بطن ريهانا المكشوف .. بداية عهد أمومي جديد؟

تجاوز عدد الإعجابات بصورة النجمة ريهانا على غلاف مجلة فوغ البريطانية، الأحد عشر مليوناً.

وتعالت أصوات النسويات في العالمين القديم والجديد، احتفاءً بصور أيقونة الموضة، وصانعة “التقليعات”، وهي تفتتح العهد الجديد للأمهات.

بينما تردد صدى هذه الأصوات في منطقتنا، وسط الاتهامات الاعتيادية بالـ”جرأة والعري والفضائحية”.

في تحليله لظاهرة النجوم في كتابه، الذي يحمل العنوان نفسه، تطرق إدغار مورين إلى كون “هذا العالم أسطوري، يختلط فيه الواقع بالخيال، وبالأحلام أيضاً”.

وأشار إلى أن “حياة النجوم/النجمات نفسها منتج موجه للاستهلاك، تماماً مثل صورهن/م”.

ريهانا

هل النجوم/النجمات نماذج مثالية؟

بعد 50 عاماً على صدوره، ما زال تحليل مورين سارياً، بل أصبح أكثر واقعيةً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.

فباتت هذه الوسائط تسهّل الوصول إلى هذه المنتجات فورياً ومن دون وسيط، ما عدا شاشات الهواتف.

يبيعنا النجوم والنجمات موادهن/م الفنية والترفيهية في الأصل.

لكن أيضاً، وبشكلٍ يزداد كثافةً، يبعن/يبيعون منتجات تجميل وعناية تحمل أسماؤهن/م، وخطوط أزياء، وأجهزة مختلفة ومتعددة الاستخدامات.

يضاف إليها طريقة حياة (لايف ستايل)، والكثير من الصور اللامعة لهن/م، ولحفلات زواجهن/م، وصور طفلاتهن وأطفالهن.

فتثير في المتلقيات/ن شهوة الثراء والشهرة، وأحلاماً بامتلاك القصور، والسيارات، والملابس، والمقتنيات الثمينة نفسها، والأجسام أيضاً.

يتعامل الجمهور مع المشاهير أيضاً كنماذج مثالية، أو كما يقول مورين، كآلهة، مع الآليات التي تحكم الأديان، فيصل هذا الإعجاب إلى حد التقديس، لكن من طرفٍ واحدٍ فقط.

هذه العلاقة الفريدة تتغذى على اعتبار النجوم والنجمات سلعاً استهلاكية، وتنفي عنهن/م، شيئاً فشيئاً، صفة البشرية.

فتتطفّل على جميع تفاصيل حياتهن/م، من ضمنها مظهرهن/م الخارجي، وقناعاتهن/م الشخصية.

وفي الوقت نفسه، يغذي المشاهير بدورهن/م، معجبيهن/م عبر إمدادهن/م بهذه التفاصيل، سواء كانت حقيقية أو مجرد ادعاء لكسب استهلاكٍ إضافي.

تشبه هذه العلاقة إذن “الأفعى التي تلتهم ذيلها”

فبينما تتأثر/يتأثر المتلقيات/ون بلايف ستايل المشاهير وتقاليعهن/م، يتأثر  هؤلاء أيضاً بما يطلبه منهن/م الجمهور، أو بما يناسبه/ا، بحسب سياق الثقافة المحلية.

على سبيل المثال، لا يمكننا نسيان دفاع الفنانين والفنانات في منطقتنا عن سعد لمجرد، حتى بعد صدور حكم قضائي ضده.

كما يَصعب أن ننسى “استشراف” بعض الفنانات تحديداً، وبكائهن على العادات والتقاليد، في محاولةٍ منهن لكسب رضى جمهورٍ عريض، يرى فيهن كل ما لا يريده في نسائه بسبب طريقة حياتهن البعيدة كل البعد عن “المحافظة والالتزام”.

وعلى الرغم من هذه النظرة شديدة السلبية والرجعية لعمل النساء في الفن، وظهورهن في الحياة العامة من الأصل، يرتبط وجود المشهورات ارتباطاً وثيقاً بوجود جمهورٍ يستهلك برامجهن/م، وأفلامهن/م، وفيديوهاتهن/م، وصورهن/م.

وعليه، يستوجب عليهن إظهار الولاء والطاعة، مقابل القليل من الشرعية.

المشاهير في خدمة المنظومة الرأسمالية

السلطة المتبادلة تتجلى بصفة أكثر وضوحاً بين المشاهير وبين المنظومة الرأسمالية.

فالنجوم والنجمات في عالم الفن والترفيه، والعروض المختلفة، والتطبيقات، منتجات استهلاكية بحتة.

تُنتجها وتشكّلها وتقولبها وتوجهّها وفق متطلبات السوق، مرفقةً بكمٍ هائلٍ من الإعلانات، والانتشار عبر مواقع التواصل، والشاشات المختلفة.

المنتج الرئيسي يساهم، بدوره، في خلق الحاجة الوهمية إلى منتجاتٍ فرعية، يعتمد تسويقها على أسماء المشاهير.

وقد يتحول بعضهن/م إلى شريك/ة فاعل/ة في المنظومة الرأسمالية، وليس مجرد وسطاء فقط.

بينما شهدنا على تحوّل أيقونات فنية مثل ريهانا وبيونسيه، أو نجمات برامج الواقع ومواقع التواصل المشهورات مثل الأختين جينر، إلى سيدات أعمال يملكن خطوط إنتاجٍ بأكملها، وثرواتٍ ضخمة في غمضة عين.

بيونسيه

في هذه الحالة، لا تخضع النجمات والمشهورات فقط للمعايير التي تفرضها المنظومة على النساء، بل يساهمن أيضاً، وبشكلٍ فاعلٍ ونشط، في تجاوزها.

كما يساعدن على خلق أخرى جديدة، لتسويق منتجاتهن الشخصية.

وسرعان ما تلتقطها المكنة الاقتصادية العملاقة الموجودة، وتعيد ضخّها في السوق إلى الغالبية المتلقية.

فيمكن لأي امرأة اليوم أن تستنسخ مظهر المشهورة التي تريدها، بحسب إمكانياتها المادية من دور الأزياء الرفيعة، أو من SHEIN.

اختلاف النسويات على صور ريهانا

لنعد إلى صور ريهانا على غلاف مجلة فوغ، بعد أن احتفلت النسويات البيض بـ”تمكين النساء”، والأقليات تحديداً. وبالانتصار على صورة المرأة الحامل بملابس فضفاضة مريحة، التي تكسرها هذه المغنية بالظهور بملابس تتبع أحدث صيحات الموضة.

بل أعلنت بعضهن أنه “للمرة الأولى في تاريخ البشرية، تتصالح صورة الأم مع صورة العاهرة في امرأة واحدة”.

حتى تبادل الأدوار الجندرية أيضاً، إذ تحتل ريهانا المقدمة مع جنينها داخل بطنها البارز، بينما طفلها الأول ووالده خلفها، في المكان الذي تتوارى فيه عادةً النساء.

ربما لم يدر في خلد المغنية العالمية، ولا المصورة، ولا فريق العمل، أي من هذه الأفكار.

وربما كان هدفهن/م الوحيد الحصول على صور مبهرة لبيعها بأعلى سعر، وإظهار الأزياء بشكلٍ احترافي.

فهي غالباً، من ضمن صفقةٍ إعلانية تنفّذها الفنانة لصالح بيوت الأزياء والماركات، مقابل مبلغٍ يحمل عدة أصفار.

 

بماذا نحتفي بالضبط؟

ربما ليس علينا أن نبحث عن معانٍ نسوية لكل أفعال وأقوال النساء المشهورات.

وأن لا نتجاهل موازين القوى، وقوانين العرض والطلب، في عالم الرأسمالية المتوحشة.

وإذا اخترنا الاحتفاء والاحتفال، و تخلّينا لسويعاتٍ عن تخريب مساعي الأبوية لخداعنا، فبماذا نحتفي بالضبط؟

هل نحتفي مثلاً بكون ريهانا امرأة على رأس بيزنس ضخم، وفي الوقت نفسه أم لطفل، وفي انتظار الثاني؟

أليس هذا ما تقوم به النساء منذ بداية البشرية، ويتحملن جميع أعبائه؟

هل تتوقع النسويات البورجوازيات أن جميع النساء في العالم يحصلن على إجازات حمل وولادة؟

كم امرأة تلد في مكان عملها: في المزارع والمصانع التي تنتج ملابس وأدوات زينة Fenty Beauty، ثم يعدن إلى العمل سريعاً حتى لا يمتن جوعاً؟

و لنسأل أنفسنا: ألا يكفينا هذا الكم الهائل من صور الأمهات المبتسمات السعيدات ببطونهن المستديرة، واللواتي يدّعين الحبور والانتشاء؟

لصالح من الترويج لصورة المرأة الخارقة؟ وما هو المطلوب منا كنساء عاديات، يعشن حياةً عاديةً مليئةً بالأزمات الاقتصادية والبيئية والوجودية؟

أيُّ “تمكينٍ” تقدمه صور ريهانا لنا أو للنساء السود مثلها في أميركا، حيث نسب وفياتهن أعلى بـ40%؜ من النساء البيض؟

وإذا افترضنا أن كل امرأة حامل على وجه الأرض تحلم بارتداء أزياء ريهانا نفسها، و التباهي ببطنها، الذي يحمل جنيناً، فماذا عن كلفة هذه الملابس وهذه المجوهرات؟

وما هي كلفة الخروج بها في غالبية شوارع العالم؟

ريهانا مجلة فوغ

هل يُختزل الخطاب النسوي حول حقوق النساء الحوامل، على الحديث عن ما ترتديه نجمة مشهورة، بينما تموت امرأة كل دقيقتين أثناء الحمل أو الولادة في العالم؟

ولماذا يتجاهل الجميع أن المشهورات لسن نساء عاديات ويملكن جيشاً جراراً، تقتصر مهامه على إظهارهن في أفضل حال، وأبسط مثالٍ على ذلك أن بطن ريهانا الذي كان محط انبهار الجميع تم تعديل لونه بواسطة الفوتوشوب، يساعدهن حتى على فتح  زجاجات المياه لشربها؟

إضافة إلى وجود طواقم تحرّض على توفير جميع سبل الراحة، والرعاية الطبية، وغير الطبية، والتغذية السليمة، واطمئنان الأم المليارديرة على مستقبل طفلاتها وأطفالها المؤمّن جيداً، بعيداً جداً عن حساباتنا المعقدة لإنهاء الشهر والراتب في الوقت نفسه تقريباً، وبحدٍ أدنى من السلفات والتخليات والتأجيلات.

ريهانا مجلة فوغ

هل يشفع اللون أو الانتماء الإثني أو يبرر استخدام الأساليب ضد نساء أخريات؟

في الواقع، لا يختلف التصور الساذج لكون النساء سيتحررن من قيود المنظومة الأبوية، لأن امرأة ما نجحت في الانخراط التام في الرأسمالية، والتماهي مع قواعدها إلى حد إعادة إنتاجها، عن اعتبار جيش الاحتلال الصهيوني جيشاً أخلاقياً لأنه “نباتي، يحترم حق الحيوانات في الحياة”، بينما يطلق الرصاص على الفلسطينيات/ين.

ربما نحتاج إلى التذكير المستمر بكون النسوية، نسويتنا على الأقل، تُعنى بخلق عالم أكثر عدالةً للجميع.

وليس فقط تحقيق مساواة النساء مع الرجال، في ظل منظومة قائمة على القهر والقمع وسحق الإنسان.

وفي سياق إطلاق صفة النسوية والنضال على جميع النساء، خصوصاً من ينتمين إلى الأقليات، فلنستحضر تعاون ريهانا نفسها مع الممثل جوني ديب، ضمن محاولاته لاستعادة أمجاده، بعد اتهامات التلاعب النفسي والعنف الزوجي التي طالته.

قد يعترض البعض ويخبروننا أن النساء السود أيضاً يملكن الحق في الشهرة، وفرض معاييرهن الجمالية، وتكوين ثروات ضخمة، وغيرها من الأمور التي كانت لقرون، وما زالت، حكراً على الرجال البيض.

لكن، هل يشفع اللون أو الانتماء الإثني، أو يبرر استخدام الأساليب ضد نساء أخريات؟

هل فعلاً لم تكن بيونسيه تعلم شيئاً عن قصة الماسة من شركة المجوهرات الشهيرة Tiffany & Co، الغارقة في دماء عمّال المناجم السود، التي افتخرت بكونها أول امراة سوداء ترتديها؟

ألا يعني لها أن من سبقتها مباشرةً إلى التزيّن بها هي المجندة السابقة غال غادوت؟

هل النسوية هي شعارات “التمكين” والـGirl power والـGirl boss شديدة البياض؟

وهل سنملك مصيرنا وحريتنا فقط حين ننخرط في العمل، كما تحدده الرأسمالية و”ننجح”؟

النقد هنا ليس موجهاً للأم ولا للنساء الحوامل، متمثلةً في شخص المغنية وسيدة الأعمال ريهانا، بسبب نوعية ملابسها، ولا بسبب سعادتها المشروعة بحملها.

بل محاولة لتفكيك ما وراء ذلك، من ترسيخ صورٍ ذهنيةٍ جديدةٍ لما يجب أن نكون عليه كنساء، واستيلاء الرأسمالية على جميع محاولاتنا للخلاص، وإعادة إنتاجها، بعد تشويهها وتطويعها لصالحها.

فتتحول شعارات مثل الـblack power، من الدعوة إلى التحرر من هيمنة الرجل الأبيض على الثروات ووسائل الإنتاج والسلطة، إلى سباق استهلاكي لمنتجات موجّهة إلى سوق السود، تصب أرباحه في استمرارية مخيفة، في حسابات الرجل الأبيض نفسه.

كتابة: إيمان عمارة

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد