تحرش بي رجل دين

كتابة: ملكة خانات

سرنا في هذا التحقيق بين الأشواك وسنسير، لنردع كل أبوي يلقي بالتهم جزافاً على النساء ويحملهن مسؤولية أي تحرش، ولنظهر كل التفاصيل الموجعة وآثارها النفسية على الناجيات. ونجيب عن جميع الأسئلة الاتهامية التي يمكن أن تُطرح.

نسعى في هذا التحقيق إلى إبراز تواتر هذا الفعل، وإمكانية حدوثه مع كل الفتيات والنساء في محيطهن والانتباه إلى أن المتحرّش موجود حتى في أكثر الأماكن أماناً وقدسيةً، وتحت مسمياتٍ مختلفة. سنتكلم بألسنتهن، سنرى بعيونهن ما واجهنه، ثلاث ناجيات شجاعات كسرن حاجز الصمت وتكلمن عن تحرّش من يفترض أن يمثل “الأخلاق والقيم الدينية والمجتمعية”. سنرى كيف قام رجال دين بانتهاك نفس وجسد النساء والفتيات من أعمارٍ مختلفة.

تشكل هذه الجريمة صدمة قاسية للناجيات، وتثقل كاهلهن بتبعاتٍ نفسيةٍ وجسدية، فكيف إذا كان المعتدي رجل لا يعطيه المجتمع سلطة ذكورية فقط، بل يستحوذ أيضاً على سلطة مقدسة ويكرس قدسيتها مجتمع عاطفي ديني، بينما تستشرس السلطات الدينية في الدفاع عن أعضائها.

الناجية الأولى.. نانسي (30 عاماً)

“كان عمري 15 سنة وكنت أعاني من مشاكل مع زوجي، إذ تم تزويجي في سنٍ مبكرة وكنتُ أشعر بتغير مشاعره تجاهي. ولأنني ترعرعت في مجتمع وطائفة تستشير في كافة تفاصيل حياتها المراجع الدينية عموماً ومشايخها خصوصاً، كان زوجي من أتباع شيخ كان يبلغ من العمر حينها نحو 50 عاماً من عائلة تضم مشايخ يقال إنهم “أجلاء لهم أسرارهم وبراهينهم. فحول الناس قبورهم إلى مزارات يقصدونها للتبرك. وكان هذا الشيخ  كالأب الروحي لزوجي ومرجعه الديني، ووجب علينا احترامه وإجلاله فهو ممثل الله على الأرض. في حين زرع آباؤنا في أنفسنا الخوف من معصية أمثاله، إذ يعتبر إثماً لا يغتفر يُلحق بنا غضب إلهي عظيم”.

هكذا بدأت نانسي (اسم مستعار) سرد حكايتها لموقع “شريكة ولكن” مع ما تعرضت له من تحرشٍ جنسي على يد رجل دين استنجدت به ليساعدها في حل مشاكلها مع زوجها فطمأنها أنه سيقف إلى جانبها وسيقصد منزلهما شخصياً لإصلاح الحال. شكرته بكل طيبة وصدقت أنه سيعيد حياتها الزوجية إلى ما كانت عليه وأفضل.

وقالت إنه طلب أن تعلمه بالوقت الذي يغيب فيه زوجها عن البيت كي يزور المنزل ويصلح الأمور بينهما من دون إخبار أحد، “فوافقت بكل سذاجة. سذاجة طفلة لن تتوقع شراً من شخص يفترض أنه رمز للأخلاق”.

وأضافت نانسي: “أعلمته بيومٍ كان زوجي سيتوجه فيه  إلى بيروت. وحين وصل استقبلته استقبالاً عارماً لتأتيني الصدمة بما قاله لي. إذ أكد أن الأمور لن تتحسن  إلا إذا مارست الجنس مع شخص غير زوجي على أن يتم ربط ما يخرج من مهبلي بخيط ويوضع في حوض شتلة في المنزل! لم يستوعب عقلي هذا الكلام. ولم أستطع تصديقه لكنه صدر عن لسان شيخ من غير المسموح تكذيبه أو حتى مجادلته في الكلام”.

لم تكن نانسي الوحيدة التي تم إقناعها بهذه المبادئ، بل أهلها ومحيطها ومجتمعها كله يؤمن بها، هذا المجتمع الصغير الذي قالت عنه: “كنت محصورةً به ظانةً أنه العالم أسره”. عارضت نانسي هذا الاقتراح الصادم بشدة وأخبرته أنها لن تقبل بحلٍ يتطلب منها خيانة زوجها  فقال لها  إنه سيساعدها  بالتبرع بالقيام بالأمر وكأنه يقدم لها “خدمة”! “فأخذ يدفعني نحو غرفة النوم مردداً ما تخافي مني ويلقي بي نحو السرير وينقض علي كالوحش”، قالت نانسي في مقابلتها مع موقعنا. وأضافت: “لم أقوَ على الحركة، تشنج جسمي، لم أستوعب ماذا يحدث. وعندما انتهى، أكمل تمثيليته للنهاية، فأتى بالخيط وقال لي إن زوجي سيعود كالسابق والأمور جميعها سوف تحل وخرج”.

بعد 10 دقائق وصل زوج نانسي إلى المنزل ليجدها مصابةً بانهيار عصبي وتبكي على الأرض والأغراض المبعثرة تحيط بها وإلى جانبها محرمة محبوكة بخيوط. وعن ردة فعله قالت إنه “أخذ يصرخ ماذا حدث هنا؟ وعندما أجبته لم يصدقني، وبدأ بضربي وتكسير ما تبقى من أغراض من حولي، وذهب إلى منزل شقيقه  الكبير، وأخبره بما قلته له فاستنكر شقيقه التعرض لمقام الشيخ علي، وجمع رجال العائلة وأتوا إلى منزلي، وبدأ شقيق زوجي  بضربي واتهامي بالكذب”. وأضافت أن “عقله الصغير لم يتحمل فكرة هدم ما آمنوا به وضرب قدسية شيخهم الجليل. وعندما أخبر زوجي أهلي بالأمر وعن نيته تطليقي، جاء شقيقي وضربني  وتشاجر مع زوجي في الشارع، فانتشر الخبر وكذبني الناس”.

لم تنته معاناة نانسي بالضرب والتعنيف الذي تعرضت له من جميع رجال العائلة فمنعها والداها وأخوتها من زيارتهم. وتعرضت لإهاناتٍ متواصلة من جميع المحيطين بها كلما مشت في الشارع. “بات الناس في الشارع من الصغير حتى الكبير يبصقون علي وينعتونني بأبشع النعوت. ليبلغني بعدها رجال عائلة زوجي بأنهم سيأخذونني إلى مقامٍ ديني يكشف الكذب في سوريا لكي أحلف أمامه! نعم، هناك عدة طوائف تؤمن بمصداقية هذا المقام، فذهبت والجزء الأيمن من جسدي مشلول وغير قادرة على النطق حتى من الصدمة”.

وعن تفاصيل هذه الممارسة التي لا يصدقها عقل، أشارت إلى أن “المقام أظهر أنني لم أكن أكذب بأنني لم أغوه وبأنه اغتصبني فعلاً، فصورني زوجي مع البرهان ونسخ الفيديو على أقراص مدمجة ووزعه في الشارع ليتأكد الناس من براءتي! هل تصدقون سريالية المشهد! وبالرغم من ذلك لم يقتنعوا بأنني مظلومة. قطعت رفيقاتي تواصلهن معي، لم يسمح أزواج أخوتي لهن بالتكلم معي، وحين كنت أصادفهن في منزل أهلي، كن يرحلن فوراً. وحين أذهب للتبضع ألاحظ همسات النسوة قائلات: مش هيدي اللي نامت مع الشيخ؟ وحين أدفع حسابي، يقوم المحاسب بحركات جنسية كانوا يشيرون إلي في الطريق ويتحرش بي الشبان على جوانبه”.

جربت نانسي الانتحار 3 مرات، وكانت ردة فعل المحيطين بها أن ذلك يبرهن لهم أكثر أنها سيئة وكاذبة. “لم أقُل سابقاً تفاصيل هذه الجريمة، ولا أحد يعلم بما حدث بشكلٍ مفصل حتى لوالدتي وأخوتي، فلم تتح لي الفرصة للدفاع عن نفسي أو حتى الكلام. كنت إنسانةً ضعيفةً ولا أحد كان يريد أن يصغي إليّ، بل كانت أحكامهم المسبقة جاهزة”، أكدت نانسي في حديثها لموقعنا.

تعتبر الشابة الناجية من عنفٍ جنسي تعرضت له على يد رجل دين أنها ظُلمت كثيراً. وقالت إن نظرتها إلى نفسها تغيرت فأصبحت تمتص إسقاطاتهم وصدقت أنها إنسانة سيئة وكرهت نفسها. “بت أخاف في أي مكان أعمل فيه من الشبان والرجال حولي. لم أستطع استعادة الحياة إلا بعد رحلة علاجٍ نفسي طويلة، وبعد أن تركت كل شيء في هذه المنطقة النجسة وسفري خارج لبنان. أصبحت سيدة ناجحة في عملها، بات الآن أهلي يفخرون بي، لكنني لا أنتظر أي تشجيع منهم فلم أسامحهم بعد. أنا لست بحاجة إليهم الآن، فمن لم يكن معي في محنتي لا أريد مشاركته في فرحي”، أضافت.

وختمت نانسي قصتها بالقول: “لم أذهب إلى تلك المنطقة منذ 11 عاماً وربما يكون تركي للطائفة التي ولدت فيها ردة فعلٍ على الحادثة، فأنا الآن لا أؤمن إلا بالله الذي أشعر أنه أكرمني الآن بنجاحي بعد العذاب الذي عشته. في النهاية، أنا قوية وفخورة بنفسي وأسعى إلى تطويرها والتقدّم. في حين ما زال من ظلمني من الناس يعيشون في القاع. لذلك، أنا أشجع الفتيات بالرغم من تجربتي السيئة على إنزال هذا الحمل الثقيل عن كاهلهن والتكلم على الأقل مع اختصاصي لمساعدتهن ولا يجب أن يشاركن في تعذيب أنفسهن، فهن لم يخطئن أبداً، وحياتهن لم تنتهِ بعد ويمكن إصلاحها”.

الناجية الثانية.. أميرة (30 عاماً)

“كنت في الحادية عشرة من العمر وهو كان في الثلاثين، لم أكن قد بلغت بل كان جسمي جسدُ طفلة. كنت أنا وشقيقتي عائدتان من المدرسة طرقنا باب منزلنا ولكن لم يفتح لنا أحد، استغربنا لأن أمي لا تذهب من البيت من دون إعلامنا، ولم نكن نملك المفتاح، لكننا تذكرنا وصيتها لنا بالذهاب إلى منزل الجيران في حال لم تكن في المنزل فهم كانوا كأهلٍ لنا”.

“بيت مشايخ” هكذا كان الناس يصفون منزل جيران أميرة (اسم مستعار) لأن والدهم المتوفي كان شيخاً فسار أولاده الذكور على خطاه. تتذكر الشابة الثلاثينية ذلك اليوم جيداً، وقالت في مقابلة مع “شريكة ولكن”: “كنا نذهب إلى منزلهم للعب مع إخوتهم الذين كانوا يكبروننا عمراً. أذكر تماماً ذلك اليوم المشؤوم حين انتظرنا في منزلهم ريثما تعود والدتنا. كانوا جميعاً ودودين ما عداه كالعادة، دائم الكشرة، متسلط، وعصبي، لا يمازح، لا يكلمنا، يصرخ في وجهنا إذا لعبنا وكان صوتنا مرتفعاً، وكحالي تماماً كانت شقيقاته يخافون منه أيضاً. كما كان له زاويته الخاصة في البيت يجلس فيها عادةً ليقرأ كتبه الدينية”.

بعد نحو نصف ساعة من وصولها وشقيقتها، تقدم أحد أخوته الذكور ليسألهما  أن تذهب إحداهن إلى الدكان لشراء غرض. فنزلت أميرة من بيتهم في الطابق الثاني وأحضرت ما طلبوه. وأضافت: “ما زلت أذكر الغرض الذي اشتريته يومها، شريطاً لاصقاً أبيض وحين عدتُ قابلتُ شقيقاه الأكبر سناً منه في مدخل المبنى، فقالا لي إن محمد ينتظرني على الدرج. استغربت الأمر، وسألت نفسي لماذا لم يشتروه هم إذا كانوا خارجين من المنزل؟. ولأنني أبرر أفعال الناس، قلتُ في سري ربما لأنهم شيوخ لا تسمح لهم مكانتهم بشراء أغراضٍ كهذه. كنتُ طفلةً لا أفقه شيئاً”.

صعدت أميرة الدرج والتقته، وأعطته الشريط اللاصق فصار يتحجج بأنه يريد لوناً مختلفاً. وأكملت: “بدأ يتكلم لكنني  لم أعد أسمعه لأنه غطى بجسده الضخم كل الضوء خلفه، وأعتم روحي بقبلات على فمي ورقبتي. أذكر أنني لم أرَ سوى الظلام ولم أشعر سوى بالخدر، صدمة جعلت من جسدي الصغير النحيل خشبة لا تتحرك. لم أعد أقوى على الحركة، حتى توقف عندما سمع دعسات كانت لرجلٍ يسكن في المبنى. هنا استيقظت من ما أنا فيه، ووجدتها فرصةً للهروب، فصعدت عدة أدراج وقلتُ له لا يوجد منه أي ألوان أًخرى. نظرتُ إلى الرجل المار نظرة استجداء ليخلصني أو على الأقل أن يخفف من وتيرة سيره لأتمكن من الهرب لكنه لم يرَ  نظراتي. وعندما شعرت أن الرجل اختفى عن ناظري صرخت في وجه الشيخ أن لا يوجد ألوان أخرى! وهي ترجمة لكلماتٍ لم أستطع قولها. وركضت صاعدةً إلى منزلهم كي أًخرج أختي ونرحل إلى أي مكان غير بيت المشايخ غير الآمن لنا”.

وأكملت أميرة حكايتها فأوضحت: “حين عدنا إلى البيت وفتحت والدتي الباب قلت لها بحرقة أين كنتِ! وكأنني أعاتبها على ما جرى لي. ولسخرية القدر أن أمي كانت في المنزل ولم تسمع طَرَقاتنا.  لم أخبر أحداً بما جرى لي، خفت، ولكنني ماعدتُ أدخل منزلهم. حتى أن أمي في اليوم التالي أرسلتني لإحضار مياه من منزلهم فوقفت على الباب، نظر إلي من زاويته المعتادة وقال لي أدخلي ميمو ليش مستحية؟. كنت أرغب في الصراخ في وجهه لأقول أمام الجميع أنت تعرف السبب، ولكنني لم أستطع. شعرت بالعجز كل تلك الفترة وتجنبت لقاءه حتى في الشارع، كنت حين أراه أقطع الطريق إلى الجانب الآخر، يرجف قلبي وأشعر بالإعياء”.

مر على الحادثة وقت طويل، تغيرت أميرة خلالها وتبدلت أفكارها. وأوضحت: “أنا الآن لا أدرية، لا أحترم رجال الدين ولا أثق بهم، أعاني من الاكتئاب ونوبات الهلع المتكررة، لكنني فاعلة في مجتمعي. هو عضو في المجلس الديني ويعمل مع جمعيات غير حكومية لنشر التسامح الديني وما زال يخطب بالناس”.

بعد 13 سنة، استجمعت قوتها وصارحت والدتها بالأمر بخجل لأنها كانت تعتقد أنها لم تفعل شيئاً لإيقافه يومها. “والآن أستجمع قوتي وأخبركم. مع أن القدر وفر لي فرصةً لفضحه من خلال الجمعية التي يشارك في نشاطاتها لكنني لم أنجح في  ذلك لأنه ليس لدي دليل. لا أملك القوة لمجابهة مجتمعٍ بأسره، ولا أريد أن أُعرَف بالفتاة التي تحرش بها الشيخ”.

الناجية الثالثة.. زينة (29عاماً)

“كنت قد أنهيت دراستي الجامعية، فتاة في مقتبل العمر مليئة بالحماس والاندفاع، أعمل كصحافية في إحدى الوسائل الاعلامية. أخبرني ذات يوم أحد معارفي أن هناك كاهناً يدير جمعيةً يستغلها لأغراضٍ ماليةٍ مشبوهة، فذهبت مع كاميرتي الخفية، وهي منقذتي وسلاحي في العديد من المواقف، برفقة شخص يعمل هناك لأتقصى قضية فساد مالي. لم أكن في وارد أي موضوعٍ آخر. وخلال  الاجتماع مع هذا الخوري المسن تحت حجة طلب عمل لي لدى الجمعية، عرض علي أن أترك سكني الجامعي وأسكن لديه في مركز الجمعية على أن يعطيني غرفة إلى جانب مكتبه. فراودني الشك ثم بدأ بعرض المال الذي يتم جمعه من المساعدات علي، مشيراً إلى أنه اشترى سيارته الرانج بهذه الطريقة. وعند ذهاب العامل في الجمعية لعدة دقائق فقط، تمكن أبونا أنطون من الاختلاء بي!”. بدأ بالتمهيد بعبارات جنسية قائلاً لها إن ما تريده، يريده هو أيضاً، وأخرج عضوه الذكري، بالرغم من أن باب المكتب كان مفتوحاً. لم تعرف ماذا تفعل، هل تتابع التصوير؟ هل تهرب من الموقف؟

“ضحكتُ ضحكة الصدمة المخنوقة بالخوف. وتساءلت: ماذا يحدث؟! حاولت أن أدعي أن المكان والزمان غير مناسبان الآن، وأن هناك أناساً في الجمعية لكي يهدأ وأستطيع الخروج، ولكنه ما لبث أن التف خلفي وأقفل الباب، وبدأ بالتقرب جسدياً مني ومحاولة ملامستي وتقبيلي وهو يقول طب عطيني بوسة بس خليها تكون بروفا تنشوف إذا منظبط مع بعض. هنا بدأت أرتجف وأتنفس بشكلٍ منقطع حتى استطعت فتح الباب والخروج”، هكذا تتذكر الناجية الشابة زينة ذلك اليوم.

وفي حديثها إلى موقعنا أشارت إلى أن “كثير من الناس لاموني كيف لم أصفعه أو أضربه ولكن لا أحد يمكنه التنبؤ بردة فعله في هذه المواقف. شعرت أن الصفعة الأكبر ستكون بفضحه ووضعه أمام الرأي العام بعد توثيق فعلته بالفيديو دحضاً للشك أو التأويل، ولكن رغم ذلك كانت أصابع الاتهام تشير إلي بإغوائه! وأنني ربما أعرفه من قبل أو أغريته بملابس غير محتشمة أو بعرض جنسي بالرغم من بث كامل الفيديو على الإعلام! تخيلوا أنني لمت نفسي كيف لم أوثق ملابسي الشتوية التي كانت تغطي جسدي كله. بعد انتشار الفيديو تعرضت لمشاكل آذتني كثيراً مع عائلتي. فطردني والدي من المنزل ولم أستطع العودة إلا بعد أكثر من أسبوع. لم يصفح عني أهلي إلا بعد فترةٍ طويلة، كذلك الأمر بالنسبة إلى محيطي ومجتمعي. الجميع وقف ضدي كحال العديد من الوسائل الإعلامية والزملاء الصحافيين!”.

وأضافت زينة أنها تعرضت لتهديدات من رجال دين، ومورست عليها كافة التهديدات النفسية والجسدية!. وأوضحت: “لم يرحمني أحد، خاب أملي كثيراً لأنني توقعت منطقياً، أن يقف هؤلاء مع الضحية/الناجية، خصوصاً الضحية القوية، التي تجرأت على الكلام ونشر هكذا محتوى واستطاعت – بقوتها- قلب السحر على الساحر وكسر سلسلة تحرّش يمكن أن تكون أي سيدة ضحية لها عبر تصوير وتوثيق المتحرش الذي يملك سلطةً دينيةً يمكنه من خلالها أن يخيف ضحاياه بها، خصوصاً أن مجتمعنا منغلق ولا يقبل تصديق هذا الموقف بجميع جوانبه. في تلك الأيام كنت بحاجة ماسة للمساعدة والدعم من أفراد وجمعيات نسائية لكنها لم تكن فاعلة حينها كأيامنا هذه”.

وتحكي أن “هذه الحادثة لم تتركني حتى الماضي القريب مع ارتباطي الجديد بخطيبي وعائلته، فعادت القصة إلى الواجهة مجدداً لكي تنغّص علي فرحتي وحقي في تخطي ما جرى  والنجاة من آثارها النفسية والاجتماعية. كان المجتمع ينتظر مني السكوت تحت رايةالعيب ويعتبرون أنني يجب أن أخجل منه كضحية لا أن أجاهر به”.

كما أكدت أنها لا تنسى الظلم الذي تعرضت له من قبل الإعلام والمجتمع، الذي كان أقسى من الحادثة نفسها. فالاتهامات التي طالتها كانت أكثر بكثير من التضامن. حتى أن العديد من وسائل الإعلام العربية واللبنانية عنونت مقالاتها ب “مراسلة أغوت الخوري”.

وختمت زينة قصتها لموقعنا بالقول: “يا للخزي والقرف الذي أشعر به حين أتذكر ردود الفعل فقط. لو أن الحادثة وقعت الآن بعد نضوجي ووجود الجمعيات النسائية الحالية، كنت دافعت عن نفسي بقوة رافعةً رأسي بالقول أنتم الغلط وأنتم العيب. وكنت وثقت الموضوع بطريقةٍ أفضل بعد امتهاني الصحافة الاستقصائية. كنتُ أخذت بعين الاعتبار جميع أسئلة واتهامات المجتمع الذكوري للدفاع عن نفسي ونسف اعتقاداتهم الملتوية حول شكل وكلام وموقف الضحية. ولكنني فخورة بنفسي رغم كل ما حدث لأنني حينها كسرت تابو وشجعت أخريات للتكلم عنه”.

 

نشر هذا المقال ضمن ملف خاص بموقع “شريكة ولكن” بعنوان #عنف_رجال_دين يحكي قصص النساء ومعاناتهن في مواجهاتهن مع رجال الدين والمحاكم الدينية من جرائم اعتداء وعنف بمختلف أشكاله من جنسي ولفظي ونفسي مسكوت عنه، إلى الاستغلال والقهر في أروقة المحاكم الدينية بالاستناد إلى قوانين ظالمة وتمييزية.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد