مسؤوليات مالية أكبر، ما يؤدي إلى منحهم رواتب أعلى مقارنة بالنساء.

كما أفادت 45 مشاركة (64%) بعدم حصولهن على زيادة في الراتب أو ترقية في السنوات الخمس الماضية. ويمكن أن تعزى هذه النتائج إلى عوامل رئيسية، منها توفر الموظفين/ات على العلاقات السياسية والمحسوبية التي تضمن تأمين الترقيات وزيادة الرواتب. والتي لا تتوفر للعديد من النساء بسبب الاحتقار أو النظر إليهن كأشياء جنسية.

الممارسات الذكورية والحرمان من العطل

بالإضافة إلى الدعوة إلى زيادة الرواتب والترقيات، غالبًا ما تجد الصحافيات في لبنان أنفسهن يتوسلن للحصول على وقت إجازة. فالمشغلون في مجال الإعلام ينظرون إلى الإجازات على أنها ترف بالنسبة للصحافيات.

ويكشف الاستطلاع أن 28 شخصًا (40%) حصلوا على إجازات سنوية مدفوعة الأجر. ومع ذلك، أوضح جزء كبير من المشاركات عن عدم استفادتهن من أيام الإجازة هذه بسبب عبء العمل اليومي الثقيل، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى ضياع فرص الإجازة.

وأفادت 14 أخريات (20%) أنهن لم يأخذن إجازة أبدًا.

إضافةً إلى ذلك، ذكرت 30 مشاركة (43%) أنه من المفترض أن يأخذن إجازة في العطلات الرسمية. ومع ذلك، فقد واصلن العمل في أيام العطل.

وذكرت إحدى المشاركات أنه يُسمح لها بالحصول على إجازة مرضية شهرية للدورة الشهرية، ولكن عندما تفعل ذلك، يصبح الأمر حديثًا عامًّا بين زملائها. وتصبح موضوعًا لتعليقات الذكورية في المكتب، مما يحول ما ينبغي أن يكون مسألة شخصية وسرية إلى نقاشٍ عام.

كما شاركت امرأة أخرى أجريت معها المقابلة حادثةً مؤلمة، حيث أصيبت بالمرض أثناء الدورة الشهرية وحرمها مشرفها من الراحة، ما فاقم حالتها.

تحديات الأمومة في أماكن العمل

كشفت المبحوثات أيضًا عن تجارب مؤلمة متعلقة بإجازة الأمومة والأمومة في مكان العمل.

وشاركت العديد منهن تجاربهن مع هذه المسألة، فكانت بعض الشهادات التي تعكس غياب الأمن الوظيفي للأمهات في هذا المجال، كالكثير من المجالات، بسبب سيطرة الثقافة الأبوية. ومن هذه االشهادات:

•”باعتباري مديرة، اضطررت ذات مرة إلى العمل بوجود طفلي حديث الولادة، وضخ حليب الثدي في حمام في ظروفٍ غير صحية، الأمر الذي أصبح في النهاية مرهقًا للغاية، ما أجبرني على الاستقالة”.

•”لقد تسبب لي عبء العمل في الشعور بالذنب المستمر تجاه توأمي، اللذان شعرت بأنني غير قادرة على توفير الرعاية الكافية لهما”.

•”لقد مررت بحملٍ شديد الخطورة، فاضطررت إلى أخذ إجازة لمدة ثلاثة أشهر قبل الولادة. لكن تم خصم راتبي خلال هذه الأشهر”.

•”لتسهيل الرضاعة الطبيعية أثناء ساعات العمل، اضطررت إلى الانتقال إلى مكان أقرب من المكتب.”

تسلط هذه الشهادات الضوء على التحديات التي تواجهها الصحافيات في تحقيق التوازن بين حياتهن المهنية والشخصية، خاصة أثناء الأمومة والتربية.

المنع من المناصب القيادية

أقرت 73% من المشاركات بأن الصحافيات يواجهن عقبات في الوصول إلى مناصب قيادية.

وسلطت العديد منهن الضوء على غياب النساء في مثل هذه الأدوار، بغض النظر عما إذا كان القائم بالتوظيف ذكرًا أم أنثى. ومن المحبط أن نلاحظ أنه حتى النساء يساهمن في هذه الظاهرة من خلال عدم الترويج لنساء أخريات.

الاعتداء والاستغلال الجنسي في أماكن العمل

عند سؤال المبحوثات عن تعرضهن للإساءة في أماكن العمل، كشفت 90% منهن أنهن تعرضن للأذى والاعتداء.

وذكرت 70% منهن أنهن تعرضن للتحرش الجنسي؛ أربعة منهن تعرضن لذلك عندما كن متدربات صغيرات، ولكنهن لم يتخذن أي إجراء بسبب الخوف وقلة الخبرة.

والنتيجة المأساوية هي أن التحرش الجنسي أصبح أمرًا مطبّعًا داخل الصحافة في لبنان. وغالبًا ما يبدأ حتى قبل التوظيف. حيث روت العديد من المبحوثات أنه طُلب منهن تقديم خدمات جنسية مقابل فرص التوظيف.

وكان المتحرش في أثناء العمل بالنسبة لـ 51% من المشاركات في الاستطلاع هو المدير (في منصب صنع القرار الإداري)، بينما كان زميلاً لـ 37% من الصحافيات اللاتي تمت مقابلتهن في هذا الاستطلاع.

كما تتعرض الصحافيات حسب المقابلات، إلى التحرش والعنف اللفظي بشكلٍ مستمر، سواءً من خلال وصفهن بأوصاف ذكورية ذات حمولة جنسية، أو من خلال الأحكام القيمية التي تطلق عليهن بناءً على نوعية عملهن.

بعض الصحافيات ذكرن مثلاً بأن الكتابة عن الصحة الإنجابية الجنسية والعمل الجنسي غالبًا ما تجعلهن هدفًا للتحرش الجنسي، حيث يفترض المتحرشون أنهن سيكونن “منفتحات”.

ومن النتائج التي توصلت إليها الدراسة أنه على الرغم من أن 37% لم يذكرن تعرضهن للتحرش الجنسي، فإن 96% من المشاركات أكدن أن زميلات أخريات لهن قد تعرضن له. ويمكن تفسير هذه الظاهرة حسب تحليل البحث، بمشاعر الخوف والخجل التي تشعر بها الكثير من النساء، والتي غالباً ما تدفعهن نحو الصمت.

بالإضافة إلى التحرش الجنسي، أبلغت 59% عن إساءة لفظية، و49% واجهن خطاب كراهية، و43% واجهن تهديدات، و30% تعرضن لإيذاء جسدي، و19% تعرضن للتنمر والملاحقة والتحرش عبر الإنترنت.

في الختام توصل البحث إلى أن مشهد العمل في قطاع الإعلام بالنسبة للصحافيات اللبنانيات يتسم بالتعقيد، والعديد من التحديات وأوجه القصور في سياسات الانصاف والمحاسبة.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمعالجة قضايا مثل التحرش الجنسي والمعاملة غير العادلة، لا يزال هناك نقص واسع في آليات المساءلة والدعم.

كما تواجه الصحافيات عقبات كبيرة مثل تفاوت وهزالة الأجور وعدم الحصول على إجازة مدفوعة الأجر، والمخاوف بشأن السرية والسلامة، والافتقار إلى سبل انصاف فعالة لمعالجة التحرش وإساءة استخدام السلطة.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد