تجليات الذبح الجسدي والنفسي للنساء

التجلي الأول

بعد أكثر من 1400 سنة، نكتشف أن الحجاب فريضة، غيابها معصية.

معنى هذا، أن ملايين النساء والفتيات المصريات غير المحجبات، حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، كنّ عاصيات لله؟

منطق الحجاب هو أن “الذكر المسلم المتدين بفطرته”، يحمل شهواته أينما ذهب.

شهوات، تثيرها خصلة من شعر فتاة أو امرأة! والحل: ترك الشهواني غير المنظبط، وعقاب النساء بالتغطية!

فبدلاً من تجديد الخطاب الديني، والخطاب الأخلاقي نحو السمو فوق الغرائز، ونطالب الذكور بالتهذيب، وعلاج “أمراضهم الجنسية والنفسية”، نغطي النساء.

حتى دار الإفتاء، التي “أجازت شرعاً ترقيع غشاء البكارة، لتمنح النساء العفة والتوبة والستر”، كما أطلقت عليه، تقول إن الحجاب فرض بإجماع العلماء والفقهاء.

ومنْ يُنكره مثل د. سعد الهلالي مثلاً، يخالف المعلوم من الدين بالضرورة.

ماذا في الحجاب أجبرهم على الاتفاق، وهم مختلفون فى تفاسير آيات القرآن، والسُنة القولية أو السلوكية؟

وأين الآن الإجماع على “الرق والجواري والاستعباد؟”.

نصف قرن من الدعاية للحجاب، مع غياب لأصحاب الآراء الأخرى، التي لا تعتقد أنه فريضة، وخاضع للعادات، وطبيعة المناخ، والعرف.

وهي دعاية “سياسية” دشنها “الإخوان المسلمين” خصوصاً، و”الإسلام الوهابي السلفي” عموماً.

والنتيجة، كما قال قادة الإخوان عند خروجهم من الحكم السياسي في 30 يونيو 2013:

“لم نُهزم. يكفينا أننا حجّبنا فتيات ونساء مصر، وهذا إنجاز تاريخي”.

فعلاً، حكم العقول أهم وأخطر أنواع الحكم والسيطرة. والتغيير يبدأ بالنساء، لأنهن معيار تخلّف أو تقدّم المجتمعات.

التجلي الثاني

الملاحظ أن الدين ليس منشغلاً إلا بما يخص النساء والفتيات. منذ ميلادهن، حتى الموت. من شَعرهن حتى أظافر أقدامهن.

لا نرى أي انشغالٍ بالجهاد الدموي لداعش وغيرها، أو بالبطالة، والفقر، وتلوث البيئة، ومنغصات ذوي وذوات الإعاقة.

ولا بكبار السِن، والعنف ضد الأطفال والطفلات، وأخطاء الأطباء، وإهمال المستشفيات، والتجارة بالأعضاء، وما يسمى بـ”جرائم الشرف”، والتمييز لصالح الذكور في القوانين.

هم يرون أن على النساء تقديم الطاعة المقدسة للذكور “خلفاء الله على الأرض”.

ورأيهنّ متّهم مسبقاً بالـ”نشوز، وإغضاب الله، وتكدير السلم، وتماسك ودفء الأسرة”.

وهي حتى لو كانت في حالها، تبقى مُدانة، ومشبوهة، ومثيرة للشكوك!

وإذا أخطأت، حتى من دون قصد، ينزل عليها أشد أنواع العقاب، والنبذ، وما يسمى بـ”تشويه السُمعة”، والشماتة.

هل خرج الذكور من بطون النساء ليكونوا أوصياء عليهن؟ ولجعلهن يذقن مرارة العيش؟

التجلي الثالث

يُفسّر قتل وذبح النساء على أنه “بعد عن الدين”.

بينما لا تنشغل المؤسسات الدينية الرسمية بملحقاتها، الرسمية وغير الرسمية، العلنية والخفية، إلا ببثّ المواعظ الدينية.

ولدينا قانون ازدراء الأديان، الذي يلاحق منْ يفتح فمه في أمور الدين، خصوصاً ما يتعلق بحقوق النساء.

تضخمٌ في المظاهر الدينية الملتحمة حرفياً بتفاصيل حياتنا، وازدهار الفتاوى السلفية، والنساء “المطيعات، والمحجبات، والمنقبات”، ثم يقولون “البعد عن الدين”.

أعتقد أنهم يريدون أن يكون الاقتراب من الدين الذي ينقصنا، هو إقامة الخلافة الإسلامية، وتطبيق حدود الشريعة الإسلامية.

وإباحة “الرق والجواري، والغزو، والسبي، وحبس النساء على فراش النكاح، وفي المطابخ. وتكفير المسيحيين/ات، وإجبارهن/م على دفع الجزية، وإهدار دم المختلفين/ات واللادينيين/ات”.

بالإضافة إلى “إحلال الدية والقصاص الشرعي، محل العقوبات القانونية، وأن لا يتساوى دم المسلم منهم بدم الكافر، وأن لا يتساوى دم الذكر بدم الأنثى”.

يقصدون إلغاء الدولة المدنية بجميع تفاصيلها، ومظاهرها، وتحريم الغناء، والرقص، والموسيقى، والنحت، والسينما.

وكل ما يُعلن صراحةً أن الإنسان ليس “حيواناً هائجاً بشهواته المنحصرة فى النصف الأسفل من جسده، وتثيره خصلة من شعر فتاة، أو جزء من كتف امرأة، وعليها تغطية نفسها”.

التجلي الرابع

أصبح لدينا فقه “القفة”، الذي يحذّر النساء، إذا أردن السلامة من الذبح عليهن ارتداء الـ”قفة”.

“فقه”، و”قفة” تشتركان في الحروف و أشياء أخرى، وهذا متوقع.

فالنساء، منذ ولادتهن وهن في المعتقلات الذكورية، و”الجدار المائل”، و”أرض البطولات المزيفة للذكور المهووسين بالنكاح”.

وهن “شماعة” لتعليق الهزائم، و”الريشة في مهب الريح”. وهن اللاتي “وقعن من قعر القفة”.
إذن، “القفة” ليست مستحدثة عليهن.

أذكر فى فترةٍ ما، إعلان شركة عن قاعدات للمراحيض التي تصنعها، وقد أعطتها أسماء نساء. إهانة ما بعدها إهانة.

لكنها تعكس النظرة المتجذّرة في العقول والوجدان، أن النساء “سلة نفايات” والآن أصبحن “قفة نفايات”، بالنسبة إليهم.

تحجيب النساء لا يقتصر على كونه مجرد وضع طرحة قماش على رؤوسهن.

بل هي حرب شعواء شاملة ضد “رؤوس” النساء أنفسهن، أي “عقولهن” وليس شعرهن.

الختان، منع الاختلاط، العمل من دون أجر، تحديد وظيفة ودور النساء في الزواج، والإنجاب، وخدمة الأزواج والأطفال والطفلات، لتصويرهن بالـ”ضعف ونقص العقل والذاكرة”. وبأنهن “الشيطانات، وأصل الشرور”.

وإنكار امتلاكهن لأجسادهن وعقولهن، جميعها آليات مخطّطة لإبقائهن في المعتقلات الذكورية، ذات الشغل الشاق المؤبد، حيث لا يوجد إطلاق سراح، حتى ولو كان مشروطاً.

 

وبالشِعر دائماً أختم

أريد أن أشعر

أن جنسية الوطن التي أحملها

أكثر من بياناتٍ وتواريخ

ختم هنا وختم هناك

توقيعات غريبة كأنها

من كوكب المريخ

كلام مبهم لا أحتاجه

مجرد حبر على الورق

أريد أن أجد فى الوطن

منْ يزرع صحرائي

إذا غاب عنها المطر

يطعمني يدفئني يسقيني يداويني

يصرخ محذراً أن حريتي في خطر

وطن يجيد فن السباحة

وأنا أوشك على الغرق

 

كتابة: د. منى حلمي

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد