السعودية تفشل في دعايات التلميع.. والنسويات يواصلن النضال

اشتغل النظام السياسي بجهدٍ خلال السنوات الماضية من أجل تلميع صورة المملكة العربية السعودية، خصوصًا فيما يتعلق بقضايا حقوق النساء. وجاء ذلك ردًا على الحراك النسوي السعودي المستقل الذي ازدهر في العقود الأخيرة. بما في ذلك تنظيم حملات تطالب بإلغاء القوانين الذكورية مثل منع قيادة السيارة وقانون الولاية.

روّج النظام السعودي لدعاية “التمكين”، رغم الاعتقالات التي طالت ولاتزال الناشطات النسويات، اللواتي حكم على بعضهن بعشرات السنوات في السجن.

وحاول نظام محمد بن سلمان قمع تصاعد النضال النسوي وفضح الانتهاكات التي تطال النساء والنسويات بشكلٍ خاص. وذلك باستخدام المشاهير والإعلام والنساء البرجوازيات في تحسين صورة السعودية، فيما يخص ملف حقوق النساء. لكنه في المقابل، شنّ هجومات وحشية ضد الناشطات، ما أدى إلى زعزعة دعايته الزائفة.

فوز العتيبي وأخواتها يفضحن زيف شعارات التمكين

تعتبر الشقيقات فوز ومريم ومناهل العتيبي من بين الوجوه النسوية التي ظهرت في أثناء الحملة النسوية لإسقاط الولاية منذ 2014. حيث شاركن في التدوين على تويتر، وفي إرسال برقيات تطالب بإسقاط الولاية في المملكة. وكُن من أبرز الناشطات اللواتي شكلن تحديًا بارزًا للسلطة الأبوية، وتطبيع وجود النساء في الفضاء السعودي العام.

دخلت مريم وفوز النضال المباشر لإسقاط الولاية بأسمائهن وفضحن تعرضهن للعنف، ورفضهن للقانون الذكوري الذي يعتبرهن دون أهلية وتحت الوصاية للأبد. وإثر ذلك، تعرضت مريم العتيبي إلى تعنيفٍ من إخوانها الرجال بسبب نشاطها النسوي. وبناءً عليه، قامت بإبلاغ السلطات السعودية لحمايتها من العنف الأسري.

تبعًا لذلك، في 19 أبريل/نيسان 2017، تم اعتقال مريم العتيبي حيث تقدم والدها ببلاغٍ ضدها لتغيّبها عن المنزل. إذ استخدم قانون الولاية الساري المفعول ضد ابنته، بعد قرارها الانتقال إلى العاصمة الرياض للعمل هناك والاستقلال بحياتها. إلا أن نظام الولاية وقف حائلًا بينها وبين الاستقلال الذي سعت إليه.

وبسبب اداعاءات والدها، قضت مريم العتيبي أكثر من 100 يوم في سجن الملز للنساء. ثم طالب محاميها إطلاق سراحها، استنادًا إلى عدم وجود أدلة على التهم الموجهة إليها.

تم إطلاق سراح مريم العتيبي بعد إصرارها على رفض التهمة، لتخرج بنصرٍ تم توثيقه على تويتر تحت وسم: #مريم_حرة_بدون_ولي. 

خرجت مريم من سجنٍ إلى سجن. حيث تم منعها من السفر منذ إطلاق سراحها وحتى اليوم، وهي وسيلة اتخذها النظام السعودي كأداة عقاب إضافية. حيث لا تزال معظم الناشطات اللواتي تم الإفراج عنهن مثل لجين الهذلول، وإيمان النفجان، وعزيزة اليوسف وغيرهن، ممنوعاتٍ من السفر خارج السعودية.

أطلقت مريم العتيبي، حملة على حسابها على تويتر، في شباط/ فبراير 2022 لتكشف عن هذا التعسّف وتطالب بحقها في السفر. 

فوز العتيبي تفضح سياسات السعودية ضد النساء

في سياقٍ متصل، احتجّت فوز العتيبي عبر تويتر منذ أيار/ مايو الماضي على زيف شعارات الدولة السعودية. كاشفةً بذلك معاناتها الشخصية هي وأخواتها مع عنف الدولة السعودية، وتعرضت لمحاولاتٍ متعددة للإيقاع بها.

أجبرت على التوقيع على “مخالفات” ملفقة تحت تهمة “إنشاء مقاطع ذات طبيعة وايحاءات جنسية” في مهرجان “ميدل بيست” في الرياض. وهو المهرجان الذي استخدمته السعودية في تلميع صورتها، باستضافة المشاهير من مختلف أنحاء العالم. وروجت من خلاله لأسطورة “العهد الجديد”، والقطيعة مع عصر الصحوة.

كانت فوز على وشك الاعتقال بعد تحويل هذه التهمة إلى النيابة العامة، لكنها استطاعت مغادرة البلاد قبل ذلك.

لم يكن استهداف فوز معزولًا عن الحملات التي شُنت ضدها بسبب توثيق حياتها رفقة زوجها على وسائل التواصل الاجتماعي بدون عباءة أو حجاب. وتم اعتبار أسلوب حياة فوز مستفزًا، بل ومهددًا للسلطة الأبوية. 

تكشف ناشطات مثل فوز أهمية القوانين الذكورية بالنسبة للنظام السياسي. إذ نشرت على حسابها عدة تغريدات انتقدت فيها عنف الدولة السعودية باعتباره المهدد الأول لحرية النساء السعوديات وأمنهن.

 

اعتقال مناهل العتيبي: سلطة الحجاب أقوى من الدعايات السعودية

وكشفت فوز العتيبي عن اعتقال أختها مناهل العتيبي منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2022. وذلك بعدما اتهمتها النيابة العامة بتهمٍ ذكورية منها “نشر عدة صور ومقاطع بملابس غير محتشمة، وتحريض الفتيات على عدم ارتداء العباءة السوداء التقليدية، وانتقاد القوانين المتعلقة بالنساء ومن بينها قانون ولاية الرجل”.

كانت مناهل من بين الناشطات السعوديات اللواتي حاولن مرات متعددة تحدي قوانين فرض النقاب والحجاب القسري. فقامت بحملات منذ 2017 للسير في الشوارع وممارسة الرياضة دون حجاب. وحتى خروجها لشوارع الرياض بملابس رياضية ودون حجاب خلال 2019.

لم يكن النظام السعودي ينوي ترك أي شخص يحاول أن يحظى بأبسط حقوق الحرية، لاسيما النساء. فذلك بالنسبة للدولة القمعية تحريض على التمرد وتهديد للسلطة. تمامًا كما ورد في اتهامات النيابة العامة لمناهل العتيبي.

الانفتاح للسائحات الأوروبيات والقمع للسعوديات

تواصل فوز العتيبي تسليط الضوء على ازدواجية السياسات السعودية، التي تروج للانفتاح في الإعلام العالمي بينما تقمع السعوديات وتسجنهن.

وتنشر العتيبي بشكلٍ دوري على حسابها على تويتر صورًا للسائحات الأوروبيات يتجولن في شوارع السعودية وأماكنها الأثرية بدون حجاب. بينما تعاقب بنات البلد والمقيمات فيها بالسجن والغرامة والترهيب.

قدم النظام السعودي حملات إعلامية كبرى حول عدم إلزامية العباءة بالنسبة للمواطنات والمقيمات. إلا أنه منذ صدور القرار في 2020، غُرّمت العديد من السعوديات بمبالغ تترواح بين 100 ريال إلى 3000 ريال. وتأتي الغرامات كعقوبة على عدم ارتداء العباءة، أو ارتداء العباءات الملونة، والرقص في الأماكن العامة. وذلك حسب قوانين ذكورية فضفاضة تأتي تحت عنوان “الذوق العام”.

‏تسعى الحكومة ⁧‫السعودية إلى تقديم صورة لدولة قيد التحرر من القوانين الذكورية ضد النساء والفتيات، كجزء من حملة أوسع للترويج لحكم بن سلمان والسياحة. لكنها استمرت مع ذلك في قمع النساء السعوديات اللواتي طالبن بحقوق متساوية. ليس مع الرجال فقط، بل أيضًا في عدم الحجر على حريات السعوديات، بينما يتم إعطاء الامتيازات للنساء الأوروبيات.

وتلك ممارسة تنم عن أبوية الدولة، وعن ارتهانها للخضوع لتقسيمات العالم وفق رؤى استعمارية تعطي الامتيازات والأولوية كلما كان الشخص من الدول الأوروبية.

الأحكام القاسية ومحاكم الإرهاب تستهدف النضال النسوي

استخدم النظام السعودي منذ 2018 الاعتقال السياسي للقضاء على الحركة النسوية المستقلة. حيث قام بشكلٍ ممنهجٍ باعتقال معظم الأسماء النسوية التي عرفت بنضالها النسوي والحقوقي. ثم تلا ذلك اعتقالات أخذت طابعًا انتقاميًا تستهدف إخراسهن. 

وعبر فيالق من الذباب الالكتروني، اتخذت الدولة منحى إطلاق أنظمة الرقابة مثل تطبيق “كلنا أمن”. ساهم هذا التطبيق في تشجيع الذباب الإلكتروني على الإبلاغ عن الحسابات النسوية، مما سهل عمليات المراقبة والاعتقال.

راحت ضحية هذه الحملات العديد من الناشطات، منهن أسماء السبيعي ورينا عبد العزيز ولينا الشريف ومها الرفيدي ونجوى الحميدي. بالإضافة لعدة معتقلات يقبعن في السجون منذ 2019، دون محاكمة أو تهمة سوى التعبير عن الرأي.

بينما استخدمت الدولة السعودية الأحكام القاسية كسيفٍ مصلتٍ على رقاب الناشطات. خلال هذه السنة، تم إصدار أحكام مروعة بحق عدة ناشطات، منهن سلمى الشهاب التي تم الحكم عليها بـ 34 سنة، وفاطمة الشواربي التي تم الحكم عليها بـ 30 سنة. 

وقد أعلنت تلك الناشطات إضرابهن عن الطعام، احتجاجًا على اعتقالهن والتعسف في الحكم. لكن لم تصدر عنهن أخبار آنذاك، حتى أعلنت منظمة القسط عن المحاكمة الجائرة لفاطمة الشواربي، والتي كشفت عن استمرار هذا النهج القمعي.

حملات قمع طالت مجتمع الميم-عين في السعودية

لم تكتفِ الحملات القمعية باعتقال وسجن الناشطات النسويات والسياسيات اللواتي عارضن النظام أو شاركن في النضال النسوي. إذ شملت أيضًا أفراد مجتمع الميم-عين في المملكة، وطالت الاعتقالات أشخاصًا ناشطات/ين في الحراك الكويري.

ورغم شُح التوثيق بسبب انتشار كراهية مجتمع الميم-عين، إلا أن الناشط الكويري طارق بن عزيز كان الصوت الذي فضح استهداف النشطاء/ الناشطات المثليين/ات في السعودية.

كان طارق بن عزيز أحد الوجوه التي أعلنت التفاؤل بعهد بن سلمان. حيث حافظ على مسافة من نقد النظام، بينما حاول الاحتجاج على القوانين التي تجرم المثلية والعبور الجنسي، وانتقد الحجاب وقوانين الولاية. لكن تم اعتقال عزيز في 19 أيار/ مايو 2021، بسبب تغريدات عبر فيها عن آرائه حول هذه القوانين.

قضى طارق بن عزيز ما يقارب 20 يومًا في الحبس الانفرادي، تم فيها انتهاك خصوصيته وحلق شعره، وتعذيبه جسديًا ونفسيًا.

ووصف هذه التجربة بأنها هددت أمنه للأبد وأفقدته الثقة في وطنه:

 

القمع يولد المقاومة

حاول النظام السعودي أيضًا استقطاب العديد من الأسماء التي شاركت في حملات اسقاط الولاية ورفع الحظر عن قيادة السيارة. لكن زيف الشعارات وقمع الآراء كان كفيلًا بتفكيك هذا الفخ، لتنضم فوز العتيبي وطارق بن عزيز للأصوات التي قاومت الدولة وفضحت قمعها.

نلاحظ من هذه الوقائع أن النظام السعودي قد راهن على السياسات القمعية في الحد من النضال النسوي. لكنه لم يتعلم من التاريخ. وتاريخ النساء السعوديات بالتحديد، اللواتي لم يزدهن القمع إلا مقاومة وإصرار على النضال من أجل الحريات.

فرغم قمع الرعيل الأول من النسويات اللواتي طالبن بإلغاء القوانين الذكورية خلال الثمانينات والتسعينات، واستخدام الاعتقال والعزل المجتمعي والعقاب بحقهن، إلا أن النضال النسوي ظهر بقوةٍ أكبر وصلابةٍ جديرة بالإشادة بعد ذلك.

واليوم، وبعد اعتقال وملاحقة النسويات واصدار الأحكام القاسية ضدهن، لا تزال النسوية السعودية تواصل النضال للإطاحة بالقوانين الذكورية، وفضح عنف الدولة وأبويتها، وزرع المقاومة في الأجيال الجديدة.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد