الملاكمة الجزائرية إيمان خليف في مواجهة الاستعمار والمعيارية الأبوية

أعادت قضية الهجوم على المُلاكمة الجزائرية إيمان خليف الحديث عن المعايير والتصنيفات الأبوية حول النساء والجسد والجنسانية والعبور الجندري/الجنسي.

يأتي ذلك بعد انسحاب الملاكمة الإيطالية أنجيلا كاريني، من المباراة ضد إيمان بعد 46 ثانية فقط من بداية النزال، خلال مباراتهما في أولمبياد باريس 2024.

هجوم برعاية نظام أبوي عالمي

شُن الهجوم ضد إيمان خليف بعد ظهور أنجيلا كاريني وهي تبكي وتقول إنها وقعت ضحية لمنافسة غير عادلة.

هذا التصريح استخدم سلاحًا ضد إيمان خليف تحت ذريعة أنها عابرة جنسيًا. فتواصل الهجوم ليصفها بأنها رجل متخفٍّ وإلا لما استطاعت هزيمة كاريني.

عُزز هذا الخطاب الهجومي من طرف قوى يمينية إيطالية وصلت لإتهامات رسمية للجزائر.

كما انضمّ إيلون ماسك إلى الحملة الهجومية ضد إيمان، وهو شخصٌ يعرف بعدائه الشديد للعبور الجنسي والجندري وتبرؤه من ابنته العابرة.


كما شنت وسائل إعلامٍ ومنصات غربية حملة روّجت من خلالها أن إيمان هي رجل تسلل للمنافسات، وأن وجودها ضمن المنافسة النسائية يعد غير عادل.

هذا الهجوم يرعاه نظام أبوي عالمي مبني على الهيمنة الاستعمارية على الجنوب العالمي. وهو نظام وضع معايير وفق مبررات التفوق العرقي والحتمية البيولوجية، من أجل ضمان استمرار السلطة والامتيازات التي استفادت منها البلدان الاستعمارية حتى في مجال الرياضات.


ويعد إقصاء النساء والأشخاص من الشعوب الغير أوروبية بناءً على الخصائص البيولوجية سلاحًا فاشيًّا استخدم في تبرير الاستعمار، والتجارب اللا أخلاقية للطب الاستعماري. وها هو اليوم يستخدم مرارًا وتكرارًا لإقصاء النساء الجنوبيات من الرياضات تحت مبرر عدم المساواة في الخصائص الجسدية والبيولوجية وحتى القدرات العقلية.

تجاهل الحقائق وتطبيع الإقصاء

لا تعد هذه المرة الوحيدة التي واجهت فيها إيمان محاولات لإقصائها وتحييدها من المنافسات العالمية. حيث ظلت تواجه تحيز القطاع الرياضي ضد النساء غير المنسجمات مع الصور النمطية الجندرية. واضطرت للخضوع الدائم للتقييم لتثبت أنها ولدت مطابقة للجندر (أنثى) ولم تجر أي عمليات للعبور الجنسي أو الجندري.

وكانت اللجنة الأولمبية الدولية في طوكيو عام 2020 قد أكدت أن “إيمان” ولدت بجنس “أنثى” ولم تجرِ عمليات عبور جنسي. ثم عادت اللجنة خلال منافسات باريس 2024 ونشرت بيانًا جديد ينفي الهجوم الواقع على إيمان، وتؤكد أن لديها المعطيات اللازمة لإثبات أنها لا تتميز بأي خصائص تحول دون تواجدها في المنافسات النسائية.

وأصدرت الرابطة الدولية للملاكمة بيانًا، عقب الهجوم على إيمان، أكدت فيه أنها “لم تجر تحليلًا لفحص هرمون التستوستيرون في جسد إيمان، ولكن خضعت لاختبار آخر سري، أشار هذا الاختبار بشكلٍ قاطعٍ إلى أنها تتمتع بمزايا تنافسية أعلى من المنافسات الأخريات”. ولكن البيان لم يذكر من قريب أو بعيد أي اختلافات جندرية بينهن.

وقالت اللجنة أنها سمحت بمشاركة “إيمان” طبقًا لنتائج الفحوصات التي قدمتها خلال الأشهر الأخيرة قبل المشاركة في أولمبياد باريس.

وقال المتحدّث باسم اللجنة الأولمبية الدولية، مارك أدامز، عقب حصول إيمان خليف على الموافقة بالمشاركة في الأولمبياد الحالي إن “كل من يتنافس في فئة السيدات يمتثل لمعايير الأهلية”.

يذكر أن فوز “إيمان” على اللاعبة الإيطالية أنجيلا كاريني، لم يكن أمرًا فريدًا. إذ سبق وفازت على نفس اللاعبة في ربع نهائي بطولة العالم للملاكمة عام 2022، قبل أن تخسر إيمان من لاعبة الملاكمة الأيرلندية، إيمي برودهست.

كما سبق وخسرت إيمان في ربع نهائي أولمبياد طوكيو 2020، أمام لاعبة، وخسرت في المجمل أمام تسع لاعبات.

لائحة طويلة من إقصاء النساء غير الأوروبيات

لا تعتبر هذه المرة الأولى التي استخدمت فيها معايير الحتمية البيولوجية المرسخة من النظام الأبوي الاستعماري، في إقصاء النساء من الجنوب العالمي من المنافسات الرياضية. وذلك بحجة أنهن يمتلك بنية جسدية رجولية، أو أن أجسادهن تحتوي على نسب عالية من التستوستيرون.

فقد تعرضت لذلك كل من سيرينا ويليامز، ودوتي تشاند، وكاستر سيمينيا، وأنيت نيجيسا، وشانثي ساونداراجان.

وهي كلها أسماء لرياضيات من دول إفريقية وآسيوية ونساء سود، تم استبعادهن وعرقلة مسيرتهن الرياضية بسبب معايير اقصائية تعرف “المرأة” حسب ما يناسب الامتيازات والهيمنة الاستعمارية.

تاريخيًا، وجد الغرب الإمبريالي طرقًا عديدة لإنكار مفهوم “المرأة” وما يتعلق به من خصائص ومعايير على النساء السود والنساء من الشعوب الأخرى، خصوصًا في مواجهة الامتيازات التي استخدمت فيها النساء البيض امتيازاتهن ودموعهن ودور الضحية للنيل من النساء الأخريات.

العبور ليس تهمة والاضطهاد متقاطع

في هذا الصدد يسعى الكثيرون للدفاع أن إيمان ليست “عابرة” بل ولدت “أنثى”، وهو خطاب وإن كان يظهر الحقائق الوجودية لإيمان. لكنه يتناسى أن الإقصاء الذي تواجهه ايمان ينبع من سياسات كراهية وتمييز واضطهاد تعاني منها النساء العابرات.

فالدفاع المستمر عن ثنائية جندرية ومعيارية أبوية، تسعى لتصنيف النساء وفق صور نمطية عن الجسد والمظهر والهوية والجنسانية، يشرعن إقصاء النساء المطابقات لذات الأسباب.

فيتم الحكم على النساء المطابقات اللواتي يتمتعن بخصائص أو مظهر جسدي لا يتطابق مع المعايير الموضوعة “للمرأة”، بأنهن رجال أو نساء عابرات. ويتم التعامل معهن وفق نفس العنف والإقصاء الذي تتعرض له النساء العابرات، ويوضعن تحت ضغط وتهديد لهويتهن ووجودهن.

العنف وانتهاك الخصوصية

في هذا الهجوم تعرضت إيمان لأنواع متعددة من العنف بينها العنف الإلكتروني الذي ساهم في انتهاك خصوصيتها. حيث تم نشر صور من طفولتها لإثبات أنها ولدت “أنثى”، وتم مشاركة تفاصيل عن حياتها لكي يتم اقناع المهاجمين ببطلان حججهم ضدها.

الاتهامات المستمرة قبل الأولمبياد حتى، جعلت إيمان تتحدث خلال مقابلات عن المعاناة التي خاضتها في تحدي التقاليد الأبوية. ما وضع أمامها عراقيل بسبب أنها امرأة تريد الاحتراف في رياضة صنفت لوقت طويل أنها “رجالية”. وأن الرجال فقط من يمتلكون القوة الكافية لممارساتها.


وهو أمر استطاعت إيمان وغيرها من الرياضيات تحطيمه. فأثبتن أن كل ما حاول النظام الأبوي تثبيته على أنه حتمية بيولوجية، ليس سوى تقسيمات جندرية تهدف لاضطهاد وإقصاء النساء، والهيمنة على مصيرهن.

وفي ردها على الهجوم الدائم ضدها، قالت إيمان خليف في تصريحات سابقة: “هذا خلق الله. لقد تعرضت في الكثير من الأحيان للتنمر بسبب شكلي، وقاومت وواصلت النضال رغم كل شيء”.

إن التنوع الجندري والجنساني والجسدي والهويات المختلفة للأشخاص، لا يجب أن يكون مبررًا للاضطهاد والإقصاء. بل أن قضية إيمان يجب أن تلهم الحركات النسوية وكل المتعاطفات/ين مع قضيتها لتبني خطاب وسياسات تحمي حق الأشخاص في التواجد والتعبير والتصرف وفق ما يناسب شخصياتهن، دون قسر أو إقصاء لهن/م.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد