الجحيم المقنّع: “18+” .. لا تدخل/ي إن كنت تعاني من  إفراطٍ في الإنكار

هذه المادة هي الجزء الثاني من التحقيق المعمق “اعتداء ذوي القربى الجنسي .. أشد مرارةٍ وأبقى!“، ويتضمن تصريحات صادمة للناجيات من هذا الجحيم المقنّع.

ناجيات تعرّضن لتحرش أو اغتصاب، أو محاولة اغتصاب داخل بيوتهن، وعلى يد أحد أفراد عائلاتهن! 

كالقابضات على جمر الحقيقة، يقبضن على ذاكرتهن الملتهبة. صمتٌ، فتهرّبٌ، فاعترافٌ، ثم بركانٌ من الغضب المقموع في سراديب الطفولة المنتهَكة.

مسافة أمانٍ تفصل بين الواصل والموصول. هنا، في الجحيم المقنّع، مسافةُ شكٍ وقلقٍ وأرقٍ وخوف، وحتى قرف، تربط أعناق الناجيات بمشنقة “القرابة”.

ومن آيات صلة الرحم أن حبل الوصل الفاسد يجوز قطعه.

“أخي طلب مني أن أنزعه سرواله الداخلي… لم أشعر بالأمان منذ ذلك الوقت”

25 عاماً من الصدمة النائمة في أدراج الروح. تمتمت ماريا (34 عاماً) بشفتين مرتجفتين: “إنه أخي”.

ابتلعت أنفاسها وأكملت كلماتها بحيرة: “يعزّ عليّ أن أكتشف بأن لا أمان، في مكانٍ يُفترض أنه الأكثر أماناً”. وتأسف لكون “الخطر قريباً منا إلى هذه الدرجة”.

وسردت انتهاكاً، على الرغم من ابتعاده زمنياً، إلا أنه لازمها في قلقها وأرقها وسلوكها وعلاقاتها الاجتماعية.

“كنت طفلةً بعمر الـ7 سنوات، بريئة وخجولة، ومن بيئةٍ تقليدية. الأخ في عائلتنا كلمته مسموعة. وأخي كان لا يزال في عمر المراهقة، يكبرني بـ6 سنوات فقط. لكنني كنت أراه اخي الكبير ويجب عليّ طاعته”.

وغرقت في حديثها لموقع “شريكة ولكن”، في سرد المبررات التي دأب المجتمع على زرعها في نفس الضحية/الناجية: “قال لي إنه لاحظ انتشار الشامات في جسده، وطلب مني أن أحصيها”. قصّت أحداث “الصدمة” التي لم تتلخص من تبعاتها حتى لحظة حوارنا.

وأضافت: “فجأةً، طلب مني أن أُنزل سرواله الداخلي، وحين تجمّدت، خلعه بنفسه. لا يمكنني وصف مشاعري، صحيح أنني كنت طفلة، ولا أعلم بالظبط ما الذي يخيفني، لكن المشهد أصابني بالرعب، وشعرت بأنني ضعيفة جداً، لا يمكنني القيام بأي ردة فعل”.

وعما إذا ما أخبرت أحداً بالأمر، أوضحت: “حين استدرجني تتبّعته شقيقتي واكتشفت الأمر بنفسها، راقبته من وراء الباب. لم تواجهه ولكنها قالت لي إن أبي قد يقتله. قلقت جداً وأخفيتُ الأمر في أدراج ذاكرتي”. تؤكد ماريا أن الحادثة جعلت منها “فتاةً أكثر صمتاً وخجلاً في البداية”.

وتابعت: “مع الوقت أصبحت كثيرة القلق، أقوم بردود أفعال استباقية من أي محاولة تقرّب من الفتيان، خصوصاً في فترة المراهقة”.

وحين سألناها عن مدى تأثير الأمر على حياتها، علت وجهها ابتسامة ساخرة وخجولة، وكشفت عن أثرٍ عميقٍ حاولت ترقيعه بتكتّمٍ وخوف.

فقالت: “بعد زواجي، حين طلب مني زوجي نزع سرواله الداخلي، أصابتني الصدمة نفسها. لاحظت أنني أشعر بالاشمئزاز والنفور من العلاقة الجنسية. عن غير قصد أعود بمخيلتي إلى تلك اللحظة”.

وتابعت ساخرةً، مع حرقة يصعب تمويهها: “بالمناسبة، أخي لطالما كان متديّناً، يقرأ القرآن في المناسبات الدينية حتى الآن. هل تظنين انني لمستُ شعوراً بالذنب من قبله يوماً؟! لا أبداً، يعيش كما لو أنه الذكر الذي لا يخطئ، وصوته الجميل في تأدية القرآن كافٍ لتبرئته الذاتية”.

ثم ختمت: “يعيش بالطول والعرض كما يقولون، ولا يخطر في باله الجرح الأبدي الذي خلّفه في روحي. لم أشعر بالأمان منذ ذلك الوقت”.

الجحيم المقنّع .. اغتصبها شقيقها

ربى (32 عاماً)، ضحية شقيقها أيضاً. إلا أن الجريمة لم تكن تحرشاً وحسب، “لقد اغتصبني”، هكذا كشفت عن ألم سنواتٍ من الصمت والصدمة.

وأضافت: “كنت في عمر الـ8 سنوات، حين انقض عليّ ظننتُ بأنه يضربني، حتى أنني لم أفهم ماذا فعل، وجدت نفسي غارقةً في دمائي، خفت كثيراً”.

وعن كيفية استفراده بها داخل المنزل، أوضحت: “أذكر أن أهلي كانوا في مكانٍ بعيد عن المنزل، واضطرت والدتي أن تبقيني أنا وشقيقتي التي تكبرني بـ3 سنوات وشقيقي ذو الـ18 عاماً في المنزل. طلب حينها من أختي أن تذهب إلى صديقتها في الحي المجاور، وفعل ما فعل في غيابها”.

وتابعت: “لم يقع اختياره عليّ عشوائياً. كنت ضعيفة وخجولة، أختي كانت شخصيتها أقوى، أظن أنه لم يفكر حتى بالتعرض لها لعلمه بأنها قد تشي به لوالديّ. أنا لم أكن بذلك الوعي أو بتلك القوة”.

مرّت ربى بصدمةٍ عاطفية بعد سنتين، حين توفي والدها، فوجدت نفسها لا تجيد التعبير عن مشاعرها. “كنتُ طفلته المدللة، دلوعته، لا أعلم ماذا حصل معي، بقيتُ صامتة في البداية. وفي ما بعد، مررت بحالة نكران وبقيت أنتظره على الشرفة ليعود”.

لم تكن تعلم سر تجمّد مشاعرها، إلى أن تمكنت من الإفصاح عن اغتصابها على يد شقيقها لشقيقتها بعد تجاوزها سن الـ20.

“كنتُ قلقة من أن لا يصدقني أحد، عشتُ مع خوفي وقهري سنوات طويلة”، قصّت ربى كيف قررت أن تتكلم بعد معاناةٍ شخصية مع الصمت. “في اللحظة التي تكلمت فيها استرجعت شريط طفولتي، وتذكرت وفاة والدي، وفجّرتُ كل ما أخفيه من مشاعر حزن”.

وكشفت عن ترددها في فضح أمر شقيقها أمام بقية أفراد العائلة، وفي محاولةٍ للتظاهر بأنها تحرّرت من تبعات الصدمة، ختمت: “الصفحة انطوت، وهلأ بحكيه عادي، وما في داعي حدا يعرف”.

الجحيم المقنّع .. خالي تحرش بي!

مروى (27 عاماً)، ناجيةٌ أخرى، بَصمت في روايتها على صكّ الخوف الذي تعيشه الفتيات جراء تعرّضهن لصدمة التحرش، وتجمّد الذاكرة عند تلك اللحظة الموجعة.

“أذكر حتى المشاهد التي كانت تمر على شاشة التلفاز حينها، على الرغم من أنني لم أكن أتجاوز الـ8 سنوات”، قالت في معرض سردها لتفاصيل الحادثة، كاشفةً أن المعتدي كان خالها!

“كان شاباً محبوباً، لا يمكن لأي أحد أن يشك بسلوكه”، هكذا برّرت خوفها حينذاك من التجرّؤ على فضح الأمر. وقالت: “كنت أظن تقرّبه مني وأنا بعمر الـ8 سنوات مجرد دلال خالٍ لابنة شقيقته. كان يطلب مني باستمرار أن أجلس على ركبتيه، ويعطيني نقوداً معدنية أحياناً لأقبل الجلوس في حضنه”.

وسردت الحادثة وتفاصيل التحرّش الذي لم تفهمه في وقتها: “كان يقبّلني ويداعبني، كنت أظن بتفكيري الطفولي أن ذلك تعبير عن حبه الكبير لي. وأنا في المقابل كنت أعتبره أحد أقربائي المفضلين. إلى أن أتى يوم حاول فيه اغتصابي”.

تقول مروى إن خالها كان يبيت في منزلهم/ن في تلك الليلة، حين غفت إلى جانبه في الصالة، وكان والداها نائمان في غرفتهما. ذكرت تفاصيل الليلة المشؤومة، بكثيرٍ من التوتر، هي التي أصبحت اليوم أماً لطفلةٍ تقول إنها لا تأتمن أحداً عليها.

“انقضّ عليّ كالثور الهائج، كنت نائمة، استيقظت على ملامساتٍ لم أفهمها حينها. كل ما فهمته أنني أصبت بالرعب مع أنني صدقاً لم أكن أفهم ما الذي يحدث. لا أعلم ماذا دهاني للحظة، لم أصرخ، كما لو أنني ابتلعت لساني. فقط نهضت بسرعة، وقلت له إنني ذاهبة إلى الحمام، ثم ركضت إلى أمي، وبدأت أبكي”.

عمر مروى، بالإضافة إلى جهلها بالثقافة الجنسية، لم يساعداها على فهم ما حاول الخال فعله. وحدها الفطرة خلفت لديها شعوراً بالرهبة والخوف من أن شيئاً سيّئاً حصل. حتى أن الصدمة دفعتها نحو إخفاء الأمر.

“حتى اليوم لا أعلم ما السبب الذي دفعني للكذب على والدتي حين سألتني عن سبب بكائي. خفت أن أخبرها بالحقيقة، قلت لها إن كابوساً راودني، لا أعلم لماذا كذبت، أعلم فقط أنني كنت خائفة جداً”، هكذا عبّرت عن ترددها غير المفهوم، “حتى أنني خفت من خالي أن يفهم أنني انتبهت لفعلته، لا أعلم سبب ذلك، ولكنني كنت عاجزة وخائفة”.

لم تستبعد مروى أن يكون خالها مستمر في أفعاله الشنيعة، “ذنب الكلب أعوج”، على حدّ تعبيرها. لكنها تطرّقت إلى مخاطر السكوت في مثل هكذا حالات وعدم متابعة الطفلات المراهقات.

وكشفت أنه “استمر في محاولته التحرش بي، لكنني أصبحت أخاف منه وأتجنبه، وفي الوقت نفسه أخاف من إخبار أي أحد”. وتابعت: “لم أنس الأمر بتاتاً، أصبحت قلقة جداً بعد أن أنجبت ابنتي الوحيدة. لا أؤمن أحداً عليها، حتى والدي الذي هو أحنّ مني عليها!”.

وعن قلقها الشديد، أكدت أنها لطالما عانت من وسواس من عاطفة والدها على ابنتها، لكنها حاولت باستمرار طرد الشك من رأسها. وراقبت الأمر بنفسها، وتابعت ابنتها بكل شيء. “خرج الأمر عن سيطرتي، أخاف أن تشبهني في طفولتي، فتكون مغفّلة”، وختمت بكلمةٍ تصف مدى جلد الذات ولومها، المرافق للقلق والأمان المفقود.

 

عن وقاحة العم المتحرّش: “بتصدق توهّمات بنتك وما بتصدّق خيّك؟”

“خفت كثيراً، بدأ جسمي يرتجف، وبدأت بالصراخ. حاول إغلاق فمي لإسكاتي، إلا أن أمي استيقظت، وأتى والدي على الفور”، تقول لبنى (31 عاماً)، التي وقعت قبل 21 عاماً ضحية تحرش عمها.

روت لبنى كيف أن العائلة التي “يفترض أن تكون مصدر الثقة والأمان، قد تتحوّل في لحظة إلى مصدر خطر”، ساردةً كيف تجرأ عمها على التحرش بها، أثناء زيارتها مع عائلتها لبيت جدها.

“كان ثملاً وكان عمري حينذاك 10 سنوات، وكانت والدتي تنبّهني باستمرار حول خصوصية الأماكن الحساسة في جسمي، وأنه عليّ منع أي أحد من لمسها”.

وتابعت: “كنا نائمين، أنا ووالدتي وشقيقي في الغرفة نفسها، حين دخل عمي بحالة سكرٍ، وبدأ بتقبيلي. في البداية قبّل خديّ، استيقظت على الأمر وظننت أن ذلك تعبير عن محبته لي. ثم بدأ بتقبيل شفتيّ، ووضع يده على عضوي التناسلي”.

تؤكّد لبنى أن موقف أهلها الداعم، بدأ في مرحلةٍ سابقة للحادثة من خلال توعيتها، واكتمل من خلال مواجهة العم المتحرش وتوبيخه.

إلا أن الدعم لم يحمها من أن تكون ضحية ذئبٍ شهواني. “حاول تكذيبي، ولكن أهلي صدقوني، قام والدي بضربه وطرده من البيت، وأصبحنا لا نزور بيت جدي إلا بعد التأكد من غيابه”.

تحدّثت عن وقاحة المتحرش الذي “لم يفكر حتى بالاعتذار عن تصرفه، ولم يندم وبقي يتهمني بالتوهم والتخيّل، ويلوم أبي لأنه صدق طفلته الصغيرة ولم يصدق شقيقه”.

لم تتحرر لبنى حتى الآن من الخوف الذي تملّكها، فتبعات تلك اللحظة رافقتها طيلة حياتها، على حد قولها.

“لا أنسى شعوري في تلك الليلة، جسمي بدأ يرتجف، صرخت وبكيت كثيراً، وكنت أخاف أثناء محاولة النوم لمدة شهرين، وإن غفوت ترعبني الكوابيس”. واستطردت: “إلى الآن أشم رائحة المشروب الكحولي التي فاحت من فمه، لا أستطيع محو تلك الرائحة من رأسي، أصبحت بالنسبة لي رمزاً للتحرش والخوف والرعب”.

وكشفت أنها تنفر، لا إرادياً، من زوجها حين يتناول أي مشروب كحولي. “أشعر بالقرف، لا أسمح له بالاقتراب مني بعد تناوله الكحول مع أنه يشرب باعتدال، فوراً أتذكر الحادثة”.

وتابعت: “هذه الحادثة خلقت لدي خوفاً من الرجال. أصبحت أتوجس من تقرّب أحدهم، وأشعر بأنه يريد اغتصابي أو التحرش بي”.

وردّت لبنى على من يحاول تذنيب الفتيات في قضايا التحرش: “حسناً، أنا كنت طفلة، لم يكن صدري بارزاً حتى، ولم يكن لدي مفاتن ومع ذلك تحرش بي!”.

“أنت متحرش وسأفضحك أمام الجميع”

لا تنتهي حالات التحرش، التي تدق نواقيس الخطر داخل كل بيتٍ. وفي ظل انعدام الوعي، وضعف الثقافة الجنسية، كانت رؤى في عمر الـ10 سنوات ضحية لهذه الجريمة، وناجية منها اليوم.

في حديثها لموقع “شريكة ولكن”، سردت الواقعة بعد أن تجاوزت الـ40 عاماُ، بصدمتها الأولى.

فقالت: “اضطرت والدتي لزيارة الطبيب، وتركت ابن خالتها إلى جانبي. لم تكن تتركنا أنا وأختي الصغيرة بمفردنا في المنزل، فطلبت منه البقاء معنا، كونه قريب منا”.

وتابعت: “كان شاباً عشرينياً، أتذكر كيف تبعني حين دخلت إلى الحمام، ليباغتني أثناء انحنائي لحمل إبريق الحمام، ويغلق الباب، ويحاول اغتصابي من الخلف”.

تذكّرت رؤى تلك اللحظة بكثيرٍ من الاشمئزاز. “سألني: هل تريدين رؤية كيف أتبوّل؟ أصبت بالهلع، رميت الوعاء وركضت إلى شقيقتي الصغيرة وضممتها إليّ وأنا أبكي”.

لم تختلف ردّة فعلها عن سابقاتها من الناجيات. صمتٌ غريبٌ اعتراها، رافقه الخوف من كشف الحقيقة. “المشكلة أنني لم أخبر أمي ولم أخبر أحداً، لأنني لم أفهم ماذا حصل لي إلى أن كبرت”.

ما يميّز حالة رؤى، أنها قررت مواجهة قريبها المتحرش حين كبرت، بعد أن كانت تصاب بالإعياء كلما التقت به، على حد تعبيرها. “بعد أن كبرت وتزوجت، التقيت به وواجهته”.

تمكنت الناجية هذه المرة من أن تشفي غليلها من المتحرش، ولو معنوياً: “قلت له أنت تحرشت بي حين كنت طفلة، أنت إنسان منحرف وقذر”. وتابعت: “طلبت منه أن يكف عن زيارتنا، وهددته بأنني سأفضحه أمام الجميع”.

وعن رغبتها بفضحه فعلاً، عادت لتؤكّد على سيطرة التابو على معاييرنا الاجتماعية: “لم أجرؤ على ذلك مطلقاً”.

أخبرت والدها فقال: “الفضيحة  إلك مش إله”! وأخبرت والدتها، فسألتها عن عذريتها!

تجربة منى مع التحرش دليل على أن مفهوم “السترة” في مجتمعاتنا لا يعدو كونه قبضةً تشد بإحكامٍ على عنق المرأة، فتخنق صوتها وتضمن صمتها.

“الفضيحة ليست له وإنما لكِ”. هكذا أجبرها والدها، الذي علم بتحرش خاله بابنته، على الصمت. وعلى الرغم من عجزه عن إخفاء قهره، على حد تعبيرها، “أراد إقناعي بأنني أسأت فهمه”.

وفي التفاصيل، قالت منى إنها كانت بعمر 12 سنة، حين “استغل خال أبي غياب والدي عن المنزل، وسفر والدتي، وأتى إلى منزلنا”. وتابعت: “طرق الباب ففتحت له، وأخبرته أن والدي ذهب لزيارته، ولكنه طلب الدخول. كنت أحبه كثيراً، وكنت أفرح لرؤيته منذ صغري لكثرة ما كان يلاعبني، لم يخطر في بالي للحظة أن يفعل ما فعله معي. كنت أسلم عليه بشكلٍ عادي، وبغتةً قام باحتضاني بطريقة غريبة، وأخذ يقبل فمي بقوة، ويلامس صدري، ويعصر جسدي. قمت بدفعه عني، وصرت أصرخ بوجهه وأطلب منه أن يبتعد عني. دفعته باتجاه الباب، فخرج من المنزل وأغلقت الباب خلفه بسرعة”.

لشدة الخوف، لم تتمكن منى من البقاء في المنزل لوحدها، فهرعت إلى جارتها باكيةً. وعند عودة والدها صدمها بنكرانه: “قال لي إنني أسأت فهمه، وأنه يحبني مثل ابنته. إلا أنني علمت في ما بعد أنه أخبر أعمامي لينتبهوا منه”، وتابعت متحسّرةً “إلا أن أحداً منهم لم يقم بردّة فعل”.

لم يتوقف الأمر عند تستر الأب على المجرم، وتخويف ابنته. صدمة منى اكتملت حين أخبرت والدتها عند عودتها. “أخذت تحقّق معي، وتسألني: هل أجبركِ على خلع ملابسك؟ أين لمسك بالضبط؟ ماذا فعل؟”. عبرت عن ذهولها من اهتمام والدتها بعذريتها فقط، متمتمةً “شعرت بأن هذا فقط ما يهمها، لم تسألني عن مشاعري حتى!”.

وككثيرٍ من مثيلاتها، فقدت منى ثقتها بأن يكون أهلها مصدر الأمن والثقة. “في تلك اللحظة شعرت أنه ما من أمان. أهلي لم يتمكنوا من حمايتي، أو الدفاع عني على الأقل”، قالت ممتعضةً من أن “كل ما كان يهمهم/ن هو تجنب الفضيحة”.

عمها الأول تحرش بها .. والثاني حاول اغتصابها

تبدأ تفاصيل جسم كل فتاة بالنضوج في سن البلوغ، لكن لا تتوقع جميع الفتيات أن تطبع تلك المرحلة في ذاكرتها أسوأ لحظات حياتها.

كوثر (34 سنة)، التي قدمت من أبو ظبي مع شقيقها وشقيقتها للعيش في بيت جدها قبل 20 عاماً، لم تعلم أن عمّيْها، نعم اثنين، سيكونان عقدة حياتها.

“عمي الأول اقتصرت فعلته على التحرش”، قالت كوثر التي كانت تعاني في طفولتها من مشكلة تبوّل لا إرادي، رافقتها إلى مرحلة المراهقة. أوضحت كيف استغل عمها الأمر لتغطية تحرشه بها. “كان يقوم بلمس عضوي التناسلي بطريقةٍ مقرفة، بحجة أنه يتفقد إذا كنت مبللة أو لا”.

تجربتها مع عمها الثاني شكلت لها صدمة كبيرة، لا تستطيع التخلّص منها حتى اليوم. تنتظر الوقت المناسب لتنفجر في وجهه وتفضحه، على حد تعبيرها. “اصطحبني بسيارته، وحين وصلنا إلى مكان لم أكن أعرفه، ترجل من السيارة، ووضع شيئاً على عضوه الذكري، حين كبرت فهمت بأنه واقٍ، ورمى نفسه فوقي محاولاً اغتصابي. أخذت أصرخ بجنون، فخاف من الفضيحة، وأعادني إلى المنزل”، هكذا سردت ما يؤلم ذاكرتها، بكثيرٍ من الغضب.

لم يتوقف العم عن التحرش بها كلما تسنى له الأمر، أكدت كوثر. “حتى أنه انتظر نومي ذات مرةٍ ليتسلل إلى فراشي، وأخذ يلمسني بطريقة مقرفة”. وكمعظم مثيلاتها، تصر كوثر على أنه كان من الصعب التغلب على خوفها. “كنت أصاب بالجمود، وأخاف جداً، لم أكن أعلم ما عليّ فعله. لم أجرؤ على البوح أبداً. حتى أنني ترددت من إخبار جدتي لأنها لم تكن تعاملنا أنا وأخوتي معاملةً حسنة. خفت أن لا تصدقني”.

لم تجد كوثر حلاً أنسب من إخبار شقيقها، الذي فاجأها بحالة النكران، وأخبرها أن عليه أن يتحقّق من الأمر من عمه “المغتصِب” نفسه!

جرّت أنفاسها بمزيجٍ من الأسف والعتب والقوة معاً. وتابعت: “لم ألمه، كان الأمر صعباً جداً، لدرجةٍ يصعب تصديقه. وأطلقت زفرةً ملؤها 20 عاماً من الصمت: “يا الله، لا أقوى على سماع روايات التحرش الكثيرة، هذه القصص تتعبني”.

ما خفي أعظم!

يصعب في مثل هكذا قضايا الحصول على أرقامٍ تقريبيةٍ توضح توغّل الظاهرة في مجتمعاتنا. المسح الوصفي قد يفي بالغرض. فالجريمة، على فداحتها، وعلى الرغم من التوجه نحو كسر جدار الصمت لدى البعض، إلا أنها تبقى “تابو” لم تستطع الكثيرات اختراقه. حتى اللاتي اخترن البوح للتخلّص من الأذى النفسي، فضّلن عدم الكشف عن هوياتهن “لأن المجتمع لا يرحم”.

وبالتالي، على الرغم من ازدياد عدد المصرحات بكونهن ضحايا/ناجيات من اعتداء ذوي القربى، إلا أنه من غير الممكن الحديث عن نسبٍ عددية لظاهرةٍ لا زالت معظم ضحاياها/الناجيات منها أسيرات العُرف والخوف.

يشير علم النفس، في معرض الحديث عن الإنكار إلى أن “المريض إذا كان في حالة إنكار، فإنه يحاول حماية نفسه من خلال رفض قبول الحقيقة بشأن ما يحدث”.

ليس هذا ما تعاني منه ضحايا التحرش والناجيات منه فحسب. بل إن المجتمعات المريضة بالإنكار، والتي تحمّل الضحايا/الناجيات ذنباً فوق عذاباتهن، تستند إلى الهروب من الحقيقة كسبيلٍ أسرع للتأقلم مع الواقع الموبوء. فكيف للمجتمعات المعتلّة أن تنتج الدواء قبل أن تعترف بعلّتها؟

وينصح علم النّفس، في معرض حثّه على مواجهة الإنكار: “فكّر/ي في العواقب الوخيمة المحتملة في حال عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة”…

وما ورد أعلاه خيرُ دليل، وما خفي أعظم!

كتابة: مريم ياغي

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد