غزة تموت جوعًا.. حتى لا ننسى أن المجاعة هي سلاح الاحتلال الصامت
تمرّ أخبار المجاعة في غزة، كأنها شيء معتاد ضمن الأخبار المفجعة التي ترافق الحرب الاستعمارية.
إلّا أن وقعها لا يكون بذات السهولة على من يعشنها/يعيشونها. فقد أطلق سكان غزة والشمال صرخات استغاثةٍ لمرات متكررة خلال الشهور الماضية، بسبب ندرة المواد الغذائية أو انعدامها.
إن الوضع في قطاع غزة يزداد سوءًا، ضحايا الحرب ليسوا/ لسن فقط بسبب القصف. بل بسبب سوء التغذية والأمراض وعدم وجود رعاية صحية مناسبة. وهذا الوضع سيزداد سوءًا بشكلٍ كبيرٍ مع مرور الوقت.
من الخبز على الحطب إلى طحن علف الحيوانات
لم يستمع النظام المصري والمنظمات الإغاثية لصرخات أهل غزة، بأن المجاعة حدثت بالفعل وليست مجرد تهديد. ففي الوقت الذي كان/ت الغزيون/ات يشتكون/ين من تناقص المواد الغذائية، وتحديدًا القمح، كان العالم منشغلًا بإدانة المقاومة الفلسطينية.
View this post on Instagram
اليوم تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بحقائق مفجعة عن ما آل إليه الوضع في القطاع المنكوب. فعلف الحيوانات أصبح هو الخبز في غزة، والمياه الملوثة هي السبيل الوحيد لتجنب الموت عطشًا.
صمد أهل القطاع في ظل قطع الكهرباء والمياه، وخبزوا الخبز على الحطب. لم يكن انعدام القمح حاجزًا أمام قدرتهن/م على الصمود، فطحنوا البقوليات ومختلف الحبوب.
الآن لم يبق في غزة سوى علف الحيوانات. طحنوه أيضًا، وصنعوا منه الخبز لتجنب الموت جوعًا.
ما يحدث كان يمكن تجنبه لو أن مصر تحدّت التواطؤ مع الاحتلال، وسمحت بدخول قوافل المساعدات المكدسة أمام معبر رفح. كان يمكن أن يتوقف لو أن العالم كله لا يتواطأ ضد غزة.
نفقد القدرة على وصف الوضع أو حتى تخيله.
لا يمكن لأيٍّ كان استشعار ألم أن يحاصَر الناس بالقصف والتجويع ورؤية أحبتهن/م يقاسون. يشتكي الجميع من قلة الحيلة، لكن أليس العار شعورًا أكثر فظاعة؟ أن نشاهد شعبًا كاملًا يباد بكافة الطرق، وبأسوأ أنواع التعذيب.
تهديد كوفيد ومنع الأدوية
مع ظهور موجاتٍ جديدة من الفيروسات التاجية “مشتقات ومتحورات كوفيد 19” للعالم، فإن غزة أصبحت مهددة بعامل موتٍ جديد.
اجتاحت المتحورات مخيمات النازحين/ات في رفح، وفاقمت الوضع الصحي الذي يعرف تدهورًا حادًّا.
ساهم الحصار المفروض على القطاع في تطويقه بحتمية الموت بسبب النقص الشديد في الأدوية.
فمنذ بدء العدوان نفذت مخازين هامة من الأدوية، بما فيها أدوية الأمراض المزمنة. كما أن الأسابيع الأخيرة عرفت انخفاضًا حادًّا في الأدوية المسموح دخولها إلى القطاع، بما فيها مسكنات الألم وخوافض الحرارة.
يوجد الآن أكثر من 2 مليون إنسان تفتك بهم/ن كل أنواع الالتهابات الصدرية والرئوية والأمراض المعدية. ما ينذر بانعدام فرص النجاة لأيٍّ كان في غزة. فمن لم يقتله القصف، سيقتله التجويع، ومن نجا من هذا وذاك يمكن أن يموت بالوباء أو نقص الأدوية.
من لم تحركه أرقام الشهداء/ الشهيدات لن تحركه المجاعة
على مدار ثلاثة أشهر نُشرت أرقام مفجعة لأعداد الشهداء/الشهيدات في غزة. أرقامٌ كان من الممكن أن تقلب العالم رأسًا على عقب لو أن ضحاياها ليسوا/ لسن فلسطينيين/ات.
فبعد صمتٍ وتواطؤ مع دعايات المحتل، أصدرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة تقريرًا تكشف فيه عن نسب كمية للحرب الصهيونية على غزة.
أوضح التقرير أن حصيلة الشهداء/ الشهيدات في غزة تجاوزت 24620 شهيد/ة، بينهن/م 16000 امرأة وطفل/ة.
وقدّر التقرير أن حوالي 70% من النساء والأطفال/ الطفلات في غزة قُتلوا/ن دون تسمية من يقتلهن/م، وهو الكيان الصهيوني.
جاء في التقرير أيضًا أن عدد النازحين/ات جراء العدوان الصهيوني وصل إلى 1.9 مليون، منها مليون امرأة وفتاة في ظل ظروف نزوح مأساوية.
وفي آخر تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية بغزة، فإن حصيلة الشهداء/الشهيدات وصلت إلى 24762 شهيد/ة و 62108 مصاب/ة منذ 7 أكتوبر الماضي. وقد ارتكب الاحتلال الإسرائيلي 12 مجزرة ضد العائلات في قطاع غزة، راح ضحيتها 142 شهيد/ة و 278 إصابة خلال 19 كانون الثاني/ يناير فقط.
هذه الأرقام، وغيرها من رصدٍ للجرائم الصهيونية، لم تجعل أي منظمةٍ عالميةٍ أو كيانٍ سياسيٍّ يتحرك لأجل وقف الإبادة الصهيونية.
تكتفي تقارير الأمم المتحدة بذكر الأرقام والتنديد، دون إدانةٍ للاحتلال الصهيوني الذي يرتكبها. وتصر على إدانة المقاومة الفلسطينية ووضعها في نفس الكفة مع المحتل وتحميلها المسؤولية عن جرائمه.
لذلك من لم تحركه هذه الأرقام التي تزيد في كل ساعة، لن تحركه الأخبار المفجعة عن المجاعة في غزة.