الأمم المتحدة: أكثر من 57 ألف أسرة في غزة تُعيلها نساء

يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين إلى أنّ وقف إطلاق النار الأخير لم يوفّر أكثر من هدنة هشّة تشبه “نَفَسًا واحدًا”، في حين يبقى الواقع الإنساني شديد القسوة، خصوصًا على النساء والفتيات والعاملات الصحيات. ورغم تراجع أصوات القصف، تواصل الملاجئ المكتظّة والبرد والأمراض وانهيار الخدمات الأساسية تشكيل بيئة غير آمنة تُفاقم هشاشة الفئات الأكثر تضررًا. ولفت ممثل الصندوق، نيستور أوموهانجي، إلى أنّ المعاناة اليومية في غزة تفوق قدرة أي إنسان على الاحتمال، وأنّ الاحتياجات الأساسية باتت تُقاس بخيمة ودفاية صغيرة بدل الحق الطبيعي بالخدمات والعيش الكريم.

النساء في واجهة النجاة

أكثر من سبعة وخمسين ألف أسرة في القطاع تُعيلها نساء، كثيرات منهنّ بلا أي مورد مالي. وتتّضح شدّة العبء الواقع عليهنّ من خلال الشهادات الميدانية التي جمعها الصندوق خلال زياراته للمخيمات والمراكز الصحية. إحدى الأمهات النازحات تحدّثت عن خيمتها التي غمرتها الأمطار، فحملت طفلها طوال الليل كي لا ينام في المياه. هذه القصص تكشف كيف تُدفع النساء إلى حدود قاسية من الصمود، ليس باعتبارهنّ مسؤولات طبيعيًا عن النجاة، بل لأن غياب منظومات الحماية يجعلهنّ خط الدفاع الأول في مواجهة ظروف غير إنسانية.

انهيار المنظومة الصحية وأعباء العاملات الصحيات

ثلث المرافق الصحية فقط يعمل بشكل جزئي، فيما تعاني جميع المراكز من نقص شديد في الأدوية والكوادر والمستلزمات. ورغم خسائرهن/م الشخصية وتوقّف الرواتب، يواصل العاملات/ون الصحيات/ون أداء مهامهن/م لأن “النظام الصحي قائم فقط لأن عمّاله يرفضون التخلي عنه”، كما قال أوموهانجي. في قسم الولادة، يتشارك طفلان خديجان حاضنة واحدة في ظل مخاوف مستمرة من انقطاع الكهرباء. قابلة فقدت منزلها وشقيقتها أكدت أنّها غير قادرة على التوقف لأن النساء يعتمدن عليها، ما يعكس حجم العبء غير المرئي الذي تتحمّله النساء العاملات داخل القطاع الصحي. وفي الملاجئ المكتظة تتزايد مخاطر العنف المبني على النوع الاجتماعي في ظل انهيار الخدمات المخصّصة للحماية، الأمر الذي يترك النساء والفتيات في مستوى أعلى من التعرض للخطر.

الفتيات والشابات بين الصدمة وفقدان المساحات الآمنة

يشير التقرير إلى أنّ الفتيات يتأثرن بشكل مضاعف بفقدان الخصوصية، وغياب التعليم، وارتفاع مستويات الخوف والضغط النفسي. ومع تعطّل المدارس، تخسر الكثير من الفتيات إحدى المساحات القليلة التي كانت توفّر لهنّ دعمًا اجتماعيًا نسبيًا. وعلى الرغم من الصدمة العامة، لا يزال الشباب يعبّرون عن إرادة للاستمرار، كما قال أحدهم: “خسرنا فصولنا الدراسية، لكن لم نخسر مستقبلنا”.

تقييد الوصول الإنساني وتأثيره على النساء

خلال الأسابيع السبعة للهدنة، بلغ عدد من وصلت إليهم خدمات صندوق الأمم المتحدة للسكان أكثر من مئة وعشرين ألف امرأة وفتاة وشاب، مع تقديم دعم لعدد من المستشفيات والمراكز الصحية والمساحات الآمنة. إلا أنّ الوصول الإنساني ما زال محدودًا بشدّة، إذ لا تُفتح سوى ثلاثة معابر بشكل متقطّع، ما يؤدي إلى تأخير وصول الإمدادات الأساسية ويعيق توسيع خدمات الحماية والصحة الإنجابية.

الحاجة إلى استجابة طويلة الأمد

يؤكد التقرير أنّ التعافي الحقيقي لا يمكن أن يبدأ ما لم يتم ضمان وصول إنساني ثابت ومستدام، وإعادة بناء النظام الصحي، وترسيخ خدمات الحماية للنساء والفتيات، وتأمين مصادر دخل للنساء اللواتي يعِلن أسرًا كاملة، إضافة إلى توفير دعم نفسي واجتماعي للشباب والفتيات المتأثرات/ين بالصدمة الجماعية. ويُشدد الصندوق على أنّ إعادة الإعمار يجب ألّا تُختزل في البنى التحتية، بل تتطلب مقاربة تضع النساء في قلب عملية التعافي باعتبارهنّ الأكثر تضررًا والأكثر قدرة على إعادة بناء الحياة رغم الخسارات.

واختتم أوموهانجي بتذكير يحمل صوت امرأة التقاها في خان يونس قالت: “لا تدعوا نجاتنا تكون بداية لمعاناة أخرى”. هذا النداء يختصر ما يواجهه سكان غزة اليوم: هدنة بدون حماية، ونجاة بلا ضمانات، وانتظار ثقيل لحقوق أساسية لا تزال مؤجلة.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد