الرق الحديث أو “الكفالة”.. عاملة أوغندية هربت من “اغتصاب كفيلها” في العراق

لم تكن فيونّا، الشابة الأوغندية التي جاءت إلى بغداد للعمل كمساعدة منزلية، تعرف أن مصيرها سيكون التشرّد في الشوارع، هرباً من انتهاكات نظام الكفالة الاستعبادي.

في حين ظهرت فيونا (19 عاماً)، في فيديو الترويج، الذي نشره مكتب العمالة المنزلية، وهي مليئة بالطاقة والأمل، انتهى بها الأمر فاقدةً لأي أمل، إلا العودة إلى أهلها مجدداً.

“العرض مستمر”! .. آخر صيحات نظام الكفالة

تلاعب في العمر لأغراض “البيع”

“اسمي فيونا، عمري 18 عاماً، أتيت إلى العراق للعمل كمساعدة منزلية، وسعيدة جداً لمنحي فرصة للعمل هنا”. يبدو النشاط على وجه الشابة، التي سجّلت المقطع الترويجي لشركة التوظيف، قبل عامٍ مضى.

بمجرّد الدخول إلى صفحة الشركة على فيسبوك، تجد/ين عدداً من الصور لعاملاتٍ من مختلف الجنسيات، مع تفاصيل شخصية عنهن، معروضاتٍ لـ”الكفالة”.

إلا أن المصطلح الشائع لدى مكاتب توظيف العاملات الأجنبيات هو “البيع”.

هكذا ينظر إليهن النظام المشؤوم: سلعٌ قيد “العرض”، ينتظرن كفيلاً “يشتريهن”، فتيصبحن بعد ذلك مملوكاتٍ مجرّداتٍ من حرّياتهن بذريعة المسؤولية.

"تمديد العرض"! هكذا يقدم نظام الكفالة العاملات كأنهن "سلع للبيع"

لعلّ هذه “المسؤولية” جعلت شركة “بريق البرونز” تتلاعب “عالمكشوف” بعمر فيونا!

إذ أوردت في منشورها المترجُم، حول “تمديد العرض بمناسبة الأعياد”، أنها تبلغ من العمر 20 عاماً! (أي أكثر بعامين من عمرها الحقيقي حينها).

“أريد العودة إلى بلدي”.. وجواز السفر محتجز لدى شركة التوظيف

بعد عامٍ من هذا “العرض” الذي أوقع فيونا، بعد تركها لعائلتها في أوغندا بحثاً عن لقمة عيشها في العراق، في براثن انتهاكات “الكفالة”، ها هي اليوم لا تحلم سوى بالعودة إلى بلدها.

“أنام على الطرقات منذ 3 أشهر. ساعدوني لأعود إلى بلدي”!

“أريد العودة إلى بلدي، لا أريد شيئاً آخر”، تكرر فيونّا، بينما الدموع تغسل خدّيها اللتين امتلأتا بغبار الشوراع، طيلة 3 أشهر، على حد قولها.

التقيتُ بفيونّا بعد خروجي من دائرة الإقامة في بغداد. كان كل ما تملكه وجهاً شاحباً وعينين تملؤهما الدموع، وبعض حاجياتها التي استطاعت الهرب بها.

وأشارت إلى أن جواز سفرها محجوز لدى “مكتب بريق البرونز”.

هربت من اغتصاب كفيلها

في البداية، لدى سؤالي لها عن سبب هروبها من منزل كفيلها/كفيلتها، أجابت بأن “السيدة لا تعاملها جيداً، لا تدفع لي أجري”.

فعاملات كثيرات لا يجرؤن على الإفصاح عن تعرّضهن لأي شكلٍ من أشكال الاعتداءات الجنسية.

والحديث عن هذه “المحرمات” في بيئةٍ تحاصر النساء والفتيات بسلةٍ من الأحكام والأنماط الجاهزة، وتضرب حولهن طوقاً من التذنيب واللوم والتشكيك، يجعلهن مترددات في البوح.

لم يكن هناك أي خيار لمساعدة فيونّا، سوى محاولة التواصل مع الجمعيات الإنسانية المحلية، لتأمين دار أمان تبيت فيه، ريثما تتم متابعة قضيتها. علّه يحميها من تبعات التشرّد أو إلقاء القبض عليها.

إلا أن الجمعيات التي تواصلنا معها أعربت عن عجزها عن تحمل هذه المسؤولية “تخوفاً من تلفيقاتٍ لتهمة الاتجار بالبشر”.

فعملها داخل مجتمعاتٍ أبوية وعشائرية في آنٍ واحد، تعيقه دائماً محاولات التخوين، والضغط بورقة “الأجندة الخارجية”. كما لو أن خصوبة أرضنا الولادة للانتهاكات تُخفى على أحد.

“صاحب البيت رجل، تأتي صديقته في النهار، وفي الليل يقوم باغتصابي. لقد اغتصبني مراراً”


وحين سألتُ فيونا عن رغبتها بالتواصل مع مكتب التوظيف، انهارت راجيةً “إقناعه باستعادة جواز سفري لأعود إلى عائلتي. فإذا أعدتموني إلى المكتب قد يعاقبني أو يضربني بسبب هروبي. أو قد يعيدني إلى ذلك المنزل”.

وأضافت: “لا أريد العودة إلى هناك”.

سألتها مجدداً عن تعرضها للضرب من قبل كفيلتها، فأكدت أن الأمر ليس كذلك.

لكن المفاجأة كانت حين أوضحت أن “صاحب البيت رجل، تأتي صديقته في النهار، وفي الليل يغتصبني. لقد اغتصبني مراراً”.

التطبيع الأمني مع الخطاب العنصري ضد العاملات

لم أستطع التحدّث معها طويلاً بعد ذلك. إذ انتهى الأمر بإدخالها إلى قسم الترحيل داخل مقر الإقامة.

وأخبرني أحد العسكريين هناك بأنه “سيتم عرضها على القاضي لاتخاذ الإجراءات اللازمة”.

“لماذا هربتي؟ أظنك سارقة!”

لكن ما جعلني أفقد صوابي، هو محاصرتي أثناء محاولاتي لطمأنتها، مشيراً بقبضة يده إلى أنه يعلم “الطريقة الأنجع للتحقيق مع هكذا حالات”. ليوجّه لها سؤاله “لماذا هربتي؟ أظنك سارقة!”.

لا نتدخل في عمل القوات الأمنية، لكن حين تتبنى الأخيرة هذا الخطاب العنصري ضد تلك الفئة المستضعفة، فمن الطبيعي أن يفقدن/وا الشعور بالأمن.

ترحيل فيونّا لن يحل مشاكل نظام الكفالة..

انتهى الأمر بي بتسليمها، عاجزةً عن تقديم أي حلٍّ.

فكل الحلول قاصرة، ما لم ينل المغتصب جزاءه، ويُحاسب كل المسؤولين عن الانتهاكات التي تُرتكب بحق العاملات.

فإعادة فيونّا اليوم إلى بلدها -وهذا ما كانت تطلبه-، قد ينقذ عاملةً واحدة، لكن من ينقذ آلاف العاملات من انتهاكاتٍ كثيرة، كعدم دفع الأجور، والحبس القسري، وحجز الوثائق الشخصية، وساعات العمل المفرطة، والاعتداءات اللفظية، والبدنية، والجنسية؟

يبقى التعويل في حالة فيونّا على القضاء للتحقيق مع الشركة الموظفة “بريق البرونز”، للانتصار لحقوقها.

لكن هل من أملٍ يُعوّل عليه، في ظل البقاء على استقدام عمالةٍ أجنبية تحت نظامٍ استعباديٍّ أقل ما يمكن وصفه بالرق الحديث، يسمى “نظام الكفالة”؟!

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد