قضايا النساء في البرامج الانتخابية .. لا معارضة بوجه النظام الأبوي

كما في كل انتخاباتٍ تجري في لبنان، يستمر إهمال قضايا النساء في معظم الخطابات الانتخابية، بينما يقترب موعدها المحدد في 15 أيار/مايو الجاري.

بالكاد يذكر المرشحون والمرشحات النساء في طروحاتهن/م. وتبتعد مشاريع القوى التي ترفع لواء “17 تشرين” عن روحية الانتفاضة، بينما تسعى اللوائح “التغييرية” لاكتساب ثقة جمهورها.

ويغيب عن بال معظم مرشحيها أن تَصدُّر النساء الصفوف الأمامية في التحركات والتخطيط وتنظيم النقاشات، كما بمواجهة الاعتداءات الجسدية والبلطجة، والصمود في الساحات، شكّلت أحد أبرز وأجمل مشاهد الانتفاضة ونقاط قوتها.

لم ينعكس هذا الحضور في عدد المرشحات على اللوائح، رغم ارتفاعه عما كان عليه في الانتخابات السابقة، ولا حتى في معظم المشاريع الانتخابية بشكلٍ جدي وواضح. كأن المرشحين/ات نسيوا/نسين أن من ضرورات ضرب أسس النظام الذكوري والطائفي المتحكم بأعناق جميع اللبنانيين/ات وتدمير البنية القائم عليها، هو تحقيق المساواة الجندرية ومنح النساء كامل حقوقهن. وأن تدمير هرمية النظام تبدأ باعتبار النساء مواطنات متساويات في الحقوق والواجبات، بدل تركهن خاضعات لوصاية الرجال الخاضعين بدورهم لوصاية ممثلي الطوائف المعينين من قبل الزعماء.

وبالتالي، لا يمكن فصل قضايا النساء عن خطاب التغيير والمحاسبة والنهوض بالاقتصاد، ولا إغفال الطبيعة الأبوية لهذا النظام.

في تحليلها لأسباب عدم طرح قضايا النساء، انطلقت الحقوقية والناشطة النسوية إلهام برجس من مسار عمل هذه المجموعات في الفترة التي سبقت الترشح للانتخابات.

وقالت لـ”شريكة ولكن” إنها “لم تتوقع أن تدافع البرامج الانتخابية عن الفئات الأكثر تهميشاً أو تعبر عنها. فلم تقم المجموعات بواجبها بأن تتيح أمام كل أفرادها العمل السياسي بالتساوي، وأبقت على الصعوبات التي تعيق مشاركة النساء”.

وبحسب برجس “لم ينعكس التطور الذي شهدته هذه القضايا خلال الانتفاضة بشكلٍ جذري أو كبير على مستوى القرارات السياسية وموقع النساء وحضورهن فيها”.

وأضافت أنه “لم تتمكن المرأة الناشطة سياسياً من حسم قرارٍ كما يمكن لرجلٍ أن يفعل. على الرغم من أن أوراقاً سياسية أخذت بعين الاعتبار المساواة الجندرية، لكن لم يتم التفكير فيها بعينٍ نسوية ولم تطرح هيكليات سياسية وإجراءات كي تأخذ النساء دورهن السياسي. بل تعاملت مع الموضوع كحلمٍ لا كهدف”.

كما لفتت برجس إلى أن “المجموعات لا تقدم نفسها أصلاً على أنها نسوية ولا تملك إلماماً بالقضايا الجندرية، لكن بعضها تسعى لأن تكون آمنة للنساء”. لذلك لا تتفاجأ من عدم إعطاء قضايا النساء أولوية في هذه المجموعات.

وتابعت: “في النقاش السياسي تُبرّر القضايا المصيرية تخطي قضايا النساء والفئات الأكثر تهميشاً فينعدم النقاش لصالح ما يعتبرونه الأولويات الكبرى. لذلك يحتاج فرض دور للنساء في العمل السياسي إلى جهدٍ أكبر كي نصل إلى مرحلة تنتقد فيها البرامج الانتخابية بنية النظام وتدافع عن موقع النساء فيه بطريقة جدية”.

الخطاب النسوي استثناء

خلال متابعة الخطابات الانتخابية، تظهر المرشحة عن دائرة الشوف-عاليه زويا جريديني أكثر المرشحات والمرشحين طرحاً لقضايا النساء وللمساواة الجندرية وإلماماً بها.

ويعود ذلك إلى نشاطها النسوي وعملها منذ أكثر من ربع قرن على طرح هذه القضايا والدفع باتجاه إقرار قوانين تحمي النساء من العنف وتحقق المساواة.

في خطابها، تطرح جريديني إقرار قوانين عملت عليها جمعية “كفى” وجهزت نصوصها. ومن هذه الاقتراحات، إقرار قانون موحّد مدني للأحوال الشخصية يضمن حق النساء اللبنانيات بإعطاء جنسيتهن لعائلاتهن، ويمنع تزويج القاصرين والقاصرات. وإقرار قانون شامل لمكافحة العنف ضد النساء، وإلغاء المواد القانونية التي تجرّم النساء اللواتي يتم استغلالهن جنسياً في مجال العمل في الجنس. وتعديل القانون 164 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر لحماية ضحاياه. بالإضافة إلى إلغاء تجريم المثلية الجنسية.

يبدو مطلب إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية العنوان الأبرز في حملة جريديني. تطرحه بشكلٍ مفصّل يضمن استقلالية النساء في خانة النفوس، وغيرها من التفاصيل التي تعتبرهن كياناً مستقلاً أمام القانون.

ولا يغفل برنامجها قضايا غير اللبنانيات، اللواتي يغبن عن بال بقية المرشحين، كالعاملات الأجنبيات. كما وعدت جريديني بالعمل على سن قانون لتنظيم عملهن وإلغاء نظام الكفالة وتوسيع نطاق حمايتهن.

واعتبرت برجس أن “ما تقوم به جريديني وبعض المرشحات استثناء. فهي امرأة نسوية مدافعة عن حقوق النساء، أولويتها هي ومرشحات أخريات برامجهن كأفراد. وأشك أن ينعكس هذا على خطاب اللائحة كلها أو الجو العام للانتخابات. ففي المناظرات، لن تُسأل المرشحات بداية عن هذه القضايا، ولا دافع لدى الإعلام والمجموعات لطرحها. مُنهكة محاولة وضع قضايا النساء كأولوية. ومن الصعب على المرشحات فرض أولوياتهن لقلة عددهن وتوزعهن في مختلف المناطق”.

وفي حديثٍ لـ”شريكة ولكن”، أكدت جريديني تبني عددٍ من اللوائح لقوانين تدفع “كفى” باتجاه إقرارها، خصوصاً قانون الأحوال الشخصية”.

وذكرت من هؤلاء لوائح: “شمالنا” و”بيروت التغيير” و”لحقي” و”شوف التغيير”، والمرشح علي مراد بشكلٍ فردي. في المقابل، أشارت إلى “تجنب بعض المرشحين طرح مسألة الأحوال الشخصية، وتقديمهم المادة 9 من الدستور كذريعة لعدم المناقشة”.

أما بالنسبة إلى جرديني، فلا يمكن لأحد أن يسعى إلى التغيير إن لم يكن هذا القانون أساسياً بالنسبة إليه.

إذ ترى “ارتباطاً وثيقاً بين النظام السياسي ورؤساء الطوائف، الذين يمنحهم النظام صلاحيات مطلقة للتحكم بقضايا الأسرة، مقابل تغطية هؤلاء على جرائمهم. فلا مجال لتحقيق المساواة للنساء في ظل غياب قانون موحد للأحوال الشخصية يشكل مدخلاً لدولة علمانية”.

قضايا النساء خارج “الأولويات الكبرى”

تتردد لوائح أخرى في طرح قضايا النساء، بعضها يقتصر طرحه على قانون الأحوال الشخصية الموحد من دون تفصيله. أخرى تفضله اختيارياً كي لا تُغضب زعماء الطوائف.

لكن اللافت، عدم وجود قضايا النساء في خطابات مرشحين/ات عن أكثر المناطق التي تعاني فيها النساء من جور قوانين الأحوال الشخصية، كخفض سن حضانة الأمهات لأطفالهن وحرمانهن من الحق في طلب الطلاق وتزويج الطفلات، وغيرها.

ففي دائرة الجنوب الثالثة، لم تغب النساء عن اللوائح الثلاث فحسب، بل إن لائحة المعارضة لم تتبنّ أي قضية تمس النساء. بينما تعهّد مرشحها علي مراد بشكلٍ منفرد عبر “فيسبوك” بالعمل على إقرار القوانين التي اقترحتها “كفى” في حال فوزه.

يتفاخر “حزب مواطنون ومواطنات في دولة” بكونه أكثر المجموعات المعارضة تنظيماً، وبترشيح مواطنين ومواطنات في مختلف المناطق. لكنه يتجاهل النقاش في قضايا النساء. ويبدو طرحه لقانون مدني للأحوال الشخصية قابلاً للتأويل لجهة الحديث عن حق الفرد باختيار أن يكون مواطناً/ة “عبر الوساطة الطائفية”.

بينما تبرّر مرشحة الحزب في البقاع الغربي فرح قاسم الأمر بـ”الغياب التام للدولة”. وقالت في حديث خاص لـ”شريكة ولكن” إنه “يفترض بالدولة أن تؤمن حقوق المجتمع بأكمله، والتي تمثل النساء جزءاً أساسياً منه”.

وأضافت: “همنا العمل على مواجهة هذه السلطة وسلبها شرعيتها وطرح مشروع حكم يؤمن لهذا المجتمع وكل المجتمع حقوقه”.

كما اعتبرت أن “تأمين حقوق المجتمع بأكمله وبناء دولة مدنية قادرة عادلة يؤمن حكماً حقوق النساء ويفرض المساواة بين الجنسين. لكن تُظهر هذه المقاربة قصوراً في النظر إلى قضايا النساء وفي إدراك مدى تهميشها. فتشكّل القوانين في ظل الانهيار حاجةً ملحةً لحماية النساء الأكثر تضرراً منه وللحد من تداعياته عليهن”.

كخلاصة، لا تعكس الخطابات الانتخابية لجميع القوى المعارضة للأحزاب الحاكمة وجود معارضة للنظام الأبوي القائم ولا نصرةً لقضايا النساء. بل نجد تهاوناً في التعاطي معها في ظل الانهيار الاقتصادي، وخذلاناً للنساء اللواتي تجرّأن على المطالبة بحقوقهن.

كتابة: مريم سيف

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد