
مقابر “المخطئات” بذريعة ما يسمى بـ “الشرف” في العراق
وصمة العار تلاحقني
“أنا وصمة عار منذ ولادتي إلى الموت، هكذا أنا في نظر أهلي… سيأخذ الله حقنا، لأن الجاني يعيش حتى اليوم من دون محاسبة، رغم طعنه أخته بالسكين في جميع أجزاء جسدها”. هذه هي كلمات حنين (اسم مستعار)، قالتها وهي تجهش بالبكاء، متذكرة لحظات الرعب التي عاشتها عند تعرض ابنة عمها للطعن بالسكين قبل سبع سنوات.
تمكّنت حنين من الهرب إلى خارج العراق، خوفًا من أن تواجه مصير ابنة عمها (ن. ح.).
أمام الكاميرا، انهارت حنين وهي تروي حكاية ابنة عمها، التي حدثت في قرية زراعية بأطراف ذي قار جنوب العراق. أحبت (ن. ح.) ابن خالتها، ولما علم أهلها تعرضت للضرب والتعنيف، ثمّ أجبروها على قبول الزواج من ابن عمها؛ لكنّها تمكنت من الهرب قبل تزويجها، مستغلة ظروف وفاة جدتها في تلك الأيام، وتزوجت حبيبها وانتقلت معه إلى محافظة أخرى.
بعد ثلاث سنوات من هروبها، بدأ أهلها بإرسال رسائل لطمأنتها، وأخبروها أنهم قد سامحوها بالفعل. كانت (ن. ح.) حاملاً في تلك الفترة، فرحت بتلك الرسائل، وقررت العودة. كان هذا فخًّا للإيقاع بها؛ انتظرها إخوتها الثلاثة على أطراف القرية، وطعنوها بالسكين.
تقول حنين: “طعنوها بالسكاكين في جميع أجزاء جسدها، ثم ذهبوا بها نحو مكان أثري يُعرف بأنه مكان لغسل عار المخطئات”. تضيف حنين أنه من يومها اختفت (ن. ح.) عن الأنظار، وأصبح حتى مجرد ذكر اسمها بين أفراد العائلة من المحظورات.
تتمتع بعض العشائر العراقية في عموم المحافظات، خاصة جنوب العراق، بسطوة كبيرة تفوق قوة الدولة وإمكانياتها في كثير من الأحيان. وبعد سقوط النظام عام 2003، زاد ذلك النفوذ بامتلاك العشائر ترسانة كبيرة من الأسلحة، تشمل أسلحة ثقيلة ومضادات طائرات.
وبحسب وزارة الداخلية العراقية، فإن هذه العشائر تمتلك سبعة ملايين قطعة سلاح، بالإضافة إلى التمثيل العشائري في مجلس النواب؛ لذا تخشى القوى الأمنية المساس بالعشيرة خوفًا من الملاحقة والاستهداف الشخصي. حتى إن أغلب المشكلات والنزاعات، التي تحدث في المحافظات العراقية المختلفة، يتمّ حلها عن طريق المجالس العشائرية وليس المحاكم.
تلال “المخطئات”.. مقابر عشائرية لدفن النساء
تقول حنين إن القرية نفسها، شهدت 6 حالات لفتيات قُتلن لمجرد “الشكوك في سلوكهن”، ودُفنت بعضهن في تلك المقابر التي لا يستطيع أحد الحديث عنها بسطوة العشيرة.
وبالبحث عن رواية حنين، اكتشفنا أن هناك عدة مقابر في الناصرية ومحافظات أخرى، تنوعت أماكنها في شمال وجنوب وغرب البلاد (وفق شهادات من التقينا بهم/ن خلال العمل على التحقيق)، تُدفن فيها النساء المقتولات بذريعة ما يُعرف بـ”الشرف” من دون مساءلة، للهروب من أيّة تبعات قانونية.
عام 2020، هزت إحدى جرائم الشرف أركان محافظة الناصرية والعراق بأكمله، حين ذبح أب ابنتيه المراهقتين ودفنهما في صحراء البطحاء، بالقرب من التلال الأثرية هناك.
هذه الجريمة نشرت تفاصيلها منظمة المرأة العراقية حينها، وأكدتها الناشطة الحقوقية رنا منصور، وهي من الناصرية، أن تلك الجريمة الشهيرة شجعت الناس على الحديث عن مقبرة البطحاء، ودفن “المخطئات أو المنبوذات”.
وأضافت أن “الناصرية وحدها تضم عدة مقابر أخرى، كل واحدة منها تخص عشيرة من العشائر المقيمة هناك، وتدفن فيها النساء المقتولات بجرائم الشرف”، وفق قولها.
أما عن حادثة الفتاتين، تشير رنا إلى حدوثها عام 2020، “عندما هربت الكبرى مع شخص أحبته، ورافقتها أختها الصغيرة إلى كركوك شمال العراق، خوفًا من البقاء وحدها. أُلقي القبض على الفتاتين، بعدما تخلى الشاب عنهما، إلى أن وصلتا أحد مراكز الشرطة في الناصرية، الذي سلمهما إلى والدهما، مقابل كتاب تعهد بعدم إيذائهما. ورغم ذلك، أقدم الأب على ذبح ابنتيه بدمٍ بارد”.
تقع مقابر “تلال الخطيئة” في قضاء البطحاء، غرب الناصرية جنوبي العراق، على بعد نحو 40 كيلومترًا من مدينة أور الأثرية، وفق نشطاء تحدثنا معهن/م.
قبور “الخطيئة” في عموم ذي قار
الناشطة والمحامية زينب الحسن، من بغداد، تقول إنها زارت في إحدى المرات منطقة “تل اللحم” بذي قار، على تخوم بادية الناصرية، حيث توجد هناك مقبرة تاريخية شهيرة، بمرور الزمن أصبحت مكانًا لدفن الأطفال من دون نسب، وأيضًا جرائم “غسل العار”.
تصف زينب المقبرة بالقول: “كانت هناك قبور مرتفعة بلا أسماء، تمتد لمسافات طويلة في مكان صحراوي مهجور”.
لا تقتصر تلك المقابر على منطقة الناصرية، بل توجد في محافظات أخرى كثيرة، حيث تلجأ القبيلة أو العشيرة إلى دفن “المخطئات” في مقابر خاصة، كما يقول علي البياتي، المتحدث السابق للمفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق.
مقبرة “جيان”: أسرار وحكايات مدفونة
البحث عن تلك المقابر قادنا إلى أشهرها، حيث تقع في السليمانية بإقليم كردستان شمال العراق؛ رغم أن الإقليم يتمتع بسمعةٍ جيدةٍ في ملف الحريات والحقوق، بخلاف سائر أرجاء العراق، لكنّ الواقع على العكس تمامًا.
في نهاية الأمر، وصلنا إلى المقبرة، التي تقع في الجزء الخلفي لمقبرة “تلّة سيوان”. ورغم حظر الدخول، تمكنّا عن طريق المُرافق من الوصول إليها عبر التنقل ما بين المقابر الرسمية، وصولًا للجزء الخلفي؛ فشاهدنا على امتداد البصر شواخص لقبور من دون أسماء، كُتبت عليها عبارة واحدة “ئارامكاى ژیان”، التي تعني بالعربية “مستقرّ الحياة”.
أمام أحد الشواهد، تقف شابة حاملة وردة صغيرة ومصحفًا؛ جلست أمام القبر وهي تحاول إخفاء وجهها، وتدعو لأختها المدفونة تحت تلك الصخرة.
حدثتنا الفتاة، ذات الخمسة والعشرين عامًا، عن قصة أختها التي أحبت زميلها في الجامعة قبل 3 سنوات، وعندما تقدّم لخطبتها رفضه أهلها، وبالرغم من ذلك استمرت علاقتهما. وعندما علم أخوها، قتلها ودفنها أبوها من دون مراسم، بعد هروب أخيها القاتل.
إخفاء معالم الجريمة
عام 2002، أقرّ إقليم كردستان تعديل قانون العقوبات؛ لإزالة الاستثناء في العقوبة عن مرتكبي جرائم القتل تحت مسمى “الشرف”، ومساواتها بالقتل العمد. لكن يظل هذا التعديل “مجرد حبر على ورق”، وفق ريزان الشيخ، العضوة السابقة في مجلس النواب العراقي عن دائرة السليمانية، بسبب السطوة العشائرية وانتماء المجرمين للأحزاب السياسية.
وبحسب ريزان، يستمر وقوع جرائم ما يُعرف بـ “الشرف”، وإفلات الجناة من العقاب.
فالإحصاءات الرسمية تشير إلى وجود 670 متهمًا بارتكاب “جرائم الشرف”، منذ عام 2008 إلى 2024، داخل إقليم كردستان، ولم تقبض عليهم السلطات، بسبب انتمائهم للعشائر والأحزاب.
تقول ريزان إن “المدفونات في مقبرة جيان عدة أنواع، بعضهن تُدفن من دون علم أحد، وأخريات يتمّ قتلهن وتشويه ملامحهن أو إحراقهن ورميهن في الطرقات، لضمان عدم التعرف عليهن. وبعد الاحتفاظ بالجثة أربعين يومًا لدى الأجهزة المختصة، يتم دفنها في المقبرة من دون اسم”.
وانتقدت العضوة السابقة في مجلس النواب العراقي، إهمال السلطات التنفيذية في ضبط مرتكبي تلك الجرائم، رغم التطور الهائل في التكنولوجيا الأمنية، التي تمتلكها الأجهزة في الإقليم، مشيرةً إلى “أن تلك الجهات تتعاطف -في أغلب الأوقات- مع القاتل وليس الضحية”، وفق تعبيرها.
كلام ريزان يؤكده تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، في تموز/يوليو 2024، يشير إلى “انتشار الإفلات من العقاب في ’جرائم الشرف’ داخل الإقليم، وتقاعس السلطات الأمنية في ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم”.
وثّقت منظمة العفو الدولية مقتل أكثر من 30 امرأة لأسباب مختلفة عام 2023، وأيضًا مقتل 44 امرأة عام 2022.
وتشير المحامية شوخان حمه رشيد، وهي ناشطة مختصة بتلك القضايا، إلى أن “عدد المقتولات بذريعة الشرف في الإقليم -وفق إحصائيات غير رسمية- يتراوح ما بين 50 إلى 60 حالة سنويًّا، لكنّ وزارة الداخلية في الإقليم تمنع نشر أيّ إحصاءات حول أعداد الضحايا”.
وترجع شوخان سبب إفلات الجناة من العقاب إلى “بطء الإجراءات القانونية، وغياب المشتكيات/ين المدعيات/ن بالحق الشخصي، وعدم التعرف على الجثث”.
ويشير تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، استنادًا إلى تصريح المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء، إلى وقوع “نحو أربعة آلاف جريمة قتل “بذريعة الشرف” في العراق، منذ عام 1991 وحتى 2001″.
وترى ناشطات في عدة منظمات حقوقية بالعراق، أن “الأرقام المُعلنة لجرائم القتل “بذريعة الشرف” هي أقل بكثير من الأعداد الفعلية، نظرًا لوقائع جرائم أخرى تتمّ في سرية تامة”.
الانتحار: ستار لإخفاء الجريمة
تقول شيماء (اسم مستعار لفتاة من بغداد) إن أسرة ابنة عمها “فطومة”، أجبرتها على كتابة رسالة تفيد “انتحارها” وهي في سن 17 عامًا.
تضيف أن أسرة عمها انتقلت من محافظة ريفية إلى وسط بغداد، وبحسب التقاليد العائلية، كان الاتفاق أن تتزوج ابن عمها، لكنّها أحبت ابن الجيران، الذي كان يحدثها سرًّا عبر هاتف حصلت عليه بمساعدة صديقاتها.
اكتشف أخوها وجود الهاتف، وعثر على الرسائل بينها وبين الشاب، فانهال عليها بالضرب المبرح، ثمّ أجبرها بمساعدة أبيه على كتابة رسالة انتحار، وأرغماها على تناول عقاقير بكميات كبيرة.

فطومة ليست حالة فردية، فهناك حالات كثيرة يحتال فيها الأهل بالانتحار، للتستر على جرائم القتل تحت مسمى “الشرف”.
الناشطة “رنا” من ذي قار جنوب العراق، تشير إلى أن محافظتها تسجل أعلى معدلات الانتحار، لكنّها في الواقع “جرائم شرف”.
الأمر ذاته تؤكده المحامية روزكار إبراهيم، المختصة بقضايا “جرائم الشرف” بإقليم كردستان، فتقول إن “عمليات قتل كثيرة بحجة “غسل العار”، تُعلن انتحارًا، للتغطية على جرائم القتل التي يرتكبها أفراد العائلة أنفسهم”.
المدير السابق للطب العدلي في الديوانية، حسين الجنابي، أكد أيضًا أن “الكثير من حالات الانتحار التي مرت عليه، اتّضح أنها جرائم ’غسل عار’”. ويذكر أن “إحدى الحالات المصابة بطلق ناري -وخلال التشريح- تبيّن حملها رغم عدم زواجها، وتمّ رفع تقرير من الطب العدلي بذلك”.
الأمر ذاته أفصح عنه مدير الطب العدلي في السليمانية برزان محمد، الذي قال إن “حالات انتحار كثيرة لفتيات أثبتت التقارير أنها جرائم قتل”.
اعتراف من الداخل
تواصلنا مع مصدر في وزارة الداخلية العراقية، فأفاد بأن ما يصل إلى “70 في المئة من قضايا الانتحار هي في الواقع جرائم ’غسل عار’”، وأكد أن “السطوة العشائرية -في كثير من الأحيان- تمنع الأجهزة الأمنية من التحقيق في تلك الجرائم أو الإعلان عن تفاصيلها”.
واستشهد المصدر بحالات “غريبة” تولى التحقيق فيها؛ من بينها فتاة مراهقة قيل إنها انتحرت عبر الشنق، لكن بمجرد وصوله موقع الحادث، كانت ساقاها تلامس الأرض بشكلٍ كامل!
خلال تواصلنا مع المصدر، وفي اليوم ذاته، أرسل لنا برقيّتين تؤكد ما كشفنا عنه. ففي الرابع من أيلول/سبتمبر 2024، وخلال أربع ساعات فقط، قُتلت فتاتان بعمر 15 عامًا، وأبلغ الأهل أنهما قد انتحرا؛ لكن بعد معاينة الأجهزة الأمنية، تبيّن مقتلهما تحت مسمى “غسل العار”.
تظهر الإحصائيات حدوث ارتفاع غير مسبوق في معدلات الانتحار في العراق خلال السنوات الأخيرة.
ووفق المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فإنه خلال عامين ونصف العام (من 2022 إلى منتصف 2024) “شهد العراق تسجيل أكثر من 2000 حالة ومحاولة انتحار؛ حيث شهد عام 2022 تسجيل ألف و73 حالة ومحاولة انتحار، في حين شهد عام 2023 تسجيل 700 حالة انتحار، وشهدت الأشهر الستة الأولى من عام 2024، تسجيل 300 حالة ومحاولة انتحار”.
وتوضح إحصائيات المركز أن “الأعوام من 2016 إلى 2021، شهدت تسجيل 3 آلاف و63 حالة ومحاولة انتحار”. توزّعت هذه الجرائم بين “343 حالة انتحار سُجّلت عام 2016، وفي 2017 سُجّلت 449 حالة انتحار، و519 حالة انتحار عام 2018، و588 حالة انتحار عام 2019، و644 حالة انتحار عام 2020، و863 حالة عام 2021”.
ووفق مصادر في وزارتي الصحة والداخلية، فإن “الغالبية الكبرى من عمليات ومحاولات الانتحار كانت لفتيات”.
القتل تحت ستار الانتحار


أكد التقرير الجديد -الذي حصلنا على نسخة منه- وجود الكدمات والخدوش في جميع أجزاء جسد الضحية، بما فيها أعضاؤها التناسلية، إلى جانب وجود بقايا بشرية تحت أظافرها.
ومع توثيق هذه الأدلة، توجه الأب إلى القضاء الذي عيّن خبيرًا جنائيًّا أظهرت تحقيقاته ضعف احتمالية الانتحار، لأن المسافة بين سطح الغرفة والأرض غير كافية لتحقق الانتحار، وكانت قدما القتيلة تلامسان الأرض، بالإضافة إلى أن الزوج برّر آثار الخدوش على جسمه بممارسة “العلاقة الحميمة” معها عند الساعة 3:45 فجرًا، أيّ قبل أقل من أربع ساعات من “انتحارها”.


على إثر ذلك، خلصت المحكمة إلى أن الوفاة ناتجة عن القتل وليس الانتحار، وحكمت على الزوج بالسجن المؤبد.
كما قضت محكمة النزاهة في بغداد على طبيب الطب العدلي، الذي أعد التقرير الأول المزوّر، بالغرامة مليون دينار (ما يعادل نحو 650 دولارًا أميركيًّا).

تسليم الضحية إلى قاتلها
تظهر أغلب حالات القتل التي وثّقناها بأنها كانت لفتيات تحت السن القانونية (أقل من 18 عامًا)، وهو ما يشير إلى ثغرة قانونية تسمح بتسليم الفتيات “الهاربات” إلى ذويهن، الذين لا يترددون في قتلهن بدمٍ بارد، تحت مسمى “غسل العار”.
ينص قانون رعاية الأحداث المعدل، رقم 76 لسنة 1983، على إعادة مَن تحت سن 18 عامًا إلى ولي أمره.
فتنص المادة 23 من القانون على أن “تتولى الشرطة البحث عن الهاربين/ات من ذويهم/ن تحت السن القانونية”، كما تنص على “إيصال من يتمّ العثور عليهم/ن من قبل الشرطة في أماكن الجنوح كالمقاهي والسينما والمراقص والمشارب إلى ذويهم/ن”. وتنص المادة 24 من القانون، بأن القاصر/ة يُعدّ مشرد/ة حال ترك منزل وليه/ا من دون عذر شرعي”.
يستعرض تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر في تموز/يوليو 2024، حالة مشابهة لشقيقتين قُتلتا في إقليم كردستان، إحداهما 17 عامًا، والأخرى 19 عامًا عثر على جثتيهما بعد تسليمهما إلى والدهما، وتوقيع تعهد غير ملزم قانونيًّا بحسب التقرير.
المحامي والخبير القضائي محمد القاضي، انتقد الأجهزة التنفيذية بأنها “لا تأخذ على محمل الجد مصير الهاربات، ولا تحقق حتى في أسباب هروبهن، وبالتالي يتمّ إيقافهن من قبل الشرطة، وتسليمهن باليد إلى القاتل”.
أما مدير الشرطة المجتمعية بوزارة الداخلية، العميد علي عجمي، فهو لم ينفِ تسليم الفتاة الهاربة لولي أمرها، لكنّه أكد أنهم “يتعاملون بحذرٍ وسرية وبإجراءات يتمّ إطلاع القضاء عليها، من أجل الحفاظ على بنية الأسرة وأرواح الفتيات”.
ثغرات قانونية بحاجة إلى تعديل
تنص المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 3 سنوات من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه في حال تلبسها بالزنا، أو وجودها في فراش واحد مع شريكها، فقتلهما في الحال أو قتل أحدهما أو اعتدى عليهما أو على أحدهما اعتداء أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة، ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر، ولا تطبق ضده أحكام الظروف المشددة”.
وتنص الفقرة الأولى من المادة 41 من القانون على أنه “لا جريمة إذا وقع الفعل (الضرب) استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالًا للحق، تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعًا أو قانونًا أو عرفًا”.
تؤكد عدة ناشطات ومنظمات حقوقية أن أساس استمرار جرائم القتل “بذريعة الشرف” واتساعها، يقوم على عدم تعديل المادتين (41 و409).
فتقول المحامية والناشطة مروة عبد الرضا، إن “المادتين أباحتا قتل النساء والفتيات، وأدّتا إلى إفلات الجاني من العقاب”. واعتبرت أنهما “لا يتوافقان مع الشرع أو الدستور؛ لأن الشرع يستند إلى وجود أربعة شهود، فيما تنص المادة الـ 14 من الدستور العراقي على ’أن العراقيين متساوون بالحقوق، بصرف النظر عن العرق والجنس’، فلماذا يُعدّ قتل المرأة ’جريمة شرف’، وقتل الرجل جريمة مكتملة”.
أما الخبير القضائي محمد القاضي، فيقول إن “القانون اشترط المفاجئة ووجود التلبس؛ أي دخول الأخ أو الأب أو الزوج على المرأة أو الفتاة متلبسة لحظة ممارسة فعل الزنا، لكن ما يحدث على أرض الواقع هو تربص مبني على مجرد شكوك وشبهات”.