من يحفظ حق اللاجئات السوريات في التعلّم والترفيه؟

عليا، هاجر وفرح، وغيرهن من اللاجئات السوريات المقيمات في لبنان يملكن حلماً بسيطاً: متابعة دراستهن بأمان.

هذا الحلم هو حق أساسي أيضاً بموجب المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي توصي بأنه: “لكل شخصٍ الحق في التعليم الذي يجب أن يُوفر مجاناً، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية”.

هذه المادة حددت الفرد، لكنها لم تميز بين المواطن/ة واللاجئ/ة، ولبنان صادق على هذا الإعلان، وهو موافق على كل مواده، وبالتالي مسؤول عن تأمين التعليم لجميع الفئات المقيمة على أرضه.

لكن هل تحفظ الدولة هذا الحق؟ وفي حال غيابه، من يحمي اللاجئات؟

قال نابليون بونابرت يوماً إن “من فتح مدرسة أقفل سجناً”. هذا المثل يكرس أهمية التعليم في بناء المجتمعات وتطوير الأفراد. ولكن في ظل الأزمة الاقتصادية الاستثنائية التي يعيشها لبنان، وانخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق السوداء، بات التعليم من الرفاهيات بالنسبة إلى الطبقتين الفقيرة والمتوسطة من اللبنانيين/ات والمقيمين/ات.

غرسة”.. حلم لنشر العلم يتحول إلى حقيقة

داخل مخيم الرشيد 004 في منطقة البقاع اللبنانية بدأ حلم عُلا الجندي، معلمة الرياضيات. فحاولت هذه اللاجئة السورية أن تتحدى الظروف المحيطة بها وتقدم التعليم لكل فتاة وسيدة داخل المخيم. وأسست خيمةً صغيرةً بمبادرةٍ فرديةٍ، أطلقت عليها اسم “غرسة”، أي النبتة الصغيرة التي تُزرع في الأرض. لتتحوّل هذه الغرسة إلى جمعية تدعم أكثر من 400 فتاة وسيدة من اللاجئات وتقدم لهن التعليم والترفيه والتوعية على حقوقهن، وغيرها من الخدمات تحت شعار “نزرع غرسة لنجني وطن”.

وفي مقابلة خاصة مع موقع “شريكة ولكن”، أكدت المتطوعة في القسم الإعلامي في “غرسة” فرح أحمد أن “مبدأ الجمعية يركز على أن كل ما نزرعه في الطفل/ة من تعليم وتأثير ودعم نفسي ومعنوي اليوم، يحصده/تحصده في المستقبل ويبني/تبني بالتالي مجتمعاً واعياً ومثقفاً”.

أما بالنسبة إلى البرامج التعليمية التي تقدمها للفتيات اللاجئات، فلفتت أحمد إلى “وجود برنامج تعليمي للفتيات لدراسة المنهج اللبناني وتقديم إفادات لهن من مدارس لبنانية متعاقدة مع الجمعية، لمساعدتهن على الاندماج في المدارس والمناهج اللبنانية”.

وأوضحت أن “غرسة تقدم برامج مخصصة للنساء المتزوجات أيضاً، تشمل جلسات توعية حول الجندر والصحة الإنجابية والجنسية، وجلسات دعم نفسي جماعي وفردي. بالإضافة إلى دورات كمبيوتر ولغة إنكليزية”. والهدف من ذلك أيضاً أن تصبح كل لاجئة مؤهلة بدورها لتعليم ونقل كل ما تعلمته مع غرسة إلى بيئتها الصغيرة.

وكان للشابات أيضاً حصة كبيرة من هذه الخدمات، فتحدثت فرح عن مشروع “قيادة اليافعات” الذي يمتد على مدار 11 شهراً، ويتضمن توعية حول الصحة الجنسية والنفسية، وحول التحرش ومهارات التواصل وحلّ النزاعات، ومهارات التفاوض.

وبعد انتهاء البرنامج  تقدم الجمعية فرصة عمل للمتدربات ليصبحن بدورهن مدربات لفتياتٍ جديدات، كما تقدم لهن مبلغاً صغيراً من المال جراء عملهن التطوعي.

حق اللاجئات بالتعليم ضائع بين الأزمة الاقتصادية والأوراق الثبوتية

وفرح أيضاً تحمل قصةً تتشاركها مع عددٍ كبيرٍ من اللاجئات السوريات. فقالت عن تجربتها لموقعنا: “لم أستطع أن أتابع دراستي بسبب الحرب في سوريا وضياع أوراقي الثبوتية، لكن غرسة كانت ملجأي الوحيد، وقدمت لي القوة والثقة في نفسي. وأنا سعيدة جداً كوني جزء من هذه الجمعية، فنحن نساعد الجميع من دون تمييز”.

وأكدت الجمعية أن نحو 90% من اللاجئات المقيمات في مخيمات البقاع غير متعلمات، بسبب عدم اكتمال أوراقهن الثبوتية، بالإضافة إلى تردي الوضع المعيشي الذي حول التعليم إلى أمرٍ ثانوي.

وبحسب استطلاعٍ للرأي أجراه “مركز الدراسات اللبنانية”، فإن الفقر يشكل عائقاً أساسياً أمام تعليم الطلاب/الطالبات السوريين/ات المقيمين/ات في لبنان. يضاف إليها غياب الأوراق الثبوتية، ما يمنعهم/ن من الانخراط والمشاركة في البرامج التعليمية اللبنانية.

لكن النساء والفتيات ما زلن الفئة الأكثر تأثراً بهذه المشكلة، خصوصاً أن عقلية مجتمعاتنا الذكورية تعتبر أن تعليم الفتيان أكثر أهميةً من تعليم الفتيات، لذلك تلجأ عائلات كثيرة إلى حرمان فتياتها من التعليم وتوفيره للفتيان.

من متدربات إلى مدربات..  فتيات غرسة ينشرن العِلم والوعي

بدأت قصة عليا وهاجر مثل فرح وغالبية اللاجئات السوريات الشابات اللواتي رمتهن الحرب في بلدٍ غريب، وفرضت عليهن الهجرة قواعداً جديدةً وحصرت دورهن أكثر وأكثر في المنزل “كزوجة وأم”.

وروت هاجر (19 عاماً)، وهي لاجئة مقيمة في البقاع مع عائلتها منذ 6 سنوات، لـ”شريكة ولكن” عن حلمها بالحصول على أبسط حقوقها والتعلم في الجامعة، لتبني لنفسها مستقبلاً أفضل من حاضرها.

تحدثت هاجر عن الفرصة التي حصلت عليها مع “غرسة” وكيف أثرت على حبها للتعلم والمعرفة. فشاركت في دورات تعلم اللغة الإنكليزية، وبعد مشاركتها في مشروع قيادة اليافعات بدأت تشعر بالثقة بنفسها وبدأت باكتشاف ذاتها ومحيطها بشكلٍ أفضل، على حد تعبيرها.

تعمل هاجر حالياً كمدربة في مبادرة “إكسري صمتك”، وقالت إنها “سعيدة جداً بنقل خبرتها والمعلومات التي اكتسبتها إلى 16 فتاة جديدة، وتحصل في المقابل على مبلغٍ رمزي من الجمعية مقابل تدريب الفتيات”.

أما عليا، وهي أيضاً لاجئة سورية شابة تقيم في البقاع، فشاركت في دورات كمبيوتر ولغة إنكليزية، بالإضافة إلى انخراطها في برنامج القيادة لليافعات، وهي الآن قائدة مبادرة جديدة عنوانها “التحرش” لتوعية الفتيات وتقديم الدعم النفسي لهن.

وقالت عليا عن هذا الأمر لموقعنا: “غرسة قدمت لي فرصة التعلم وتطوير الذات، على الصعيدين النفسي والشخصي، والآن حان دوري لأقدم تجربتي وخبرتي لفتياتٍ أخريات”. ولفتت إلى أن كل ما ينقصها هو متابعة تعليمها الأكاديمي، هذا الحق الذي حرمت منه بسبب هويتها وأوراقها الثبوتية.

وأضافت: “لو أكملت دراستي كنت أريد أن أصبح محامية أو سفيرة للنوايا الحسنة لمساعدة أكبر عددٍ ممكن من الفتيات”.

هاجر وعليا وفرح نماذج ثلاثة عن لاجئاتٍ كثر حرمتهن الحرب من أبسط حقوقهن، وتشكلن مثالاً للقوة والعزيمة على الرغم من الظروف الصعبة في لبنان.

مبادرات تدعم تمكين وتعليم النساء.. أين دور الدولة؟

“غرسة” ليست الجمعية الوحيدة التي تقدم خدمات الدعم النفسي والترفيه والتعليم للفتيات والنساء اللاجئات واللبنانيات على حدٍ سواء. فهناك العديد من المنظمات التي تقدم برامج لتمكينهن وتعريفهن إلى حقوقهن وتوعيتهن في ظل “غيبوبةٍ” شبه تامة لمؤسسات الدولة اللبنانية، التي لا تقدم حتى الحماية للاجئات، ودورها محصور بتقديم التراخيص للمنظمات غير الحكومية. وذلك على الرغم من الآثار الكارثية لأزمات لبنان، التي تدفع الفتيات والنساء واللاجئات خصوصاً ثمنها يومياً، حتى وصلنا إلى اليوم الذي أصبح فيه التعليم وإيجاد سبلٍ للترفيه عن الأطفال/الطفلات عبئاً يومياً حرم فتياتٍ كثيرات من التعليم وعرّضهن للتسرّب المدرسي، ما سيخلق أزماتٍ اجتماعيةٍ متتالية لا تبدأ من خطورة تفضيل تعليم الفتيان، ولا تنتهي بارتفاع نسب التزويج المبكر. فمن المسؤول عن حماية حق التعلم والحياة في بيئةٍ آمنة؟

في ما يأتي نقدم لكن/م بعض الجمعيات التي تقدم خدمات وبرامج لتمكين اللاجئات وتعليمهن وتعريفهن إلى حقوقهن.

جمعيات لمساعدة اللاجئات

 

كتابة: مريم دحدوح

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد