القبض على اليوتيوبر هبة السيد.. متى يتم التحقيق في وقائع العنف الجنسي داخل الأسرة؟

ألقت السلطات المصرية القبض على اليوتيوبر هبة السيد، صاحبة قناة “أم زياد وهبة” على موقع يوتيوب. بعد أن وجهت لها النيابة العامة تهمة الاتجار بالبشر وهدم قيم الأسرة المصرية، على خلفية بلاغات تطالب بالقبض عليها.

ويرجع سبب هذه البلاغات إلى آخر فيديو نشرته على قناتها، والذي تدّعي خلاله تحرّش ابنها الأكبر بابنتها وبها. بينما ظهر في الفيديو طفلتين وطفل، تطلب منه/ما رواية شهادته/ما.

 

مَن يحمي الطفلة التي تم ذِكر تعرضها للاعتداء الجنسي؟ لماذا لم يتضمّن البلاغ طلبًا للتحقيق في ادعاءات ومزاعم الأم؟

 

الفيديو الذي تسبب في القبض على هبة السيد

فمنذ أيامٍ قليلةٍ، نشرت هبة السيد فيديو، ادّعت خلاله أن ابنها الأكبر محمد (16-17) عام، تحرّش بأخته حبيبة (15-16) عام. وأضافت أنها وجدت على هاتفه رسائلَ بينه وبين غرباء يتحدث فيها عن رغباته في اغتصاب الأم والأخت.

والخطأ الفادح، الذي لا يمكننا التغاضي عنه، هو ظهور أطفالها/طفلاتها أيضًا في الفيديو. إذ طلبت والدتهن/م شهادتهن/م على “الاعتداء الجنسي”.

لا شكّ في أن إشراك الأطفال/الطفلات في محتوى لا يناسب أعمارهن/م، هو سلوكٍ يستدعي الوقوف عنده والتصدّي له.

كما لا نغض النظر عن أن نشر الأم لمحتوى عن العنف الجنسي ضد الابنة علانيةً، دون حسابٍ لما قد تعانيه الابنة في المستقبل جرّاء هذا الفعل، يقع تحت تصنيف العنف النفسي تجاه الطفلة.

نقف كذلك عند تسمية الأم الاعتداء الجنسي، والتحرش والاغتصاب بـ”علاقة جنسية”، وهي تسمية تخلو من توقيع مسؤولية على المعتدي/ين بشكلٍ عام.

ولكن، هل المسؤوليّة تجاه الأطفال/ الطفلات فقط هو ما حرّك السلطات لإلقاء القبض على هبة السيد؟

ماذا تفعل الأمهات عند اكتشاف العنف الجنسي داخل الأسرة؟

إن كان الأمر كذلك، فلا يمكن أن تمرّ خطوة هبة السيد من دون وقفةٍ جدّيةٍ ومسؤولة تجاه الطفلة المشار إليها في فيديو الأم. فالأمر أعقد مما صوّرته الصحافة المصرية، بأن هبة السيد تبحث عن “التريند” أو الشهرة على حساب الأطفال/الطفلات فحسب.

ففي ظل قوانين لا تعترف بالعنف الأسري، وغياب آليات حماية قانونية ومجتمعية تجنّب النساء والفتيات العنف الجنسي داخل الأسرة، يكمُن التعقيد في أمرين. أولًا، إنكار حدوث العنف الجنسي داخل الأسرة. وثانيًا، تكذيب الناجيات ووصمهنّ بدلًا من الجناة.

علاوةً على “إخراس” النساء والفتيات اللواتي يتحدثن علانيةً عن تعرضهن للعنف الجنسي داخل الأسرة. ويأتي ذلك بذرائع مثل: “الحفاظ على شرف وسمعة الأسرة” و”الخوف من الفضيحة“. وهو ما لم تنتبه إليه هبة السيد وقت نشر الفيديو.

يمكننا كذلك الوقوف على ردود الفعل الغاضبة التي اتهمت هبة السيد بالتشهير بابنها وابنتها. إذ ارتكزت الحُجج على أن إعلان العنف الجنسي داخل الأسرة، يصم الابنة والأم ويشوّه سمعتهما وسمعة العائلة، بينما لم يُطالب أحدٌ بالتحقيق في ادعاءات الأم. وهو موقفٌ يكرس وصم النساء والفتيات اللاتي يخترن فضح تعرّضهن للعنف الجنسي، ويحمّلهنّ مسؤوليةً معنويةً إضافية بدل محاسبة المعتدي/ين.

ولم يتم طرح سؤال هام: ماذا لو تتعرض الأم والابنة بالفعل للاستهداف والعنف الجنسي من الابن المراهق؟ وكذلك، ماذا يجب أن يحدث في هذه الحالة؟ هل تحرر الأم محضرًا رسميًا بحقّ الابن؟ هل هناك جهات معنية بحقوق الطفلات/الأطفال في مصر قد تساعد في هذا الصدد؟ علمًا بأن المُدعى عليه نفسه تحت السن القانوني – قاصر.

لماذا لا يتم التحرّي عن المجموعات التي يؤسسها الرجال باستخدام وسائل الاتصال الرقمية من أجل التشهير بالنساء والنسويات، أو نشر محتوى تحريضي ضد النساء والفتيات؟

مَن يضمن حق الطفلة حبيبة؟

جدير بالذِكر أن تحركات النيابة العامة تجاه هبة السيد، جاءت على إثر بلاغٍ رسميٍ من المجلس القومي للطفولة والأمومة، بهدف حماية الأطفال/ الطفلات من الأم ومن استغلالهن/م في صناعة المحتوى.

وقد اعتمد المجلس في بلاغه على قانون الطفل المعدل برقم (126) لسنة (2008)، وقانون حماية قيم الأسرة المصرية لعام (2018). كما اعتمد على قانون مكافحة الاتجار بالبشر لسنة (2010)، والذي عادة ما تستخدمه السلطات للقبض على صانعات المحتوى في مصر.

لكن مَن يحمي الطفلة التي تم ذِكر تعرضها للاعتداء الجنسي؟ لماذا لم يتضمّن البلاغ طلبًا للتحقيق في ادعاءات ومزاعم الأم؟ أليست تلك مهمة المجلس القومي للطفولة والأمومة الذي قام بتقديم البلاغ؟

إذا لم يتضمن البلاغ طلبًا للتحقيق في مزاعم الأم انصافًا للابنة والابن أيضًا، فقد يحمل شبهة استمرارٌ لمسلسل ملاحقة صانعات المحتوى، لكنه مغلفًا بشياكة قوانين حماية الطفل والأسرة.

عنفٌ مضاعف للأطفال من الأم والأب

بعد القبض على هبة السيد، نشر زوجها السابق فيديو برفقة الطفلات والطفل اللواتي/ الذي في فيديو الأم. اغتنم الأب الفرصة للتوجّه بالشكر والعرفان للجهات الرسمية والحكومة المصرية والنيابة العامة لسرعة التحرك. وأشار إلى أنه قدم إفادته عند القبض على هبة السيد، ليقوم باستلام الطفلات/الأطفال.

الفيديو الذي بثّه الأب بعد ساعاتٍ قليلةٍ، وإلى جانبه الطفلتين والطفل، تضمّن إساءاتٍ مباشرةٍ للأم أمامهم/ن وأمام الرأي العام بأكمله. فكرّر على مسامعهن/م نفس ما قالته الأم في الفيديو الأول.

ليست تلك السقطة الوحيدة التي نقف أمامها اليوم. ففي بثٍ حيٍ، أعلن الأب إخضاع ابنته إلى “كشف عذرية”، بحثًا عن “إثبات براءة الابنة” أمام الرأي العام. ورغم أنه في نفس الفيديو عبّرت الفتاة عن أنها لم توافق على هذا الفحص، إلا أنه تم الضغط عليها “وإقناعها” من الأب والعم وزوجة العم، بضرورة توقيع الكشف للحفاظ على “سمعتها”.

يُذكر أن منظمة الصحة العالمية، والجهات الدولية، تُدين ما يتم تسميته بـ”كشوف العذرية”. حيث يتم تصنيفه كجريمة عنف جنسي، وأنه لا يُثبت أو يُنفي ممارسة النساء/الفتيات للجنس.

الوقوف على الجريمة التي ارتكبها الأب بحق الابنة، يستدعي أيضًا تفكيكًا نسويًا. إذ يتم تقديم جرائم الاعتداء الجنسي على أنها متعلقة بأغشية البكارة، والتي قد لا تولد بها النساء والفتيات، أو تلتحم مع أنسجة المهبل وقت البلوغ، أو تتمزق لأي سبب غير ممارسة الجنس بالإيلاج.

وهذا الاختصار للعنف الجنسي، بوصفه مُتعلقًا فقط بما يسمى “غشاء البكارة”/ إكليل المهبل، الذي يتم ربطه بـ”الشرف”. وهو إعادة إنتاج للخطاب الأبوي والذكوري الذي يجعل جرائم العنف الجنسي، جرائم تتعلق بالأسرة والمجتمع، وليس النساء والفتيات اللواتي تعرّضن إلى هذه الجرائم. ويمحو حق هؤلاء النساء والفتيات في الوصول إلى عدالة قانونية وجنائية بعد الاعتداء.

بين العنف النفسي من الأم، والعنف الجنسي من الأب

من الهزليّ، عدم توجيه أيّة تهمٍ إلى الزوج السابق، أو الهجوم عليه. لا اتجار بالبشر، ولا استغلال أطفال/ طفلات، ولا هدم قيم الأسرة المصرية، رغم أنه، كالأم تمامًا، استغل الطفلات/الطفل. بل ومارس بنفسه وبمساعدة العم وزوجته، عنفًا جنسيًا على الطفلة بإخضاعها إلى “كشف عذرية”. الفارق هنا هو أن الأم تدّعي على الابن وتتهمه بالاعتداء على اخته، والأب ينفي.

يضعنا ذلك أمام مقارنة واجبة بين استقبال المجتمع والجهات الرسمية لجرائم النساء وجرائم الرجال. فردود الفعل الغاضبة لم تطل الأب. والاتهامات الرسمية والبلاغات كذلك لم تطله. وكأن الطفلات/الأطفال ملكية خاصة للأب، حتى لو كان هذا الأب نفسه يقوم بممارسة العنف والجريمة بحقهن/م. وكأن الرجال في مأمنٍ دائمٍ من وصم يلاحق الأمهات ويصفهن “بالسيئات”، وينقض عليهن اجتماعيًا وقانونيًا.

على نفس القياس، يُمكننا تصنيف ما مارسته الأم بالعنف النفسي تجاه الطفلة والطفل المُدعى عليه من جانب. ومن جانبٍ آخرٍ، على الطفلات/الأطفال اللواتي/الذين طلبت منهن/م شهادتهن/م في الفيديو على جريمة اعتداء جنسي.

وبين هذا العنف النفسي، وذلك العنف الجنسي، يقف الطفلات/الأطفال في منتصف دائرة من العنف الأسري المستمر. عنفٌ تتجاهل السلطات المصرية مطالبات النسويات الدائمة بتجريمه في نصوصٍ واضحة، أو دمج تعديلات على قانون الطفل ليشمل العنف من الأسرة تجاه الطفلات/الأطفال.

علم الجريمة النسوي

هذه الازدواجية في التعامل والتعاطي مع جرائم النساء والرجال على صعيد المجتمع والقانون، يُمكننا تفسيره بالاستناد على مصطلحٍ علم الجريمة النسوي (Feminist Criminology). يعتمد هذا المنظور على تفكيك دوافع الجرائم التي يتم ممارستها من قبل الرجال والنساء. كما يُفكك كيف يتم التعامل مع كلا الجريمتين اجتماعيًا وقانونيًا.

لا يهدف المنظور النسوي لعلم الجريمة إلى تبرئة النساء، كما يفترض البعض. لكنه يكشف العورات القانونية التي يتم استخدامها عادة ضد النساء، ولا يتم استخدامها ضد الرجال، حال ارتكاب الجرائم.

في قضية هبة السيد، التي لا ننفي أنها مارست عنفًا نفسيًا تجاه طفلاتها/أطفالها، هناك تجييشٌ وحشدٌ اجتماعي ضدها لكونها امرأة. وبإمكاننا الاستدلال على هذه الفرضية بنوعية التهم التي تم توجيهها إليها، عوضًا عن أن نفس التهم لم يتم توجيهها إلى الأب المعنف.

فقانون الاتجار بالبشر الذي تم استخدامه في الاتهامات مثلًا، لا يقوم بتجريم تزويج القاصرات (الاغتصاب القانوني للقاصرات). وقد تم توجيه انتقادات لهذا القانون من قبل “مركز قضايا المرأة المصرية” في دراسة ميدانية حول أشكال الاتجار بالبشر والنساء والتي لا يعترف بها القانون المصري، عام 2015.

لو كان هذا القانون يتضمن جرائم العنف الأسري، لماذا لا يتم تسميتها بجرائم العنف الأسري؟ أليس من الأولى وجود تجريم واضح للاتجار بالفتيات القاصرات في نفس القانون الذي يتم استخدامه اليوم لاتهام امرأة مارست عنفًا نفسيًا على أطفالها؟

نفس النقد يتم توجيهه إلى قانون الطفل الذي لا يتضمن تسميه العنف الأسري باسمه. وكأن المشرعين لا يعترفون بوجود عنف أسري من الأصل، ويعتبرون الطفلات/الأطفال ملكيات خاصة للأسرة – أو للدقة، ملكية خاصة للأب لأنه رجل.

أما قانون هدم قيم الأسرة المصرية، فقد تم استحداثه عام 2018. وهو قانونٌ فضفاض لا يقوم حتى بتعريف ماهية القيم الأسرية التي يزعم وجوده للدفاع عنها. وهذا القانون نفسه، يتم استخدامه منذ استحداثه، للإيقاع بالنساء غير الملتزمات بالمعايير الطبقية الاجتماعية، خاصة على الإنترنت.

حتى لا يكون هناك “تأنيثٌ” للجرائم

من هنا، نُشدد على ضرورة وجود قانون لتجريم العنف الأسري بكل أشكاله، سواء مارسته الأم، أو مارسه الأب، أو ذوي/ذوات القُربى، إعلاءً لمصلحة الطفلات/الأطفال.

فعند استخدام قوانين أخرى كالسابق ذِكرها، نجعل قضايا العنف الأسري ظرفية ومحدودة ومقتصرة على حالات بعينها. أي أنه لا يمكن استخدام نفس القوانين تجاه آباء وأمهات معنفات/ين في سياقاتٍ أخرى لا يتم فيها استخدام الإنترنت في ممارسة تلك الجرائم.

إن وجود نصوص قانونية لتجريم العنف الأسري ضرورة لا يمكن أبدًا تجاهلها. وذلك، مرة أخرى، أولًا، بهدف حماية الطفلات/الأطفال من العنف أيًا كان الشخص الذي يقوم/تقوم بممارسته. ثانيًا، لمحاربة تأنيث الجرائم (Feminizing Crimes) والتي أصبحت ظاهرة تستدعي منظور علم الجريمة النسوي لفهمها ومحاربتها.

فهناك تأنيثٌ واضح للجرائم التي تم اتهام هبة السيد بها. ليس لأنها تم توجيهها إلى هبة السيد. ولكن لأنها اتهامات يتم استخدامها في حال اتهام النساء بممارسة “جرائم” يتم تصويرها كجرائم بحق المجتمع والدولة. ولا يتم استخدام نفس هذه القوانين، الفضفاضة، تجاه الرجال.

ونحن لا ندعو إلى استخدامها تجاه الرجال، بقدر ما نستخدم مناظيرنا النسوية لنقد هذه القوانين بشكلٍ عام، ولماذا يتم حصرها على النساء دون الرجال. بتعبيرٍ أدق، نحن نُطالب بوجود نصوص قانونية واضحة يتم استخدامها في حالات ارتكاب الجرائم، بغض النظر عن الهوية الاجتماعية للمتهمات/ين.

نحو تحقيقات منصفة ومحاكمة عادلة

بعذ هذا السرد والتحليل، نقف على سؤالٍ لا يقل أهميه عن الأسئلة المطروحة في هذا المقال: ما الضمانة لتحقيق محاكمةٍ عادلة لليوتيوبر هبة السيد في قضية العنف النفسي تجاه الطفلات/الأطفال؟ خصوصًا، في ظل محاكمات منحازة ضد النساء، وقوانين تقوم بتأنيث الجرائم، وحشد مجتمعي ضدها كامرأة ارتكبت جريمة ما؟

وقبل هذا السؤال: مَن ستلتفت/سيلتفت إلى حق الطفلة حبيبة في تحقيقٍ عادل بشأن تعرّضها للعنف الجنسي من شقيقها؟ ودون أن يتم إخضاعها من الجهات الرسمية إلى “فحص عذرية” للفصل في ادعاء الأم؟ ومَن يُحاسب الأب على إخضاع حبيبة إلى جريمة عنف جنسي أخرى؟ أو استغلال أطفاله في التشهير بالأم؟

وأخيرًا: لماذا لا يتم التحرّي عن المجموعات التي يؤسسها الرجال باستخدام وسائل الاتصال الرقمية من أجل التشهير بالنساء والنسويات، أو نشر محتوى تحريضي ضد النساء والفتيات وذوات القُربى؟

باختصار.. متى سيتم إنصاف النساء ومحاسبتهن على جرائمٍ متهمات بها فحسب، دون إضافة “منكّهاتٍ” تتربّص بهنّ حصرًا ولا تلاحق الرجال؟

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد