قتل والدته بذريعة  “الشرف” والعقوبة 3 سنوات فقط

في واقعة قتل مُتكررة مع سبق الإصرار والترصد تحت مُسمى “الشرف”، قتل شاب مصري والدته وصدر ضده حُكم جنائي بالسجن 3 سنوات فقط.

تدور أحداث هذه القصة في محافظة أسيوط المصرية، وبدأت بعد تسريب فيديو جنسي نُسب إلى  الضحية، قام ابنها على إثر انتشاره بقتلها انتقاماً “لشرفه”. أما العقوبة، فتم تخفيفها لأن المتهم ارتكب جريمته تحت لواء ما يسمى “الشرف”. وهي حالات مُتكررة في مصر والعالم العربي، تذهب ضحيته النساء بلا رادعٍ قانوني ومجتمعي للقتلة. ويدخل التناول الإعلامي لهذه الجرائم حيز التبرير للجناة والتطبيع مع قتل النساء من قبل العائلة، سواء كان القاتل رجلاً (وهو الشائع) أو سيدة.

تفكيك مفهوم الشرف

يتكون “الشرف” كصفة أخلاقية من عدة عوامل. الأول هو كل ما يخُص الصفات الحميدة للإنسان كالصدق والأمانة؛ وهي صفات تنتقص من “شرف” الإنسان لو أخلّ بها. وهناك أفعال تندرج تحت بند الجُنح ويتبعها عقاب قانوني لو حدثت، كالرشوة أو الاختلاس.

الثاني هو كل ما يخُص النساء، واعتبار أجسامهن وسلوكياتهن مُحددة لـ”شرف” الكيانات اللاتي ينتمين إليها، كالعائلة أو الدولة أو الحركات التحررية. وهذا مفهوم ثقافي أبوي الهدف منه الإبقاء على النساء تحت سيطرة تلك الكيانات، ومحو فردانياتهن وجنسانياتهن.

ونقول مفهوم أبوي لأنه يعطي ملكية أجسام النساء إلى الرجال، ويعتبرهن تكويناً أصيلاً في رجوليتهم، فيصبح كل ما يتعلق بهذه الأجسام مُحدداً لمدى رجولية وسيطرة ذويهن من الرجال.

ومفهوم “الشرف” الثقافي الأبوي مُتغيّر وفقاً للمجتمع والطبقة الاجتماعية، لكنه يتجاوز هذا التغيُّر في سياقات الجنسانية. فمثلًا، في بعض المناطق والطبقات الأدنى يُستدل على هذا المفهوم من الملابس والتصرفات ويصل إلى العلاقات الجنسية الرضائية وغير الرضائية.

وفي مناطق وطبقاتٍ أخرى، لا يرتكز  على الملابس إنما على العلاقات الجنسية غير المتوافقة مع العرف والقانون. وبسبب صعوبة إثبات وجود علاقة جنسية، فالأمر يتوقف على “الشك” في سلوك النساء، ما يكفي لعقابهن بالعنف والقتل بزعم الحفاظ على “شرف العائلة”. هذه الجرائم عادة ما يرتكبها رجال، لكن النساء يرتكبنها أيضاً.

بينما يقع الأشخاص ذوات/ذوي الهويات الجندرية والميول الجنسية المختلفة تحت طائلة مفهوم “الشرف” أيضاً، خصوصاً لو كانوا ذكوراً بيولوجيين. فيُعتقد أن الرجُل المثلي والعابرة جنسياً مُخلين بـ”شرف العائلة” لأنهم يفعلون ما يُعتقد أنه حكرٌ على النساء: مفعولات بهن في الجنس، وخاضعات اجتماعياً للرجال.

أما العامل الثالث، فهو امتداد للعامل الثاني، ويُعرف بـ”الاعتداء على الشرف”، ويُقصد به كل قول أو فعل تمت ممارسته للإخلال بـ”شرف” شخص/عائلة/كيان باستخدام أجسام النساء المُنتميات إليها”. وهذا الاستخدام شائع بين الخصوم، ويستعمل في الحروب كاعتداء جنسي للتدليل على الهزيمة، وللانتقام من عائلة أو شخص باغتصاب إحدى قريباته سواء الابنة أو الزوجة أو الأخت أو الأم، حتى داخل الحركات التحرريّة. ونقول امتداد للمفهوم الأبوي عن “الشرف” لأنه يتعدى كونه جريمة وانتهاكاً بحق الشخص/المرأة ويُصوَر كأنه اعتداء على الكيان الذي/التي تنتمي إليه.

المفهوم القانوني للشرف

في القانون المصري، “الشرف” مُحدد بالأفعال المُخلة به كالرشوة والاختلاس. أما ما يسمى “جرائم الشرف”، فليس لها وجود إلا في حالةٍ واحدة: “أن يضبط الزوج زوجته مُتلبسة بالخيانة في منزل الزوجية ويقتلها”. وفي هذه الحالة تُخَفف العقوبة لأن الجريمة كانت ماسّة بـ”شرف هذا الرجل”.

في هذه الحالة، يُطبع القانون مع قتل النساء ويُبرره، وكأن الحل الأول للأزمة هو القتل. أما عن الجرائم المُتكررة التي يرتكبها الرجال ضد نساء العائلة، فلم تُذكر في مواد عقوبات جرائم القتل، ويُترك الحكم فيها لتقديرات القضاة لدوافع الارتكاب. والمحاكم المصرية لها تاريخ طويل في تخفيف عقوبات قتل النساء تحت ذريعة “الشرف” وهي جرائم قتل مع سبق الإصرار والترصد، تصل عقوبتها وفقاً للمادة 237 إلى الإعدام.

هكذا يُطبع القضاء المصري مع القتل تحت هذا المُسمى، ويسمح بارتكاب المزيد من جرائم قتل النساء اللواتي قُتلن أصلاً لمجرد الشك في السلوك، ويَثبُت غالباً من خلال الطب الشرعي أنهن حتى لم يُمارسن الجنس أو كن عذراوات – أي انتفى سبب ارتكاب الجريمة الأصلي، بحسب  دراسة تحليلية أعدتها مؤسسة “المرأة والذاكرة”. فيعتمد القضاء المصري على المفهوم الثقافي الأبويّ للـ”شرف” ويُقر أن أجسام النساء وسلوكياتهن مصدرٌ لـ”شرف” العائلة ويُبيح إزهاق أرواحهن. 

لماذا قتل الشاب والدته ؟

لأنه نتاج هذا السياق المُطبّع مع جرائم قتل النساء؛ ولأنه ليس هناك رادع قانوني لجريمته. فالقتيلة لم تلتزم برأيه بمعايير “الشرف” ومارست الجنس من دون زواجٍ مُعلن. ولأنه اعتبر تسريب فيديو جنسي لها (حسب ما تناقلته المواقع الإخبارية في مصر)، اعتداء على “شرفه” كرجل.

وعلى الرغم من أنه في هذا السياق تكون القتيلة ضحية انتهاك خصوصية، وقد يكون التصوير وتسريب الفيديو من الشريك الجنسي آتٍ في صدد الانتقام من ابنها أو انتقاصاً من رجولته باستخدام جسم الأم ومفهوم “الشرف” المتعلق به، فإن القاتل لم يرتكب جريمته بحقه، إنما بحق الأم نفسها كسيدة من عائلته. فكانت جريمته “إثباتاً للرجولة، وتحايلاً على القانون”. فلو قتل الشريك الجنسي الذي صور الفيديو وسرّبه، لما خفف قاضي محكمة الجنايات حكمه إلى 3 سنوات، بل قد يحكم عليه بالإعدام أو المؤبد.

وليس صحيحاً أن جرائم القتل التي ترتكب بهذه الحجة وتحت هذا المسمى تحدث بلا تخطيطٍ وبغضبٍ عارم، لأنه كما نرى، يعرف القتلة كيف يُفلتون من العقاب القانوني ويُمارسون قتل النساء بأريحية تامة كأنهم يتصرفون في ملكياتهم الخاصة. كما أن المجتمع يحتفي بالرجال الذين يُمارسون عنفاً ضد نساء العائلة، لأنها أقصى درجات إثبات الرجولة أمام الجميع.

لم يعتبر الابن حتى أن والدته ضحية لشريكها الجنسي أو أن هناك سوء تفاهم، أو أنها متزوجة منه من دون إشهار، بل قتلها فوراً ليستعيد صورته الاجتماعية كرجل.

كيف يتناول الإعلام المصري جرائم قتل النساء بدافع “الشرف”؟

أدانت مجموعة Catcallsofcairo، وهي مجموعة رقمية مصرية تناهض العنف ضد النساء، كيفية تناول المواقع الإخبارية للجريمة. وصرحن أن “هذا الأمر تطبيع  مع جرائم قتل النساء بدافع ما يسمى الشرف بسبب استخدام لغة مُثقلة بالمفهوم الأبوي له. إذ جَرَت العادة في مصر والدول العربية أن يتناول الإعلام هذه القضايا من منظور أبوي ذكوري يُبرر القتل ويعذُر القاتل. فنجد العناوين والمتن يحتوون على كلمات مُتحيّزة ضد النساء بدلاً من استخدام كلمات إخبارية مُحايدة. أمثلة على ذلك: “غسل عاره/ قتلها انتقاماً لشرفه/ قتلت ابنتها لأنها حملت سفاحاً/ قتلها الجيران لأنها مُنحرفة أخلاقياً/ ثبت أنها عذراء/ أثبت الطب الشرعي أنها لم تمارس الجنس/ كانت بكامل ملابسها/ علاقة غير شرعية/ علاقة آثمة/ علاقة منافية للآداب العامة/ قتل ابنه لأنه شاذ/ لم تثبت زواجها منه/ غضب الابن/ ثار الزوج/ دافع عن شرفه/ انتشر فيديو جنسي/ فيديو غير أخلاقي/ ترددت الشائعات حول سمعتها/ تفريطها في شرفها وعرضها/ تسببت في فضيحة/ عشيقها”.

هذه العبارات، من شأنها أن تجعل جرائم القتل تحت لواء “الشرف” مشروعة اجتماعياً، ولا يُمكن قراءتها في معزلٍ عن النظام القضائي الذي يُسهم في إفلات القتلة من العقاب. المنظومة الأبوية تتضافر لسلب النساء حيواتهن، والضحايا دائماً نساء لم يحمِهن القانون ولم يشفع لهن أقرب المقربين.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد