لماذا تتخوّف النسويات من الدستور التونسي الجديد؟

منذ إعلان الرئيس قيس سعيد عن مسودة الدستور التونسي الجديد في 30 يونيو/حزيران الماضي، وعُرض للاستفتاء في 25 يوليو/تموز الجاري، سارعت المنظمات والناشطات النسويات إلى إعلان رفضهن له.

إذ اعتبرن أنه مهدد للحقوق التي حصلت عليها التونسيات على مدار عقودٍ طويلة.

مخاوف أعلنّها صراحةً عبر وسائل الإعلام، وتحركات احتجاجية في الشارع، وبيانات أصدرنها تباعاً في محاولة للضغط لإجراء تعديلٍ كفيلٍ بطمأنتهن، أو التراجع عن الدستور برمته.

ونشرت الجريدة الرسمية التونسية مسودة الدستور الجديد في 30 يونيو/حزيران الماضي، وتضمن 142 مادة.

وهو يمنح سلطات واسعة لرئيس الجمهورية، خلافاً لدستور عام 2014، الذي كان ينص على نظامٍ شبه برلماني.

مواد الدستور التونسي الجديد

تضمن الباب الأول من الدستور الأحكام العامة، وفيه 21 فصلاً.

نص الأول منه، على أن “تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة”، والفصل الثاني أن “نظام الدولة التونسية هو النظام الجمهوري”.

وتم التنصيص في الفصل الثالث على أن “الشعب التونسي هو صاحب السيادة، يمارسها على الوجه الذي يضبطه هذا الدستور”.

بينما نص الفصل الرابع على أن “تونس دولة موحدة، ولا يجوز وضع أي تشريع يمس بوحدتها”.

وبخلاف دستور عام 2014، لم ينص مشروع الدستور الجديد على مدنية الدولة، (الفصل الثاني من دستور 2014: تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون).

لتكون بذلك أحد أبرز المسائل التي تنتقدها الجمعيات الناشطة في مجال حقوق النساء، لأن هذا الأمر يحمل مخاطر عديدة تهدّد الحريات العامة والفردية.

كما أثار الفصل الخامس من مشروع الدستور الجديد جدلاً كبيراً، وطاله سيل واسع من الانتقادات من طرف المنظمات الحقوقية.

وعلى الرغم من أن سعيد عاد ليدخل بعض التغييرات عليه، إلا أن الانتقادات بشأنه استمرت.

وينص هذا الفصل على أن “تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض، والمال، والدين والحرية”.

وترجح المنظمات والناشطات النسوية أن تتحول الدولة بمقتضى هذا الفصل، من دولة مدنية محايدة شعبها مسلم، إلى دولة تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام.

فيصبح العامل الديني، وتحديداً الإسلام مكوناً، ليس فقط من مكونات الثقافة، بل عنصراً من عناصر الحياة السياسية والقانونية للدولة.

كما يتخوّفن من أن يصبح للدين دور فعال وذو بعدٍ دستوري قابل للتفعيل في صلب قوانين الدولة، بعد أن كان عنصراً توصيفه ثقافي في دستور 2014.

بالإضافة إلى عمومية اللفظ، الذي يرين أنه حمّال أوجه، خصوصاً في ظل تعدد الفرق والطوائف في الإسلام، وتتعدد مقاصده بتعدد طوائفه ومفسريه.

وهو ما يجعلهن يخشين من أن يؤدي ذلك إلى ضرب السلامة القانونية، واستقرار الوضعيات القانونية تبعاً للتأويلات التي سيتم تبنيها من قبل السلطة.

لماذا يهدد الدستور الجديد المكاسب النسوية؟

نائلة الزغلامي
رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي

 

وفي مقابلة خاصة مع منصة “شريكة ولكن”، حذرت رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي من اعتماد الدستور الجديد.

واعتبرت أنه “يمثل تهديداً للمكاسب النسوية التي ناضلت من أجلها الجمعيات النسوية والناشطات والمجتمع المدني، خلال فترة كتابة دستور عام 2014”.

وأوضحت أن “تنصيص مشروع الدستور في فصله الخامس على أن الدولة تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام، ينزع طابع الحياد عنها. ويجعل العامل الديني، ليس فقط مكوناً ثقافياً بل عنصراً من عناصر الحياة السياسية والقانونية للدولة. وهو أمر قد تترتب عليه انعكاسات، تتعلق بالتشريعات في المستقبل، وبالضمانات الواجب حمايتها، وبالحدود المفروضة”.

وأضافت أن “حقوقاً كثيرة للنساء باتت منذ عقود مكاسب، لا يمكن بأي شكل من الأشكال المساس بها. وقد تصبح مهددة وفق نص مشروع الدستور الجديد. مثل الحق في الإجهاض، الذي تجيزه تونس”.

وتحت عنوان تحقيق مقاصد الإسلام، والتي من بينها حسب الدستور الجديد، “الحفاظ على النفس”، قد لا يصبح من حق التونسيات أن يجهضن في ظروفٍ آمنة، كما ينص القانون.

وعبّرت يسرى عن تخوّف النسويات من أن يصل إلى الحكم يوماً ما رئيس لا يؤمن بحقوق النساء. فيسعى للمس بمكتسباتها.

وفي ظل غياب أي سلطة مضادة له، قد تخسر التونسيات ما ناضلن من أجله لعقود، ومن ذلك منع تعدد الزوجات.

وتعد منظومة القوانين التي تكرس حقوق النساء من أهم مكتسبات الحداثة، التي تحققت في ظل الدولة الوطنية التونسية.

وتمثل مجلة الأحوال الشخصية، أحد أبرز عناوين المكتسبات الاجتماعية والقانونية، التي تحققت للنساء.

إذ أرست حقوقاً أساسية لهن من أهمها، الإقرار بحقهن في اختيار شريكهن، وتحديد السن الأدنى للزواج بسن الرشد القانوني أي 18 سنة.

كما نظمت الزواج، وجعلته مدنياً، يبرم بحجةٍ رسمية، ولا يفك إلا بقرارٍ قضائي. واعترفت للنساء بدور الشريك في رعاية الأسرة.

ومنع تعدد الزوجات، وحصلت من خلاله الزوجات على الحق في طلب الطلاق. بينما ضمنت قوانين الجنسية للتونسيات المتزوجات من أجنبي حق منح جنسيتهن لأبنائهن وبناتهن.

كما كفلت قوانين العمل، المساواة بين الجنسين في مجال العمل. ونظم القانون عدد 91 لسنة 1998 المؤرخ في 09 تشرين الثاني/نوفمبر 1998، نظام الاشتراك في الأملاك بين الزوجين.

وهو نظام يحمي عند اختياره من قبل الزوجين حقوقهما، في حال انفصال الرابطة الزوجية، في الأملاك المكتسبة خلال الحياة الزوجية.

كما أرسى دستور 2014 عدداً من القوانين تعتبر الأكثر تطوراً على المستويين العربي والإسلامي، في ما يتعلق بحقوق النساء.

وفرض لأول مرة الخطاب المبني على النوع الاجتماعي (خطاب المؤنث والمذكر). ونص على العديد من الحقوق التي يتمتع بها الرجال والنساء على قدم المساواة، ومن دون تمييز، خصوصاً من خلال الباب الثاني، المتعلق بالحقوق والحريات.

فأكد، في الفصل 46 منه، على أن الدولة تلتزم بـحماية الحقوق المكتسبة للنساء، وتعمل على دعمها وتطويرها.

وبحسب دستور 2014، تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء في تحمل مختلف المسؤوليات، وفي جميع المجالات.

وتسعى إلى تحقيق المناصفة بين النساء والرجال في المجالس المنتخبة.

كما تتخذ التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد النساء. ونص الفصل 21 منه على: “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز”.

في حين نص الفصل 74، على أن الترشح إلى منصب رئيس/ة الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة.

وتخشى الناشطات والجمعيات الحقوقية والنسوية التونسية أن يتم نسف هذه الحقوق، التي انتزعنها بعد نضالٍ طويل، خصوصاً أن الرئيس قيس سعيد بقي محل انتقاد المدافعين/ات عن حقوق النساء منذ أن أعلن رفضه المساواة في الميراث.

إذ قال إن “الحكم الشرعي واضح في هذا الشأن”. ولم يشفع له كونه أول رئيس تونسي يعين امرأة على رأس الحكومة، لتغيير مواقفهن/م منه.

المحامية والناشطة الحقوقية والنسوية يسرى فراوس
المحامية والناشطة الحقوقية والنسوية يسرى فراوس

 

من جهتها، أكدت المحامية والناشطة الحقوقية والنسوية يسرى فراوس أن “دستور قيس سعيد خطير لأنه يهدد بنسف حقوق النساء. فهو لا يوفر قاعدة الديمقراطية، ويجعل من السلطات وظائف، ويعيّن الرئيس رباً أعلى للتونسيات والتونسيين”.

وأضافت أنه “هو من يقرر مشاريع القوانين، ويستفتي الناس حول تعديلات يريدها شخصياً في الدستور أو التشريعات. واختار أساساً من مقاصد الإسلام ما يريده، وتخلى عن مقصد العقل”.

وأضافت: “في خضم كل ذلك، لم يكلّف الدولة التونسية بتحقيق التشغيل والتنمية، والسكن اللائق للنساء اللاتي يجدن أنفسهن في الشارع بمجرد تعرضهن للعنف. أو يجدن أنفسهن في مساكن تفتقر إلى كل مقومات الحياة الكريمة، إذا حرمن من الميراث”.

ولفتت يسرى إلى أنه “بدلاً من أن تتولى الدولة العمل لتحقيق ما سلف، جعلها تتجه بالتشريعات نحو تحقيق مقاصد الإسلام، التي هي ثقافة ما قبل القوانين الوضعية. وما قبل المواطنة، وما قبل المساواة”.

وقالت: “اليوم، نحن إزاء فتح المجال أمام دولة دينية كاملة، بين مجتمع ومؤسسات وهياكل، لذلك لا مصلحة لنا في هذا الدستور”.

ونص الدستور الجديد في الفصل الثاني والعشرين على أن تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة وتهيأ لهن/م أسباب العيش الكريم.

بينما نص الفصل الـ46 على أن العمل حق لكل مواطن ومواطنة، وتتخذ الدولة التدابير الضرورية لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف. وعلى أن لكل مواطن ومواطنة الحق في العمل في ظروف لائقة وبأجرٍ عادل.

في حين ينص الفصل الـ89 الترشح لمنصب رئيس/ة الجمهورية، حق لكل تونسي/ة غير حامل/ة لجنسية أخرى مولود/ة لأب وأم وجد لأب وأم تونسيين/ات، وكلهن/م تونسيون/ات من دون انقطاع.

لكن هذا الفصل لم يأتِ على ذكر التونسيات، ما أثار حفيظة المدافعات عن حقوق النساء. واعتبرن أن في ذلك حرماناً صريحاً للنساء من إمكانية الترشح لرئاسة الجمهورية على خلاف دستور 2014، الذي جعل الحق مكفولاً لكلي الجنسين.

عضوة جمعية "أصوات نساء" الناشطة سارة مديني
عضوة جمعية “أصوات نساء” الناشطة سارة مديني

 

بدورها، قالت عضوة جمعية “أصوات نساء” الناشطة سارة مديني إن “الدستور الجديد يشكّل “انتكاسةً لحقوق النساء ونضالاتهن منذ الاستقلال، بعد أن تقدمنا أشواطاً كبيرة على هذا الصعيد. فحُذف مثلاً الفصل الثاني من دستور 2014، الذي ينص على مدنية الدولة. ونحن اليوم لا نعرف لأي دولة نحن نؤسس، خصوصاً أنه لم يتم ذكر أي مرجعية كونية لحقوق الإنسان، فضلاً عن تجاهل الاتفاقات الدولية تماماً.

وأضافت: “أما الفصل الخامس، فيفرض على الدولة التزام دستوري بتحقيق مقاصد الإسلام، الذي لا نعلم كيف سيطبق، لا سيما وأنه مفهوم غير موحد وقابل للتأويلات حسب كل مذهب، ما سيفتح أبواب الجحيم على حريات وحقوق النساء”.

وختمت سارة حديثها بأنه “قد ينتهي بنا الأمر للعودة إلى زواج المغتصب بالضحية/الناجية، وتعدد الزوجات، ومنع حق الإجهاض الآمن، لحفظ النسل والنفس، وإقامة الحد على الزنا، والرجم حد الموت، والقصاص، وغيرها. حتى الترشح للرئاسة لم يعد حقاً لكل ناخب وناخبة، بل أصبح حقاً لكل تونسي، من دون ذكر التونسيات”.

 

كتابة: فاطمة بدري

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد