هيومن رايتس ووتش: شهادات عن تعذيب وإذلال الكوادر الطبية الفلسطينية على يد جنود الاحتلال
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن الجيش الإسرائيلي احتجز تعسفيًا فلسطينيين يعملون في مجال الرعاية الصحية في غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وصف أطباء وممرضون ومسعفون مُفرج عنهم لـ هيومن رايتس ووتش سوء المعاملة في السجون الإسرائيلية، بما يشمل الإذلال، والضرب، والوضعيات المجهدة القسرية، والتقييد وعصب الأعين لفترات طويلة، والحرمان من الرعاية الطبية.
أبلغوا أيضًا عن تعرضهم للتعذيب، بما في ذلك الاغتصاب والاعتداء الجنسي من قبل القوات الإسرائيلية، والحرمان من الرعاية الطبية، وظروف الاحتجاز السيئة لعموم المحتجزين.
تقرير هيومن رايتس ووتش: الشهادات تثبت التعذيب والإذلال الممنهجين
بين آذار/ مارس وحزيران/يونيو 2024، قابلت هيومن رايتس ووتش ثمانية فلسطينيين عاملين في مجال الرعاية الصحية اعتقلهم الجيش الإسرائيلي من غزة. واحتجزهم دون اتهامات واضحة لفترات تراوحت بين سبعة أيام وخمسة أشهر.
ستة منهم تم اعتقالهم أثناء العمل عقب الحصار الإسرائيلي للمستشفيات أو أثناء عمليات إخلاء المستشفيات التي قالوا إنها جرت بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي. لم يقل أي من العاملين في الرعاية الصحية إنهم أُبلغوا بسبب احتجازهم أو اتُهموا بارتكاب جريمة. تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا مع سبعة أشخاص شهدوا اعتقال جنود إسرائيليين لعمال الرعاية الصحية أثناء قيامهم بواجباتهم.
قدّم جميع العاملين في الرعاية الصحية الذين قابلناهم روايات مماثلة عن إساءة المعاملة في السجون الإسرائيلية. بعد أن كانوا في غزة، رُحلوا إلى منشآت الاحتجاز في إسرائيل، منهاقاعدة سدي تيمان العسكرية في صحراء النقب وسجن عسقلان، أو نُقلوا قسرا إلى قاعدة عنتوت العسكرية بالقرب من القدس الشرقية وسجن عوفر في الضفة الغربية المحتلة. قالوا جميعا إنهم جُرِّدوا من ملابسهم، وضُربوا، وعُصبت أعينهم، وقُيّدت أيديهم لأسابيع عديدة متتالية، وتعرضوا للضغط حتى يعترفوا بأنهم أعضاء في حركة “حماس”، مع تهديدات مختلفة بالاحتجاز لأجَل غير محدد والاغتصاب وقتل عائلاتهم في غزة.
وقال طبيب جرّاح إنه كان “يرتدي زيه الطبي وحذاء كروكس” عندما اعتقلته القوات الإسرائيلية أثناء حصارها لمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بغزة، في كانون الأول/ ديسمبر. وأضاف: “كنا 50 كادر طبي، بما يشمل ممرضين وأطباء. أمر الجندي عبر الميكروفون الرجال والفتيان الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاما بإخلاء المستشفى. وعندما أخرجونا من المستشفى، طلبوا منا خلع ملابسنا والبقاء في ملابسنا الداخلية”.
قال الدكتور حمودة إنهم صوّروهم، ثم صنّفوهم للإفراج عنهم أو لاحتجازهم. يظهر خلفهم في الصورة مئات الرجال يجلسون في حفرة كبيرة مع 18 جنديا إسرائيليا على الأقل يحرسونهم. حدد تحليل تفصيلي أجراه موقع “تيك جورناليست” الاستقصائي العديد من المحتجزين وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم، منهم الدكتور حمودة.
الصورة، التي كان أول من حدّد موقعها باحث المصادر المفتوحة “إف دوف” (FDov) على منصة “إكس” ثم أكدتها هيومن رايتس ووتش لاحقا، التُقطت على بعد نصف كيلومتر تقريبا شمال شرق المستشفى. قال الدكتور حمودة إن حوالي 50 عاملا في الرعاية الصحية كانوا يجلسون معا بشكل منفصل عن النازحين داخليا. قال إنه طُلب منه خلع ملابسه والبقاء في ملابسه الداخلية، ثم عُصبت عينيه.
وقال مسعِف إنه في مركز احتجاز سدي تيمان، تم تعليقه بسلسلة مربوطة بالأصفاد، وصُعق بالكهرباء، وحُرم من
الرعاية الطبية لعلاج كسور ضلوعه الناتجة عن الضرب، وأُعطي ما يعتقد أنه مُخدّر ذو تأثير نفسي قبل التحقيق معه. قال: “كان الأمر مذلا للغاية، وكان أمرا لا يصدق. كنت أساعد الناس كمُسعف، ولم أتوقع شيئا كهذا أبدا”.
كما أفاد عمال الرعاية الصحية أيضا أنهم تعرضوا للعقاب في الحجز بسبب الحركة أو التحدث، والعقاب الجماعي إذا تحدث محتجزون آخرون. قال أحدهم: “إذا تحدث شخص، فإنهم [الجنود] يعاقبون المستودع بأكمله [في سجن النقب] بشكل جماعي”.
وزارة الصحة قدّمت أرقامًا عن استهداف الكوادر الطبية
أفادت وزارة الصحة في غزة أن القوات الإسرائيلية احتجزت على الأقل 310 كادر طبي فلسطيني منذ 7 أكتوبر.
وثّقت “هيلث كير ووركرز ووتش – فلسطين”، وهي منظمة غير حكومية، 259 عملية احتجاز لعاملين في الرعاية الصحية وجمعت 31 رواية تصف التعذيب وغيره من الانتهاكات على يد السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك استخدام وضعيات مُجهدة، والحرمان من الطعام والماء الكافيين، والتهديد بالعنف الجنسي والاغتصاب، والمعاملة المهينة.
ساعدت هيلث كير ووركرز ووتش – فلسطين هيومن رايتس ووتش في مقابلة عمال الرعاية الصحية المُفرَج عنهم.
الانتهاكات أثناء الترحيل والاحتجاز
أفاد جميع الرجال الثمانية بأنهم أُجبِروا على خلع ملابسهم علنا فور احتجازهم، والبقاء راكعين لفترات طويلة، معرضين للبرد، وفي أوقات مختلفة طوال فترة احتجازهم. تُظهر الصور والفيديوهات التي نشرها الجنود الإسرائيليون على الإنترنت ، والتي تحققت منها “رويترز”، محتجزين فلسطينيين عراة أو يرتدون ملابس داخلية. يُعَدّ نشر صور كهذه عبر الإنترنت اعتداء على الكرامة الشخصية كما تمثل الصور ذات الطابع الجنسي المنشورة شكلا من أشكال العنف الجنسي، ما يُعتبر جرائم حرب.
وقال أسامة طشطاش (28 عامًا)، وهو طبيب في المستشفى الإندونيسي في بيت لاهيا اعتُقل في أوائل ديسمبر/كانون الأول من منزله الكائن في جوار المستشفى: “أُجبِرنا على خلع ملابسنا في الشارع والبقاء في ملابسنا الداخلية [بوكسر] واحدا تلو الآخر. بقينا على ركبنا لساعة ونصف”.
وأضاف إنه خلال تلك الفترة تعرض هو ومحتجزون آخرون للخطر جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة. قال إن الشظايا سقطت عليهم عندما ألقى جنود إسرائيليون قنابل يدوية على المنازل المجاورة وأضرموا فيها النيران.
اعتُقل الدكتور خالد حمودة (43 عامًا) صباح يوم 12 ديسمبر/كانون الأول في مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا. تُظهر صورة نشرتها “القناة 12 الإسرائيلية” في وقت متأخر من ذلك المساء، الدكتور حمودة بلا قميص إلى جانب أربعة رجال آخرين عرفهم بأنهم زملاء عاملين في الرعاية الصحية. تُظهر الصورة الرجال يقفون في صف واحد أمام جندي إسرائيلي يحمل لوحة ضوئية تضيء المحتجزين.
وصف عمال الرعاية الصحية الضرب والإيذاء الجسدي بعد اعتقالهم، بما في ذلك اللكم، والركل بأحذية ذات مقدمة فولاذية صلبة، والصفع، والضرب بأعقاب البنادق على يد الجنود الإسرائيليين.
قال إياد عابد (50 عاما)، وهو جراح في المستشفى الإندونيسي اعتُقل أثناء عملية إخلاء منسقة للمستشفى في نوفمبر/تشرين الثاني:
“كنا نتعرض للضرب في كل دقيقة. في جميع أنحاء الجسم، على المناطق الحساسة بين الساقين، والصدر، والظهر. تعرضنا للركل في جميع أنحاء الجسم والوجه. استخدموا الجزء الأمامي من أحذيتهم ذات الطرف المعدني، ثم استخدموا أسلحتهم. كان لديهم ولاعات؛ حاول أحد الجنود إحراقي لكنه أحرق الشخص الذي كان بجانبي. أخبرتهم أنني طبيب، لكنهم لم يهتموا.”
وقال عابد إنه أصيب بكسر في الضلوع وكسر في العصعص نتيجة الاعتداء الجسدي الذي تعرض له على يد جنود إسرائيليين أثناء اعتقاله واحتجازه، ولم يلتئم بعد مرور شهرين.
كما قال سائق سيارة إسعاف طلب حجب اسمه إنه أثناء احتجازه مع عشرات الرجال الآخرين في “قفص” معدني كبير بالقرب من السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة، رأى الحراس يضربون رجلين حتى الموت بقضبان معدنية، وعرف أحدهما.
وصف جميع عمال الرعاية الصحية سوء المعاملة أثناء ترحيلهم من غزة إلى منشآت الاحتجاز في إسرائيل، بما فيها الضرب، والجلوس المطول في وضعيات مؤلمة مع عصب أعينهم وتقييد أيديهم وأقدامهم، و”تكديسهم فوق بعضهم البعض كالأغنام”، ورشهم برذاذ الفلفل، وحرمانهم من الماء.
الظروف اللإنسانية والمهينة
وصف جميع عمال الرعاية الصحية الظروف المروعة في الاحتجاز. قال الجراح عابد إن الطعام كان “فظيعا” وغير كاف، وإنه فقد 22 كيلوغرام من وزنه خلال شهر ونصف في الاحتجاز. كانت المراحيض “غير صالحة حتى للحيوانات”. كانت الفرش والبطانيات رقيقة، وكانت الليالي الباردة “لا تُطاق”. في الزنزانات، لم تكن مياه المراحيض والشرب متاحة إلا لساعة واحدة في اليوم، مع رائحة كريهة تنبعث من المراحيض غير القابلة للتصريف. قال عابد: “أعطونا كيسا للقمامة. وكنا نملأه بالماء ونشرب منه فيما بعد. كانت الرائحة كريهة، لكن لم يكن أمامنا خيار آخر”.
قال الطبيب خالد حمودة، الذي أمره الجنود بتوزيع الطعام على المحتجزين، إنه بالنسبة لوجبات المحتجزين في سدي تيمان، “أفرغ الجنود علب التونة في كيس قمامة وأعطوني إياه [الكيس]. ذات مرة رأيت جنديا يبصق في الكيس. كان عديد من [المحتجزين] يتضورون جوعا وأخبروني أنهم جائعون”. قال ممرض محتجز في عناتوت: “نحصل على وجبتين [في اليوم]. كان طعاما فظيعا. كنت أشرب الماء فقط، ولم تكن هناك فواكه، ولا حتى تفاح. قدّموا لنا الطعام فقط لنتمكن من البقاء على قيد الحياة طوال اليوم”.
قال المسعف خليلي إنه في وقت ما أثناء احتجازه في سدي تيمان، وصل طاقم إخباري إسرائيلي، وأخبره أحد المحتجزين الذي يفهم العبرية أن مسؤول السجن أخبر الصحفيين، كذبا، أن المحتجزين كانوا أعضاء في وحدة تابعة للجناح المسلح لحركة حماس. قال المسعف إن الجنود أحضروا في اليوم التالي طعاما ووضعوه أمام المحتجزين، وأمروهم بعدم تناوله، والتقطوا صورا، ثم أخذوا الطعام.
التكبيل لفترات طويلة وعصب العينين
قال عمال الرعاية الصحية إنهم كانوا مقيدين بالأصفاد بشكل شبه مستمر طوال فترة احتجازهم. قالوا إن السلطات الإسرائيلية تجاهلت كثيرا المحتجزين الذين اشتكوا من ضيق أصفادهم أو شُدّت أصفادهم عقابا لهم على الشكوى.
يذكر ان نشر هذا التقرير تزامن مع محاصرة قوات الاحتلال لعدة مستشفيات في غزة والضفة الغربية منها جنين وطولكرم وطوباس.