النساء والفتيات من ذوات الإعاقة .. قصص نجاح رغم التمييز المزدوج والثغرات القانونية
يُصرّ القدر أحياناً، وتصر الجينات في أحيانٍ أخرى، على خيانة بعضها، فتولد فتاة من ذوات الإعاقة، أو تصبح كذلك بسبب حادث أو خطأ طبي مثلاً.
حينها، يكون الدرس قاسياً عليهن، ومعلّماً، واختباراً، يتجاوزنه في أحيانٍ كثيرة، بسبب إرادتهن وقوتهن.
وذلك، على الرغم من أن التمييز بحقهن مزدوج، لأنهن من ذوات الإعاقة مرة، ولأنهن نساء مرةً أخرى!
“لأنني فتاة”!
“عائلة جدي رفضت معالجتي لأنني فتاة، وقالوا اتركوها تموت من دون علاج”.
كررت غرام الغازي (35 عاماً)، جملة “لأنني فتاة” 3 مراتٍ وأكثر. مرة قهراً، ومرة حسرة، ومرة أخرى نجاحاً وقوة.
غرام، التي وُلدت مصابةً بمرضٍ جعلها قصيرة القامة، وتعاني من إعاقةٍ حركية، واجهت الصعوبات والعوائق بحب.
تعلّمت، وباتت موظفة في مديرية التربية، في مدينة درعا، جنوب سوريا.
وهي نموذج لفتياتٍ ونساءٍ كثيرات من ذوات الإعاقة، اللواتي يتعرّضن إلى إقصاء اجتماعي، وأسري، واقتصادي، وتعنيف.
ويجري التمييز بينهن وبين الرجال من ذوي الإعاقة، خصوصاً في مجالات التعليم والعمل.
كما تتم معاملتهن غالباً على أنهن “كائنات ضعيفة عاجزة”، ومن منطلق الشفقة.
بينما الأجدر أن يكون التعامل معهن من منطلق تحقيق العدل، والمساواة، والاندماج.
وقد أشارت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق ذوي وذوات الإعاقة، كاتالينا ديفا نداس أغيلار، في مؤتمر الدول الأطراف، إلى أن أكثر من “80% من ذوات/ذوي الإعاقة من الفقراء، ويعشن/ون في الدول النامية”.
لكنها لم تحدد نسبة النساء من الرجال، وهذا يعني أن المشاكل في الدول النامية مضاعفة.
قصص نجاح لنساء وفتيات من ذوات الإعاقة
“أم وسام”، امرأة مصرية خمسينية، تعاني من إعاقة حركية، وتربي 3 أطفال/طفلات وحيدة.
بعد أن انفصلت عن زوجها منذ 18 عاماً، حاولت العمل أكثر من مرة، قبل أن تصبح “سائقة تاكسي”. لكنها شعرت بعدم قبولها، على حد تعبيرها.
إلا أنها أصرّت، وتعلّمت القيادة، حين عملت في مكتب لتعليم القيادة لذوي وذوات الإعاقة. على الرغم من رفض المجتمع لذلك، كونها “امرأة معاقة”، وفق تعبيرها.
وأكدت في حديثها لـ”شريكة ولكن”، أنها “لو كانت رجلاً، لفُتحت لها أبواب العمل لسبيين: أولهما التعاطف، وثانيها وجود قوانيين عامة لذوي وذوات الإعاقة، من دون تحديد قوانين تخص النساء منهن، وتحدد لهن نسب عمل واضحة في القطاعين الخاص والعام”.
أما اللبنانية آلاء عون (28 عاماً) فأصبحت من ذوات الإعاقة نتيجة خطأ طبي في صغرها، دفعت ثمنه الاعتماد على العكّازات مدى الحياة، وقصر في القامة، ورفض متكرر من أصحاب العمل.
تحدثت آلاء عن تجربتها لـ”شريكة ولكن”، فقالت: “تقدّمت إلى الكثير من الأعمال، وكان الجواب دائماً الرفض، لأنني امرأة، ومن ذوات الإعاقة في الوقت نفسه”.
لكنها أصرّت على أن تواجه الصعوبات والعوائق، فنجحت في أن تكون إحدى المستفيدات من أحد مشاريع جمعية الاتحاد اللبناني للمعوقين/ات.
وحين ذكرت آلاء أحلامها، تنهدت وأوضحت: “أحلم أن أكون عارضة أزياء لذوات الإعاقة، لأنني مغرمة بالأزياء”.
وأضافت: “أحلم أيضاً أن أكون متحدّثة تحفيزية للأشخاص من ذوات/ذوي الإعاقة وغيرهم/هن”.
وتوجهت إلى النساء بالقول إن “المحيط الخارجي مهم، لكن ثقتنا بأنفسنا أهم بكثير”.
الانتهاكات تجاه ذوات الإعاقة
أبرز الانتهاكات المزدوجة بحق النساء من ذوات الإعاقة، التي لا يواجهها ذوي الإعاقة من الفتيان والرجال، هي العنف الجسدي والجنسي، والنفسي.
كما يتم فرض قيود كثيرة على حقوقهن الجنسية والإنجابية، من ضمنها الحق في الوصول إلى المعلومات، والحق في الأمومة، وتربية الأطفال والطفلات، والاهتمام بهن/م.
كما أنهن معرّضاتٍ بشكلٍ كبير لخطر التعقيم القسري، الذي تفرضه العائلة عليهن.
وهي ممارسة أبوية وسلطوية، وتحكّم فاضح بأجسادهن، عبر إعطائهن موانع حمل من دون علمهن، خصوصاً إذا حدثت الإعاقة بعد الزواج.
وفي حالاتٍ كثيرة، يُمنعن من الزواج نهائياً بحجة “عدم الأهلية”، ويحرمن من حق الإنجاب، واستناداً إلى الحجة نفسها، يُحرمن من تربية أطفالهن وطفلاتهن.
لذلك، ينبغي الاعتراف بهن وبحقوقهن، وبحريتهن في اتخاذ القرارات، التي تخص حياتهن.
رهف يوسف واجهت الصعوبات بالرسم
قد تختلف جنسيات ولهجات النساء اللواتي قابلناهن، لكن الثابت الوحيد أنهن يتشابهن في الأمنيات، والأحلام، والنجاحات. كما في الانتهاكات والتمييز الواضح.
انتقلنا إلى مدينة طرطوس، حيث قابلنا الفنانة التشكيلية رهف يوسف، التي تنتمي إلى فئة الصم والبكم.
في حديثها لـ”شريكة ولكن”، أشارت إلى أن “أبرز الصعوبات التي تعرّضت لها هي عدم التوظيف. لكن عائلتها، التي تشجّع النساء كثيراً، دعمتها”.
لذلك، تمكنت من الاعتماد على دراستها، وموهبتها في الرسم، وأجرت معارض فنية خاصة بها.
وهي تعبّر بالرسم يومياً، لـ”تصل رسالتها بالألوان إلى كل العالم”، وفق تعبيرها.
وأكدت أنها “تعرّضت لمشقّات في العمل، لفتاةٍ تعاني من إعاقة مهما كانت هذه الإعاقة”.
وأشارت إلى “عدم وجود قانون يصنّف طريقة عمل كل شخص من هذه الفئة بحسب إعاقته. وعدم وجود قانون يوضح نسبة عدد النساء من هذه الفئة، التي يُفترض على الجهات توظيفهن”.
ماهي الثغرات القانونية التي تنتهك حقوق ذوات الإعاقة؟
وفي مقابلة لــ”شريكة ولكن” مع المحامية السورية لمى الجمل، قالت إن “القانون السوري يحدد نسبة 4% من الوظائف لذوي/ات الإعاقة”.
وأشارت إلى “وجود قانون كامل في سوريا للمعوقين/ات، ويحدد الشروط التي تسمح لهم/هن بالعمل”.
لكنها تحدثت عن ثغرة عدم التطبيق الفعلي له، رغم وجود قانون ينص على تخفيض الضرائب لمن يُوظف أشخاصاً من المعوقين/ات”.
وأضافت أن “المشكلة الأخرى، تكمن في عدم وجود نصوص خاصة بالنساء من هذه الفئة، في القانون السوري”.
وفي حين اعتبرت أن “أهم ثغرة في القانون، عدم وجود تشريع بالفرض والإلزام لتوظيفهن/م”، أكدت أن الأهم حالياً هو “توفير البنى التحتية الصحية لوصولهن/م إلى أعمالهن/م”.
بينما لا تختلف الثغرات القانونية بين لبنان وسوريا، إذ صدر في لبنان القانون رقم 220 عام 2000.
لكنه، بحسب المنسقة الوطنية لبرنامج الدمج الاجتماعي والاقتصادي لذوي/ات الإعاقة في لبنان الناشطة ندى اعزير “حبر على ورق”.
وأوضحت أن ما “تم تحقيقه منه بسيط جداً، وهو فقط الحصول على بطاقة شؤون للمعوقين/ات حركياً”.
وذلك على الرغم من أن القانون يتيح لهم/ن عدة أمور هي السكن، والعمل، والتأهيل، والتعليم، والخدمات الصحية، ورخصة القيادة، وحق البيئة المؤهلة.
ولفتت إلى أن “ذوي وذوات الإعاقة يشكلن/ون 15% من عدد سكان لبنان، 83% منهن/م خارج سوق العمل”.
كما يشير القانون إلى أن “نسبة توظيف ذوي/ات الإعاقة، يجب أن تصل إلى 3% من الوظائف”.
لكن بحسب ندى، “القانون غير مُفعّل بشكلٍ جيد، رغم توقيع لبنان على الاتفاقية الدولية لذوي وذوات الإعاقة”.
الاتفاقية الدولية لذوي وذوات الإعاقة
وتهدف بنود هذه الاتفاقية، الصادرة عن الأمم المتحدة وتتألف من 60 مادة، بشكلٍ أساسي إلى إلقاء الضوء على أهمية المبادئ التوجيهية، المتعلقة بالسياسات الواردة في برنامج العمل العالمي المتعلق بالمعوقين/ات.
كذلك القواعد الموحّدة المتعلقة بتحقيق تكافؤ الفرص للمعوقين/ات، لتعزيز وصياغة وتقييم السياسات والخطط والبرامج والإجراءات، وطنياً وإقليمياً ودولياً.
كما تؤكد الاتفاقية على أهمية إدماج قضايا المعوقين/ات كجزء لا يتجزأ من استراتيجيات التنمية المستدامة.
وتشير بنودها إلى أن التمييز ضد أي شخص على أساس الإعاقة يمثّل انتهاكاً للكرامة والقيمة المتأصلة للفرد.
وتقر ضمن بنودها أيضاً بالحاجة إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان لجميع المعوقين/ات، بمن فيهن/م من يحتجن/يحتاجون دعماً أكثر.
وتسبق مصر لبنان وسوريا في النسب المخصصة لذوي وذوات الإعاقة في العمل، حتى لو كانت بنسبة بسيطة جداً.
إذ يُلزم القانون المصري المؤسسات الحكومية والخاصة، بتوظيف النساء والرجال من ذوي وذوات الإعاقة بنسبة 5% من عدد العاملين/ات.
لكن المشكلة أنه لا يحدّد نسبةً مخصصة للنساء. والسيارات المجهزة لهن/م تُعفى من الجمارك بنسبةٍ معينة، ويستخدمن/ون المواصلات بشكلٍ مجاني.
القوانين لا تنفّذ ولا تضمن العدالة
الناشطة السورية مي أبو غزالة، تعاني من إعاقة حركية ناجمة عن شلل دماغي، وهي اسم مشهور وسط الأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة.
يعتبرها/تعتبرها بعضهم/هن عرابةً في الإصرار والتصميم. تلك السيدة الثلاثينية، التي تدرّجت في وظيفتها بين العمل الخاص والحكومي.
رفضت الأعمال المكتبية، وأدارت مشروع “رياض الأطفال الدامجة”.
وروت لـ”شريكة ولكن”، جملة تحدّيات تعاني منها النساء من ذوات الإعاقة في سوريا.
فقالت إنهن يعانين من “تمييز ذكوري، كونهن نساء وفتيات، ومن ذوات الإعاقة. وتتعرّض كثيرات منهن للعنف، والانتهاكات المختلفة، والتحرّش والاغتصاب، وصمت الأهل”.
فهن لا يُصنّفن إلا على أساس أنهن من ذوات الإعاقة، فكيف إذا كانت امرأة في الوقت نفسه؟!.
تُعتبر مي اليوم من أهم الناشطات النسويات في مجال حقوق ذوات الإعاقة في سوريا، وتسعى إلى تدريبهن وتمكينهن.
بينما أكدت أنها “تلوم الإعلام أيضاً، الذي اكتفى بعرض قصص نجاح ذوات الإعاقة، من دون التفكير والتركيز على دمجهن في المجتمع، ومن دون التفكير بجيلٍ جديد من هذه الفئة، خصوصاً بعد أن ازداد عددهن/هم في سوريا بعد الحرب”.
ذنوب المنازل!
ما تزال بعض المجتمعات العربية، تعتقد بأن وجود شخص من ذوي أو ذوات الإعاقة في المنزل، سببه ذنب يحاول الله أن يعاقب أهل البيت به.
وعلى أصحاب وصاحبات المنازل تحمّل هذا الذنب، لأنه ينجيهم/ن من عذاب النار!
فماذا لو كانت فتاة أو امرأة؟
حينها، يكون الذنب مضاعفاً بحسب هذه المجتمعات، وتشعر العائلة بالعار، خصوصاً أنهم يعتبرون النساء “فاقدات للأهلية”، حتى لو لم يكنّ من ذوات الإعاقة.
وفي حديث لــ”شركة ولكن”، أكدت الناشطة النسوية ماريانا الحنش أن “التمييز بحقهن سيئ جداً، ويصل إلى حد الأعمال العدائية، والعنف الجسدي واللفظي، سواء داخل المنازل وخارجها”. ما لا يتعرّض له الرجال من ذوي الإعاقة.
وأضافت أن “ما يضاعف التمييز بحقهن، عجزهن عن تقديم شكوى. فلمن تشتكي امرأة من ذوات الإعاقة تتعرض لمثل هذا النوع من العنف، إذا كان القانون يعتبرها فاقدة الأهلية؟”.
وأوضحت أن “الجهات المعنية بهذا الموضوع، هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن دعم حقوقهن والحفاظ عليها”.
وأضافت: “شكل آخر من أشكال التمييز المزدوج يعانين منه، هو حجبهن عن الأنظار بحجة أنهن مُخجلات للأسر، ما يساهم في تهميشهنّ، وعدم تمتّعهن بحقوقهن الأساسية، ويؤثر على ثقتهن بأنفسهن”.
بينما أشارت الناشطة النسوية حنين أحمد إلى “سياق آخر على صعيد التمييز، الذي يعانين منه في العمل. هو أنه بطبيعة الحال يقدّم أصحاب العمل فرصاً للنساء أقل من الرجال، لأن هذا المجتمع يعتبر أنه، حتى لو لم يكنّ من ذوات الإعاقة، فهن يأتين في مرتبةٍ أدنى لمجرد أنهن نساء، وبالتالي غير جديرات بالمسؤولية”.
وأكدت أنها “حين كانت موظفة حكومية، كان قانون الدولة يقر بتوظيف 4% من ذوي وذوات الإعاقة، لكن لم يحدد نسبة للفتيات والنساء. فكان يعمل في المؤسسة 4 رجال وامرأتين فقط”.
النساء من ذوات الإعاقة ما زلن مغيّبات!
على الرغم من اعتراف معظم دول العالم بأن النساء من ذوات الإعاقة يتعرّضن لأشكالٍ متعددة من التمييز، إلا أنهن ما زلن مغيباتٍ بشكلٍ كبير، ويتمتّعن بحقوقٍ وفرص أقل بكثير من الرجال.
وهذه الانتهاكات لا تتوقف على التمييز المزدوج والعمل على إنهائه، بل يجب على الدول أن تضمن حقهن في التمكين، ووصولهن إلى الخدمات الصحية، والتعليم، والتوظيف وغيرها من الحقوق.
فالفتيات من ذوات الإعاقة معرّضات للحرمان من التعليم أكثر من الفتيان.
كما أنهن معرّضات للعنف المنزلي أكثر من النساء والفتيات غير المعوّقات.
وفي حين يتمتّع الرجال من ذوي الإعاقة بامتيازات أكثر، أهمها الإدماج، يتم عزل الفتيات والنساء من ذوات الإعاقة، في معظم المجتمعات الناطقة بالعربية.
إذ قالت عضوة اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي/ات الإعاقة، تيريزيا ديغينير إن “السياسات المتعلقة بالنساء درجت على حجب الإعاقة عن الأنظار، والسياسات المتعلقة بحالات الإعاقة أغفلت نوع الجنس. ولكن إذا كنتن نساء وفتيات من ذوات الإعاقة، فأنتن تواجهن تمييزاً وعوائق، لأنكن نساء أو فتيات، ولأنكن معوقات، ولأنكن نساء وفتيات ومعوقات في الوقت نفسه”.
كتابة: رنيم خلوف