منال عبد الرحمن .. مهنة جلي البلاط ليست حكراً على الرجال!

“أنا اليوم سيدة نفسي”. هذا ما قالته السيدة السورية منال عبد الرحمن، ابنة “ناحية الطواحين”، في محافظة طرطوس الساحلية، حين أرادت أن تٌعّرف “نساء العالم العربي” عن نفسها، كما قالت.

فالمرأة الخمسينية، التي تعمل في مهنة جلي البلاط، بدأت عراكها مع الحياة وحدها منذ عام 2002، أي منذ 20 عاماً.

وهو اليوم الذي تعرّض فيه زوجها لحادثٍ، وأصيب بالشلل الكامل.

لم تكن حياتها مكلّلة بالرّفاهية، بقدر ما كانت مكلّلةً بالصبر والنصر لنفسها.

منال .. المعلمة في جلي البلاط

ترفض منال أن يُقال عنها كلمة “معلم”، وتصرّ على إضافة التاء المربوطة. ليقال لها: “معلمة منال”.

ينطلق ذلك من مبدأ فخرها بعملها كامرأة اختارت مهنة جلي البلاط، التي كانت حكراً على الرجال في مسيرة العمل في سوريا.

فالأم، التي ربت 5 طفلات وطفل، باتت اليوم جدة، ومستمرة في عملها في “جلي أو تلميع البلاط”.

تحدثت منال “لـ”شريكة ولكن” عن رحلة حياتها، بين آلة الجلي، ومواجهة المجتمع، وطلبات الأولاد والبنات.

بدأت العمل خارج المنزل عام 2004، عملت حينها في الزراعة، ضمن المحميات والبيوت البلاستيكية.

هذا العمل الوحيد الذي يقبله المجتمع، بكل ما فيه من صعوبات ومشقات.

استمر عملها بين الأشجار والنباتات 13 عاماً، حتى عام 2017، لتنتقل بعدها إلى العمل “كعاملة في جلي البلاط”، مع زوج ابنتها الذي ساعدها على تعلّم المهنة.

لم تأبه أو تلتفت إلى كل الانتقادات التي سمعتها من المجتمع.

ومرّت 8 سنوات، عملت خلالها كـ”عاملة في منازل الناس”، بأجرٍ يكفيها وأسرتها “كفاف اليوم فقط”.

فهذه المهنة تعتمد على المواسم، ويقلّ جداً الطلب عليها في الشتاء.

“كبريائي لم يسمح لي أن أكون عالةً على أحد، فاتخذت قراري بأن أكون سند زوجي وأسرتي”، أضافت منال.

كما أشارت إلى أنها “تعمل من 8 إلى 10 ساعات خارج المنزل، يضاف إليها 4 ساعات عمل داخل المنزل (العمل الرعائي)، من طبخ وتنظيف واهتمام بالعائلة”.

الخطوة الكبيرة

قدّرت منال وقررت أن خبرتها تستحق أن تكون تجربةً اجتماعيةً فردية، تكفل لها حياةً جيدة.

لذلك، سعت إلى تمويل مشروع من إحدى الجمعيات في سوريا، واشترت كل عدة “جلي وتلميع البلاط”.

فتحولت من “العاملة، إلى المعلمة منال”. ويعمل معها رجال ليتعلموا منها المهنة الآن.

لكن مسيرتها لم تكن سهلةً، في مجتمعٍ أبوي لا يتقبّل وجود النساء في الكثير من المهن، بل ويستهجنها أحياناً.

وعن هذا الأمر قالت: “شبعت تنمّر من المحيطين، لكن أهلي وطفلاتي وطفلي، كانوا سنداً حقيقياً”.

وبعد كل هذا التنمر، أصبحت أهم أماكن العمل والمنازل يطلبون/ن منال مع ورشة عملها، لتضع لمساتها الجميلة في تلميع البلاط في منازلهن/م.

أجبرتها ظروفها الصحية أن تترك المدرسة، لكن سُمعتها في العمل تسبقها.

فهي جازفت بالتمويل الذي حصلت عليه من إحدى الجمعيات، على مشروعٍ راهن عليه كل المجتمع المحيط بالفشل.

أما عن حياتها الاجتماعية، التي تصفها بالـ”انطوائية” بسبب ضغوط عملها داخل وخارج المنزل وضيق وقتها، فأشارت إلى أنها “تقتصر على المناسبات الاجتماعية فقط”.

وتوجهت إلى النساء بالقول: “لا تخجلن بعملكن مهما كان، ما تكسبنه بأنفسكن أفضل من مليون مساعدة”.

على ناصية الحلم!

تزوجت منال وهي في الـ17 من عمرها، وعاشت 4 سنوات مع زوجها، قبل أن يصاب بالشلل الكامل.

فتحولت مهامها، لتقوم بجميع الأدوار في المنزل، وفي حياة العائلة.

إذ فرضت عليها الحياة، والقدر، والحرب، أن تكون معيلةً لأسرتها. حرب غيرت مسار ومصائر حيوات نساءٍ كثيرات في سوريا.

وقد أشارت إحصائية للأم المتحدة، إلى أنه بعد عام 2014، باتت نصف النساء السوريات معيلات وحيدات لأسرهن. بعد أن كانت النسبة قبل الحرب لا تتجاوز من 5 إلى 10%.

ومنذ ذلك الحين حتى اليوم، لا توجد إحصائية حكومية أو غير حكومية، عن عددهن عام 2020.

بينما ساهمت الحرب في كسر القواعد في أذهان البعض، عن أعمال النساء غير النمطية.

منها مثلاً المعلمة منال، ومغسل السيارات الذي تديره نساء في مدينة السويداء، وتداولت الصحافة أخباره بكثرة.

لم يعد اليوم مشروع الطعام والحياكة اختصاص النساء في سوريا فقط. بل كسرن تلك النمطية ومارسن أعمالاً لم تعد حكراً على الرجال.

ووجدت بعض النساء الدعم في مجموعات وعلى السوشيال ميديا، من خلال التعاطف مع بعضهنّ البعض والتكافل، في أي عملٍ خارج الصندوق لامرأة سورية في أي محافظةٍ كانت.

تماماً مثل التعاطف والدعوات التي لاقتها منال حين انتشرت صورتها على السوشيال ميديا. وقالت: “بكل تعليق بيكبر قلبي وعقلي”.

وعلى الرغم من وصول السورية الأولى التي تعمل في جلي البلاط إلى سن الخمسين، ما زالت تحلم بالكثير.

فقالت: “أحلم بأن يكون لدي ورشةً كبيرة، أدرّب فيها الرجال والنساء على جلي وتلميع البلاط. وأحلم أيضاً أن ترث عني ابنتاي هذه المهنة، وأن تنتشر أكثر بين النساء في محافظة طرطوس عموماً، رغم صعوبتها، لكن مردودها جيد”.

وختمت: “تستطيع كل امرأة أن تمارس مهنةً تحبها، وليس بالضرورة أن تكون طبيبة، أو صحافية، أو مهندسة، أو تعمل في الأرض والمنازل. وإن لم تكن صاحبة شهادة، بإمكانها البدء بمشروعها الخاص”!

كتابة: رنيم خلوف

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد