في اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب.. متى تتحقق العدالة؟
في عام 1987، أقرت هيئة الأمم المتحدة 26 حزيران/يونيو يومًا عالميًا للوقوف ضد التعذيب، ومساندة ودعم الضحيات/ الضحايا اللواتي /الذين مورست بحقهن/م هذه الجريمة.
تُحيي العديد من الأطر الحقوقية والمدنية عبر العالم هذا اليوم. كما يشارك في تخليده ضحيات/ ضحايا وناجيات/ين من تعذيب السلطة لهن/م.
لا يزال الطغاة يستخدمون التعذيب بشكلٍ مكثف، ولا تزال معدلات ضحايا التعذيب في ارتفاع وتزايد يومي. وذلك رغم تخليد هذا اليوم، وحشد الهيئات والمنظمات الدولية لمواردها من أجل رفع الوعي حول قضايا التعذيب.
التعذيب وسيلة.. لكن أين محاربة السبب؟
هذا النوع من العنف الممأسس والممنهج هو وسيلة تستخدمها الأنظمة القمعية لاضطهاد الشعوب والأصوات المعارضة لها، خاصة الفئات المهمشة.
ويكون وسيلة تخويفية تعتمد على عامل الإذلال للردع، ومعاقبة الأشخاص والمجموعات التي تطالب بالتغيير الاجتماعي. كما تستهدف تخويف وإخراس مَن لم يقعن/ون تحت طائلة التعذيب، لكي لا يتبعن/ون ذلك المنحى.
وقد ساهمت الأنظمة القمعية منذ ظهور الدولة الحديثة ودول ما بعد الاستعمار في تطبيع التعذيب. إذ جعلته مسارًا معتادًا عليه في الوعي الجمعي وعلاقة الدولة بالمواطنات/ين، و بمَن لا يحملن/ون جنسيتها بشكلٍ رسمي على حدٍ سواء.
حيث ترك الاستعمار إرثًا كبيرًا فيما يخص التعذيب. واستلهمته العديد من الدول الديكتاتورية في مراحل ما بعد الاستعمار. وتلك مفارقة عجيبة في اتباع أساليب تعسفية، لطالما استخدمها الاستعمار لقمع الثورات الشعبية. ومنها الاختطاف في السجون السرية، والإخفاء القسري، والتعذيب حتى الموت.
تختلف أساليب التعذيب وكثافة الأمثلة عليه في التاريخ القديم والحديث. إلا أن النقطة الأهم هي أنه وسيلة لا يمكن محاربتها دون محاربة السبب الذي أنتجها. فهو أداة سياسية في يد مجموعة من الأنظمة التي تهدف لإخضاع شعبٍ أو مجموعات معينة لسلطتها أو ردع مقاومتهن/م لها.
لذلك، لا يمكن للهيئات الدولية إيقافه دون الاعتراف بأنه نتيجة حتمية لسيادة نظم قمعية وذكورية وطبقية. وهذه النظم تحكم بيدٍ من حديد مصائر الناس وتعرضهن/م للعنف، لإيقاف محاولاتهن/م في التغيير أو لنشر الخوف والاستسلام لحكمها بشكلٍ مطلق.
ما علاقة التعذيب بالنظام الأبوي؟
إن العنف بشكلٍ عام وإن اختلفت أشكاله يظهر في مختلف الأنظمة التي تحاول تقسيم المجتمع إلى هرميات وفئات تخضع بعضها للبعض الآخر.
علمًا أن هذه التقسيمات تظهر وكأنها تأسست دون الحاجة للعنف، إلا أن عاملي العنف والخوف يعتبران الأساس الذي يضمن استمرارها.
الأنظمة القمعية غالبًا ما تنظر لنفسها في تصوّر قائم على الهيمنة الرجولية. وبينما يتفاوت تعريف الرجوليات المهيمنة، فإن أعلاها سلطة وقمعًا هي المؤسسات والأشخاص الذين يمثلون الشكل الأكثر هيمنة من حيث الطبقة والسلطة الرسمية.
فإذا كان التعذيب من الأنظمة السياسية تجاه الشعوب يهدف لإخضاعها وإخماد مقاومتها. فإن التعذيب الذكوري المتمثل في العنف القائم على النوع الاجتماعي قلّما يتم الاعتراف به أو بخطورته، وضرورة إيقافه ودعم ضحياته.
وبالقياس على ذلك، فالعنف القائم على النوع لا يزال نقطة خلاف في النقاشات العامة. ونتخذ اليوم فرصة للتذكير بأنه يتضمّن أشكالًا من التعذيب المفضي للقتل بنسبٍ مهولة، تصفها العديد من النسويات بالإبادة الأبوية للنساء.
أما مناهضة التعذيب كفكرة فما تزال تدور في فلك مهادن، لا يعترف بموازين القوة وأنظمة الاضطهاد. ويتم تعريفه بشكلٍ محايد، دون التطرق لجذوره الحقيقية والتي لا تخلو من عنفٍ قائمٍ على النوع الاجتماعي.
العنف الجنسي كأداة تعذيب
الأنظمة القمعية غالبًا ما تنظر إلى نفسها في تصوّرٍ قائمٍ على الهيمنة الرجولية. وبينما يتفاوت تعريف الرجوليات المهيمنة، فإن أعلاها سلطة وقمعًا هي المؤسسات والأشخاص الذين يمثلون الشكل الأكثر هيمنة من حيث الطبقة والسلطة الرسمية.
فلو نظرنا إلى أجهزة الدولة الاستبدادية، لوجدنا أنها تعتمد على سحق “رجولية” الرجال ضحايا التعذيب. وتعتمد على آلية وصم الرجال المتعرضين للعنف لإجبار الضحايا على الصمت. في تناغم أبوي واضح يجمع بين التصور السائد عن الرجولية، وتغذية هرمية الهويات الاجتماعية المفترض فيها أن يكون الرجال قادرين على الدفاع عن أنفسهم.
من وجهة نظر أخرى، فإن إذلال الرجال باستخدام العنف الجنسي، يحمل في طياته أمورًا من شأنها التقليل من “رجوليتهم”. باعتبار أن النساء هنّ اللواتي يتعرضن للعنف الجنسي حصرًا. فإذا وقع انتهاك ذو طابع جنسي للرجال، ينظر إليه انطلاقًا من هرمية الهويات الاجتماعية، وأن الرجال يجب أن يكونوا أقوى من النساء. وبالتالي، يجب ألّا يتعرضوا للعنف الجنسي.
أما لو تعرضت له النساء، فإن الإذلال هنا لا يستهدفهن وحدهن. إنما يستهدف ذويهن من الرجال الذين يعتبرون الاعتداء الجنسي وصمة تطال الضحية/الناجية أيضًا. بجانب ثقافة لوم النساء على تعرضهن للعنف الجنسي كأنهن المسؤولات عن حدوث الجريمة.
نحو عدالة للأجيال الجديدة
من المهم التنويه إلى أن تناول التعذيب في سياق يومٍ عالمي يساند ضحياته/ ضحاياه، لا يمكن أن يكون شاملًا ما لم يعترف بالجذور التي تنتج التعذيب. هذه الجذور التي تجعله ممارسة معتادة بيد الدولة ضد المواطنات/ين، والرجال ضد النساء، والمجتمع ضد المختلفات/ين عن النمط السائد.
الأكيد أن التعذيب مطبّع بشكلٍ يصعب معه محاسبة ممارسيه، وتحديدًا إذا كان نظامًا قمعيًا يملك نفوذًا سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا.
إن تعويض الضحيات/ الضحايا ودعمهن/م اليوم يحتاج لأكثر من محاسبة أشخاص بعينهم. إذ أنه متعلق بإنهاء استخدام العنف بشكلٍ مطلق وإنهاء الأنظمة التي تستخدمه.
ونحنُ كنسويات نسعى إلى إحلال عالمٍ عادل وآمن، لا تضطر فيه الأجيال القادمة أن تكون ضحية الظلم، أو تطالب بإنهاء ممارسة بشعة كهذه في تكرار عنيف ومؤلم للجميع.