الإسلاموفوبيا.. خطاب عرقي استعماري بصبغة عقائدية
الإسلاموفوبيا، أو رهاب الإسلام، تعرف كخوف أو كراهية ضد المنتمين/ات للعقيدة الإسلامية -ولو ظاهريًا. يتجلى هذا الرهاب في أفكار وأفعال وخطابات عنصرية وتتحول، في أغلب الأحيان، إلى جرائم كراهية.
الكيل بمكيالين والتفاوت في تصنيف الحوادث الإرهابية يكشف عن تحيزات ثقافية واجتماعية عنصرية ضد الشعوب الجنوبية.
الإسلاموفوبيا.. تاريخ موجز
لطالما شكلت الإسلاموفوبيا/رهاب الإسلام جزءًا لا يتجزأ من تاريخ استعمار دول الشمال لدول الجنوب، خصوصًا الناطقة بالعربية منها.
منذ القرن الخامس عشر، لعب الاستعمار الأوروبي دورًا في بناء وتعزيز صورة سلبية للمسلمين/ات، والرجال على وجه الخصوص. أدى ذلك إلى ترسيخ مشاعر الخوف والتحامل على الشعوب المسلمة في جنوب العالم، والجاليات في شماله.
تم استخدام هذه الدعاية لتصوير شعوب البلدان ذات الأغلبية المسلمة كوحوشٍ بربرية متخلفة، لبناء صورة الرجل الأبيض المتحضر والمتفوق. جاء هذا في محاولة لتبرير الاستعمار والاضطهاد المنهجي لهذه الشعوب، ولتبرير سياسات الظلم والاستغلال الاقتصادي والثقافي.
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر تصاعدت موجات الكراهية ضد المسلمين/ات في مجتمعات دول شمال العالم. فقد رسخت هذه الأحداث النظرة العدائية تجاه المجتمعات المسلمة.
ظهر التعاطي المتطرف ضد المسلمين/ات من قبل الوسائل الإعلامية في الشمال بشكلٍ عام، والأميركية منها بشكلٍ خاص. وساهم بدوره في زيادة مشاعر كراهية متبوعة بسياسات وممارسات حكومية وفردية معادية للمنتمين/ات للمجتمعات المسلمة.
أشعلت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر نقاشًا جديدًا حول دور الإسلام في العنف العابر للقارات. حيث بدأت نظرة دول الشمال تركز على الترويج للإسلام كمصدر للإرهاب، وتهديد وجود الدول البيضاء، كونها مسيطرة على وسائل الإعلام العالمية.
View this post on Instagram
الإسلاموفوبيا والإرهاب
استغلت الدول الإمبريالية الإعلام والخطابات السياسية لترسيخ صورة تربط بين الإسلام والإرهاب. فنجح هذا الخطاب الملتوي الذي رُوِّج له بزخمٍ رهيب في تشكيل الوعي الجمعي للشعوب الغربية بأن كل المسلمين/ات إرهابيين/ات. وذلك على أساس أن الإرهاب يرتبط بشكلٍ غير قابل للفصل بالإسلام حصرًا.
إن هذه الموائمة بين الإسلام والإرهاب وهذا الربط الممنهج بينهما، لم يكونا إلا جزءًا من استراتيجيةٍ أوسع لتبرير العدوان الإمبريالي. كما هي أداة لاستمرار الهيمنة السياسية والاقتصادية على دول الجنوب ذات الأغلبية المسلمة.
فاستغلت الولايات المتحدة أحداث 11 أيلول/ سبتمبر لصياغة خطاب يقدم الولايات المتحدة وحلفاءها كقوى صالحة، معتبرة الإسلام والمجتمعات الإسلامية كمصدر للشر والإرهاب. إلا أن هذه المجتمعات تشكل جزءًا كبيرًا من دول جنوب العالم، خصوصًا التي لا تنسجم مع سياسات أميركا. أدت ثنائية الشر والخير هذه إلى تغذية تصورات الاستعمار واستخدامها لتبرير التدخلات والسيطرة.
من هنا، تم استخدام ذريعة “الحرب ضد الإرهاب” كوسيلةٍ لاستعمار مناطق مختلفة في الجنوب. وكذلك صاغت خطابًا أخلاقويًا يبرر استخدام القوة العسكرية في مناطق كالعراق وأفغانستان، من منطلق محاربة “الشر الكامن فيها”.
هذه التحولات الفكرية والعسكرية عزّزت انفراد النظام الرأسمالي والإمبريالي، بقيادة الولايات المتحدة، في دور قيادة العالم. فبدأ هذا النظام في ترسيخ أيدولوجيته وفكره العنصري على نطاق عالمي. واعتمد فيه على التدخل في الجوانب الثقافية والتعليمية لشعوب البلدان الإسلامية في الجنوب، لمنع ظهور التيارات المعادية للاستعمار والإمبريالية.
الإسلاموفوبيا وجرائم الكراهية
من جانب آخر، بدأ الحديث يتجه نحو اعتبار جميع المسلمات/المسلمين كمشتبه بهن/م، فيما يتعلق بالحوادث الإرهابية. فتسبب هذا الرهاب في تشديد الإجراءات الأمنية ضد المسلمين/ات، وصعد التمييز ضدهن/م في مجتمعات دول الشمال. وهو ما نعرفه اليوم بمصطلح الإسلاموفوبيا.
ولعل المفارقة الكبرى هنا أن الحوادث التي تستهدف الأفراد المسلمين/ات أو المجتمعات الإسلامية تصنَّف بشكلٍ مختلف. فعندما يتم ارتكابها من قبل أشخاص ينتمون إلى عقائد أخرى، غالبًا لا يتم وصفها بـ”الإرهاب”. يُذكر أن الأحداث التي تتعرض لها مجتمعات مسلمة يمكن أن تكون عملًا إرهابيًا بالقدر نفسه، إلا أن التصنيف والتعامل معها تشوبه الإزدواجية.
في هذا السياق، نتذكر حادثة مقتل مروى الشربيني في ألمانيا عام 2009، والتي تعرضت للطعن بسبب ارتدائها الحجاب. لكن لم يتم تصنيف هذه الحادثة كعمل إرهابي.
كذلك الحوادث التي تستهدف مجتمعات كويرية ويرتكبها أفراد ينتمون إلى عقائد أخرى، لا تُصنَّف من قبل مجتمعات الشمال كحوادث إرهابية. نذكر منها الهجوم المتكرر على نوادٍ ليلية وحفلات كوويرية، على الرغم من أنها تتسم بدوافع متطرفة بغرض إرهاب الأفراد الكوير، بوصفهن/م مختلفات/ين.
الكيل بمكيالين والتفاوت في تصنيف الحوادث الإرهابية يكشف عن تحيزات ثقافية واجتماعية عنصرية ضد الشعوب الجنوبية.
View this post on Instagram
الإسلاموفوبيا خطاب عنصري بالأساس
لا ينفصل هذا الخطاب الذي يعتبر المسلمين/ات إرهابيين/ات ومصدرًا للخوف والخطر عن كونه خطابًا إمبرياليًّا بحتًا. أي أن هذه الصورة النمطية هي ذريعة لتبرير الاستعمار والتدخل الغربي في بلدان ذات أغلبية مسلمة.
فهذا الخطاب يبرر السياسات العسكرية والاقتصادية، كما يبرر الاستعمار الثقافي والاقتصادي والسياسي لهذه البلدان بوصفها “شعوبًا عنيفة ومتخلفة”.
يتضح أن الخطاب اليميني المحافظ المستند على ترسيخ صور نمطية مغلوطة عن مجتمعات الجنوب، والمتجسد هنا في الإسلاموفوبيا وكراهية الإسلام، هو خطاب عنصري في جوهره يرتكز على العرق لا على العقائد الدينية.
الإسلاموفوبيا جزء من لعبة إمبريالية تستند على التشويه الأيدولوجي والتنميط المشوه لدول الجنوب وشعوبها والتسخيف والتحقير لثقافاتها. كما تعتبر مروجًا لها بأنها بربرية متخلفة تحتاج إلى الترويض والتحديث من قبل المجتمعات البيضاء.
في هذا السياق، فإن الإسلاموفوبيا استراتيجية بيضاء مصبوغة بالصبغة العقائدية بشكلٍ متعمَّد. وهي تستخدم الإسلام لتحقيق أهداف سياسية واستعمارية ذات دافعٍ عرقي عنصري.
إننا لا ننتظر ولا نريد إنقاذ أبيض، بل نسعى لإنهاء الاستعمار وتحطيم كافة أشكال الهيمنة بكفاح ينبثق من واقع معاناتنا اليومية.
الإسلاموفوبيا واستغلال قضايا النساء
ترسيخ الإسلاموفوبيا لا يتمثل في تعزيز الدعاية المضادة للمجتمعات المسلمة فحسبٍ. بل يفتح المجال لاستخدام قضايا نساء الجنوب كسلاح ضد هذه المجتمعات أيضًا. فيتم استغلال قضايا النساء ضمن خطاب عنصري استعماري يدعي مناصرة النساء و”إنقاذهن”.
يحدث ذلك من خلال تحديد النساء كضحايا لوحشية رجال هذه المجتمعات (المسلمين بالطبع). وهذا الخطاب نفسه يقدم الرجل الأبيض والمرأة البيضاء كوسيلة خلاص وحيدة ضد “كراهية النساء“. إلا أن هذه الكراهية المزعومة لعب فيها الاستعمار دورًا محوريًا لترسيخها في القرن العشرين.
يتضح ذلك جليًا في الأدبيات النسوية والأكاديمية التي فككت دور المستعمرين الأوروبيين في تشييد الثنائية الجندرية والمعيارية الغيرية مثالًا لا حصرًا. تقدم هذه المقاربات التحليلية تفسيرًا لتدني أوضاع النساء، بداية من قوانين سنها المستعمر إلى ديناميكيات اجتماعية تحتقر النساء.
الأخيرة تحديدًا حصرت النساء في الدور الإنجابي والرعائي مع بداية خطاب الحداثة الأوروبي، والذي كان عرقيًا عنصريًا متحيزًا ضد النساء والشعوب المستعمِرَة.
ثم بدأ خطاب “تحرير النساء” من الرجل الشرقي المسلم البربري العنيف، دون نظرٍ لكيفية بناء هذه الهوية الرجولية كجزء من سياسات الاستعمار المنهجية على مدار قرونٍ.
View this post on Instagram
تشويه حركات المقاومة
على صعيد آخر، يتم استغلال هذه الصورة للرجل الجنوبي (الشرقي المسلم) كوسيلة لتشويه حركات المقاومة والتحرير في دول الجنوب.
نلاحظ في السرديات التي تناولتها وسائل الإعلام الغربية بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي محاولات لرسم صورة مشوهة للمقاوم الفلسطيني على أنه رجلٌ مسلمٌ إرهابي مضطهد للنساء.
هذه الصورة نفسها جزء من السياسات المعتادة في خطاب إمبريالي يسلط الضوء على جوانب بعينها، لتطبع الشعوب البيضاء مع احتلال واستعمار الشعوب.
في هذا السياق، تأتي كذبة الاعتداء الجنسي على المجندات خلال عملية طوفان الأقصى كجزء من استراتيجية التشويه والافتراء. وهي كذلك محاولة أخرى لتشويه صورة المقاومة وشيطنة رجالها وتجريمهم في عيون العالم.
لقد مهدت العقود الطويلة من ترسيخ الإسلاموفوبيا أو الكراهية ضد المسلمين/ات، لتصديق هذه الادعاءات. هذا بجانب تنميط رجال مجتمعات الجنوب كمهووسين بالجنس وأكثر ميلًا لارتكاب الاغتصاب والعنف بحق النساء.
نضال نسوي سياسي متقاطع
نضالنا النسوي، نحن نساء دول جنوب العالم، غير منفصل عن النضال ضد الاستعمار واستراتيجياته المتلونة الخداعة مثل الإسلاموفوبيا.
إن نضالنا لمحاربة الأنظمة الأبوية والتحرر لا ينفصل عن معركتنا الجماعية ضد الاستعمار. ويشمل ذلك مواجهة الخطاب العرقي العنصري والظواهر المسيسة مثل الإسلاموفوبيا/رهاب الإسلام والتشويه المتعمد لمجتمعات الجنوب. وندرك أن تلك أسلحة تسوغ للمستعمر استباحة فرض سيطرته علينا، وتفتح له المجال أن يحاضرنا عن الحرية والتحرر.
إننا لا ننتظر ولا نريد إنقاذ أبيض، بل نسعى لإنهاء الاستعمار وتحطيم كافة أشكال الهيمنة بكفاح ينبثق من واقع معاناتنا اليومية.
إن معاركنا ضد الاستعمار والأبوية تتطلب التضامن في إطار عمل نسوي متقاطع يعكس التنوع، ويعزز العدالة الاجتماعية، ويرفض أشكال الاستعمار الصريحة والمبطنة.