نساء وفتيات لبنان لا يشعرن بالأمان خارج المنزل.. “أحمل سكيناً في حقيبتي”

“أصبحت أخاف من الخروج ليلاً. أُقفل سيارتي فور ركوبها. ولا أتوقف من أجل أي شخص مهما كان الظرف. ويرافقني شقيقي في حال اضطررت إلى الخروج ليلاً. الوضع صار أشبه بمدينة رعب”.

هذه إحدى الشهادات والاقتباسات لمجموعة من نساء وفتيات لبنان، رداً على سؤال عن العنف خارج المنزل، في ظل مؤشرات عن فوضى مجتمعية، وازدياد عدد الجرائم في لبنان نتيجة الأزمة اللبنانية المتدهورة.

لبنانيات أخريات وجدن طرقاً أخرى بديلة عن التقوقع والخوف والتزام البيت خوفاً من العنف خارج المنزل.

فارتأين أن يتسلّحن بأدواتٍ حادة مثلاً، لحماية أنفسهن في حال واجهن محاولة سرقة، أو خطف أو اغتصاب.

شهادات حية

لذلك، أجرت منصة “شريكة ولكن” جولة مقابلات مع شابات ونساء لبنانيات لمعرفة ما الذي يخيفهن وكيف يحاولن حماية أنفسهن.

فقالت الشابة نادين ج، وهي تعمل كنادلة في مطعم وسط بيروت بدوامٍ ليلي: “أحمل سكيناً حادة في كل مكان، في سيارتي وفي حقيبتي. الوضع أصبح مخيفاً”.

أما سارة، فتعرضت منذ شهر لحادثة سرقة خلال وجودها في منطقة حي السلم، في ضاحية بيروت الجنوبية خلال ساعات النهار.

وروت لـ”شريكة ولكن” أن “السارق كان على متن دراجة نارية حين لمحها وهي تفتح نافذة السيارة، وفي غمضة عين تمكّن من مدّ يده والتقاط حقيبة اليد وفرّ هارباً”.

حاولت مطاردته، لكن زحمة السير منعتها من مواصلة تتبُعِه، فاستطاع أن يختفي في لمح البصر، بسبب تنقله بسهولة عبر دراجته بين السيارات، ودخوله بعدها في أحد الزواريب الضيقة.

تستعيد سارة الحادثة، وقالت إن “القدر شاء أن تقع الحادثة حين كان طفلها في المدرسة، ولولا ذلك لكان الأمر ازداد سوءاً”.

فهي، بحسب تعبيرها، تلازم المنزل في معظم الأوقات خوفاً من السارقين المتجولين، وسط غياب للأمن والعناصر الأمنية.

وأضافت: “أنصح كل امرأة أن تكون حذرة جداً خلال تنقلاتها، وأن لا تتواجد في الأماكن التي تنتشر فيها حوادث خطرة”.

بدورها، نجحت سيرينا و.، وهي صحافية تعمل في موقع إخباري، في إفشال خطة السارق.

وذكرت في مقابلتها مع “شريكة ولكن” أنها كانت تمشي في منطقة فرن الشباك، حين حاول اللص انتشال حقيبة يدها. لكنها كانت ممسكة بها بطريقة محكمة، وصرخت عالياً ما أجبره على الهرب مسرعاً.

لم تشتكِ سيلينا، وهذا السارق ما زال يتجول في شوراع بيروت حالياً، ولا تنوي القيام بذلك.

إذ قالت: “لا أحبذ الدخول إلى مخافر الشرطة. فبعض العناصر الأمنية لا يعاملون النساء والفتيات بطريقةٍ جيدة ويستهزئون بهن”.

ولفتت إلى أن “التنقل من دون سيارة يزيد الأمر تعقيداً، ويضاعف احتمال التعرض إلى الاعتداء اللفظي أو السرقة. يضاف إليها طبيعة العمل التي تفرض أحياناً الدوام الليلي”.

نساء وفتيات لبنان في ظل الفوضى المجتمعية .. أرقام مخيفة

هذه الجولة والمقابلات، أُجريت في مناطق مختلفة، تحديداً في بيروت والضاحية الجنوبية، والأشرفية، وحي السلم، وفرن الشباك وخلدة وصور، عقب صدور دراسة تابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بعنوان “ازدياد الاحتياجات الإنسانية في لبنان”.

تضمنت الدراسة، التي نشرتها هيئة الأمم المتحدة للنساء في 29 أبريل\نيسان عام 2022، وضع النساء والفتيات اللبنانيات، في ظل الفوضى المجتمعية الناتجة عن الانهيار الاقتصادي في البلد.

وأشارت الدراسة إلى أن 60% من النساء والفتيات لا يشعرن بالأمان في الشارع العام، و41% منهن ينتابهنّ الخوف في السوبرماركت. و25% يشعرن بالقلق خلال تنقلهن في النقل العام، و5% منهنّ يشعرن بالخوف داخل منازلهنّ.

كما كشفت الدراسة أن ربع الأسر اللبنانية يشعرن/ون بالخوف على سلامة وأمن النساء والفتيات في المجتمع. وأكثر من ثلث الأسر قلقون على سلامة وأمن الفتيات خارج المنزل، من جرائم مثل الاغتصاب والعنف والخطف وغيرها.

وتتفاقم مخاوف السلامة بالنسبة إلى النساء والفتيات في المناطق الريفية. إذ ارتفعت معدلات الخوف على النساء إلى 49% عند الأسر في عكار، و39% في الشمال، و 38% في بعلبك الهرمل، بحسب الدراسة.

أمنياً: النشل والابتزاز

وسط هذه المخاوف والأرقام، أكد مصدر رفيع من مديرية قوى الأمن الداخلي لمنصة “شريكة ولكن” أن “الأرقام الأخيرة للجرائم في لبنان تشير إلى أن النساء والفتيات هن الأكثر عرضةً لجريمتيْ النشل والابتزاز الجنسي”.

وبالاستناد إلى إحصاءات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي حصلت عليها “شريكة ولكن”، فإن المعدل الشهري للجرائم لعامي 2021-2022 في لبنان، يشير إلى ارتفاع نسبة السرقة الموصوفة (منازل، محلات..) من 495 عام 2021، إلى 554 عام 2022.

وجريمة النشل من 35 جريمة إلى 49، والنشل بقوة السلاح من 44 جريمة إلى 45. أما سرقة السيارات، فانخفضت معدلاتها من 110 إلى 86. كما انخفضت جرائم القتل من 17 جريمة عام 2021 إلى 15 جريمة عام 2022.

“عنصر حماية”

مجتمعياً، قالت أستاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتورة أديبة حمدان لـ”شريكة ولكن” إن “النساء والفتيات يتأثرن أكثر خلال وجودهن في بيئة مفعمة بالتهديدات، خصوصاً الفتيات”.

وأرجعت السبب إلى أنهن، وعلى الرغم من كل مشاركتهن ومساهمتهن الإيجابية في تطور المجتمع وبنائه، ما زلن محكومات مجتمعياً بما أسمته “عنصر الحماية”، أو “عنصر دفاع”.

وأضافت أنه “يُنظر إليهن دائماً بالطريقة التقليدية على أنهن كائنات ضعيفة. فمثلاً في حال أرادت الفتاة الخروج من البيت ليلاً، تستدعي الأم فوراً العنصر الذكر في المنزل، كشقيقها مثلاً”.

وحذرت الدكتورة أديبة من أن “نظرة الضعف المنوطة بالعنصر النسائي، والتي يتم ترسيخها في المجتمع، تعكس  أفكاراً مثل أن التعدي عليهن أمر سهل، ما يعرّضهن للحوادث أكثر من الذكور، لأن الهشاشة النفسية تظهر للعلن وهذا الأمر يستغله المعتدي”.

وأضافت: “قد يستسهل اللص سرقة أو خطف أو الاعتداء على امرأة أو فتاة لأنه يعتقد أنها لن تطارده، ولن تضربه ولن تقاوم. مع العلم أن المرأة في عصرنا الحالي أصبحت تتمتع بقوة بدنية وجسدية ولديها وعي مجتمعي عالي واحتراز ذاتي، يمكّنها من حماية نفسها خارج المنزل”.

أما العامل الثاني الذي يجعل النساء مُستهدفات، خصوصاً بالتعنيف اللفظي، هو العامل الجنسي، بحسب تعبير د. أديبة.

فقالت إنه “يُحكم على النساء والفتيات مجتمعياً بأنهن عنصر إغراء وجمال، وهذا أيضاً يُسهّل تعرّضهن للعنف”.

التنشئة السليمة

قسّمت الدكتورة أديبة التوصيات لحماية النساء والفتيات من العنف خارج المنزل إلى فئتين:

الأولى على المدى الطويل، وهي “تأتي عبر التنشئة النفسية والاجتماعية السليمة التي تحصّنها وتقوّيها، وتؤمّن لها نوعاً من الدفاعات الذاتية، والقدرة على التنبؤ بأي نوع من المخاطر”.

كما شرحت أن “تحصين النساء والفتيات بالوعي والمناعة الذاتية أمر أساسي. فمن المهم أن تكنّ قادرات على اختيار أصدقائهن ومحيطهن والأماكن المناسبة لهن. والتمييز بين القيم المجتمعية الصحيحة وغير الصحيحة. كما يجب أن يملكن القدرة على التصرف وسرعة البديهة”.

وشددت أيضاً على أنه “لا يمكن سجن الفتيات في البيوت خوفاً من المجتمع والبيئة الأمنية الهشة، لكن يمكن تدريبهن وتقويتهن منذ الصغر حول كيفية الدفاع عن أنفسهن ذاتياً، وكيفية التصرف في أي موقف خطر، وهذه مهمة أساسية من مهمات الأهل”.

فنون القتال

أما عن الخطوات التي تقلل من المخاطر التي قد تتعرّض لها النساء والفتيات على المدى القصير، فتحدثت الدكتورة أديبة عن “أهمية السلوك العاقل، فمثلاً التخفيف من الخروج خلال ساعات متأخرة من الليل، والخروج مع أشخاص موثوق بهم/ن ومناطق معروفة، وعدم التواجد في مناطق  تعتبر بؤراً أمنية”.

أما الوسيلة الثانية لمواجهة أي موقف خطر خارج المنزل، فهو عبر “تشجيعهنّ على الرياضات القتالية الجسدية مثل فنون الدفاع عن النفس”.

وحذرت من تسلّح الفتيات والنساء، كأن يحملن معهن آلاتٍ حادة، لأنهن قد يخطئن في استعمالها، أو يعرّضن أنفسهن للخطر بصورةٍ أكثر”.

وأضافت أنه في الأصل “النساء والفتيات لسن مطالبات بمواجهة المجرم والانتقام منه، بل المطلوب فقط أن يكنّ قادرات على الخروج من الموقف الخطر بأقل ضررٍ ممكن”.

لا تقتصر معاناة وتحديات النساء والفتيات في لبنان بين العنف الأسري، والابتزاز الجنسي، والأحكام المسبقة اجتماعياً، واللامساواة داخل العمل، ومنعهن من إعطاء الجنسية لأولادهن، وقوانين الأحوال الشخصية الظالمة والمجحفة، والحرمان من الحضانة. حتى وصلت إلى ارتفاع العنف خارج المنزل مؤخراً، لتزداد المخاطر التي يواجهنها، في ظل تفاقم الأزمات المعيشية، والتضخم الحاصل، وما يتبعه من مخاطر على صعيد الأمن.

وأخيراً وليس آخراً، قد يبدو من المبكر تعميم فكرة أن نساء وفتيات لبنان أصبحن مستهدفات، ولكن من دون شك هنّ في خطر.

 

كتابة: فاطمة حيدر

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد