حملة “خليها تعنس” تجتاح ثلاث دول عربية والنساء تردّ: “خليك بحضن أمك”
منذ عامين سأل الشيخ عليا خير بيك، الحاصلة على ماجستير في علم الاجتماع والناشطة في مجال العمل المجتمعي، يوم زواجها عن المهر الذي تريده من العريس، أجابت “لم نتناقش ولا أريد شيئاً”، بارك والدها الكلام، ليأتي رد الشيخ أنه لا يجوز، ومن المفروض أن تسجل مهراً. عندها طلب والدها ليرة فضة فقط، وسعادة ابنته، ثم بارك للعروسين متمنياً أن تكون زيجة الدهر.
في عام 2018 سجلت إحدى المحاكم في دمشق مهراً قدره 100 مليون ليرة سورية أي ما يقارب 200 ألف دولار أميركي، عندها تناقل الناس الخبر على وسائل التواصل الاجتماعي بغضب نوعاً ما، خوفًا أن يكون هذا المهر مبرراً لارتفاع المهور بالعموم، هذا الخوف انعكس في حملة “خليها تعنس” التي أطلقها مجموعة من الشباب العربي مؤخرًا رداً على غلاء المهور، بدأت بمصر، ومرت ببيروت، وحطت رحالها منذ 72 ساعة في سوريا. وعلى الرغم من العنوان المستفزّ والمقاربة المهينة للنساء التي إختارتها الحملة، ما استدعى إطلاق حملة مضادة في مصر من قبل عدد من النساء بعنوان “خليك بحضن أمك”، إلاّ أن موضوع الحملة والتفاعل معها يستحق التوقف عنده. موقع “شريكة ولكن” رصد بعض مواقف وردود فعل الشباب والشابات حول الحملة وقضية المهر في سوريا.
20 دقيقة فقط كانت كفيلة بالحصول على (66) تعليق فيسبوكي في أكبر المجموعات النسائية السورية المغلقة والذي يضم كافة الشرائح المجتمعية حول موضوع “حملة خليها تعنس”، واللافت أن (60) تعليق منها كانت مؤيدة للحملة، وتلخصت الأسباب أن بعض الأهل وخصوصاً في السنوات الأخيرة يتاجرون ببناتهم، وبالتالي تحولت الفتاة إلى مجرد سلعة تباع وتشترى. ونددت نور الطالبة الجامعية بفكرة المهر أصلاً معتبرة أنها تكرس فكرة الانفصال أو الطلاق منذ بداية الزواج، فيما أشارت أخريات أن الحرب السورية فرضت صعوبات كبيرة على الشباب السوري من تأمين سكن، ومستلزمات المنزل وغيرها، وأشارت نورة محمد البالغة من العمر 40 عاماً أن تغالي الأهل بالمهور طريقة مؤدبة من قبلهم لرفض العريس، وبالتالي هو تحريض للفتيات كي يخروجوا عن العادات والتقاليد التي يعتز بها الأهل والهروب مع العريس كحل وخصوصاً في حالة الحب المتبادل، لذلك الحملة مهمة لكن يجب أن تكون موجهة للأهل حصراً ومنظمة أكثر.
لم تسلم الحملة من بعض الاستهزاءات التي فرضها الواقع السوري الحالي فأشارت مها محمود المتزوجة منذ شهرين في تعليقها الذي رافقه “إيموشن الوجه الغاضب” أن أفضل مهر حالياً أسطوانة غاز و200 ليتر مازوت. أمّا التعليقات الست الوحيدة الرافضة لفكرة الحملة، فقد حملت مبررات أن من لا يملك المال عليه ألا يتزوج، وتذرعت إحداهن بالمثل الشعبي “يلي بده عرض، بده يصير أرض”.
رّوج الشباب السوري للحملة على صفحاتهم الشخصية والمجموعات الخاصة المغلقة، وكانت ردود الأفعال مختلفة. يشير المخرج في إذاعة شام إف إم سعد السواس أنه في حال أحب فتاة يقدم لها المهر الذي تطلبه، بينما يؤيد المهندس شادي عباس فكرة الحملة بحيث تكون نظامية ومنطقية دون أن تتحول لمهاترات فيسبوكية ويشترك فيها التشريع والقانون، وبالتالي يتطلب تعاون كل الجهات لتخفف هم أو عبء الزواج عن الشاب الذي بدوره يسعى للاستقرار، مثل “عبء السكن، الراتب اللائق، العمل” وفوق كل هذه العوائق يواجه الشاب عائق المهر، ويؤيد لؤي الذي يعمل كسائق أيضاً فكرة الحملة ويتساءل باللهجة الشامية “من وين بجيب الشب مليون ليرة مثلاً إن كان جامعي وراتبه يعادل 40 ألف سوري شهرياً؟”.
وترى الصحفية سارة أحمر أن الموضوع لا يتوقف فقط على المهور فهناك الكثير من المظاهر الاجتماعية الفارهة التي تشكل عبء على الطرفين، لكن مشكلة بعض المجتمعات السورية أنها لا ترى الزواج تشارك بالمسؤولية، إضافة إلى قصور قانون الأحوال الشخصية والأديان جميعها بإفهام الشباب أهمية الزواج من منظور محبة وسلام، فالفتاة ترى بالزوج الفارس على الحصان الأبيض. بينما تشير المحامية والناشطة في المجتمع المدني لما قباني أن الحملة تؤثر على الطرفين، وتؤيد المحامية كوجهة نظر شخصية هذه الحملة لأن النقاش في المهر يجعل الفتاة كسلعة فقط، وتعقب أن موضوع المهر شائك اجتماعياً، لكن قانونياً المهر لا يحمي الفتاة كما يقول الأهل، فإذا لم يستطع الرجل دفعه عند الطلاق يسجن، فكيف تكون الحماية بسجنه؟ والأخطر أن القانون هو من يكرس مفهوم المهر وهي على حد تعبيرها إهانة للمرأة وخصوصاً بفكرة “مهر المثل” في حال رفضت تسجيل مهر، يوضع لها مبلغاً قريب على مهر الأشخاص المحيطين بها نفس العائلة أو القرية مثلاً وكأنها تسعيرة.
ارتفعت نسبة النساء غير المتزوجات في سوريا بنسبة 70% منذ عام 2011، حسب إحصائيات رسمية تناقلتها الصحف السورية، هذه النسبة لم يأخذها بعض الأهل بعين الاعتبار، فمتى سنشهد يوماً تسجل فيه المحاكم السورية مهراً مُعجله الحب، ومؤجله الاحترام مدى الحياة؟