الانتخابات التشريعية في تونس تكشف كذبة المساواة بين النساء والرجال

أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات التشريعية في تونس، المقررة في 17 كانون الأول/ديسمبر، وسط جدلٍ كبير انطلق منذ الإعلان عن القانون الانتخابي.

إذ أسقط هذا القانون مبدأ التناصف بين النساء والرجال عند الترشّح إلى عضوية البرلمان.

ويستمر الجدل بعد أن كشفت الأرقام الصادرة عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، الضعف الكبير في تمثيل النساء.

إذ لم تتخطَ نسبتهن الـ15% من مجموع المترشحين/ات!

هذا الحضور الهزيل جداً، حذرت جميع المنظمات النسائية في تونس من الوصول إليه، منذ الإعلان عن القانون الانتخابي من دون تنصيص مبدأ التناصف.

كما يشكّل الواقع الاجتماعي بدوره، أحد عوائق حضور التونسيات في المشهد السياسي، ما تؤكده بعض المترشحات إلى الانتخابات.

تراجع التمثيل النسائي في الانتخابات التشريعية في تونس

في 28 تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أن عدد ملفات الترشح بلغ 1429 ملفاً، منها 214 فقط للنساء.

بينما خلت بعض الدوائر الانتخابية من أي ترشح نسائي.

هذه النسب، ستجعل حظوظ فوز الرجال بمقاعد أكثر بـ6 مرات من النساء في المجلس النيابي المقبل، علماً أن التنافس سيجري على 161 مقعداً.

كان هذا التراجع في عدد المترشحات متوقعاً منذ صدور المرسوم عدد 55 لسنة 2022، في 15 أيلول/سبتمبر الماضي، المنقح والمتمم للقانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014، المتعلق بالانتخابات والاستفتاء.

إذ تمّ التخلي عن مبدأ التناصف في المجالس المنتخبة، على الرغم من أن الدستور الجديد لعام 2022، يؤيد هذا المبدأ، في حين تم اشتراطها في ما يتعلق بالتزكيات.

وبالتالي، طرح القانون الجديد تساؤلاتٍ عدة عن حجم مشاركة النساء، وتمثيلهن في البرلمان المقبل.

لذلك، حذرت المنظمات النسائية، التي ناضلت لسنواتٍ طويلة لفرض مبدأ التناصف الجندري في القانون الانتخابي، بهدف تواجد أكبر عدد من النساء في المشهد السياسي، من أن حضورهن سيكون ضعيفاً إن لم يكن معدوماً.

واعتبرت صراحةً أن القانون الجديد أقصى النساء، وأنه سيكون أحد أبرز الأسباب لعزوفهن أكثر عن العمل السياسي، وعدم مشاركتهن في المشهد المقبل.

كما حذرت بشدة من اتجاه البلاد نحو تشكيل برلمان ذكوري بامتياز، سيكون حضور النساء فيه محدوداً جداً.

إذ لا يكون للنساء غالباً نفس الشبكات الاجتماعية الواسعة محلياً، التي يملكها الرجال، لرعاية ترشيحهن، خصوصاً في المناطق الداخلية، والأحياء الشعبية.

ففي هذه المناطق، يسيطر الوجود الذكوري، الذي تدعمه النظرة الدونية للنساء التي ما تزال سائدة، خصوصاً في ما يتعلق بالمشاركة في الحياة السياسية.

كما أنهن لا يملكن القدرات المالية التي يملكها الرجال.

لذلك، كانت مشاركتهن محدودة جداً، خصوصاً أن السلطة الحالية المتمثّلة بالرئيس قيس سعيد أقصت النساء من التواجد في المشهد السياسي عمداً.

وحصر حضورها في مسألة التزكية فقط، وإن كان الخطاب الرسمي يدّعي غير ذلك.

العراقيل التي تواجهها المرشحات إلى الانتخابات التشريعية في تونس

وقالت المرشّحة عن مدينة منزل بورقيبة من محافظة بنزرت ماجدة الورغي، إن “جميع الظروف مهيأة ليكون الرجال في واجهة المشهد السياسي، بينما يتم زجّ كل العراقيل أمام النساء لإفشالهن وإبعادهن”.

وأضافت في حديثها لـ”شريكة ولكن”: “خوضي لتجربة الترشح إلى الانتخابات جعلتني أكتشف الكثير من الحقائق الصادمة”.

ولفتت إلى أن “أبرز ما اكتشفته هو كم كنا مغالين في أفكارنا، حين اعتقدنا أننا في بلدٍ تتساوى فيه النساء مع الرجال”.

كما أشارت إلى أن هذه “كانت الكذبة الكبرى التي عاينتها من عمق التجربة والألم والصدمة”.

وأكدت أنها “قررت الترشح بعد أن وجدت أن لدي كل المؤهلات اللازمة لذلك، خصوصاً أنني إعلامية وأقدّم برنامجاً إذاعياً اجتماعياً ناجحاً جداً في مدينتي”.

بينما أوضحت أنه “على الرغم من دعم عائلتي، إلا أن الصعوبات بدأت منذ اتخاذي القرار”.

فلفتت إلى أنها “فوجئت أولاً بقرار الهايكا القاضي بأن أترك عملي كصحافية فترة جمع التزكيات، ما دفعني إلى أخذ إجازة غير مدفوعة الأجر لمدة شهرين. بينما حافظ المرشحون من بقية المهن على عملهم وأجرهم”.

وأضافت أنها واجهت “أزمة اقتصادية حرفياً، لأنه لم يكن لدي مورداً خاصاً غير راتبي لأنفذ حملتي”.

وذكرت أن “كثيرين حاولوا إحباطي كوني امرأة، وواجهتُ محاولاتٍ لثنيي عن مواصلة الترشح”.

فأكدت أن كثيرين “كرروا على مسمعي المقولة الأكثر استفزازاً لي، بكل ما تحمله من استخفاف بالنساء وبقدراتهن ومؤهلاتهن: إذا كان الرجال قد فشلوا في حل مشاكلنا، فهل ستستطيعين أنت ذلك؟”.

ماجدة الورغي
ماجدة الورغي

ترشّح في مواجهة رجلٍ خرق القانون علناً

في هذه الحالة، وجدت ماجدة نفسها مطالبة ببذل جهود إضافيةٍ لإقناع الناس في مدينتها، رجالاً ونساء بكفاءة التونسيات، وقدرتهن فعلاً على تولي مناصب في جميع المجالات.

بينما تحدثت عن صدمتها من الواقع الذي واجهته.

إذ كانت تعتقد أن “المجتمع التونسي برمته تجاوز، منذ عقود، النظرة النمطية للنساء، وأن مسألة المساواة بينهن وبين الرجال باتت أمراً واقعاً”.

فكان عليها أن تحظى بالكثير من القوة والجرأة والإصرار، لمواجهة عقليةٍ لا تتردد في الانتقاص من قيمة وقدرة النساء على أن يكنّ سياسيات ناجحات.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فكان عليها أيضاً مواجهة منافسيها الرجال.

فذكرت أنها وجدت نفسها في مواجهة مرشّح هو أساساً رئيس بلدية، استغل كل نفوذه لدفع الناس إلى ترشيحه.

كما جنّد موظفي البلدية لخدمته، ودفع حتى بعض الجمعيات التي تتلقى دعماً من البلدية إلى تزكيته.

وقالت: “سعيت إلى الالتزام بالقانون في مواجهة رجلٍ خرق القانون علناً. صحيح أنني استطعت الترشح، لكنها كانت تجربةً مرهقةً وصعبة أساساً، لأنني لست رجلاً”.

لكن هذه العراقيل والصعوبات الكثيرة التي واجهتها ماجدة، شجعتها على توجيه تركيزها وعملها للصعود إلى البرلمان، لتحقيق المساواة بين الجنسين بطريقةٍ ملموسة، وليس مجرد شعارات”، بحسب تعبيرها.

مبدأ التناصف .. من أهم إنجازات النساء

كان مبدأ التناصف بين الرجال والنساء في المجالس المنتخبة، من أهم الإنجازات النسائية بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني عام 2011 في تونس.

فتم ترسيخ هذا المبدأ للمرة الأولى في دستور عام 2014، وفَرض قانون الانتخابات في العام نفسه، أن تتضمن قوائم المرشحين/ات أعداداً متساوية من الرجال والنساء.

وكانت نتيجة فرض هذا القانون وصول 68 امرأة إلى البرلمان عام 2014، بنسبة فاقت الـ34% من المقاعد.

وهو رقم مَنح تونس أعلى حضور نسائي في البرلمان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حينذاك.

لكن هذه النسبة تراجعت عام 2019 إلى 26%.

بينما ترشحت إلى الانتخابات التشريعية عام 2014، 5502 امرأة من مجموع 11 ألفاً و686 مرشحاً/ة أي بنسبة 47%.

في حين ترأست القوائم 178 امرأة فقط، من 1327 قائمة مرشّحة، أي نحو 12%.

كما ألزم تعديل قانون الانتخابات عام 2017 الأحزاب والائتلافات السياسية، ضمان أن تكون نصف قوائم المرشحين/ات من النساء في الانتخابات المحلية.

وأدى ذلك إلى تشكيل 47% من المجالس البلدية من النساء، بعد انتخابات عام 2018.

في المقابل، يفرض القانون الانتخابي الجديد، على المرشحين/ات تقديم 400 توقيعٍ لناخبين وناخبات مسجلين/ات في دوائرهن/م الانتخابية، نصفهن/م رجال والنصف الآخر نساء، ليتمكنّ/وا من الترشح.

كما لا يمكن للمرشحين/ات تمويل حملاتهن/م من المال العام، وعليهن/م الاعتماد على أموالهن/م الشخصية أو التمويل الخاص.

سرور محفوظي: مقبلون على برلمان ذكوري بامتياز

لم تكن تجربة الناشطة النسوية والمرشّحة عن مدينة المكناسي في محافظة سيدي بوزيد سرور محفوظي  أفضل.

فهي أيضاً امرأة، ترشحت وزاحمت الرجال في ميدانٍ يسود فيه اعتقاد أنه حكر عليهم!

وقالت سرور لـ”شريكة ولكن” إنه “بحكم معرفتي الواسعة بأبناء مدينتي، ودعم عائلتي الصغيرة والموسّعة، لم يكن صعباً أن أحصل على التزكيات”.

لكنها أضافت أن “ذلك لم يمنع محاولات إحباطي، وترديد جملة أن الوضع الراهن صعب، ولا جدوى من ترشحي خصوصاً أنني امرأة. وبالتالي، لن أكون قادرة على تقديم أي إضافة في نظرهم، أو تغيير الوضع”.

وأشارت إلى أن “هذا الأمر كان يحبطني أحياناً، لكن دعم الأهل جعلني أؤمن بحظوظي، وأتجاهل هذه الأصوات التي ترغب أساساً في دفعي إلى التراجع. وهذا لا يحدث بالقدر نفسه مع الرجال المرشحين”.

وأكدت: “منذ إلغاء مبدأ التناصف بين الجنسين في القانون الانتخابي، كان واضحاً أننا سنمضي نحو برلمان ذكوري بامتياز، بتمثيل هزيل جداً للنساء”.

وألفتت إلى أنه “سيكون لذلك بالتأكيد تأثير على مستوى تقوية مكاسب النساء، لأن التجربة أثبتت أن المرأة أفضل من يدافع عن حقوقها، وفي غيابها أو تمثيلها المحدود جداً داخل الهيكل التشريعي، سيجعل المطالب المتعلقة بحقوقها أقل حضوراً وطرحاً”.

كما أوضحت أن “النساء المرشّحات مدركات لهذا الواقع الجديد، وأكاد أجزم أنهن جميعاً، وأنا إحداهن سنجعل صوتنا عالياً”.

وأضافت: “لن نسمح بأن تكون أعدادنا القليلة قياساً بالرجال، عائقاً أمام إعلاء مطالب النساء، والحيلولة دون التراجع عن مكاسبنا، بل والدفع نحو تفعيلها أكثر”.

الديناميكية النسوية: القانون الجديد خطوة تمهّد لإقصاء النساء عن الترشح

أثار هذا الواقع الجديد حفيظة الديناميكية النسوية، منذ اليوم الأول الذي أُعلن فيه عن القانون الانتخابي الجديد، ودعت إلى مراجعته.

وطلبت اعتماد نظام اقتراع زوجي في جميع الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بما فيها مجالس الجهات والأقاليم والمجالس البلدية، بما يضمن احترام مبدأ التناصف في الترشح.

وانتقدت بشدة اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد من دون اعتماد التناصف في الترشح، وإقرار الضمانات القانونية المستوجبة لتحقيق المساواة، ونفاذ النساء إلى مواقع القرار.

كما اعتبرت أن “هذه الخطوة تمهّد لإقصاء النساء عن الترشح”.

واشارت إلى أن “توجّه القانون الانتخابي الجديد إلى حصر مبدأ التناصف في التزكيات المعتمدة عند الترشح وليس في الترشيحات، يعكس رغبةً رسميةً في إشراك صوري للنساء والشباب والشابات”.

وفي تعليقها على المشهد المنتظر في ظل الحضور المحدود جداً للنساء في هذه الانتخابات، أعربت عضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نبيلة حمزة عن قلقها بشأن مكاسب النساء في المرحلة المقبلة.

وقالت: “كنا نعي جيداً أن نظام الاقتراع على الأفراد سيؤدي إلى تشكيل برلمان ذكوري، خصوصاً في ظل استمرار الثقافة التمييزية ضد النساء وانعدام تكافؤ الفرص في المناطق الداخلية والريفية بين الجنسين”.

نبيلة حمزة
نبيلة حمزة

 

وأضافت: “لذلك، حذرنا من هذه الخطوة، وطالبنا بتغيير القانون الانتخابي. لكننا لم نجد التجاوب المنتظر، فكانت النتيجة نسبة تمثيل هزيلة جداً للنساء في الانتخابات المقبلة، لا تعكس أبداً مكانة التونسيات وكفاءتهن، وأحقيتهن في الريادة والحضور بقوة في المشهد السياسي”.

كما أشارت إلى أن “الإشراك الصوري للنساء الذي كرّسه قانون قيس سعيد، عمّق الهوة بين النساء والرجال في مواقع صنع القرار والتشريع. وسيهدد مكاسب النساء التي ناضلت من أجلها أجيال من التونسيات”.

كانت تونس من بين أول الدول التي منحت حقوقاً متقدمة للنساء ساهمت في تحرّرهن، منذ خمسينات القرن الماضي مع بناء دولة الاستقلال، وحتى ثورة عام 2011، وما تلاها من مكتسبات انتزعتها النساء عبر نضالٍ طويل.

واليوم، بعد مرور أكثر من 70 عاماً، ستكرّس الانتخابات المقبلة غالباً، تراجعاً ملحوظاً في هذه المكتسبات بدلاً من التقدم نحو الأمام وتحقيق المزيد.

فكيف سيكون شكل البرلمان التونسي الجديد؟

كتابة: فاطمة بدري

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد