عندما أسقطنا سردية الاستعمار.. أسقطنا الخوف
منذ بدء الاستعمار بمنظومته الممنهجة القائمة على الغزو العسكري والنهب الرأسمالي، تُنظّم حملات تهدف لفرض السيطرة الكاملة على العالم.
بحرصٍ خبيث، ترافق الاستعمار مع هذه البروباغندا المنظمة للسيطرة على الوعي السياسي، وقولبة الخطابات لتكون أقل “عدائية” تجاه هذه المنظومة.
بعد الهزائم المتكررة وانسحاب الجيوش الاستعمارية، ظهر الاستعمار الجديد بديلًا عن استخدام القوة المباشرة في المستعمرات. فتم استخدام الإعلام والتكنولوجيا والاتفاقيات السياسية والقوانين وعولمة السوق والثقافة، لبسط الهيمنة الإمبريالية على العالم. تحديدًا من خلال توحيد سردية السلام والديموقراطية وفق شروط هذه المنظومة.
نجح الاستعمار في التسلل إلى بلدان الجنوب العالمي عبر هيئات دولية تدّعي الحياد، لكن قضية فلسطين كانت دائمًا الفيصل في تحديد مدى صدقها.
فطوال هذه العقود، كان التعامل مع الكيان الصهيوني يمر عبر فرضه على أنه أمر واقع، وإدانة أي فعل ثوري. بالطبع، يشمل ذلك تكوين سردية مناهضة لهذا الاستعمار.
اليوم، أيقن العالم أن أي عمل جاد لأجل الحرية والعدالة لا يمكن أن يكون من نفس المنظومة التي تسببت في سلبها وانعدامها.
View this post on Instagram
سردية الاستعمار وإدانة المقاومة
انتشر خطاب نزع السياسة عن حقوق الإنسان وحقوق النساء، وحولت السياقات السياسية المرتبطة بالاستعمار والهيمنة الإمبريالية والرأسمالية إلى نزاعات سياسية حول “الديموقراطية”. بينما كان هناك توجّه واضح لحظر الخطابات الثورية، وتقليص المساحات التحررية التي يمكن أن تنتجها هذه الخطابات.
نجح الاستعمار في تثبيت “لا سياسية” الحركات والخطابات التي تهدف للنضال والتغيير الاجتماعي والسياسي. وساهم هذا بالضرورة في عزلها عن القواعد الشعبية، وعن المواجهة المباشرة مع المستعمر والانتباه إلى خططه في البقاء مسيطرًا.
وطوال السنوات الماضية، كان لهذا تأثير كارثيّ في تطبيع الكيان الصهيوني وسردية المدنيات/ين الأبرياء في مواجهة “الإرهاب الفلسطيني“. وشيئًا فشيئًا، تحول وجود الاستعمار إلى استحقاقٍ غير قابل للنقاش. بل وتم فرضه على الشعوب الناطقة بالعربية، لتتواجد معها في مساحات دولية تحت شعار التعايش والسلام. كل ذلك، بينما كان يضيق الخناق على خطاب المقاومة ووجودها.
أصبحت كذبة إدانة المقاومة بالإرهاب مثيرة للاشمئزاز، مثيرة للغضب الثوري.
View this post on Instagram
تسابقت صفحات الإعلام العالمي والهيئات والمنظمات الدولية إلى إدانة المقاومة الفلسطينية بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر بنبرةٍ وخطاب حادّين. فأصدرت بيانات تُجمع على وصم الشعب الفلسطيني وجعله مجرمًا، لأنه دافع عن أرضه وحاول تحرير أسراه/أسيراته ورفع الحصار عن غزة.
في هذه اللحظة بالضبط، تقطّعت كل الحبال التي حرص الاستعمار على تخدير الشعوب بها واللعب بالحقائق وتحويل الأنظار عن إجرامه. لقد بدأ بحقٍّ دق المسامير في نعشه، وكشف كذبه ونفاقه، وكيف تلاعب بقضايا مصيرية. أبرزها أن تكون قيمة الإنسان مرتفعة كلما كان في أعلى سلم الهرم، وبحوزته السلطة والثروة.
ومن هنا، كانت أوكرانيا أهم من شعوب أغلبية العالم الجنوبي. أما دماء الصهاينة الغزاة، فتستدعي تدخل أميركا وبريطانيا بعتادهما ومرتزقاتهما وإعلامهما المنحاز بوحشية إلى تدمير غزة وسحق الشعب الفلسطيني.
View this post on Instagram
سقط الخوف
أخيرًا، سقط الخوف من قول الحقيقة. سقط الخوف من المستعمر ومن إدانته، ومن كشف نفاق العالم وانحيازه. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تعجّ بالأصوات الغاضبة من استغلال ووحشية الإعلام العالمي والمؤسسات الأكاديمية والحقوقية.
وطال الغضب كل مَن أعلن في الدول المهيمنة أنه يهتم بالإنسان، إلا إذا كان فلسطينيًا أو عربيًا أو إفريقيًا. أصبحت كذبة إدانة المقاومة بالإرهاب مثيرة للاشمئزاز، مثيرةً للغضب الثوري.
سقط الخوف وتمكّنت الشعوب الحرة أخيرًا من اكتشاف هشاشة سردية الاستعمار وتناقضه. ومن ثمَّ، أجبرته على أن يقع في فخ الفشل والهزيمة، لدرجة أن يحاول تصوير أفلام سيئة الإخراج لتبرير اجتياح المستشفيات وتدميرها.
اليوم، أيقن العالم أن أي عمل جاد لأجل الحرية والعدالة لا يمكن أن يكون من نفس المنظومة التي تسببت في سلبها وانعدامها. وأن الشعوب المستعمَرة لديها كامل الحق بالمقاومة المسلّحة ودحر الغزاة بأي وسيلة تراها ضرورية.
وتعلمنا أخيرًا أن نثق في أن سردياتنا وأصواتنا شرعية وحقيقية. أصواتٌ قادرة على تحريرنا من قبضة الاستعمار، مهما كان مهيمنًا.