الفنانة المصرية آمال رمزي.. درس نسوي في تقرير المصير الإنجابي

حول المصير الإنجابي، صرّحت آمال رمزي، فنانة مصرية معتزلة، أنها أجهضت قصديًا 15 مرة، وعلى مدار عدة زيجات. وأضافت أنها لم ترغب في الإنجاب بيولوجيًا لعدة أسباب. ذكرت منها مسؤولية رعائية تقدمها لأبناء شقيقها المتوفى.

الإجهاض القصدي.. جريمة في عُرف القانون

في مواده (260-264) ينص قانون العقوبات المصري المعمول به منذ ثلاثينات القرن العشرين على إيقاع عقوبات تتراوح بين السجن والغرامة للمُجهضات وكل مَن شاركن/وا في إتمام إجهاض قصدي.

يُشكّل بوح الفنانة آمال رمزي بإجراء عدة إجهاضات قصدية جريمة في عُرف القانون المصري. كما يشكّل صدمة قوية لرأي عام تمثله أغلبية أصولية محافظة ترفض حق الإجهاض الآمن.

وفيما لم تذكر آمال رمزي هل كان الإجهاض آمنًا أم لا، بإمكاننا الاستدلال على ظروف إتمامه من خلال التجريم القانوني والرفض المجتمعي. فأغلب الطواقم الطبية التي تقدم خدمات الإجهاض القصدي تقدمه سرًا، تجنبًا للمساءلة القانونية. وهو ما يجعل أغلب إجراءات الإجهاض غير آمنة قانونيًا، وتحدث في ظروف مرجح أنها غير آمنة طبيًا للسبب عينه.

ربما لهذا السبب، لم تبُح آمال رمزي بإجراء الإجهاض أمام الصحافة إلا مؤخرًا. كما أن الوصم الاجتماعي للمُجهضات ورافضات الإنجاب يجب إضافته للمعادلة. إذ يتم وصم هؤلاء النساء باختياراتهن الإنجابية، واعتبارهن “غير مستحقات لهبة الأمومة”.

يرجع ذلك إلى تقديس الأدوار الإنجابية للنساء من منظور أبوي يعتبر النساء أدوات إنجاب، وليس لديهن خيارات سواه. وفي هذا التقديس وصمٌ لغير المُنجبات قصديًا أو لأسباب طبية تمنعهن من الإنجاب. في المجتمعات الأبوية، تُستمد القيمة الإنسانية للنساء من الدورين الإنجابي والرعائي.

حق تقرير المصير الإنجابي

ولدت آمال رمزي، كمالات عباس، في مدينة الإسكندرية عام 1939. هي من جيل الحرب العالمية الثانية، حيث لا وجود للحقوق السياسية والإنجابية للنساء في مصر. إلا أنها قررت مصيرها الإنجابي، متجاوزة للتجريم القانون والوصم الاجتماعي.

تقول في تصريحها الصحفي أنها أصرّت على عدم الإنجاب، رغم تهديد أحد أزواجها لها بالقتل. فعندما كانت أمام خيارين: الإنجاب أو الإجهاض والقتل، اختارت الإجهاض. هذا رغم اقتران الاختيار بالقتل، جريمة شائعة تُقتل فيها النساء من أزواجهن بذريعة “خلافات أسرية”.

كان بإمكان هذا الزوج وقتها اختيار الطلاق، حتى لو كانت قد اتفقت معه من البداية على الإنجاب ثم ارتأت أنه غير مناسب لأي سبب. لكنه هددها بالقتل عوضًا عن تطليقها، ما يعكس شعورًا بالاستحقاق الذكوري على جسدها. يُشاركه هذا الاستحقاق القانون بالتأكيد، حيث التجريم المطلق للإجهاض القصدي. كما يشاركه فيه مجتمع يعتقد أن الإنجاب وجهة حتمية للنساء بمجرد زواجهن، وبغض النظر عن خياراتهن ودوافعهن.

بين المصير الإنجابي وأدوار الرعاية الطوعية

نظرًا لوفاة شقيقها المفاجئة، قدمت آمال رمزي أعمالًا رعائية طوعية لأبنائه. وأخذت على عاقتها مسؤولية رعايتهم بالكامل بعد هذه الوفاة.

استخدمت آمال هذه الحجة، محاولةً تبرير قرارها بعدم الإنجاب للصحافة. وقد يكون ذلك تحت ضغط الوصم الاجتماعي الذي يصور قرار عدم الإنجاب على أنه “عدم حب للأطفال/الطفلات”.

يظهر ذلك من خلال التغطية الصحفية. حيث استخدم الموقع الإخباري الذي أجرى المقابلة معها عبارات مثل: إشباع عاطفة الأمومة/ التضحية/ الحب.

جميعها عبارات أبوية تربط الدور الإنجابي بالعمل الرعائي والمشاعر العاطفية. فيكتمل ثالوث “الأمومة” من منظور أبوي يرتكز على توظيف مشاعر النساء وأجسادهن وقوة عملهن الرعائية.

في حال لم تكن هذه حجة أمام صحافة تستخدم لغة أبوية تمتد من المقابلة وحتى التغطية، فلا يمكن المصادرة على كونها اختارت تقديم أعمال رعائية بشكل طوعي. وهذا التقديم تزامن مع قرارها بعدم الإنجاب، وبالتالي الإجهاض القصدي 15 مرة.

في هذا السياق، يهمنا التشديد على أن عدد الإجهاضات لا يمكن استخدامه للتدليل على أن آمال رمزي كانت غير مكترثة لمنع الحمل. فهذا الخطاب الأبوي يحمّل النساء مسؤولية منع الحمل بمفردهن، ويعفي منها الشركاء الجنسيين. كما أنه من المهم تذكّر أن وسائل منع الحمل غير فعالة بنسبة 100%، خصوصًا في التوقيت الذي قررت فيه آمال رمزي ممارسة حق أصيل لها في الإجهاض.

درس نسوي في العدالة الجنسية والإنجابية

تعتبر قصة إجهاض آمال رمزي إلهامًا نسويًا، نظرًا لقرارها الذي سبق الحراك المُطالب بالعدالة الجنسية والإنجابية بعقود. وهي بذلك تُذكرنا أن مطالبنا النسوية حول المصير الجنسي والإنجابي وحقوق النساء، لم تأتِ من فراغ، ولم نخترع عجلتها بأنفسنا.

قصتها تذكِرة أن خطاباتنا النسوية يشتعل وقودها من واقع النساء ومعاناتهن مع أنظمة أبوية تحاول جاهدة مصادرة حقوقهن الجنسية والإنجابية. وهي أيضًا درسٌ للمشرعين الذين يعتقدون أن تجريم الإجهاض يمنع النساء من ممارسته، ولو في الخفاء وبشكل غير آمن طبيًا وقانونيًا.

فمَن يتمعن اليوم في قصة امرأة لم تستجب للضغط المجتمعي، والاستحقاق الذكوري، والعوار القانوني؟

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد