نرجس محمدي مدافعة عن الإنسانية في مواجهة نرجسية إيران

لماذا يجب أن تكون الأمور كذلك؟

قالت: إني أحمل آلامهن معي حين أكتب عنهن. كلما بحثت عن حياة هؤلاء النسوة من زمنٍ مضى أو من أرضٍ بعيدة في الحاضر. تجمعني بهن مساحة ضبابية من المشاعر. أراهن، أسمعهن، أشعر بخوفهن وغضبهن وقوتهن، يتجسدن فيّ. وأنطلق فيهن حتى يتملكني الخيال فيصبح واقعي واقعهن.

سواء كن في السجن أو تحت وطأة الجلاد أو في المنفى، أو عابراتٍ من قارةٍ إلى قارة أو من جسدٍ إلى جسد، أو جائعات في قرى مهدّمة بسبب الحرب أو الثورة… أكون منهن.. فيهن.. الشعور واحد والمرارة واحدة والحلم واحد.

أهتف إليهن ويتردد صدى صوتي في نفوسهن أينما كُنَ هامساً: لستِ وحدك. لستِ الوحيدة”.

 

كانت تتحدث إلي وأنا صامتة لا أستطيع حتى أن أنظر إلى عينيها في المرآة. انتهت للتو من مقالتها الثالثة عن مناضلات من أماكن مختلفة تجمعهن أشياء أخرى بالإضافة إلى العيون السوداء نفسها والدمع الأسود الذي يلون الوجنتين بالكحل الأسود، تكتب عن نرجس محمدي من إيران.

 

“الجلسة استمرت 5 دقائق فقط، وكان الحكم: السجن 8 أعوام و 70 جلدة”، هذا ما أعلنه زوج نرجس، تقي رحماني في 23 كانون الثاني/يناير.

تلك ليست المرة الأولى التي تعاقب فيها نرجس بالسجن في موطنها بسبب نشاطها الحقوقي السلمي.

كما أنها ليست الوحيدة التي تواجه السجن والتعذيب لدفاعها عن حقوق الإنسان في إيران.

من هي نرجس محمدي؟

ولدت في 21 نيسان/أبريل 1972 في زنجان- إيران. التحقت بجامعة الإمام الخميني الدولية، وحصلت على شهادة في الفيزياء.

وتميزت خلال دراستها الجامعية، وفي سنٍ مبكرة، بمقالاتها الداعمة لحقوق النساء في الصحيفة الطلابية. وكانت تلك المرة الأولى التي تتعرض فيها للاعتقال بسبب نشاطها في “مجموعة الطلاب المضيئة”، وهي ما زالت في الجامعة.

كما عوقبت أيضاً بمنعها من الانضمام إلى مجموعة تسلق الجبال، على الرغم من تفوقها فيها بسبب ملفها السياسي المعارض.

وفي سنٍ صغيرة، تزوجت نرجس محمدي، عام 1999 من الصحافي المعارض تقي رحماني. تلاقت أفكارهما ونضالهما، فتوحد طريقهما، ورزقا معاً بالتوأم علي وكيانا.

بعد تخرجها عملت كصحافية في صحفٍ إصلاحيةٍ عدة. كما نشرت كتاباً عن مقالات سياسية بعنوان “الإصلاحات الاستراتيجية والتكتيكات”.

عام 2003، انضمت إلى مركز المدافعين عن حقوق الإنسان، وهو برئاسة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، المدافعة الإيرانية المعروفة شيرين عبادي؛ ثم أصبحت نرجس فيما بعد نائبة رئيسة المنظمة.

لماذا نرجس من السجن وإلى السجن دائماً؟

نرجس محمدينرجس محمدي مدافعة عن حقوق الإنسان في “إيران”، الجمهورية التي تخبطت بشدة على مر تاريخها من مدعي العلمانية الدموية المشوهة تحت نظام حكم الشاه الديكتاتوري، إلى ثورةٍ عارمة بالشراكة بين “القوى الوطنية” و”الإسلاميين” أدت في نهاية السبعينات إلى انقلاب الإسلاميين على شركائهم من اليساريين/ات والعلمانيين/ات وكل من خالفهم أيدلوجياً، ليستفردوا بالحكم.

ليأسسوا بعدها لإمبراطورية قائمة على الدم والمنع والقمع باسم الدين، كعادة تلك الجماعات وأنظمتها الثيوقراطية.

وبتلك اللمحة السريعة نستطيع أن نتخيل مدى شجاعة أن تعمل امرأة في حقل حقوق الإنسان وتدافع عن الحريات. وأن تقف بقوة خصوصاً أمام عقوبة الإعدام في مواجهة نظام كامل قائم على فكر واحد ومفهوم محدد للدين لا يسمح لغيره بالانتقاد ولا حتى إبداء رأي مخالف.

تعرضت نرجس شأن الكثيرات والكثيرين إلى الاعتقال مرات ومرات، بالإضافة إلى التعرض للتعذيب الجسدي والنفسي على خلفية نشاطها وعملها السياسي السلمي، وتوجيه انتقادات للحكومة.

ولم تكن وحدها من أسرتها من عانت من الديكتاتورية الإيرانية، بل طال الأمر زوجها الصحافي الموالي لتيار الإصلاح المعارض تقي رحماني. إذ قضى 14 عاماً في السجن، قبل أن ينتقل إلى فرنسا بصحبة طفليهما هرباً من الحكم الديكتاتوري عام 2012.

النرجس وأعوام بين المحاكم والمعتقلات

أكثر من 7 أعوام انقضت من حياة نرجس في أروقة السجون وظلمات الزنازين بالفعل، واليوم هي معرضة لانقضاء 7 سنوات أخرى وأكثر، بالإضافة لخطر تعرضها للتعذيب الجسدي والنفسي بعقوبة “الجلد” إذا صمت العالم عنها.

فبعد إعادة اعتقالها مؤخراً، أعرب أقرباء/قريبات نرجس عن مخاوفهن/م بشأن وضعها الصحي لأنها تعاني من مشاكل في القلب وقد أجرت عملية جراحية في القلب. بالإضافة إلى المخاوف من مكان تواجدها.

فسجن قرتشك معروف خصوصاً لظروفه الصحية المروعة المخالفة لجميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

اعتقلت نرجس للمرة الأولى عام 1998، وقضت عاماً في السجن.

ثم استُدعيت إلى المحكمة الثورية الإسلامية في نيسان/أبريل 2010، بسبب عضويتها في لجنة الصليب الأحمر الإيرانية. وأفرج عنها لبضعة أيام بكفالة قدرها 50,000 دولار أميركي قبل أن يعاد اعتقالها واحتجازها في سجن إيفين ذو السمعة السيئة.

وخلال تلك الفترة، تراجعت صحتها، وأصابها مرض الصرع، ما أصابها بفقدان السيطرة على عضلاتها. وبعد شهر، أطلق سراحها وسمح لها بالذهاب إلى المستشفى.

وفي تموز/يوليو عام 2011، حوكمت بتهمة “العمل ضد الأمن القومي، وعضوية اللجنة الأثيوبية لحماية المواطنين، والدعاية ضد النظام”. وفي أيلول/سبتمبر من العام نفسه حكم عليها بالسجن لمدة 11 سنة!

وذكرت نرجس أنها لم تعلم بالحكم إلا من محاميها، وأنه “صدر عن المحكمة حكم لم يسبق له مثيل مكون من 23 صفحة، وفيه أنشطة في مجال حقوق الإنسان لمحاولات إسقاط النظام”.

وفي آذار/مارس 2012، أيدت محكمة الاستئناف الحكم، على الرغم من أنه تم تخفيضه إلى 6 سنوات. ليلقى القبض عليها في 26 نيسان/أبريل 2012، لتبدأ في تنفيذ الحكم.

جهود دولية ومناشدات وحملة ناجحة لإنقاذ نرجس

احتجت وزارة الخارجية البريطانية على الحكم على نرجس عام 2012 بشكلٍ مباشر.

ووصفته في تصريح لها، أنه “مثال محزن آخر على محاولات السلطات الإيرانية إسكات المدافعين/ات الشجعان/الشجاعات عن حقوق الإنسان”.

كما سمّتها منظمة العفو الدولية في قوائم سجناء الرأي، ودعت إلى الإفراج الفوري عنها. وأصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” نداءً بالنيابة عن نرجس في الذكرى التاسعة لوفاة المصورة زهراء كاظمي في سجن إيفين، مشيرةً إلى أن نرجس كانت حياتها كسجينة “في خطر خاص”.

وفي تموز/يوليو 2012، دعت مجموعة دولية من المشرعين/ات إلى إطلاق سراحها، بمن فيهن/م عضو مجلس الشيوخ الأميركي مارك كيرك، والمدعي العام الكندي السابق اروين كوتلر، وعضو البرلمان البريطاني دينيس ماكشين، والنائب الأسترالي مايكل دانبي، والنائب الإيطالي فياما نيرنستين، والنائب الليتواني إيمانويلس زينجيريس.

أُفرج عن نرجس في 31 يوليو/تموز 2012، لكنه كان إفراجاً مؤقتاً. إذ لم يصحبه صمتها فأعادوا الكرة!

“عمر السجن ما غيّر فكرة”.. ليس شعاراً ثورياً رومانسياً!

في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2014، أدلت نرجس بخطاب مؤثر في مقبرة ستار بهشتي، قائلة:

“كيف يقترح أعضاء البرلمان خطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يتحدث أحد قبل عامين، عندما قُتل إنسان بريء اسمه ستار بهشتي تحت التعذيب على يد محققه؟”.

وأضافت: “على الرغم من العنف الشديد الذي تعرض له ستار، والذي قابلته ضجة دولية عام 2012، لكن قضيته لا تزال تثير تساؤلات. وسجن إيفين لا يزال شاهداً على التعذيب والاعتقالات غير العادلة للمدافعين/ات عن حقوق الإنسان اليوم”.

سرعان ما انتشر فيديو خطابها على شبكات التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى استدعائها إلى محكمة سجن إيفين.

وعن هذا الأمر قالت حينها: “في الاستدعاء الذي تلقيته في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، قيل لي إنه يتعين علي أن أرد على الاتهامات، ولكن لا يوجد المزيد من التوضيح عن هذه الاتهامات”.

وفي 5 أيار/مايو 2015، اعتقلت مرة أخرى باتهاماتٍ جديدة. وحُكم عليها بالسجن لمدة 5 سنوات.

 

إفراج ووضع تحت المراقبة.. فكلمة، فسجن مرة أخرى!

نرجس محمدي 

كان متعباً بالقدر نفسه تتبع دخول وخروج نرجس من وإلى السجن. وفي كل مرةٍ باتهاماتٍ كاذبة وفي كل مرة يكون السبب أنهم يتوقعون صمتها. لكنها لا تصمت، ولا تنهزم أمام زنازينهم. فتعود إليها.

أُفرج عن محمدي في تشرين الأول/أكتوبر 2020 بعد 5 سنوات في السجن. لكنها خرجت بشروط لإطلاق سراحها.

عادت إلى حرية مشروطة لم تمنعها من كلمة الحق ومن الحديث عن أحوال المعتقلين/ات السياسيين/ات داخل السجون الإيرانية نساءً ورجالاً. وفي الفترة نفسها، توفي صديقها الكاتب والصحافي المعارض بكتاش آبتين في سجنه متأثراً بإصابته بكوفيد 19.

تحدثت عن الحقيقة فوجدت نفسها متهمة مرة أخرى. تلك المرة كان الاتهام “الدعاية ضد النظام السياسي الإيراني” و”التشهير” و”التمرد” على سلطة السجون.

وحكم عليها مجدداً في أيار/مايو 2021 بتلقي 80 جلدة والحبس 30 شهراً.

وفي يناير/كانون الثاني 2022 حُكم عليها بالسجن 8 سنوات و70 جلدة، بينما كانت خارج قبضة النظام ورفضت تسليم نفسها للحكم المجحف بحقها في جلسة استمرت 5 دقائق فقط، بحسب تعبير زوجها!

وعلى الرغم من الإفراج عنها لفترةٍ قصيرة بسبب ظروفها الصحية، إلا أن الاستخبارات الإيرانية عمدت في 12 نيسان/أبريل 2022 إلى إعادة اعتقالها بعد أن داهمت منزلها، حيث كانت مع الصحافية عالية مطلب زاده، واقتادوهما إلى السجن.

ماذا نفعل لأجل نرجس؟

نرجس محمدي حاصلة على جائزة ألكسندر لانغر عام 2009، وجائزة بيير أنغر، وجائزة الحكومة السويدية الدولية لحقوق الإنسان عام 2011. وفي نهاية عام 2016 حصلت على جائزة حقوق الإنسان لمدينة فايمار الألمانية.

سبق لجهودٍ دوليةٍ ومناشداتٍ من مناضلات/مناضلين يتشاركن/ون الهم والحِمل والحُلم حول العالم استطاعت أن تخفف وحشة السجن عن نرجس بل أخرجتها منه من قبل.

واليوم نعود لندعم هذه المناضلة ونطالب كل صوت أن يعلو مرةً أخرى لأجلها.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد