الشيخ علي الخطيب يلتف على وقفة الأمهات في عيدهنّ.. خطاب أبوي و”ترشيد” لغضبن

أمام الحواجز الحديدية الصلبة المقابلة لمدخل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، تقف الأمهات متدرِّعات بموقف الحق الأكثر صلابة.

وخلف الحواجز، يقف بعض رجال القوى الأمن الداخلي، ورجال من “أمن السفارات” -كما كُتب على سترتهم- ومعهم/ن نساء من الجهاز الأمني نفسه، تحسباً لغضب الأمهات.

لقطةٌ استعراضيةٌ فضفاضة، من إخراج مجلسٍ منته الولاية، يبدو أنه أصيب بعدوى التمديد لنفسه.

المشهد أكثر هزلية من إمكانية وصفه، إلا أن التطور اللافت كان وقوف نساء أمن السفارات من دون غطاء رأسٍ داخل المجلس.

لكن سرعان ما تبددت الفرحة بهذه القفزة النوعية، حين وصلت التعليمات بأنه على الأمهات والصحافيات الراغبات بالدخول لمناقشة قضية الحضانة داخل المجلس أن يضعن الحجاب!

خلاصة الأمر، بهدف الدخول إلى مرفقٍ عام -تابعٍ لرئاسة مجلس الوزراء- لتسجيل موقفٍ ضد ظلم المنظومة الأبوية والوصاية الذكورية، فُرضت على المحتجّات شروط الوصاية الذكورية نفسها! “ولفي بينا يا دنيا”.

ثم عاد الشيخ لاستقبالهن بشعاره العظيم قولاً وليس فعلاً: “لا إكراه في الدين!”

 


حسناً… لا عليكن/م بكل هذه الفوضى وهذا التناقض. فلندخل في صلب “الاستعراض” الذي حصل في يوم عيد الأم في لبنان.

“أنا بحبكن يا ماما”

تقف ميرنا دعبول، وهي أم لفتاتين وشاب حُرمت منه/ن منذ 7 سنوات، أمام الحواجز المحصّنة لبوابة المجلس الإسامي الشيعي الأعلى، وهي بالكاد تستطيع حبس دمعتها وابتلاع غصّتها.

“أنا بحبكن يا ماما”، قالتها الأم بحرقةٍ تدمي القلب. الشوق مؤلمٌ، والظلم أكثلا ألماً. ولا بديل للأمهات المتألمات والمظلومات والمحترقات شوقاً عن الشارع.

ميرنا هي واحدة من بين الأمهات الكثيرات اللاتي لم يتبق أمامهن سوى اجتراع مر الصبر على فراق أولادهن.

مناضلاتٌ اخترن إطلاق عنان الصرخة الحرة أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، علّ صرخاتهن تذكره ببرنامج عمله المُفترَض. وذكّر إن نفعت الذكرى الملقاة في أدراج الوصاية الأبوية اللا مبالية بأوجاعهن وحاجات أطفلاهن وطفلاتهن.

عن دور “الشيعي الأعلى”.. شاهد ما شافش حاجة!

الهيئة الشرعية التي أُنشئت حين “أظهرت الحاجة ضرورة تنظيم شؤون الطائفة من خلال مجلس يرعاها أسوة بباقي الطوائف” -بحسب برنامج عملها المفترض- تصدّرت في السنوات الأخيرة، ومعها المحاكم الجعفرية، ساحات المظلومية الاجتماعية.

فـ”الشيعي الأعلى”، أحد أذرع المؤسسات المباركة للوصاية البطريركية، تجاهل على مدى 9 سنوات صرخات أمهات الطائفة اللاتي افترشن الطرقات المؤدية لضميره، وطالبن بـ”تنظيمٍ أو رعايةٍ لشؤونهن وشؤون أطفالهن” – بحسب برنامج العمل المفترض أيضاً- دون رحمةٍ أو أدنى التفات.

المجلس الذي أعلن هذا البرنامج عام 1969، وعد منذ ذلك الحين أبناء وبنات الطائفة بأن مسؤولياته الرئيسية تتضمن “تحسين أوضاعهم/ن الاجتماعية، والقيام بدور إسلامي كامل فكراً وعملاً وجهاداً”، بالإضافة إلى “محاربة الجهل والتخلف والظلم الاجتماعي والفساد الخلقي”.

إلا أنه في أوج معركة الفساد والظلم والجهل والتخلف، في قضيةٍ ساميةٍ كقضية الحضانة، تخلّفَ عن أداء واجب الارتقاء بواقع الأمهات والأطفال/ الطفلات الاجتماعي لغايةٍ في نفس “الأبوية”. أما عن دوره “الإسلامي”، ففضّل الاحتفاظ بدور “شاهد ما شافش حاجة”.

شهد شاهدٌ من أهل “الشيعي الأعلى”

أما في 23 آذار/مارس الجاري، فشهد شاهدٌ من أهل المجلس بأنه “إذا لم يتم إيجاد المشاكل المتعلقة بالأسر، فقد تفسد المجتمع بأسره”. هذا ما صرّح به الشيخ علي الخطيب، في لقاءٍ رُتّب بشكلٍ -لا يبدو عفوياً البتة- مع الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة عند الطائفة الشيعية.

تصريحٌ يختصر الرومانسية التي لطالما أتحفتنا بها المنظومة الأبوية الراعية للظلم الذكوري، والمقوننة له. ولكنه -للأسف- يختصر الواقع المرير المسكوت عنه بمباركة المنظومة نفسها.

والخطيب، هو قاضٍ شرعي سابق في إحدى المحاكم الجعفرية الظالمة للأمهات والمتعهدة بتنفيذ الأحكام الأبوية المجحفة.

وهو نائب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى المنتهية ولايته منذ 31 كانون الأول/ديسمبر 2021، والقائم حالياً بتصريف أعمال المجلس. والواقع أن صلاحيات الخطيب ومسؤولياته زائلة بزوال ولايته.

بالمناسبة، الخطيب نفسه متهمٌ بانتحال صفة، بسبب انتهاء ولايته ومعها عمل الهيئتين الشرعية والمدنية. وبالتالي فإن أي استعراضاتٍ إعلامية لا تعدو كونها استثماراً في قضية الأمهات، لا تغني ولا تسمن من جوع.

أما وأن الشيخ يصرّ على التمسك بمنصبه ويرنو إلى الاحتفاظ به في الاستحقاق المرتقب، فها قد أتت  قضية الأمهات على طبقٍ من “دعاية”، وفي وقتٍ مصيري.

ما الذي حصل في عيد الأم؟

– ما علينا- لا علاقة لنا نحن النسويات، والأمهات على وجه التحديد، بتصفية الحسابات الحزبية داخل ساحة الشيعي الأعلى. في الحقيقة لا فرق لنا ما بين وجود المجلس من عدمه، طالما أن دوره الفعلي الذي وجد من أصله معطّل.

لكن ما الذي حصل في عيد الأم الأخير؟

على غير عادة، تلقّت الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة اتصالاً عرضت فيه إحدى “المبادِرات” لقاء الشيخ نفسه لطرح مطالب الحملة. اتضح في ما بعد أن صاحبة المبادرة هي ابنة نائب الخطيب نفسه.

بدأ الخطيب كلامه بكليشيهات رومانسية. ذكّرنا بعظمة الأمهات، وأثنى على دورهن. ولم يغفل عن إحاطتنا بأنه أب لبناتٍ.

يبدو أنه من المفيد أن نبقى على اطلاعٍ بأن المرأة هي “الأم والأخت والابنة والزوجة!”. حسناً، بات هذا السيناريو مألوفاً في مخاطبة قضايا النساء. ماذا بعد؟ فلندخل في لب القضية.

أعرب الخطيب عن استعداده “للاستماع إلى مشاكل الأمهات” و”معاونة جميع أمهاتنا” على حد تعبيره.

تشعر وكأن أحداً يستخفّ بجروحٍ نازفةٍ تحاول خياطتها منذ سنواتٍ على مرأى الممرض المتقاعس، ليأتي الأخير بكل بلادةٍ ويقول لكِ: ما الذي يؤلمك!

يشار إلى أن “مشاكل الأمهات” في الطائفة الشيعية باتت مسموعة من القاصي والدّاني، وحدها المؤسسات الشرعية الشيعية تصمّ آذانها عن سماعها، رغم أن حناجر الأمهات قد بُحّت لمدة 9 سنوات من دون أن يلقين ضمائر صاغية.

فإن كان الخطيب لم يسمع بمطالب الحملة من قبل، فتلك مصيبةٌ. وإن سمع واستخفّ بحجم البلاء وعظمة الظلم الواقع على الأمهات وأطفالهن/طفلاتهن، فالمصيبة أعظم.

المصيبة أن تمرّ السنون العجاف عليهن، ويستغثن لسنواتٍ عبر الشوارع والمنصات الإعلامية المختلفة، من دون أن يهتزّ أصحاب العمائم داخل الأجهزة المعنية بـ”تنظم شؤون الطائفة” لمتابعة أوضاع الأمهات ومحاربة الظلم الاجتماعي الممارس ضدّهن.

ومن بينهم الخطيب، سواء حين قاضياً جعفرياً أو حين تسلم منصبه كنائبٍ لرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. فـ”ما عدا ما بدا”؟

وصفة الشيخ الخطيب لحل مشكلة الأمهات.. “شكراً كفاية”!

يبدو أن الخطيب الذي سبق أن حوّل أروقة المجلس إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات بين الثنائي الشيعي، حاول الاستثمار بقضية الأمهات لتعبئة رصيدٍ متعدد الأبعاد. ذكاء “استحقاقي” لا يحتاج بذل جهدٍ لشكفه.

اشترط الشيخ لتحقيق لقائه “الودي” بالأمهات، وفق ما نشرت رئيسة الحملة زينة ابراهيم، أن “يحدث الأمر دون جلبة”. وخلال انعقاده، لم يفوّت الفرصة لتوضيح الأمور “الواضحة أصلاً” للنساء وإفهامهنّ كيفية الدفاع عن حقوقهن ومتابعتها. “ما عليكن التركيز عليه هو مسألة تشخيص الأهلية، هذه هي النقطة المهمة”!

شكراً كفاية “سماحة” الشيخ! يبدو أنك فعلاً لم تكن مهتماً بمتابعة مطالب الأمهات اللاتي كن ولا زلن يقرعن باب “الأهلية”، وما من متطوّعٍ لفتحه.

ومن موقعه كذكر يشعر بالتفوّق الفطري على النساء، لم يحتمل الخطيب مجرد مقاربةٍ فقهيةٍ من قبل نساء حاججنه حول مدى تمثيل أحكام الحضانة للشرع، إذ اعترض النقاش قائلاً “تعوا علموني على ديني”.

أما عن مخرجات اللقاء، فانقضاء عيد الأم بأقل “جلبةٍ” ممكنةٍ في خطوةٍ “استيعابية” مدروسة بعناية، لتقويض “المؤامرة”. ترويجٌ ذكي في مرحلةٍ حرجة.

لا أمهات غاضبات أمام المحاكم الجعفرية، لا هتافات ضد تقاعس المجلس، ترشيدٌ لغضب النساء ضمن المنطق الأبوي، ووعودٌ هلامية صادرة عن سلطة منتهية الصلاحية غير متفق عليها. وزبدة التوجيهات كانت حثّ المحتجّات على تأليف “لجان متخصصة لمتابعة موضوع الأهلية في قضية الحضانة”، تعهّد من موقعه كنائب رئيسٍ “منته الصلاحيات” بمتابعتها!

من المسؤول؟

الجميع يرمي المسؤولية عن نفسه.

أصدر الشيخ توجيهه لقضية الأمهات كما لو أن المجلس غير معني بتاتاً بنظيم شؤون الطائفة. أمهات تُنتهك أموتهنّ وطفلات وأطفال يُسلبن/ون من أحضان والداتهن على مرأى العالم. والمجلس الشيعي المؤتمن على رفع الظلم والفساد عن أهل الطائفة، يختصر دوره بـ “مالناش دعوة”.

أصر الشيخ على تأكيد عدم قدرة المجلس على التأثير على قرار القضاة الشرعيين. فـ”عملياً وترتيبياً ليس لنا سلطة قانونية على المحكمة، أما السلطة المعنوية فتكون من باب تيسير بعض الأحكام وليس من باب الفرض”، على حد قوله.

فإذا كانت الغاية من نشأة المجلس -وهو المرجعية الرسمية للطائفية الشيعية في لبنان- غير محققة، ما الداعي من استمرار وجوده إذن؟

وما الداعي من الاستماتة لتولي مناصب في مجلس لا قدرة له على تنفيذ المهام الاجتماعية التي خُلق من أجلها؟ وإذا كان الكل دوره مكافحة الظلم والفساد، والكل يتبرّأ من الظلم ويتنكّر له، وهذا الكلّ أيضاً يدّعي نصرة المظلوم وحراسة ميزان العدل، فعلى من تقع المسؤولية؟

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد