صانعات المحتوى الموريتانيات .. أن يُستخدم الموت للوعظ والضبط الذكوري
واجهت صانعات المحتوى الموريتانيات حملةً وعظيةً تتّسم بطابع الوصاية الذكورية، بعد وفاة الفاشينيستا آمي زروق في حادث سيارة.
آمي شابة موريتانية، اشتهرت على تطبيقي سناب شات وتيك توك مع زوجها مولاي المهدي، عبر مشاركة يومياتهما كثنائي من الجيل الشاب.
أثار ظهورهما، ومشاركة حياتهما الزوجية، حفيظة المجتمع الموريتاني.
View this post on Instagram
فليس دارجاً أن يُظهر الشباب والشابات الحب على العلن، فما بالكن/م بأن يشاركن/ون تفاصيل حياتية تكاد تندرج ضمن “العيب” بالنسبة إلى المجتمع؟
تعرّض/ت آمي والمهدي لانتقادات وهجومات كثيرة، خصوصاً بعد جلسات التصوير التي خضعا لها في عيد الحب.
واعتبرها المجتمع الذكوري خروجاً عن العادات، التي تهاجم الحب، بينما تتعايش مع عنف الدولة، وغياب العدالة الاجتماعية.
لكن ذلك لم يمنعهما من مواصلة نشر هذه اليوميات، واقتحام عالم الإعلانات، وصناعة المحتوى عبر تقديم سلسلةٍ على قناتهما على يوتيوب.
وكانت أول قناة عائلية تستعرض الحياة الواقعية في موريتانيا.
إذ تنتمي/ينتمي آمي ومولاي المهدي إلى جيل يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لخلق بدائل جديدة متفردة للحياة في العاصمة نواكشوط، في وسط يبرز التنوع والعطش الشبابي لعيش اللحظة واقتناص السعادة من فكي الأبوية.
الشماتة في موت آمي زروق
تعرّض الثنائي لحادث سير يوم 5 آذار/مارس، توفيت على إثره آمي، عن عمر 21 سنة.
بعد وفاتها، ساد خطاب وعظي تجاه صانعات المحتوى. وكأن موتها هو عقاب على نشاطها على هذه التطبيقات!
اعتبر الموت السيرورة الطبيعية التي تصيب جميع الكائنات الحية، دليلاً على فساد النساء وأهوال وجودهن على الفضاء العام!
وانتشرت المقاطع الدينية التي تتحدث عن “موت الغفلة”، و”سفور النساء”، و”خطورة أن تبقى صورهن على المنصات العامة بعد وفاتهن”.
إذ رأى هذا الخطاب أن مقاطع آمي، التي كانت ترقص وتغني فيها وتستعرض حياتها، بمثابة المعصية التي جاهرت بها وستلاقي العقاب بسببها.
لم يكتفِ الوعظ الديني الذكوري بالشماتة في موتها، واعتباره نهايةً محتومةً لكل امرأة تظهر على العلن من دون القيود الدينية فحسب، بل اعتُبر عظةً لكل النساء.
كما دعا صانعات المحتوى إلى التوبة وتغطية شعرهن بالكامل.
فتفاعلت معه بعض الفاشينستات، وحذفت كثيرات منهن صورهن.
وطالبن كل من يقع/تقع على صورة لهن يخرج منها ولو القليل من شعرهن، أن يحذفها/تحذفها.
كما غطّين شعرهن بالكامل، وارتدين الزي التقليدي للمجموعة الحسانية في موريتانيا “الملحفة“.
وانخرطت كثيرات منهن في الخطاب الوعظي. وإعلان توبتهن عن الظهور بالقليل من خصلات الشعر، أو في مقاطع غنائية أو تعليم المكياج والدعاية.
إلى ماذا يهدف الخطاب الوعظي هنا؟
يرتبط الخطاب الوعظي للنساء بماكينة دعائية ضخمة، تستخدم جميع أنواع الترهيب والترغيب، الذي يعتبر أن وجودهن في حد ذاته مرفوض، ويجب أن يكفّرن عنه بالاختفاء.
يجب أن يكنّ غير مرئيات إلا بشروط القمع الأبوي، مثل الحجاب.
وأن يقدمن الولاء المستمر، من خلال التزامهن بالمجال الخاص.
وأن لا يعبرن الفضاءات العامة إلا متخفيات، من دون مجاهرةٍ بأنهن ينتمين إليها.
لذلك، يعتبر الحجاب والنقاب أدوات سيطرة تفرض على أجساد النساء.
يجب أن تحتجب النساء في السياق الإسلامي، كي لا يثرن “الفتنة والغواية”. فوجودهن من دون حجب، يهدد سلطة الرجال وهيمنتهم.
تصب النساء في المجتمعات الأبوية مشاعاً للضبط والسيطرة والتشييء.
فهن لا يملكن مصائرهن أو أجسادهن، بل يعتبرونهن ملكية عامة للجميع، إلا أنفسهن!
يتم التعامل معهن كساحة عامة للهيمنة، حتى ينهكن وينتهكن من المنظومة الأبوية، وتغدو كل حركة وسلوك مسرحاً للنقد والسيطرة من نظم السلطة والمعايير الأبوية.
ويُقدّمن بشكلٍ مستمر كمثالٍ ترهيبي لبقية النساء، حتى في موتهن، يكون الموت حالة طبيعية تصيب جميع الكائنات، إلا في حالة النساء اللواتي خرجن ولو بشكلٍ طفيف عن القواعد الذكورية المرسومة لهن منذ الولادة.
وييتم استخدامهن كعبرةٍ للبقية، ليَعُدن إلى صراط الأبوية، وينفذن الحلم الذكوري: النساء من بيت والدهن إلى بيت زوجهن إلى قبرهن.
لا تنتهك الثقافة والسلطة الأبوية حق النساء في الحياة فقط، بل تجبرهن على العيش في حالةٍ مستمرة من العنف والموت الرمزي.
ويعتبر أي أسلوب حياة تظهر فيه النساء في حالة من السعادة أو الراحة، تهديداً لسلام المجتمع وقيمه.
كما يلعب النظام الأبوي دوراً كبيراً في سحق أي محاولة للخروج عنه.
إذ يعتبر الهجوم على الشابات والشباب الموريتانيات/يين الناشطات/ين على مواقع التواصل الاجتماعي، نابعاً أساساً من دوافع أبوية، تهدف إلى وضعهن/م في خانةٍ واحدة تساعد على استدامة الهرميات الأبوية.
وتساهم في إنتاج أجيال مخلصة للقيم والعادات القائمة، وأسلوب حياة واحد، ينفي أي حق للأفراد في عيش حياتهن/م، وعدم الخروج عن العادات والقوانين الأبوية.
يُعتبر استهداف النساء والشرائح الشبابية من الخطاب الديني الذكوري، واستخدام التهديد بنار جهنم والعذاب في الآخرة، باعتبار أن خيارات الأشخاص في حد ذاتها سبب للعقاب، أسلوب فعال.
والسبب هو اعتماده بشكلٍ كبير على آلية الفضح الاجتماعي، ومن يتجنبه/تتجنبه أو يرفض/ترفض الانصياع له يوصم/توصم مباشرةً بالكفر، أو المعصية.
لذلك، انساق/ت وراءه عدد كبير من مؤثري/ات التواصل الاجتماعي.
مايحدث في السياق الموريتاني اليوم، هو امتداد لحملات عنف إلكتروني واسعة شهدتها المنطقة الناطقة بالعربية.
حملات طالت النساء الناشطات على المنصات الإلكترونية.
إذ يُعتبر استخدام العنف الرقمي أداة فعالة في يد الأبوية للانتقام من النساء، اللواتي يتجرأن على كسر قاعدة أنهن لا يظهرن في العلن سوى للانصياع وتأكيد السلطة الأبوية.
فالإنترنت كمجال اجتماعي وسياسي، يخضع للمنظومة الأبوية والرأسمالية نفسها، المتحكّمة في العالم.
لذلك، يتدفق فيه العنف بطرقٍ أفظع من المجال الفعلي أو الواقعي.
ويصعب اليوم في إطار البحث النسوي، التفريق بين المجالين الواقعي والرقمي.
إذ أصبح الإنترنت واقعاً في حد ذاته. وتأخذ فيه الأبوية منحى معولم، وتنتج العنف بشكلٍ يصعب استيعابه، بسبب ممارسة مئات المُعرّفات إن لم تكن الآلاف، للعنف الأبوي. وتعيير النساء والهجوم عليهن.
لذا تصبح حياة أي امرأة أو شخص كويري معرضة للخطر، ولتحوّل العنف من تهديدات وكلمات على صفحات التواصل الاجتماعي، إلى عنفٍ مادي قد يصل إلى القتل أو العنف الجسدي والجنسي.