شكوى جزائية ضد رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي إلياس بتهمة التحرش بقاضيات

يتداول قصر العدل في بيروت أخبارًا عن فتح تحقيق جزائي مع رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي إلياس، وذلك على خلفية شكوى تقدّمت بها قاضية في وجهه بتهمة التحرش.

وفي التفاصيل، يحقق النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار في شكوى تحرّش جنسي تقدّمت بها إحدى القاضيات، قبل نحو 4 أشهر، ضد رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس متّخذة فيها صفة الادّعاء الشخصي.

وبحسب موقع “الأخبار” الصحفي، فإن القاضية التي عملت مع إلياس ملحقة في الغرفة الأولى لدى المجلس، تقول إن جريمة التحرّش الأولى وقعت في 4 شباط/ فبراير في مكتب رئيس المجلس، بعدما استدعاها وأقفل باب الغرفة بحجة رغبته في مناقشتها بموضوع ذي طابع سري.

وتنقل “الأخبار” تفاصيل الاعتداء على القاضية، مشيرةً إلى أن رئيس أعلى منصب قضائي “بادر بتصرفات «منافية للأخلاق»، ما جعلها تشكّك في نفسها بداية، فأبلغت زميلة وزميلًا لها بالأمر”.

وتابعت: “قدّمت القاضية نسخة عن المحادثات الصوتية والنصية التي جرت معهما، علمًا أن زميلتها هي إحدى الشاهدات في القضية، بينما لم يتم استدعاء زميلها إلى التحقيق بعد”.

وأضافت أنها “نزلت عند نصيحة زميليْها بـ«التروّي»، ورغم اقتناعها بأنها تعرّضت لتحرّش جنسي، قرّرت عدم تقديم شكوى في حينه خشية عدم تصديقها، إذ إنها كانت مستشارة معاونة حديثة العهد في القضاء بمواجهة رئيس مجلس شورى الدولة صاحب النفوذ”.

وأضافت القاضية، بحسب الموقع، أنها “عقب العودة التدريجية إلى العمل، بعد الإقفال الذي رافق جائحة كورونا، حرصت على عدم دخول مكتب القاضي إلياس بمفردها، إلى أن استدعاها مجدّدًا في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2021”.

وأوضحت أنها “طلبت من زميلها مرافقتها قبل أن تستوقفهما السكرتيرة وتطلب من زميلها المغادرة، وكما في المرة السابقة تعرّضت للتحرّش، وضمّنت شكواها تفاصيل حول ما جرى معها، وقالت إنها أبلغت زميلها بالأمر. لكنها، مرة أخرى، التزمت الصمت إلى أن استدعاها رئيس مجلس الشورى مرة أخرى، في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، فأبلغته حينذاك أنها ستتقدّم بـ«شكوى جزائية في حال حاول لمسها مجدّدًا أيًّا كانت تبعات الشكوى»، فحاول التخفيف من وقع الاتهام مبرّرًا بأن ما قام به «تصرّف أبوي»”.

قاضيات أخريات وقعن ضحية القاضي فادي إلياس

التحقيق مفتوح منذ أشهر ولم يُتخذ قرار بشأنه

بعد التقصّي عن تفاصيل القضية، علمت “شريكة ولكن” من مصادرها أن “قاضيات أخريات وقعن ضحية القاضي المشكو منه، ولم تتجرّأ أيّ من القاضيات الناجيات على اللجوء إلى المراجع المعنية المختصة لحماية أنفسهن والأخريات”.

الأمر نفسه أشارت إليه “الأخبار”، التي نقلت عن القاضية الناجية أنه “بعد عامين على الحادثة، وجدت نفسها مضطرة قانونيًّا وأخلاقيًّا إلى التوجه إلى مدّعي عام التمييز للإدلاء بإفادتها، عقب نشر خبر عن قاضيات لا يجرؤن على الإفصاح عن تعرّضهن للتحرّش، وتكليف القاضي الياس القاضي كارل عيراني إجراء تحقيق إداري في مجلس الشورى لمعرفة مَن من القاضيات سرّبت الخبر”.

في هذا السياق، أشارت مصادر “شريكة ولكن” إلى أن “نادي قضاة لبنان، وهو جمعية تضم قاضيات وقضاة تعمل على مبدأ حماية واستقلال القضاء وتتحرك في حال التعرّض للسلطة القضائية، تقدّم بإخبار في 15 تموز/ يوليو 2024 أمام مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار، كونه المرجع الوحيد المختصّ بملاحقة قاضٍ. وطلب منه التحقيق العاجل لتبيان مدى صحة الادّعاء، وملاحقة القاضي فادي إلياس في حال ثبتت تهمة التحرش واستغلال المنصب”. خصوصاً وأن القانون الرقم 205 تاريخ 30/12/2020 يؤكد على مضاعفة العقوبة والغرامة إذا كانت جريمة التحرّش حاصلة في إطار رابطة التبعية أو علاقة العمل، وإذا وقع التحرّش في إحدى الإدارات الرسمية أو العسكرية أو المؤسسات العامة؛ وأيضاً في حال تكرارها”.

وأوضحت مصادرنا أنه في حين “تم استدعاء القاضية المدعية إلى التحقيق أكثر من مرة للاستماع إلى إفادتها”، لافتةً إلى أنه “ما يزال “التحقيق السّرّي” مفتوحًا، ولم يُتخذ قرارٌ بشأنه حتى اللحظة”.

في الإطار نفسه، كشفت “الأخبار” أن القاضي جمال الحجار “فتح محضرًا خطيًّا واستمع إلى الضحية الرقم 1 والشاهدة الرقم 1 و2 في 28 آب/ أغسطس 2024، لتتقدم بعدها الضحية بشكوى متخذة صفة الادّعاء الشخصي”. ونقلت عن مصادر قضائية قولها إن “5 قاضيات توجّهن من مجلس الشورى في حزيران/ يونيو الماضي إلى مكتب مدّعي عام التمييز وأخبرنه بما جرى معهن”.

كما “توجّهت قاضيتان، كانتا تعملان مع القاضي إلياس في القضاء العدلي قبيل تعيينه في الشورى، إلى مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود لإخباره بما حصل معهما، فوعد بأن يفاتح إلياس بالأمر وأقنعهما بعدم اتخاذ أي إجراء”، بحسب الموقع اللبناني.

وتابعت: “الأمر نفسه حصل لدى توجه قاضيات إلى مكتب وزير العدل هنري خوري الذي اكتفى بالتعليق بأنه «يعرف بتصرفات إلياس، وثمة 3 أو 4 قاضيات أخريات اشتكين من تصرفاته»”. في حين أشارت إلى أن “إحدى الضحايا التي أخبرت عددًا من القضاة في الشورى وأحد رؤساء الغرف ومفوّضة الحكومة أن إلياس تحرّش بها، عادت وأنكرت الواقعة لدى مدّعي عام التمييز بعد الضغط عليها وتهديدها بسمعتها”، بحسب إحدى القاضيات.

إسكات الإعلام.. لصالح من؟

منصة إخبارية أُجبرت على التراجع وتقديم اعتذار

سبق لمنصة “صوت بيروت”، أن نشرت تقريرًا أشار إلى أنّ أحد القضاة الإداريين في قصر عدل بيروت يتحرش ببعض القاضيات أثناء دوام العمل.

أثار مضمون المقال استياء الجسم القضائي في لبنان، وتسبّب بحالة كبيرة من الإمتعاض لدى مجموعة كبيرة من القضاة، قرّر على إثرها المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار التدخّل في هذا الأمر. فقام الحجار بفتح تحقيقات موسّعة “بهدف الوصول إلى أسماء القاضيات اللواتي صرحن بهذا الأمر، ومعرفة عما إذا كان هذا الأمر إفتراء وإهانة للقضاء اللبناني، أو أنّها قضية حقيقية جرت داخل أروقة العدلية خلال مزاولة القاضيات عملهن”.

وبعد نشر المقال بساعات، اضطرت المنصة لتقديم اعتذار عن الخبر، عبر مقال تراجعت في مضمونه عن ما نشرته، من دون نشر أو توضيح أسباب ذلك. ونشرت بيانًا جاء فيه: «تعقيبًا عن خبر نشر سابقًا في منصة صوت بيروت، حول إخبار يتعلق بمرجع قضائي إتضح لاحقًا عدم صحته شكلًا ومضمونًا. تتقدم صوت بيروت بالإعتذار من الجسم القضائي في لبنان ومن أي شخصية قضائية مسها أي سوء من دون أي قصد من وراء الخبر المنشور”.

في هذا السياق، أشارت مصادر صحفية لبنانية إلى أن القاضي جمال الحجار “لم يكتفِ بهذا القدر، بل أصرّ على معرفة مصدر هذه المعلومة التي سُربت، فطلب استجواب الصحافية بنفسه، وحقق معها لساعات طويلة، حتى تراجعت المنصة عن مضمون الخبر. ولكن اللافت في خطوة الحجار تلك، أنّه أجبرها على تسليم هاتفها الخلوي، لتفريغ مضمونه!”

تفاصيل خطيرة تفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول ضلوع القضاء بحماية المعتدي بدل المعتدى عليهنّ، واستخدام السلطة القضائية للضغط على الإعلام ومنعه من ممارسة دوره، خصوصًا في قضايا إنسانية وأخلاقية كهذه. إذ أن خطورة هذه الخطوة تكمن في كونه تهديد للجسم الصحافي في لبنان وحق الوصول إلى المعلومات، وانتهاكًا صريحًا للخصوصية، إذ لا يحقّ تفريغ هواتف الصحافيات/ين والإطّلاع على رسائلهن/م الخاصة ومعرفة مصادر معلوماتهن/م.

هل ينصف القضاء القاضيات الناجيات ويحميهن؟

من هنا نتساءل: أين وصل التحقيق بقضية التحرش التي رفعتها القاضية الناجية بوجه رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي إلياس؟ وهل سيستمر التسويف للبتّ بقضية خطيرة كهذه؟ فهذه قضية لا تتناول جرم التحرش فحسب، وإنما كون المتهم بهذا الاعتداء يشغل منصباً قضائيًّا رفيعًا يفترض أن يخوّله حماية الحقوق وإعلاء العدالة!

وهل ينصف القضاء القاضية الناجية التي تجرّأت على الإفصاح وإقامة دعوى، والقاضيات الأخريات اللواتي صمتن خوفًا من دهاليز أخرى؟
ومن يحمي النساء من هكذا اعتداءات إذا تكتّمت السلطة القضائية نفسها عن اعتداءاتٍ مماثلة داخل أروقتها، أو تهاونت المراجع القضائية المعنية في التعامل معها؟

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد