بقيادة دار الفتوى اللبنانية.. حملة تحريض ضد الكوميديان شادن فقيه

في ظل تجاهلٍ للأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية الكثيرة التي يعيشها لبنان، وجّه أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية طاقته لوضع مزيدٍ من القمع على الفنانة الكوميدية شادن الفقيه.

أتى ذلك بعد أن وضع إخبارًا لدى النيابة العامة التمييزية ضدها، على خلفية عرضٍ كوميدي.

ودعم المفتي العام الخطوة بتحريض الناس ضد شادن، باسم حماية المقدسات والرموز، ليؤكد من جديد بأن السلطات الدينية تقوم دائمًا بوظيفة التحريض بدل العمل على وضع حدٍ للمشاكل الفعلية.

من جهتها، أصدرت دار الإفتاء الجعفري في لبنان، بيانًا حذّر من خلاله “اللعب بالدين لأنه أعلى قيم العقل وأكبر معارف الوجود، والهزل بهذا المجال نار تحرق كل شيء”.

وأشار “الإفتاء الجعفري” إلى أنه يتابع “الإخبار الذي تقدّم به أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية”، مؤكدًا أنه “لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام”.

وإذ توّجه إلى “السلطات المختصة في البلد لمحاسبتها بشدة”، تستّرت لغة بيانه التهديدية وراء خطاب كراهية ووصم لخياراتها الشخصية، لما من ذلك من تأثير على تأجيج التحريض.

الاستهداف الممنهج لشادن الفقيه

رغم تواتر الأخبار اليومية عن الانتهاكات والجرائم التي تفتك بالمجتمع اللبناني، فإن حجم التفاعل مع التحريض ضد شادن الفقيه والهجوم عليها كان أكثر إلحاحاً بالنسبة للمجتمع من وقفةٍ حقيقية ضد هذه القضايا.

فمنذ ظهورها كفنانة إلقاء كوميدية، لم يتوقف الهجوم لحظة على شادن، وذلك بسبب هوياتها التي تضعها في مواقع تسهل فيها إدانتها على الفور.

فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، دأبت الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية على مضايقة شادن الفقيه واستجوابها بشكلٍ متزايد في ما يتعلق بتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقد فيها السياسات الأبوية والطائفية والطبقية، وأحيلت بصفتها المدنية إلى القضاء العسكري مرتين بسبب “نكاتها”.

في مايو/أيار 2021، استجوب مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية شادن فقيه، لأول مرة، بعد شكوى من قوى الأمن الداخلي حول مكالمة كوميدية وجهتها إلى خطها الساخن، أثناء الإقفال العام بسبب وباء فيروس كوفيد-19. طلبت شادن حينها من القوى الأمنية توصيل الفوط الصحية إلى منزلها، مسجّلةً ذلك في مقطع كوميدي نشرته على حسابها. طريقةٌ أرادت من خلالها تسليط الضوء على الاستخفاف الأمني بأولويات النساء الصحية أثناء وضع القيود على التحرك، وإزالة الوصمة عن الدورة الشهرية.


وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، استدعتها المحكمة العسكرية للمحاكمة التي انعقدت في 24 يونيو/حزيران 2022، وانتهت إلى إدانة شادن بموجب المواد 157/147 من قانون القضاء العسكري والمادة 383 من قانون العقوبات وتغريمها بمبلغ مليون و800 ألف ليرة لبنانيّة من دون تعليل الحكم أو توضيح أسبابه.

وأخذ إبطال ملاحقتها أمام القضاء العسكري ثلاث أعوام، كانت فيها تحت مجهر القمع ومحاولات الإسكات الدائمة. لتكون قضيتها مثالًا على الاستبداد والقمع السياسي الذي يمكّن النظام السياسي من إساءة استخدام القوانين، من أجل وضع مزيدٍ من القيود والسيطرة على النشطاء ووضعهن/م أمام المحاكم العسكرية كأنهن/م مجرمات/ي حرب.

عندما تتكاتف المؤسسة الأمنية والدينية على قمع شادن

تعود اليوم ملاحقة شادن، والحجر على آرائها من المؤسسة الدينية، من خلال استخدام القضاء وسيلةً للقمع وإعطاء مساحة للناس للهجوم عليها. بالَافة إلى استغلال هذه الفرصة في جعلها كبش فداء للتنفيس عن مشاكل المجتمع المطروحة على الساحة، والتي يتجاهلها دار الفتوى بشكلٍ صريح.

فلم نسمع أي اعتراضٍ أو تنديدٍ أو ملاحقة من مفتي الجمهورية أو المؤسسة التي يترأسها، في ظل ما يحصل من انتهاكاتٍ وعنف ضد النساء والأطفال/الطفلات، ولا حتى مواساة لضحايا شبكات البيدوفيليا التي شكّلت صورة عن الخطر المتراكم والمتربص بمصير أطفال/طفلات البلد.


لم تتردد الدار يومًا في قمع النساء واستخدام السلطة الأبوية ضدهن، وضد أي رأي يهددها، أو يحاسبها على الاختفاء عن دورها في مواجهة هذه المشاكل وحلّها. وهو ما فعلته القوى الأمنية عندما حاكمت شادن أمام محكمة عسكرية لأنها سخرت من قيود الأمن في ظل كورونا والتي لم تراعي احتياجات النساء.

ليكون ذلك دليلًا على أن المؤسسة الأمنية والدينية لم يعد لها من وظيفة سوى ملاحقة الكوميديا والحجر على أصوات النشطاء، وجعل القمع وسيلة للتغطية على فشلها في تحقيق أهدافها التي وجدت لأجلها وهي خدمة الناس.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد