إلى السعوديات “معتقلات المنازل”.. نصدقكن وندعمكن

“إلى والدي الذي زوّر توقيع أختي الكبيرة في عقد زواجها وضربها على وجهها فكسر فكها ثم زوّر التقرير الطبي. أكرهك، أحقد عليك، لا أثق بك، ولا أتسامح مع من لا يرى تعنيفك”.

بهذه الشهادة المؤلمة، سجّلت إحدى السعوديات مشاركتها في الحملة الإلكترونية التي أطلقتها ناشطات نسويات سعوديات حول العنف المنزلي، تحت وسم #معتقلات_المنازل.

الحملة التي انتشرت عبر تويتر، طالبت بإسقاط نظام ولاية الرجل ومنح النساء حقهن في التنقل والاستقلال وامتلاك القرار. وشاركت من خلالها الفتيات والنساء تجاربهن مع هذا النظام الذي حولهن إلى سجينات منازلهن وأسيرات أوصيائهن أو أولياء أمورهن، وحرمهن من أبسط حقوقهن بذريعة الولاية.

وجدت “معتقلات المنازل” من هذه الحملة متنفساً لفك القيود المتراكمة على مرّ السنين، من المعاصم حتى الأعناق، فخنقت حرياتهن وقتلت حقوقهن قبل ولادتها.

تلك المنازل التي “لا نمتلك مفاتيحها، ولا حرية الدخول والخروج منها”، بحسب إحدى المغرّدات، “هي ليست بيوتنا”. بهذه الكلمات اختصرت “إيف” (اسم مستعار) شعور النساء بالغربة والوحشة داخل بيوتٍ تغتصب حقوقهن ويستولي أولياءها الذكور على قراراتهن، وفي أوطانٍ لا تقرّ قوانين لحفظ حقهن بالمساواة في الحقوق والواجبات مع الرجال. فبحسب إيف، “الأوطان التي لا نستطيع التنزّه في شوارعها بلا شعورٍ بالملاحقة ليست أوطاننا”.

شهادةٌ أخرى منتشرة أكدت تواطؤ الحكومة السعودية مع قمع النساء وتحقيرهن ومعاملتهن معاملة السجينات. ولا يبدو هذا الأمر مستغرباً، في دولةٍ بالكاد تخرج نساءها من ذكريات ملاحقة “المطاوع”، الذي ترك تاريخاً حافلاً من سلوكيات الوصاية الدينية والذكورية الإضافية في الشوارع السعودية، فوق وصاية الأب والأخ والزوج وحتى الابن.

في هذا السياق، قالت مغردة أخرى أن “الحكومة نفسها تتعامل مع النساء كمعتقلات في المنازل، وإن حاولت أي امرأة الهروب من هذا المعتقل، يقدم بلاغ لإعادتها إليه”. وأضافت: “لو فعلاً النساء غير معتقلات في المنازل، ما تمّ وضع عراقيل لاستقلالهن، من الأساس اسقلالهن غير معترف به قانونياً”.

لا يمكن لمتابعٍ للشهادات المدرجة تحت هذا الوسم، إلا أن يلتمس مقدار الأذى والقهر الذي يلاحق النساء، ويحرمهن من التمتع بحياتهن، حتى تحول جدار تويتر إلى أرشيفٍ يوثّق العنف الأسري بأشكاله المختلفة وتجاربه المؤلمة المتفشية داخل المملكة التي تدعي مؤخراً ميلها نحو الانفتاح والتخلص من المظاهر الراديكالية.

“إنه توثيق نسوي للعنف وتجارب الصراع والمقاومة والعنف داخل المنازل”، بحسب ما نشر حساب “نحو وعي نسوي”، الذي أكد أن هذه “الأرشفة والتأريخ تكشف من خلالهما السعوديات سبل المقاومة النسوية المختلفة وآثار العنف والانتهاك داخل المنازل التي تفرضها سطة الدولة الأبوية”.

عن هذا “المنتج الأبوي” تتحدث مغرّدة أخرى، فتصور السجن المنزلي بأنه أول نماذج السجون وأقربها إلى العبودية. فتقول إنه “قبل سجون الدولة كان سجن الأنثى هو النموذج الأساسي”. فالدولة الحديثة، من وجهة نظرها، “شيّدت سجونها على منتجات الأبوية”.

وفي ظل التضليل والتعتيم وتكميم أفواه النساء وسلب إرادتهن، اعتبرت أننا “احتجنا للنسوية لنعترف بعبوديتنا ونصفها ونتعرف إلى تاريخها”. ثم عادت لتختصر هذا التاريخ المليء بالسلطوية بمشهدٍ تمييزي شائعٍ في معظم الدول العربية، حيث “يرث الذكر المال والسلطة، وترث الإناث سجن الأمهات”، على حد تعبيرها.

“مُشعّة” هو حسابٌ آخر، يروي قصة كثيرات يرضين بالكثير من الرضوض المعنوية لتجنب رضوض جسدية طبعت تصبّغاتها على أجسادهن. فتقول: “امتنعت أنا نفسي عن الخروج من سجني، حتى لا أكون تحت رحمة ذكر يراقبني ويذلني طوال الطريق بمراقبة تصرفاتي… سجني يستنزف روحي ونفسيتي ويقتل شغفي وآمالي ومواهبي وطموحاتي”.

من ناحيتها، شبّهت شابة أخرى السجن المنزلي بـ”الزنزانة الانفرادية التي تغير السجين/ة جذرياً”. فكتبت: “حطم قدرتي على التواصل البشري، غيبني عن العالم، جهّلني وكأنني في التسعينات عمراً”. وتساءلت بحسرة المشتاق للحرية: “لا يرى سجاني أن الوقت حان كي أعيش حياة طبيعية؟”.

من “شريكة ولكن” إلى “معتقلات المنازل” كل الحب والدعم…

نصدقكن، نؤمن بكن، وندعمكن ضد أنظمة القمع الأبوية. كما ننتظر حريتكن بفارغ الصبر والشوق لحرية النساء، كل النساء.

فتلك الأسلاك تخنقنا باسم العرف والشرع والقانون وتخنق أنفاسنا الحرة وتهشّم طموحاتنا جميعاً. ونثق أن الثورة ستكسر ذلك القيد ذات يوم، وتكتب على جدار “السجن المنزلي”:

“ليس بعد… لن تكون المنازل محطات استراحةٍ للرجال، وزنازين ضيقة للنساء”.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد