جريمة أنصار.. “مغارة” الذكورية تقتل النساء مرة أخرى

لا تتوانى المنظومة الأبوية عن سحق حيوات النساء بأبشع الطرق. إذ هزّت المجتمع اللبناني منذ يوم أمس أخبار جريمة وحشية ذهبت ضحيتها ثلاث فتيات وأمهن قتلن بدمٍ بارد على مرأى من المجتمع والقانون.

فبعد أكثر من 20 يوماً من الإهمال والتكاسل الأمني والاتهامات الباطلة والذكورية حول اختفاء باسمة علي عباس وبناتها الثلاث في بلدة انصار الجنوبية، انتشلت الفرق المعنية أمس جثث الضحايا الأربعة من مغارة في البلدة، بعد أن تأكدت القوى الامنية أنهن قتلن بكل وحشية وبرودة أعصاب على يد المجرم حسين فياض، القاتل “المعجب” بالابنة الوسطى بينهن.

وفي الوقت الذي كان على القوى الامنية والقضائية أن تبدأ عمليات البحث عن المقتولات، لم تتحرّك مفترضةً  أن الأم “المطلقة” هربت مع بناتها رغم أن الوالد اشتبه بالمجرم الذي كان يتردد إلى الأم لأنه كان معجباً بالفتاة الوسطى، وكان والدها يرفضه بشدة لسلوكه السيىء.

تفاصيل الجريمة

وفي التفاصيل، اختفت في 2 آذار/مارس عائلة المختار زكريا .ص. المؤلفّة من زوجته السابقة وبناته الثلاث، فتقدّم في اليوم التالي ببلاغٍ إلى الجهات الأمنية، سُجل على قيد خاص بالتبليغات عن النساء المفقودات اللواتي عادةً ما يفترض المجتمع الذكوري انهن مجرد هاربات ولا يستحققن اهتماماً أمنياً حقيقياً أو حمايةً خاصة.

وبحسب معلومات وردت إلى “شريكة ولكن”، ذكر الوالد أثناء استقبال التعازي أن “المجرم سبق أن تعرّض لابنته بالضرب، ووجه إليها إهانات متكررة، خصوصاً عندما كان يرصدها “أونلاين” وترفض التواصل معه”.

كما ذكر الوالد أن “المجرم زاره في منزله بعد أسبوع من الجريمة مستنكراً إلصاقها به”.

وتواردت معلومات من أقرباء الضحايا إلى مراسلة شريكة ولكن المتواجدة في البلدة، أن المجرم “أقدم بدايةً على قتل الابنة الوسطى بعد أن كانا يتشاجران، ثم قتل الأم التي كانت تحاول الدفاع عن ابنتها وإبعاده عنها. وأكمل فعلته البشعة بقتل الابنتين بعد أن صدمتا وفقدتا الوعي لهول المشهد.

ولم يعرف بعد إذا كانت الجريمة قد حصلت قبل أن ينقلهن إلى المغارة، أو قام بما قام به في المغارة نفسها.

ولإخفاء أثر الجريمة قام القاتل بوضع الجثث فوق بعضها البعض، منتهكاً كرامة الأجساد المقتولة، ثم ألقى عليها البحص والحجارة والباطون. وبكل حقارة، لم ينس قبل فراره أن يستحم في “الشاليه” الذي يقع ضمن أرض المغارة وتعود ملكيته إلى والده.

أما بيان  قيادة الجيش – مديرية التوجيه، فأفاد أن سلسلة التحقيقات التي أجريت مع المجرم أدت إلى اعترافه أنه قام بعملية الخطف بمشاركة رجلٍ آخر وهو الآن متوارٍ عن الأنظار، وأنهما نقلا الفتيات المخطوفات ووالدتهن إلى مغارة تقع في خراج البلدة المذكورة حيث تمت جريمة قتلهن.

وبعد الكشف على المكان من قبل دورية من المديرية وفريق من الأدلة الجنائية في الجيش عثر على الجثث الأربعة ونُقلت إلى إحدى المستشفيات لاستكمال الفحوصات المخبرية اللازمة.
وتتواصل التحقيقات لكشف كامل ملابسات الجريمة بإشراف القضاء المختص، وتتم المتابعة لتوقيف القاتل الآخر المشارك في الجريمة.
كما نقل عن شقيق القاتل أنه أبلغ الجهات الأمنية أن “شقيقه بصدد مغادرة لبنان والهروب إلى سوريا ما دفع القوى الأمنيّة للتحرك وإعادة إلقاء القبض عليه، وبعد اعتقاله للمرة الثانية اعترف بأنه نفذ حريمته وقتل الأم وبناتها بالتواطؤ مع شخصٍ آخر، ثم ما لبث أن عاد وغيّر بإفادته مُتهماً شريكه بقتلهن أثناء خروجهن سوياً”.

تقرير الطبيب الشرعي

وعلى الرغم من انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة لتبرير جريمة القاتل التي وُضعت في إطار التجارة بالأعضاء البشرية، لتحويلها إلى مجرد جريمة قد يكون الرجال ضحاياها أيضاً، وإخراجها عن سياق العنف الذكوري الممارس ضد النساء والفتيات، أكد الطبيب الشرعي الذي عاين الجثث أن لا تجارة أعضاء في الواقعة.

وبحسب مراسل الوكالة الوطنية للإعلام في النبطية، تبين بنتيجة الكشف الطبي الذي أجراه الطبيب الشرعي في قضاء النبطية علي ديب أن جريمة أنصار ناتجة عن إطلاق النار من سلاح صيد على رؤوس الفتيات الثلاث، وعلى رقبة الأم.

وأوضح أن “الجريمة حصلت منذ أكثر من 20 يوماً، وقد وضعت الجثث شبه المتحللة في مغارة، وقام القاتل بمساعدة شريكه برمي رملٍ وبحص فوق الجثث، إضافةً إلى مادة الباطون.

هذه الجريمة البشعة تضاف إلى غيرها من الجرائم التي من المفترض أن تدق ناقوس الخطر بخصوص العنف الذي تتعرض له النساء يومياً، والذي يصل إلى حد القتل الذي يفرغ من مضمونه الجنائي ويحصر في دائرة “الشؤون العائلية الخاصة” أو التبريرات الذكورية المقيتة.

ردود الأفعال

هذه الجريمة التي هزت بلدة انصار ولبنان بأكمله استدعت ردود فعل غاضبة، فارتفعت أصوات من البلدة تطالب بالاقتصاص من المجرم أو إعدامه في ساحة أنصار التي تصدّر اسمها مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي مقابلة مع موقع “شريكة ولكن”، اعتبر رئيس بلدية أنصار صلاح عاصي أن “هذه الجريمة التي ذهبت ضحيتها عائلة بأكملها هي جريمة بحجم الوطن”. وأشار إلى حصول “تقصيرٍ في الكشف عن ملابساتها” وطالب بـ”تحقيق العدالة، وإنزال القضاء أقصى العقوبات بحق الجاني”.

أما عضوة المجلس البلدي نداء منصور، فقالت: “نحن في مجتمعٍ ذكوري، ووجب على القضاء والجهات الأمنية أن تولي عناية أكبر بالتحقيقات، وألاّ يُنظر إلى هذه الجريمة بوصفها مسألة عائلية”.

وفي بيان أصدرته عائلة المجرم، استنكرت فيه الجريمة، أعلنت تبرؤها بالكامل منه في حال اتضحت مسؤوليته، وطالبت السلطات القضائية بإنزال أشد العقوبات بحقه.

وكانت عائلة المختار زكريا الصفاوي أعلنت عن الحداد بعد تأكيد هوية الفتيات الثلاث وأمهن. وتقبّل التعازي اعتباراً من صباح السبت 26 آذار/مارس، على أن يجري التشييع نهار الأحد في مأتم شعبي.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً عبرت مستخدمات ومستخدمون عن غضبهم/ن واستنكارهم/ن لتلكؤ القضاء والأجهزة الأمنية عن توقيف المجرم الذي أطلق سراحه سابقاً، رغم توفر الأدلة والمعطيات التي تدينيه.

لا تقتلوا النساء مرتين!

هكذا تقتل النساء مرتين، مرة على نحو مباشر على يد القاتل ومرة أخرى على نحو غير مباشر، على يد السلطة وأجهزتها وخلفها مجتمع يغرق في عنفه الذكوري.
فقد كان يمكن لهذه الجريمة أن تلقى مصير جرائم أخرى تهاون القضاء في الكشف عن مرتكبيها وفي إحقاق العدالة لضحاياها من النساء. إذ تبين أنه ورغم هول جريمة أنصار، لم تول السلطات القضائية المعنية اهتماما كافياً من أجل الكشف بسرعة عن ملابستها واعتقال وتوقيف المجرمين. لا بل أعاقت هذه السلطات إحقاق العدالة لولا تحرك مخابرات الجيش في النبطية وتوقيفها للمشتبه به.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد