النساء النقابيات في الجزائر وتمثيلهن .. واقع ورهانات

تلعب النساء النقابيات دوراً مهماً في توعية النساء العاملات، ونشر الوعي، ورفع انشغالاتهن، خصوصاً المتعلقة بحقوقهن، ومعاملاتهن، واضطهادهن في مجال العمل.

إضافة إلى حلّ مشاكلهن، وصون كرامتهن في العمل، وكسر جدار الصمت حول حقوقهن، والمشاركة في الاحتجاجات.

لكن، يعرقل تواجدهن عدة اعتبارات اجتماعية، وعادات وذهنيات بالية، لم يتخلّص منها المجتمع الجزائري بعد.

النقابات .. خلفيات اجتماعية ومسارات وهوية مختلفة

تأثرت الحركة النقابية الجزائرية بالتجربة النقابية للحركة العمالية الفرنسية، بحكم الاستعمار الفرنسي.

كما أن تدفق الهجرة نحو فرنسا، أدى إلى ظهور طبقة عمّالية، انضمت غالبيتها إلى الاتحاد العام للعمل، الذي كان تحت تأثير الحزب الشيوعي الفرنسي.

فمثّل هذا الأمر تجربةً ثريةً للغاية، أنتجت قائدات نقابيات.

النقابيات في الجزائر

عام 1954، قررت النقابة الفرنسية إنشاء منظمة نقابية جزائرية بإدارة جزائرية، سُميت بـ”الاتحاد العام للنقابات الجزائريات”.

وظهرت خلال خمسينيات القرن الماضي أيضاً نقابات عمالية جزائرية ذات نزعة وطنية.

فأنشأ المصاليون (نسبة إلى مصالي الحاج)، اتحاد نقابات العمال/العاملات الجزائريين/ات في شهر شباط/فبراير 1956.

كما أعلنت جبهة التحرير الوطني بعد 4 أيام، تأسيس الاتحاد العام للعمال والعاملات الجزائريين/ات.

نجح الاتحاد العام للعمال والعاملات الجزائريين/ات بحشد عددٍ كبيرٍ منهن/م.

وحدّد لنفسه هدف تعبئة العمال، من أجل التحرير الوطني. لكن، سرعان ما تم حظره بسبب مواقفه الداعمة للاستقلال.

فتلقى العمل النقابي الجزائري ضربةً قويةً، بتعليق نشاط الاتحاد لمدة 5 سنوات.

ساهمت الوقائع التاريخية، والصراعات السياسية الوطنية، في تشكيل العقيدة النقابية الجزائرية لحقبة ما بعد الاستقلال.

فتشكّلت طبقة عمالية متنوعة، بخلفياتٍ اجتماعيةٍ شتى، ومسارات وهويات مختلفة.

وبعد وقف إطلاق النار عام 1962، عانى الاتحاد العام للعمال والعاملات الجزائريين/ات من فرض نفسه بسبب حرب القادة، والانقلابات، وعدة مشاكل سياسية واجتماعية، تلتها أزمة أمنية خلال سنوات التسعينات.

 

ومع تبنّي حرية إنشاء نقابات، وإقرار الاعتراف بالتعدّدية النقابية، بعد التعديل الجزئي للدستور، الذي مهّد لإقرار التعدّدية السياسية، فُتح المجال أمام الحريات العامّة، والانفتاح.

نتيجةً لذلك، تكرّس رسمياً الاعتراف بالحق النقابي، بصدور دستور 1989، في المادة 53 منه.

ليتقرّر فيما بعد الاعتراف بالحرية النقابية، بصدور القانون رقم 90-14، المتعلّق بكيفية ممارسة حق الإضراب.

ويُعتبر هذا القانون، الذي صدر في 2 تموز/يوليو 1990، المتعلّق بكيفية ممارسة الحق النقابي، أوّل قانون نقابي تعدّدي في الجزائر.

النشاط النقابي في الجزائر

لكن لم تتمكن إصلاحات التسعينيات من إنتاج تجربة نقابية جديدة، والأسباب متعددة.

كان منها، هيمنة قطاع الخدمات والمهن الحرة صغيرة الحجم، وطريقة التوظيف والتسيير التقليدي، والعقلية الأبوية لأرباب العمل تجاه الموظفين/ات، ما أعاق ظهور تجربة نقابية مهمة.

كما تُمثل الحركة النقابية في القطاع الخاص معظم القوى العاملة في الجزائر.

إذ يوظّف هذا القطاع 61% من القوى العاملة الوطنية، أي 6.95 مليون عامل وعاملة، بحسب الديوان الوطني للإحصاء.

النشاط النقابي .. بين الصراع مع الإدارة ورفض المجتمع

اعتبرت النقابية في المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي المستقلة في الجزائر، زينب بلهامل، في حديثٍ خاص لـ”شريكة ولكن”، أن “الإدارة الجزائرية ترفض تواجد ممثلي وممثلات النقابات داخل المؤسسات”.

ولفتت إلى أن “هناك صراع ورفض صريح لتواجد النقابيين والنقابيات بصفةٍ عامة. فالعلاقات سيئة مع أرباب العمل، سواء في الوظائف العامة أو غيرها”.

زينب بلهامل
زينب بلهامل

 

وقالت إن “المجتمع لا يشجع العمل النقابي، ويعتبره عملاً سياسياً. كما أن الإدارة تحاول شيطنة هذا العمل وعزله، ونتعرض يومياً لضغوطات وملاحقات أمنية”.

وأضافت: “يحصل أن أكتب شكاوى العمال والعاملات في الحديقة العمومية، أو أن أجلس على درج مبنى مثلاً، لأحرّر بياناً صحافياً، أو أعمل في ساحة مدرسة”.

فالنقابيون والنقابيات لا يمارسن/ون نشاطهن/م داخل المؤسسات، لأن لا الإدارة ولا السلطة ولا المجتمع يفهم طبيعة العمل النقابي”، بحسب زينب بلهامل.

النساء النقابيات .. تقدم ملحوظ في التمثيل

يشهد تواجد النساء في النقابات تقدماً ملحوظاً. فتشير الأرقام والإحصائيات إلى أن المعهد الوطني للدراسات والبحوث النقابية، كوّن 62 ألف نقابي/ة، 40% منهن/م نساء عاملات.

وبحسب النقابية “هجيرة نايت واعراب” “مقارنةً بالأعوام السابقة، هناك تقدم ملحوظ في التمثيل النسوي. لكن مناصب المسؤولية قليلة جداً، فلا توجد قياديات نقابيات، المرأة تعمل فقط كوسيط بين العاملات”.

وأوضحت أنه “في دائرة بجاية، شرق الجزائر، توجد 48 امرأة نقابية، معظمهن منخرطات في اللجنة الولائية. يُجرين اجتماعاتٍ تنسيقية، وزياراتٍ إلى أماكن العمل، لا سيما في وحدات النسيج والمصانع، لتحفيز النساء من أجل خوض العمل النقابي، وترقية النساء العاملات“.

بينما رأت النقابية وعضوة اللجنة الوطنية للمرأة العاملة في الاتحاد العام للعمال/ات الجزائريين/ات، سعاد شريط، أن “دخول النساء إلى سوق العمل، كان منخفضاً. وبالتالي، لم يترجم في المنظمات النقابية”.

النقابية سعاد شريط
النقابية سعاد شريط

 

وأضافت سعاد أن “النساء غير موجودات في فرق التفاوض، علماً أن وجود النساء في النقابات مكسب لحمايتهن في الوسط العمالي، خصوصاً في ظل انتشار العمل الهش، وغير المنظم”.

واعتبرت أنه “في الاتحاد العام للعمال والعاملات الجزائريين/ات هناك إدراج تدريجي ملموس لقضايا النساء، لكن الأهم هو تغيير السلوكيات”.

كما أشارت إلى أن “الاتحاد من خلال مبادئه يعمل لتكريس العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، والدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للعمال والعاملات. لكن يبقى الخطاب السياسي بحاجة ماسة إلى آليات جَسّد بعضاً منها في تأسيس اللجنة الوطنية للمرأة العاملة”.

“اللجنة الوطنية للمرأة العاملة مكسب وطني”

تمكنت اللجنة الوطنية للمرأة العاملة، التابعة للاتحاد العام للعمال والعاملات الجزائريين/ات، التي تأسست في آذار/مارس 2002، من تحقيق مكاسب عدة للنساء العاملات.

كان منها، المساهمة في سن قوانين تجرّم التحرّش في أماكن العمل.

فبحسب سعاد “قامت اللجنة بإطلاق حملة وطنية ضد التحرّش الجنسي في أماكن العمل. وتم تجنيد هياكل الاتحاد لنجاح الحملة، قامت بعدها رئيسة اللجنة سمية صالحي، بكتابة رسالة إلى وزير العدل للتنديد بهذه الظاهرة. فتم إدراج مادة في قانون العقوبات (المادة 341) التي تجرّم التحرش الجنسي في أماكن العمل”.

“كانت أول معركة كسبناها، اللجنة مكسب وطني وجب المحافظة عليه”، أضافت سعاد شريط لـ”شريكة ولكن”.

فاللجنة “تُعتبر آليةً لإدماج النساء في الاتحاد، وتسعى إلى استقطاب، تجنيد وحشد النساء، داخل النقابات. وتفعيل سياسة المساواة داخل المنظمة، وتملك مهاماً تكوينيةً استشاريةً. وتنشط على مستوى الهياكل الأفقية والعمودية للاتحاد”، بحسب سعاد.

ولفتت إلى أنها “وسيلة لتكريس حق النساء في الترقية، ومناهضة التمييز، واقتحام مناصب كانت حكراً على الرجال، ومناهضة العنف، وتأطير النساء العاملات”.

مبنى الاتحاد العام للعمال/ات الجزائريين/ات
مبنى الاتحاد العام للعمال/ات الجزائريين/ات

تحديات وعراقيل عمل النساء النقابيات داخل المنظمات

تتعرض النساء النقابيات للعديد من التحديات داخل المنظمات النقابية، تعيق عملهن ونشاطهن كما تهدد مسارهن المهني.

وقالت هجيرة نايت واعراب إن “النساء النقابيات يلعبن دوراً هاماً في توعية ومساعدة النساء العاملات، على طرح انشغالاتهن، خصوصاً المتعلقة بحقوقهن ومعاملاتهن واضطهادهن في مجال العمل”.

لكنها أوضحت أنهن “يواجهن عراقيل عدة، منها الخوف من التحرّش داخل أماكن العمل، بسبب العادات والتقاليد، والطابع الذكوري للمجتمع الجزائري. فيفضّلن السكوت خوفاً من فقدان منصب عملهن”.

وأضافت أن “المسؤولية المزدوجة للنساء، تعيق انخراطهن في المنظمات النقابية”.

ومن العراقيل أيضاً بحسب هجيرة، “عدم وجود نساء داخل مراكز اتخاذ القرار، أو طاولة الحوار. وهذا ما يعرقل أخذ مشاكل النساء العاملات بعين الاعتبار، بالإضافة إلى عدم وجود نصوص في قانون العمل أو الاتفاقيات الجماعية لمختلف المؤسسات، تجرّم التحرّش داخل أماكن العمل”.

بينما اعتبرت زينب بلهامل أن “النساء النقابيات يتعرضن لتحرّش الإدارة وأعوانها، وهذا يعود إلى ضعف تكوين الإدارة الجزائرية، وجهلها بقانون العمل”.

وأشارت إلى أن “الوجود النسوي في المنظمات النقابية محدود جداً، لكن مقارنةً بالرجال، فإن النساء يعملن أكثر من الرجال كعضوات منخرطات. أما في ما يتعلق بتمثيل العمال والعاملات، فالغالبية رجال”.

ورأت سعاد شريط أن “الخطاب النقابي خطاب ذكوري، يستقطب الرجال، ولا يقدم أطروحات بديلة. كما أن قضايا النساء ليست من اهتمامهم. ومعظم النقابات لا تطرح انشغالات النساء العاملات”.

النقابيات في الجزائر

“المستقبل سيكون أفضل”

وعلى الرغم من هذا الوضع، إلا أن سعاد شريط قالت إن “مستقبل النساء في المنظمات النقابية في الجزائر سيكون أفضل. فقضايا النساء قضايا المجتمع، ولا يهم من يعبّر عنها. الأهم أن تعمل النساء على إدراج قضاياهن وطرح انشغالاتهن، والانضمام إلى المنظمات النقابية ليصل صوتهن. فإذا غاب صاحب/ة القضية، غابت القضية”.

وأضافت: “أنا أشغل حالياً منصب نائبة رئيس الاتحاد الإفريقي للنقابات، وسمية صالحي رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة العاملة، تمثل الاتحاد العام في الاتحاد الدولي للنقابات. ولدينا نقابيات في الفيدراليات، في أمانات الاتحادات الولائية، ونقابيات في الميدان. صحيح أن نسبة 30% غير كافية، لكننا نعمل على إبراز هذا العدد وزيادته، وأنا جد متفائلة”.

كتابة: ماجدة زوين

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد