شهادات مروّعة عن تزايد التحرش في المنشآت الحكومية والخاصة في العراق
"علاج" و"درجات" و"توظيف" و"تسريح" مقابل الجنس..
كشف المرصد العراقي لحقوق الإنسان عن تزايد حالات التحرش الجنسي واللفظي في المنشآت الحكومية والخاصة، بما في ذلك المنازل في العراق.
وأفاد المرصد أنه أجرى مقابلات مع ضحايا وشهود عيان، واستمع لشهادات “مروعة” منهم/ن حول حوادث تحرش وقعت في مستشفيات وجامعات ومدارس ودوائر حكومية وأخرى خاصة، بالإضافة إلى مؤسسات إعلامية وصحفية.
ولفت إلى أنه من بين الشهود “نساء ورجال، من بينهم/ن طالبات وطلاب، وعناصر أمن، وصحافيين، ومدرسين”. وأوضح أن “المتحدثين/ات جميعهن/م طلبوا/ن عدم ذكر أسماءهم/ن أو كشف معلومات تقود إلى التعرف إليهم/ن أو على مرتكبي حالات التحرش، خشيةً من الوصمة المجتمعية والملاحقات العشائرية”.
“ساومها جنسياً مقابل العلاج”
وأورد تقرير المرصد، أن امرأة كشفت أنها “كانت ترافق والدتها المصابة بمرض السرطان خلال علاجها في مستشفى الأمل في بغداد، عندما ساومها جنسياً أحد الموظفين هناك مقابل صرف العلاج لوالدتها”.
وقالت الناجية إن “علاج والدتي، التي توفيت في اليوم التالي، كان يتوقف على توقيع منه. فكرت بكيفية حل المشكلة ولم أبلغ أبي لئلا تزيد متاعبه، وخشيت تضرر والدتي في حال تقدمت بشكوى رسمية فالمسؤولون لا يقفون مع مواطن لذلك سكتُّ”.
تحرش في الجامعات..
ابتزاز بالدرجات، ملامسات جنسية، وذرائع ممجوجة!
كما كشفت الناجية عن تعرضها “لحالتي تحرش أيضاً، الأولى من قبل أستاذ جامعي قلّل من درجتي العلمية في مادته لأنني رفضت تحرّشه بي، رغم أنني في المرتبة الثانية على دفعتي الدراسية في مرحلتي الباكالوريوس والماجستير”.
إلا أن “عقوبتها” كانت أقل حدة مما وقع على زميلة لها، إذ أشارت إلى أن “أستاذاً تحرش بها أيضاً ولم تستجب له، فجعلها ترسب في مادته”.
في سياقٍ متصل، روى طالب في جامعة بغداد، حادثة تحرش جنسي تعرضت لها زميلته ز. خ. داخل غرفة أحد الأساتذة.
فكشف أنها “حين دخلت إلى غرفته لسؤاله عن شأن دراسي، لمس صدرها بيده ما دعاها إلى التقدم بشكوى لرئاسة الجامعة التي أوقفته عن التدريس عاماً كاملاً”.
وأضاف الطالب، الذي طلب عدم ذكر اسمه تجنباً للمضايقات الإدارية، أن “أستاذاً في الكلية نفسها اتصل بزميلةٍ أخرى في وقت متأخر من الليل، وطلب منها أن تريه صدرها عارياً وأماكن حساسة أخرى من جسدها. وتحجج لاحقاً بأنه يتعاطى دواءً يؤثر على عقله”.
وأوضح أن هذه الحالة “لم تصل إلى عمادة الكلية أو رئاسة الجامعة، لأنها أولاً شيء غير مستغرب وشبه طبيعي ويعرفه الجميع، ولا يجلب للطالبات سوى المتاعب والسمعة السيئة رغم كونهن ضحايا. لذلك فإن الغالبية منهن يفضلن السكوت ونادراً ما تتجرأ إحداهن على تقديم شكوى رسمية وهن لا يتحدثن أصلاً إلا لمن يثقن به من زملائهن ويطلبن المساعدة والنصيحة أحياناً”.
تحرش في المدارس..
ضحاياه الطالبات والمعلمات
وأكد التقرير، وفقاً للشهادات التي استمع لها المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أن “المدارس تشهد حالات تحرش أيضاً، وتشمل الطالبات والمعلمات على حدٍ سواء”.
ونقل عن مدرساً قوله إن “مدير المدرسة التي أعمل فيها في بغداد طلب من زميلة لنا إقامةٍ علاقةٍ جنسية، لكنها رفضت. فضايقها كثيراً حتى انتقلت إلى مدرسة أخرى”.
وأضاف “هو معروف بين الطلبة بلقب (الأستاذ جنسي) لأنه كان يطلب إرسال مقاطع إباحية لهاتفه”.
وفي السياق نفسه، أشار المرصد إلى استماعه لتسجيل صوتي “يوثق طلب مدرس في محافظة الديوانية من إحدى الطالبات إقامة علاقةٍ جنسيةٍ أيضاً”.
ولفت إلى أن “لجنة تحقيقية تشكّلت بشأن الحادثة التي أوصلها صحافي مع الدليل، إلى مكتب وزير التربية”.
كما أفاد طالب في مدرسة مسائية في بغداد، بحسب المرصد، بأن “زملاء له، وهم أكبر سناً من طلبة/طالبات المدارس الصباحية، لا يتوقفون عن التحرش بمحاضِرة مجانية تدرّسنا من دون أي محاسبةٍ أو اهتمامٍ حتى من قبل إدارة المدرسة”.
تحرّش في مؤسسات إعلامية وصحافية
وعن حالاتٍ مماثلةٍ، حصلت في مؤسسات صحافية وإعلامية، كشفت ناجية أنها “تعرّضت للتحرّش بعد تقدّمها بطلبٍ للعمل كمراسلة في قناةٍ فضائيةٍ”، بحسب التقرير.
وأشارت إلى أن “رئيس المراسلين تحرش بي، فاضطررت للانسحاب رغم كفاءتي”.
وفي سياقٍ متصل، أكد صحافي طلب عدم ذكر اسمه أو اسم المؤسسة التي يعمل لصالحها، أن “مديراً في مؤسستنا تحرّش بإحدى الزميلات داخل المقر الذي نعمل فيه، فبادرت الأخيرة إلى ضربه، ثم طُردت من العمل بعدما اتهمها كذباً بسرقة أموال من حقائب زميلاتها”.
عنصر أمني “يساوم طفلة جنسياً”
وكشف “ع. م.”، وهو عنصر في القوى الأمنية، عن مساومةٍ “تعرضت لها متسوّلة عربية ضبطتها دوريته في إحدى شوارع بغداد من دون أوراق رسمية ولا تصريح إقامة”.
وقال الشاهد إنه “قبل أن ينادي آمر الدورية قيادتنا العليا عبر جهاز اللاسلكي ويبلغها بالحالة، بدأ الفزع على وجه المتسوّلة فطلب منها ممارسة الجنس مقابل تركها تذهب، وهو ما حصل فعلاً”، بحسب ما نقل التقرير عنه.
تحرش ذوي القربى
كما كشف التقرير عن تعرض فتيات ونساء للتحرش على يد “إخوانهن أو أقاربهن، إذ وصل الأمر إلى حدّ الاغتصاب وممارسة الجنس معهن تحت التهديد وبالقوّة”.
وأكد التقرير أن “الشهادات والإفادات تجمع على تفضيل غالبية ضحايا التحرش الصمت تجنباً للمتاعب والسمعة السيئة والوصمة المجتمعية”. إضافة إلى “عدم الثقة بالمحاكم ومراكز الشرطة، وصعوبة إثبات الحالات أمامها، وما يتضمنه هذا الأمر من إحراجٍ أخلاقي يمتد ليشمل عائلة الضحية، في مجتمعٍ محافظٍ تغلب عليه المفاهيم الذكورية والأعراف العشائرية الصارمة في قضايا الشرف”.
الناشطة النسوية بلسم مصطفى: الخوف من الوصحة الاجتماعية يدفع الفتيات والنساء نحو الصمت
في هذا الإطار، لفتت الباحثة في جامعة واروك في إنكلترا والناشطة النسوية، بلسم مصطفى في مقابلةٍ إلى أن “دراسات علم النفس الاجتماعي، تشير إلى وجود وصمةٍ اجتماعيةٍ شديدة تحيط بالتحرّش بمختلف أشكاله عالمياً. ما يدفع الفتيات والنساء إلى الصمت وعدم البوح عن تجاربهن أو الإبلاغ عن أي حالة تحرش يتعرضن لها”.
واعتبرت أن “الوصمة مرتبطة بنظرة دونية للنساء تغذيها ثقافة ذكورية متسيدة تلقي باللوم على الناجية، ما يضعف من ثقتها بنفسها ويفقدها الإحساس بالأمان فتخشى أن تُواجه بالنبذ أو التقريع والعقاب”.
ورأت أن “ذلك يستدعي تشريع قوانين قوية مصحوبة بحملات توعوية وتثقيفية لتغيير المفاهيم الراسخة وتعزيز من روح التضامن مع المرأة العراقية”.