“730 يوماً من الكراهية”.. الخطابات التحريضية في الإعلام اللبناني

تتصاعد خطابات الكراهية ضد الفئات المهمشة بشكلٍ ممنهج في وسائل الإعلام اللبنانية، حتى باتت تُوظَّف في خدمة السردية القائمة على الإقصاء والتأطير والتهميش وحتى الإلغاء.

وتتجلى خطورة هذا النهج في تجييره للتأثير على الرأي العام ونظرته إلى الأفراد، والمجموعات، والسياسة.

ففي دراسةٍ أعدّتها مؤسسة سمير قصير، حول خطاب الكراهية المنتشر في لبنان، تبيّن أن “الكراهية تخطّت كونها مجرّد شعور. فظهرت كعمليةٍ تفكيرية وأداة سياسية، من شأنها أن تعطّل العلاقات الإنسانية بجوانبها كافة”.

رصدت الدراسة، التي انطلقت في أيلول/سبتمبر 2020 وحملت عنوان “730 يوماً من الكراهية”، 3 منصات إعلامية مختلفة. فتنوّعت بين محطات التلفاز، فيسبوك، وتويتر.

وتابعت حملات كراهيةٍ طالت الفئات المهمشة، بغرض فهم أهدافها، والظروف المحيطة بها، وأنماطها.

وتخوّفت من “تشعّب هذه الحملات وتضخّمها، ما قد يُسفر لا محالة عن الكوارث والمآسي”.

فما هي الفئات الأكثر استهدافاً بحسب الدراسة؟

اللاجئات/ين السوريات/ين هنّ/هم الأكثر استهدافاً في محطات التلفاز

اعتبرت الدراسة أن “الخطاب السياسي اللبناني اعتمد على تحميل اللاجئات/ين مسؤولية الانهيار الاقتصادي”. وأشارت إلى أن “التلفاز بمحطاته هو المنبر الأكثر استخداماً من قبل هؤلاء، لأنه يعدّ وسيطاً نموذجياً لنقل هذا الخطاب وتعميمه”.

ولفتت إلى أنه “كلّما كانت الوسيلة الإعلامية راسخةً ومُمَأسسة، ساهمت بشكلٍ أفضل في تبرئة خطاب الكراهية وتلميع صورته”.

رصدت الدراسة النشرات الإخبارية الرئيسية ومحتوى البرامج الحوارية البارزة في سبع قنوات لبنانية في الأيام الـ7 الأولى من كل شهرٍ فقط.

إذ تبيّن أنه “6 من أصل 12 تقرير إعلامي تناولوا اللاجئات/ين بخطابٍ كاره، أي بنسبة 50%”، في الفترة الممتدة بين كانون الأول/ديسمبر 2020 وتشرين الثاني/نوفمبر 2022.

تلتها”5 تقارير ضد النساء بنسبة 41.7%، ثم تقريرُ واحد ضد العاملات/العمال الأجانب بنسبة 8.3%”.

في حين “لم يُسجّل أي خطاب كراهية ضد الأشخاص ذوي الإعاقة أو مجتمع الميم- عين خلال الفترة المرصودة”. علماً أن تهميش قضايا واحتياجات هذا المجتمع كان واضحاً، إلّا أنه “لم يسجّل أي تقرير يتعلق به في القنوات الـ7 خلال فترة الرصد”.

كراهية النساء.. الأكثر استهدافاً على تويتر

أشارت الدراسة إلى أن “حملات الهجوم التي طالت النساء على تويتر كانت أكثر من تلك التي استهدفت الرجال”.

وأوضحت أن “النساء في تويتر يعتبرن أقلية”. فبحسب التغريدات التي تم رصدها على مدار عامين “كانت الغلبة للرجال بنسبة 68% من إجمالي التغريدات، مقابل 21% للنساء”. في حين “تعذّر تحديد جندر 11% من صاحبتها/ها”.

“لا صوت للنساء في الفضاءات العامة”

كما بيّنت أن “العاملات في المجال الإعلامي كنّ الأكثر عرضةً للهجوم. خصوصاً اللواتي ينتقدن حزب الله أو التيار الوطني الحر”، فيما يعتبر محاولةً لتهميش النساء وفرض السيطرة عليهنّ. بالإضافة إلى محاولة إرسال رسالة مفادها ألّا صوت للنساء في الفضاءات العامة، وأن مخالفتهن للرأي السائد تعرضهنّ للاتهامات بالخيانة الوطنية والعمالة، والتهجّم عليهنّ بشكلٍ شخصي.

وما لا يمكن إغفاله أن خطاب الكراهية الموجّه ضد النساء يعدّ من التحديات التي يواجهنها. ما يصعّد العنف تجاههن عبر الضخّ اليومي لأفكارٍ كارهة تدعو إلى قمعهنّ، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى عنفٍ جسدي يصل إلى القتل.

كما كشف رصد الدراسة لفيسبوك، أنه “خلال المنافسات السياسية، يميل الرجال إلى استخدام الشتائم المتحيّزة ضدّ النساء والكارهة لهن للتنديد بمنافِساتهم النساء. فتوحي هذه التعليقات بأنّ أصحابها يستطيعون التحكّم بأجساد النساء، واللجوء إلى الافتراءات لتشويه صورتهن”.

وفي حالاتٍ أخرى، تواجه بعض النساء إملاءاتٍ ذكورية وانتقاداتٍ شديدة اللهجة لكونها “تتحكّم بجسدها كما يحلو لها”.

أفراد مجتمع الميم عين لام هم/هن الأكثر استهدافاً على فيسبوك

تفصّل الدراسة أن التغطية الإعلامية لقضايا مجتمع الميم عين لام تكاد تكون معدومة، ما يعدّ تهميشاً واضحاً. يقابله هجومٌ عنيف يطالهنّ/هم على مختلف المنصات، وتحديداً صفحات الفيسبوك.

إذ وصلت التعليقات الكارهة لهنّ/هم إلى 96%، بحسب الدراسة. ما برز مؤشرين أساسيين، هما “عدم تناول هذا المجتمع في الإعلام، والكراهية والتحريض ضده على وسائل التواصل الاجتماعي”.

كما أشارت الدراسة إلى مساهمة “السياسة في التأثير على الفئات المهمشة عند الحديث عن مجتمع الميم عين لام”. وأوضحت أن “الخطاب العدائي كان سلاحاً في يد السياسيين/ات ضد المرشحات/ين من أصحاب الهويات اللامعيارية خلال الانتخابات النيابية عام 2022”.

محاولات الحدّ من خطابات الكراهية

يعكس خطاب الكراهية “السياسة التعصبية للسرديات الرجعية، ويهدّد المجموعات والأفراد”، بحسب دراسة مؤسسة سمير قصير.

ما يؤكد “ضرورة أن تتقلّد وسائل الإعلام التقليدية دوراً ناشطاً. وأن تتحسّن التوجيهات الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي والتزاماتها على مستوى السياسات”.

من هذا المنطلق، تدعو الحاجة إلى “اعتماد نهجٍ أكثر حزماً وإقداماً لمكافحة خطاب الكراهية. من خلال إجراء مناقشة واسعة حول السياسات، تتطرّق إلى منظومة حقوق الإنسان والقوانين المحلية”.

فضلاً عن “مناقشات ذات طابع تقني مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي الضخمة، لإضفاء الطابع المحلي على السياسات والآليات المكافحة لخطاب الكراهية”.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد