ميشال حايك .. نجّم بعيداً عن أجساد النساء!

لنا نحن النساء في كل مناسبةٍ وطنية أو عالمية معايدة خاصة تحب أركان السلطة أن تقدمها لنا على أطباقٍ ذكوريةٍ مستفحلة. تتنوع هذه الأطباق حسب الطاهي، فإذا كان مثلاً رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي يكون الطبق دسماً لأن المناسبة دسمة: “عيد الإستقلال”. أما إذا كان المنجم ميشال حايك فيكون الطبق أدسم، لأنه كما عوّد الناس في كل ليلة من رأس السنة أن يقدم نفسه كعالمٍ يعرف بأمور الغيب ويتوقعها، ويرسم لهم/ن لوحة وينجم لهم/ن مصيرهم/ن.

فاختار هذه السنة أن “يبدع” لوحةً ذكورية مهينة للنساء وأتحف الجمهور بخطابٍ رجعي، فشبّه عام 2022 بالـ”مرأة المطلقة والحامل، نفسها التي ذكرها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، التي أرادت أن تحتفل بعيد زواجها. لكن حايك زايد في ذكوريته على ميقاتي حين قال إنها “حبلى بتوأم”!

يا له من رسمٍ سوريالي لسنةٍ سورياليةٍ لا علاقة له بمعاناة النساء الحقيقة، في حالات الإنجاب والولادة وفرض أدوارٍ اجتماعية نمطية خصوصاً، وفي الحقوق المنتهكة عموماً، وسط تزايدٍ مستمرٍ في جميع أشكال العنف ضد النساء في السنتين الأخيرتين.

اختار ميشال حايك هذه السنة عنواناً لمقدمة الفقرة الأولى من تنجيماته التي اعتاد أن يسميها “اللوحة”، ويبدو أنه لم يأخذ بعين الاعتبار ولا الحسبان، عن قصدٍ أو عن غير قصد، أي من التقريع والانتقاد والسخرية التي طالت ميقاتي حين “استشعر” هو أيضاً وأتحفنا ببيتٍ شعري في مناسبة عيد الاستقلال الماضي، ذكر فيه أن “لبنان اليوم يشبه امرأةً مطلقة تحتفل بعيد زواجها”. ليستوحي المنجم عنوان تنبؤاته من خطاب رجل الدولة الأول، فسمى لوحته “المخاض العسير”، وأرفقها بـ”نعم” تأكيدية، وأشاد بما قال ميقاتي مرتين، وكأنه يستذكر مثلاً شعبياً.  وقال: “نعم لبنان يشبه الآن ليس فقط امرأة مطلقة بل حبلى أيضاً وتحمل مشاكلاً كبيرة”.

هكذا، انتشى الحايك بمزايدته على ذكورية معظم السياسيين والإعلاميين في لبنان، وانضم إلى جوقتهم الأبوية التي لا توفر فرصةً لاستغلال أجساد النساء حتى في إيصال رسائل سياسية أو خطابات تافهة يتوجهون فيها إلى الشعب. فمتى يعتقون أجساد النساء؟

“ليس مهماً إذا بتولد في الشهر السابع أو التاسع، وليس مهماً إذا كان المولود فتى أو فتاة… المصيبة إنه خلفتها (ولادتها) غير طبيعية، يعني شق بطن (عملية قيصرية)، ويبدو أنها ستحتاج إلى أكثر من طبيب…. ولكن كما سبق وأخبرتكم/ن عن معجزة، ستحدث أعجوبة والمرأة رغم كل حالتها ستلد توئماً”.

مقدمة حايك لا تعكس سوى مدى تجذر المفاهيم الذكورية في مجتمعاتنا، واعتبار النساء تابعات، وتؤكد أن هذا النظام الذي نعيش به نحن النساء عبارة عن هستيريا بطريركية تستفرغ خطابات أبوية ودينية وتقليدية، تسجن النساء في دوامةٍ لا خروج منها، تنهش كل تفاصيلهن الدقيقة والحساسة.

المصائب والحروب تُربط دائماً بالنساء، وفشل وأمراض الرجال سببه النساء، ومخاضها العسير ذنبها. وكأن هذا الجسد الذي نحمله هو ولّاد الحلول وولّاد المصائب وعليه فإن كل ما يترتب عليه من انهيار وعنف وضرب مبرر بالنسبة إلى جموع المتخلفين الذين لا يرون في النساء أكثر من أرحامٍ متنقلة.

إطلاق الأمثال والأقوال والأحكام على أجساد النساء، هي أدوات مستعملة وبكثرة، وعلى مدى عصورٍ وتواريخ وحقبات. المشكلة حين لا ينتبه أو لم ينتبه أحد لذلك، بل على العكس يصفقون له لأنه لم يكتفِ بتكرار “نكتة ميقاتي البايخة” بل رحّب بها في “البيت الشعري” الذي أتحفنا فيه هو وغيره من “الميقاتيين والميقاتيات”، تماماً كما فعلت مقدمة البرنامج التي استمعت إلى حايك ولم تظهر أي ردة فعل على الكناية الذكورية والمقيتة التي استخدمها الحايك، والأكثر من ذلك أنه رسم لوحته الخاصة والتعقيبية التي تواسي غيره من الذكوريين/ات الكثر، على الرغم من النضال الطويل الذي تقوده النساء والحركات النسوية تصدياً لسموم الخطابات الذكورية.

ويؤدي غالباً عدم إبداء أي رد فعل إعلامي مباشر على هذا النوع من الخطابات، التي تحط من شأن وأهمية تجارب ومعاناة النساء والفتيات على حدٍ سواء، وتنمي وتفتح منصاتها للخطابات غير الحساسة جندرياً، إلى انتشار هذه المفاهيم والانتهاكات الجسيمة بحق النساء والفتيات.

وإننا نتنبأ ونتوقع أن الاستمرار في استعمال هذه الأساليب لن يُخرج لبنان من أي نفقٍ أسود يا أيتها “الشخصية الاستثنائية”.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد