غيدا عناني.. لقب “بطلة السلام” دافع لنكسر الصمت حول العنف المنزلي والأسري ضد النساء والفتيات
في إنجاز جديد يضاف إلى لائحةٍ طويلةٍ من الأهداف التي نجحت في تحقيقها على مدى سنوات من العمل المدني والنضالي من أجل حقوق النساء في لبنان، المديرة التنفيذية ومؤسِسَة منظمة “أبعاد” غيدا عناني تحصد لقب “بطلة السلام”..
موقع “شريكة ولكن” أجرى الحوار التالي مع عناني بهدف تسليط الضوء على هذا الإنجاز.
غيدا عناني بطلة من لبنان، بطلة السلام، بعد المباركة على هذا الإنجاز العالمي حدّيثنا عن الجائزة، وهل كانت متوقعة لكِ؟
بدايةً، شكرًا لموقع “شريكة ولكن” الذي هو دائماً الداعم الأوّل للنساء في لبنان والعالم العربي ويسلّط الضوء على محاولات النساء المستدامة لتحقيق العدالة والكرامة الانسانية وتحقيق المساواة والشراكة الحقيقية إلى جانب الرجال في مجتمعاتنا.
“السلام في يومٍ واحدٍ” هي من المبادرات الدولية هدفها الأٍساسي نشر ثقافة السلام وتعزيز أجندة السلام وجعل الأولوية بالعمل على ثقافة السلام واللاعنف كإحدى الأولويات على مدار العام، ونحن هنا نتحدث عن مبادرةٍ استطاعت أن تؤسس بجهودها وبالمناصرة ليومٍ عالميٍ تُقِرُّهُ الأمم المتحدة في 21 أيلول/سبتمبر ليكونَ يوماً عالمياً مخصّصاً للسلام.
هذه الجائزة أو هذا اللقب “بطلة السلام” تم تقديمه لي نهار الاثنين الفائت بمناسبة اليوم العالمي للسلام، كإحدى النساء الملهمات العاملات في الخطوط الأولى على مناهضة العنف ونشر ثقافة السلام واللاعنف في المجتمعات، بحضور أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش إلى جانب عدد من السيدات من المغرب العربي والعالم. والمعيار الأوّل الذي على ٍأساسه يتم تقديم هذه الجائزة هو الإسهام في أجندة النساء والأمن والسلام عن الدور الذي استطعت أن ألعبه في منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات، وخاصة في تطوير الخطط الوطنية المتمحورة حول القرار 1325 وأجندة الأمن والنساء والسلام سواء في العراق أو في سوريا ولبنان. أمّا المعيار الثاني فهو الابتكار وواحدة من المبادرات التي تم تقييمها موضوع الحملة الأخيرة “حجر مش حجز” للوصول إلى النساء المحجورات خلال جائحة كورونا بإيصال رقم الخطوط الآمنة لتكون المرأة قادرة على التبليغ عن أيِّ عنف تتعرض له في المنزل، بالإضافة إلى إحقاق القيادة الأخلاقية وإحقاق الأثر ومنها إلغاء المادة 522 بالجهود السياساتية الإصلاحية والتشريعية .
الجائزة لم تكن متوقعة ولكن من المتوقع للأسف دائماً الالتفاتة الدولية والتقدير الدولي للإنجاز الوطني، بشكلٍ معاكسٍ عن موقف الوطن وهو ما يؤلمنا، أن يأتي التقدير دوليًا قبل أن يكون محليًا.
منظمة أبعاد تؤكد أنّ “لا سلام في مجتمعاتنا من دون سلام منازلنا”. في الوقت الذي يشهد فيه لبنان ارتفاع كبير في نسب العنف الأسري والعنف ضد النساء، كيف عملت أو ستعمل منظمة “أبعاد” على الاستثمار في هذه الجائزة للفت نظر المجتمع الدولي حول معاناة النساء في لبنان سواء الناتجة عن الازمة الاقتصادية أو كوفيد 19 أو حتى تفجير بيروت أو التجاذبات السياسية؟
لاشك أن القضية المحورية التي نعمل عليها، هي قضية حماية النساء والفتيات والفئات المهمشة من كافة أشكال الانتهاك والتمييز والعنف والعمل على انتزاع حقّن بالعيش بكرامة بما تبقى من مجالات للكرامة في لبنان .
هذا اللقب دافع أساسي لنكون في صدد إطلاق حوار ونقاش جديد ونكسر الصمت بشكل متكرّر حول قضية العنف المنزلي والعنف الأسري الذي تعيشه النساء والفتيات، وأيضاً نكون قادرات على الضغط دولياً ومع صانعي السياسات المختلفين لإبقاء موضوع العنف كإحدى الأولويات الأساسية للنساء والفتيات، باعتبارهن المحرّك الأوّل والعاملات في الخطوط الأولى في كافة القطاعات وأثبتن في كافة الأزمات الصحية والاقتصادية والأمنية أنهنّ على الخط الأوّل للمواجهة.
ليست الجائزة الأولى لأبعاد ولك، لكن بماذا تختلف عن سابقاتها؟
القيمة المضافة لهذا اللقب أنّه هذه أوّل مرة يعكس اللقب التقاطعية بين ملف العنف ضد النساء مع القضايا الأخرى وإعطائها الصبغة الشمولية وأهمية العمل بشكل شمولي وتقاطعي كي نحقق التغيير المطلوب، بمعنى آخر اليوم مهم جداً عدم فصل قضايا النساء والعنف عن القضايا الأخرى والأجندات الأخرى، إن كانت أجندة الصحة العامة أو الأمن والنساء والسلام أو أجندات التنمية.
ماهو سر قوّة غيدا عناني خاصة أنها تحقق انجازاتها بشكل متصاعد وفي كل مرة تتحدّى نفسها، وتنجح؟
أنا كشخصٍ أؤمن بشكلٍ كبيرٍ، عميق ودفين بالإنسان أولاً وأؤمن بالعمل بصمت وجعل النجاح والنتيجة هي التي تحدث الضجيج، فبقلة الكلام وكثرة العمل بشغف وإيمان ورؤية واضحة وجعل كلِ شيء يبدأ من الإنسان الذي نعمل لخدمته، وتحديداً النساء وينتهي بهنّ، نحقق التغيير المرجو، ونكون فعلاً في مثابرة وتواضع بالرغبة في التعلم يوماً بعد يوم.
الحركة النسوية في لبنان حققت الكثير من الإنجازات، لكن دائمًا ما تصطدم بالقوانين الأبوية وبالطبقة السياسية، هل سنبقى نعوّل عليها في إطار عملنا كمنظمات أو ربما نشهد استراتيجيات نسوية جديدة في التعامل مع القضايا؟
بتركيبة النسيج والمجتمع اللبناني، هو نسيج قائم على طبقةٍ تمثّل مجموعة من الأحزاب السياسية، التي بدورها تمثل مختلف نسيج الطوائف، التي تتحكم بأيِّ تغيير ممكن أن يكون على المستوى السياساتي أو القانوني الخاص بكافة المواطنين/ات ومنهم/ن النساء، هذا النسيج ميزة في لبنان على مستوى التنوع ومن الصعب إلغاؤه إلا إذا استطعنا أن نصل إلى مكان هو فصل الدين عن الدولة وإلغاء الفساد من هذه المنظومة والطبقة.
الحركة النسوية هي حركة نشطة جداً جداً، وهي حركة مجتهدة تبتكر دائماً وتعمل على استراتيجيات جديدة، واعتقد أن هذا العمل لن ينضب، وسنشهد إنجازات أكثر وأكثر لهذه المجموعة التي تحرّص دائماً أن يبقى صوتها عالياً.
اليوم لبنان منهك بفعل الازمات الاقتصادية وكوفيد وغيرها، كيف ستتخطون هذا الانهاك للاستمرار في النضال بمجال قضايا النساء؟
لا شك أن لبنان يشهد اليوم أقسى الأزمات بكلِّ تاريخه سواء على المستوى الاقتصادي أو الصحي أو السياسي أو المستوى العام والأمني في المنطقة والجوار، هذا الإنهاك نتحداه بشكل أساسي بتذكير أنفسنا وحرصنا على التواصل اليومي مع النساء اللواتي نعمل معهنّ، النساء هنّ النبض، وبالتالي عدم التواصل معهنّ هو قتلٌ للقضية. لذا من الضروري أن نتذكّر أنَّ ذهابنا يومياً إلى مكاتبنا والعمل بكلِّ شغف وإصرار والتواصل للبقاء على تماس مع المعنيات بالنسبة إلينا، هو فقط الحافز الذي يدفعنا إلى تخطي هذا الإنهاك والتفكير بماذا حققنا وماذا علينا أن نحقق لنستمر في النضال.
رسالة غيدا عناني للّبنانيات وللنسويات في المنطقة؟
أقول لكلِّ اللبنانيات والنسويات في المنطقة العربية والشرق الأوسط وشمال افريقيا، إنَّنا قادرات ومن حقنا أن نكون شريكات في بناء وطننا وأن نكون مواطنات كاملات على مستوى الحقوق والوصول إلى الفرص والموارد.كما أنّ الإيمان بما نقوم به والإبقاء على رؤية استراتيجية واضحة هو بوصلة أساسية كيّ نحقق ما نسعى إليه.
وبالنهاية، الاساس هو البقاء حرّات بالفكر، بالكلام وبالمواقف بعيداً عن كلِّ التركيبات التي تكبّلنا والفكر السياسي الفاسد أو الذكوري المريض أو المتعصّب الهشّ، كي نحقق المنجزات التي بمقدورنا جميعنا تحقيقها إذا ما تكاتفنا يداّ بيد.