كيف تستخدم السعودية استراتيجية الغسيل البنفسجي؟ 

كتابة: مجدل يوسف

ما أن نسمع عن قراراتٍ جديدة حول أوضاع النساء والفتيات في منطقتنا والعالم، حتى يبدأ الاحتفاء بها بوصفها إنجازات حُققت من أجلهن.

وينظر إليها على أنها تغيّرات جذرية على حيواتهن، “قدّمها” الزعيم/ القائد/ الرئيس/ الملك/ الحزب/النظام الحاكم.

وعلى الهوامش، تُخاض الكثير من النقاشات في الأوساط النسوية والسياسية والحقوقية.

نقاشات حول ماهية هذه القرارات، وتأثيراتها الفعلية على النساء. ومدى أخلاقيتها، وأخلاقية الاحتفاء بها وبأصحابها.

فما الذي يعنيه أن يكون لدينا أول رئيسة وزراء، في دولةٍ تعيش انقلاباً على الدستور؟

وما معنى أن تحلّق أول امرأة إلى الفضاء، فيما تُعتقل نساء أخريات، ويُوضعن في زنازين باردة، بينما يصب كلا الأمرين في مصلحة السلطة نفسها؟

وإلى أي حد يمكننا قراءة وضع النساء هنا، أو الوضع الصوري/التمثيلي/الاعتباري لهن، كمؤشرٍ على العدالة الاجتماعية؟

كنسويات، نحن معنيات بخوض هذا النقاش، وتدوينه والكتابة عنه، لأسبابٍ عدة.

أولها أننا نقع أحياناً في مغالطة دعم أنظمةٍ تعادي مصالحنا، والترويج لخطابها.

كذلك المساهمة في تبيض جرائمها، ومنحها الشرعية على أكتاف قضايا النساء والفتيات، وتجهيل الرأي العام حول الوضع الحقيقي لهن.

ونسمح بالتالي لهذه الأنظمة، أن تجرف نضالنا ووجودنا النسوي، وتحتكر الحديث عن قضايانا.

وأن تخلق صراعات وطبقات بين الناشطات والمجموعات.

أما السبب الآخر، فهو أننا مساءلات أمام بعضنا البعض، وأمام مجتمعاتنا، وأمام الأجيال القادمة، عن أي السرديات نتبنى ونحمل؟

وإلى جانب من نقف؟ ومن هم/ن حلفاؤنا/حليفاتنا؟

الغسيل السياسي والغسيل البنفسجي

يشير مفهوم الغسيل السياسي إلى استراتيجية تستخدم قضايا العدالة، وحقوق المجموعات الأكثر تهميشاً، في تبيض صورة دولة، أو نظام، أو حزب، أو شخصية عامة، أو شركة.

ويشمل ذلك التستر على جرائمه/ا/م/ن، وتبرئته/ا/م/ن من الانتهاكات المرتكبة، في سياق القضايا المستخدمة نفسها و/أو غيرها.

ما يعني تعزيز هيكليات القمع والتمييز، عبر بناء صورةٍ وهمية معاكسة، وتقديمها إلى الجمهور/الرأي العام.

ويعتبر الغسيل البنفسجي/الأرجواني، أحد أشكال الغسيل السياسي.

فيشير اللون البنفسجي إلى النسوية، وقضايا النساء والفتيات.

بينما يشير المصطلح إلى الاستراتيجيات التسويقية، المعتمدة لإخفاء وتمويه الآراء، والممارسات المعادية للنسوية والنساء.

ولإخفاء الانتهاكات الواقعة بحقهن على اختلاف تنوعاتهن. كما بحق المجتمعات، عبر صبغها بأخرى تبدو ظاهرياً وكأنها تحمل قيمةً داعمةً للنساء والمساواة.

كيف نستخدم مفهوم الغسيل البنفسجي في النقد والتحليل؟

السؤال الذي علينا طرحه هو:

كيف نقدّم نقداً نسوياً يستند إلى مفهوم الغسيل البنفسجي للأخبار والأحداث والقرارات، التي تبدو للوهلة الأولى داعمةً للنساء؟

يمكننا تفكيك هذه المُدخلات من خلال طرح مجموعة من الأسئلة على أنفسنا، والبحث في إجاباتها.

من هن النساء اللواتي يتحدث عنهن هذا الخبر /القرار/الحدث؟ من أي بلد وأي منطقة في هذا البلد؟

وهل هويتهن الجندرية والجنسية معيارية؟

هل هن مواطنات؟ إلى أي طبقةٍ اجتماعيةٍ ينتمين؟ من أي إثنية وأي دين أو طائفة؟

بمعنى، أن نتساءل إذا كان القرار/الحدث يشمل النساء والفتيات جميعاً، أو تستفيد منه فئة الفرن محدودة ممن يحملن امتيازات معينة؟

هل يعكس الوضع الحقيقي لهن؟ وكيف نتوقع أن يؤثر على حياتهن؟

وهل لدينا أدلة وأمثلة على هذا التأثير؟

ما هو المختلف والمتشابه بين هذا القرار/الحدث وبين هذه الأمثلة؟ والسؤال عن خلفية هذا القرار/ الحدث.

هل هو ناتج عن عمل نسوي أو حقوقي متراكم؟ أو هو قرار سياسي خارج عن سلطة ما؟

وما هو شكل هذه السلطة؟ هل هي تشاركية ديمقراطية، أو قمعية؟

هل تتقاطع مصالحها مع مصالح المجتمع الذي تتواجد فيه النساء والفتيات اللواتي يتعلق بهن القرار أو الحدث؟

هل يفيد هذا القرار/الحدث السلطة؟ وما هو وضع حقوق الإنسان عموماً في البلد؟ هل يوجد انتهاكات؟

وماذا عن العلاقات الخارجية لهذا البلد؟ هل تمارس السلطة أي انتهاكات حقوقية خارج البلاد؟

كيف تستخدم السعودية استراتيجية الغسيل البنفسجي؟

نشهد منذ عام 2016 تغيراً واضحاً  في خطاب السلطات السعودية تجاه النساء والفتيات.

بينما تطالعنا عشرات الأخبار التي تتحدث عن منحهن حقوقاً لم يسبق أن حصلت عليها النساء السعوديات.

بدأت بالحق في قيادة السيارة، الذي لطالما كانت قضيةً شائكةً في البلاد.

ثم زيادة مشاركتهن في ميادين الرياضة والعلوم، والارتفاع غير المسبوق في حضورهن في سوق العمل.

كما السماح لهن للمرة الأولى باستصدار جواز سفر من دون موافقة ولي أمر، ودخولهن إلى الجيش والمخابرات، وتقلّدهن منصب سفيرات.

وأخيراً، التعديلات التي أُجريت على قانون الجنسية، وغيرها من القرارات.

جميع هذه التغيرات كانت جزءاً من رؤية 2030، التي أعلنت عنها المملكة في نيسان/أبريل 2016.

وهي خطة ما بعد النفط للسعودية، وتتركّز على إقامة مشاريع حكومية عملاقة، تشمل مجالاتٍ عدة.

في حين تنفق السعودية المليارات على المشاريع، وعلى الترويج للرؤيا، وللـ”سعودية الجديدة”.

فالنموذج الاقتصادي الذي تسعى إليه، يتطلّب صورةً مختلفة عنها، تبدو أكثر أماناً للنساء والفتيات.

صورة صديقة للبيئة، ومنفتحة على الانخراط والتقدّم في مجالات عدة، كالرياضة والفنون والعلوم والتكنولوجيا.

ففي نهاية عام 2019، بدأت إصدار تأشيرات سياحية للمرة الأولى في تاريخها.

تعديلات جارية وانتهاكات مستمرة

على الرغم من أهمية التعديلات التي أجرتها السعودية في السنوات الأخيرة، والفائدة التي تحقّقت للعديد من النساء، كان لافتاً كمّ التناقضات التي حملتها وتحملها هذه التغييرات معها.

فقبل تنفيذ قرار السماح للنساء بقيادة السيارة في حزيران/يونيو 2018، أطلقت السلطات حملة اعتقالات سبقت القرار بأسابيع.

واعتقلت في أيار/مايو 2018، 9 ناشطات سعوديات لمطالبتهن بحقوقهن، ومن بينها الحق في قيادة السيارة، وإسقاط نظام الولاية.

بينما تعرّضن خلال سجنهن للتعذيب ولانتهاكاتٍ عدة، فضلاً عن حملة تشويه وشيطنة خاضها الإعلام السعودي ضدهن.

إذ صرّح حينها المتحدث الأمني لرئاسة أمن الدولة، أن “الجهة المختصة رصدت نشاطاً مُنسّقاً لمجموعةٍ من الأشخاص، قمن/قاموا من خلاله بعمل منظم للتجاوز على الثوابت الدينية والوطنية، والتواصل المشبوه مع جهات خارجية، في ما يدعم أنشطتهن/م. وتجنيد أشخاص يعملن/ون في مواقع حكومية حساسة، وتقديم الدعم المالي للعناصر المعادية في الخارج”!

ولم يُطلق سراحهن حين بدأت النساء السعوديات بقيادة السيارات، ولم يطلق سراحهن بعد ما اعتبره البعض سقوطاً لنظام ولاية الرجال عام 2019.

وهما الأمران اللذان ناضلن من أجلهما لسنوات.

إنما استمر اعتقالهن إلى ما بعد ذلك، وأشارت السلطات إلى أنهن معتقلات بتهم تتعلق بـ”أمن الدولة”.

وكأن السلطات السعودية أرادت أن تؤكد هنا على استمرار فرض هيمنتها، ومنحها هذه الحقوق وفق إرادتها وقرارها فقط.

وما تزال الاعتقالات والأحكام المجحفة، والاغتيالات المعنوية، وحملات التشويه بحق الناشطات مستمرة حتى اليوم.

إذ حكمت محكمة سعودية، في 9 آب/أغسطس 2022، على سلمى الشهاب (34 عاماً)، بالسجن مدة 34 عاماً، يليها منعاً من السفر لمدةٍ مماثلة.

وسلمى ناشطة نسوية وحقوقية، وأم لطفلين يبلغان من العمر 4 و6 أعوام.

وهذا يشير إلى أن نظرة السلطات لم تتغير حقيقةً تجاه النساء.

فالانتهاكات الواقعة بحقهن استمرت، بالتوازي مع ما عدّه البعض “تصحيحاً للمسار السعودي” تجاههن، وتجاه حقوقهن.

هل كانت هذه الإصلاحات حقيقية وجذرية كما رُوّج لها؟

شمل إسقاط نظام ولاية الرجال سلسلةً من التعديلات في نظامي السفر والأحوال المدنية.

وكان على رأسها السماح للنساء السعوديات بالحصول على جواز سفر من دون موافقة ولي أمر، لمن هن فوق الـ21 عاماً.

كما فتح أمامهن المجال للسفر من دون الحاجة إلى تصريح ولي الأمر.

وبينما أفادت هذه التغييرات فعلاً العديد من السعوديات، إلا أنها تركت الباب مفتوحاً أمام الالتفاف على القانون، ومحاولة الحصول على “أمر قضائي” يقيّد سفر النساء.

كما أنهن ما زلن بحاجة إلى إذن من ولي الأمر للزواج، أو الخروج من الملاجئ، أو السجن.

أما التعديلات الأخيرة على قانون الجنسية، فاحتفت بها وسائل الإعلام بوصفها “سابقة في منح السعوديات الجنسية لأبنائهن وبناتهن”!

وأوحت للقارئ/ة بأن هذا القانون ساوى أخيراً بين النساء والرجال، ونظر إلى النساء بوصفهن مواطنات كاملات الأهلية.

لكن في الحقيقة، سمح القرار بتجنيس أبناء وبنات السعوديات من رجلٍ أجنبي شرط أن تكون للابن/الابنة صفة الإقامة الدائمة في المملكة عند بلوغه/ا سن الرشد.

وأن ي/تكون حسن/ة السيرة والسلوك، ولم يسبق الحكم عليه/ا بحكمٍ جنائي، أو بعقوبة سجن لجريمةٍ أخلاقية لمدة تزيد على 6 أشهر.

وأن ي/تجيد اللغة العربية، وأن ي/تقدم خلال السنة التالية لبلوغه/ا سن الرشد طلباً بمنحه/ا الجنسية العربية السعودية.

وهي شروط تعبّر عن استمرار التمييز ضد النساء السعوديات، وعدم اعتبار مواطنتهن كاملة ومساوية للرجال.

حالة حقوق الإنسان في السعودية

لطالما كان وضع حقوق الإنسان في السعودية قضيةً حاضرة عالمياً.

وإلى جانب الاعتقالات، والتعذيب، وتقييد ومنع السفر، تستمر السلطات في تنفيذ أحكام الإعدام.

فأعدمت عام 2019، 186 شخصاً، ثم انخفض عدد الإعدامات عام 2020، ليعود للارتفاع مجدداً عام 2021.

إلا أن الانخفاض لم يكن نتاج تغيير حقيقي في نظرة السلطات إلى حقوق الإنسان، واحترام الحق في الحياة.

بل جاء نتيجةً طبيعيةً للإغلاقات التي ترافقت مع انتشار وباء كورونا.

بينما نفذت عام 2022، 138 عملية إعدام، طالت مواطنين سعوديين وعرب وأجانب.

من جهةٍ أخرى، خاضت لسنوات حرباً ضد اليمن، قتلت واصابت خلالها آلاف اليمنيات/ين من بينهن/م نساء وطفلات وأطفال.

وآخرون/أخريات هُدمت حياتهن/م وفقدن/وا كل مقومات الأمان فيها.

وهنا يجدر بنا التفكير في ثنائية “تمكين” النساء وقتلهن، داخل وخارج السعودية، إما عبر الإعدامات ومسلسلات القمع، أو عبر الحرب والقصف.

تسلح وتحالفات مع مستعمرين واحتفاء بإشراك النساء في الجيش

دفعت السعودية وما زالت مليارات الدولارات لشراء الأسلحة.

بينما أجرت بين عامي 2015 و2018 صفقات مع كل من أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وألمانيا.

وفي تموز/يوليو عام 2019، وافق الملك سليمان على نشر قوات أميركية على الأراضي السعودية.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية، عن مصدرٍ مسؤول في وزارة الدفاع حينذاك، أن “القرار يهدف إلى رفع مستوى العمل المشترك في الدفاع عن أمن المنطقة، واستقرارها، وضمان السلم فيها”.

وإذا أردنا البحث عن صفقات السلاح السعودية، وتعاوناتها العسكرية والاستخباراتية مع أميركا والاحتلال الصهيوني، سنجد عشرات الأخبار والعناوين.

وهو ما يدفعنا إلى طرح تسؤلات عدة، منها: مصلحة من يخدم هذا الكم من الإنقاق العسكري والاستخباراتي؟ وأي مؤشر يعكس عن الانتهاكات الممكنة والمرتكبة؟

ما هو هامش الحرية الذي ت/يملكه الناشطات والناشطون في سياقٍ مماثل؟

ولصالح من تأتي هذه التعاونات مع كيانات مُستعمرة، لطالما نهبت خيرات المنطقة وثروات شعوبها، وقتلت ونكّلت بهذه الشعوب؟

وبالتوازي مع التسلح المستمر، والتعاونات مع كيانات محتلة وعدوة لشعوب المنطقة، يأتي قرار إشراك النساء في الجيش السعودي كإنجازٍ آخر.

وعلى الرغم من أن القرار يحمل العديد من الشروط، التي تعكس النظرة الذكورية الدونية للنساء، إلا أن السؤال الأهم هنا:

هل حقاً نريد أن نرى النساء جزءاً من مؤسساتٍ عنيفة لا تخدم مصالح شعبها وشعوب المنطقة؟

وكيف يخدم وجودهن هذه المؤسسات، ودعايتها؟

خلاصة

يسعى هذا المقال بشكلٍ أساسي إلى طرح الغسيل البنفسجي كتأطيرٍ نقدي قابلٍ للاستخدام والإسقاط في سياقات مختلفة، بهدف الوصول إلى تبني واعي للسرديات والتحالفات. وتحليل ومواجهة خطابات السلطة تجاه النساء وحقوقهن.

ونأخذ السعودية كمثالٍ واضح، بهدف تقريب المفهوم، والإشارة إلى العنف الذي تمارسه السلطات السعودية مرتين.

مرة عبر ارتكابها انتهاكات تطال حقوق النساء والفتيات بشكلٍ خاص، وحقوق الإنسان بشكلٍ عام.

ومرة ثانية عبر محاولاتها المستمرة لطمس انتهاكاتها وجرائمها، وتبييض صفحتها.

وبذلك، يصطف هذا المقال إلى جانب المهمشات/ين في وجه المليارات التي تُنفق على بناء سردية السلطة وتطبيعها.

 

كتابة: مجدل يوسف

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد