زينب علي زعيتر ضحية جديدة للنظام الأبوي القاتل.. عندما يتصافح الرجال فوق جثث النساء

قُتلت زينب علي زعيتر، فعلا صوت المبررين للقتل والداعين له: “بارك الله فيكن يا شباب”!.. ولولا ضلال الحاكم لما فسدت الرعية، و”الناس على دين ملوكهم”.

مشهدٌ يثير كلّ مشاعر السخط والقهر والنقمة اقتحم مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان.. احتفاءٌ علني، في وضح النهار، بجريمةٍ تُسمى أبويّاً بـ”غسل العار”.. مباركةٌ، تفاخرٌ، وتمجيدٌ بجريمةٍ دمويةٍ باسم “الشرف”.

ولأن كل الظروف في هذه البلاد عبّدت الطريق أمام قتلة النساء نحو الاعتزاز والتباهي بجرائمهم، قُتلت زينب علي زعيتر مرةً جديدةً. ولعلّها لن تكون الأخيرة.

ماذا حصل؟

فجر 25 آذار/ مارس الجاري، قتلت اللبنانية زينب زعيتر (26 عاماً) على يد زوجها المدعو حسن موسى زعيتر (27 عاماً) في منطقة الشويفات في بيروت.

أفرغ المجرم حسن موسى زعيتر حوالي عشر رصاصات باتجاه زوجته زينب، فأرداها قتيلةً بدمٍ باردٍ، بحسب معلوماتٍ كشفتها جريدة “المدن” الإلكترونية.

الجريمة التي وقعت أمام أعين أطفالها/ طفلاتها الـ3، شوّهت ملامح زينب التي تلقّت أعيرةً ناريّةً في رأسها وعينيها.

وما لبثت أن حضرت القوى الأمنيّة والمباحث الجنائية إلى موقع الجريمة.

ونقلت الجثة المضرجة بدمائها إلى أقرب مستشفى، بحسب المصدر نفسه.

“شرف” و”اضطرابات عصبية”.. أوقفوا/ن تبرير الجريمة!

وفي تفاصيل، نشرتها “المدن”، بعد تلقي القاتل اتصالاً من مجهولٍ يدّعي خيانة زوجته له، لم يحتمل الأمر. فتوجّه إلى منزله، وأزهق روحها بدمٍ بارد.

هكذا، بكلّ وقاحة، يعطي الرجال أنفسهم حقّ حرمان النساء من حقهن بالحياة، بذريعة “الشرف”.

وفي حجةٍ ثانية، ادّعى بعض سكان الحي أن دافع الجريمة هو “إيجاد الزوج صوراً لزوجته دون حجاب، بعد تفتيشه لهاتفها، (الذي اختفى من موقع الجريمة، حسب ما أشارت المصادر الأمنيّة)”.

ما أثار حفيظته، ودعاه إلى قتل زوجته أمام أعين أطفال/طفلات لا يتعدى عمر أكبرهم/ن الـ7 سنوات، بحسب المصدر نفسه.

بينما أومأ بعض القاطنين قرب شقة الزوجين، إلى أن “الزوج يعاني منذ زمنٍ من اضطرابات عصبية عدة”، في واحدةٍ من التبريرات المتكررة لقتلة النساء والفتيات. وأضاف المبررون أن المجرم “لم يضبط نفسه حين تلقى اتصالاً من مجهولٍ يفيده بخيانة زوجته له”!

وفيما توارى القاتل عن الأنظار بعدما هرب مع الأطفال/ الطفلات، لا تزال القوى الأمنية تعاين الشقة التي وقعت فيها الجريمة، وأغلقتها بالشمع الأحمر.

ماتت زينب علي زعيتر مقتولة.. “بارك الله فيكم يا شباب”!

وفي حين صمتت الضحية إلى الأبد، بعد دفنها في مقبرة “حيّ السلم”، انطلقت جوقة التبرير المجتمعي للمجرم. جوقةٌ لم تقف عند حدّ التبرير، بل تعدّته إلى منح وسام “الشرف” و”الفخر” باسم القتل!

في البدء، حاول/ت أقارب/قريبات الزوجين، الضحية والقاتل، التكتّم عن الجريمة. إلا أنه سرعان ما روّج المحيطون/ات لتبريراتٍ تهدف إلى تبرئة القاتل، تنقّلت ما بين حجة “الاضطرابات العصبيّة” من جهة، وذريعة “الشرف” من جهةٍ أخرى.

شقيق الضحية: لو لم يقتلها زوجها، كنت سأقتلها بنفسي!

ولشدّة وقاحة القتلة، المباشرين وغير المباشرين، خرجت ثلّةً من “الرَّبع” لتبارك بالقتل، وتمدحه، وتمجّده، وتثني عليه.

“لو لم يفعلها حسن، كنتُ سأفعلها بنفسي”، قال شقيق الضحية زينب علي زعيتر، مباركاً لزوج شقيقته قتلها!

وأكد الشقيق المتفاخر بقتل شقيقته أن علاقته بالقاتل “من الآن إلى ما بعد مئة  عام، لن تتأثر”.

وجهاء القتل: “موقف يرفع الرأس”!

وخرج رجلاً آخر من “وجهاء” القتل والمبررين له، على مرأى ومسمع النظام الذكوري القاتل، داعياً “الحاضر ليعلم الغائب” بأن “القاتل وشقيق الضحية حسين زعيتر سيظلّا كالشقيقان”.

ووصف ما حصل بينهما بـ”شرف واحد”، متابعاً: “حسن موسى غسل عاره، وأطفال/طفلات حسن موسى هم/ن أطفال/طفلات حسونة من الآن”.

وختمها: “هذا الموضوع منتهٍ”، ليفرض إغلاق قضية قتلٍ وحشيٍّ بكل سفاهةٍ، كما لو أن شيئاً لم يكن، وجريمةً لم تقع!

تهنئة جماعية علنية بالجريمة: “بارك الله بالشباب الطيبة”!

رجلٌ ثالث، يرتدي بدلةً وربطة عنق، يردد بـ”وقارٍ” مصطنع: “بارك الله فيكم يا عمي، بارك الله بالشباب الطيبة. أنتما أهل وأخوة، وما يؤذي أحداً منكم، يؤذينا جميعاً”.

ليردّ عليه شقيق الضحية، التي قتلتها المنظومة الذكورية بمجملها، “لا يزال أمامي مسيرة، سأكملها أنا وحسن، وستعلموها قريباً”!

رجلٌ رابعٌ يدخل في جوقة دعاة القتل، مهنّئاً حسين على “موقفه الذي يرفع الرأس إلى نهاية العمر”! أي تسامحه مع القاتل، والافصاح عن أنه كان يمتلك نية القتل نفسها، لو لم يفعلها القاتل!

و”بارك الله فيكم يا شباب” تتكرر مراتٍ عديدة في السيناريو، كما لو أن ما نشاهده لا يمت للدم والجريمة بصلة!

المشهدُ على الرغم من عدم غرابته، بفعل ما أسسته المنظومة الأبوية القاتلة، إلا أنه مَهيبٌ ومرعبٌ بكل ما للكلمة من معنى!

فهل ينتصر القضاء والإعلام للضحية، أم تلقى زينب مصير من سبقنها من ضحايا العنف الأسري وقتل النساء. فيكافأ القاتل بحجة الإنتصار “لشرفه”؟

من ذريعة “الشرف” إلى “ثورة الغضب”..

القانون اللبناني يبرر قتل النساء والفتيات

من غير المستهجن أن يتسارع القتلة والمبررون إلى تقاذف الأعذار والتبريرات، التي تتيح للمجرمين الاستفادة من الثغرات القانونية.

فعلى الرغم من إلغاء المادة 562 من قانون العقوبات اللبناني التي كانت تسمح لمرتكب ما يسمى بـ”جرائم الشرف” بالاستفادة من العذر المحلّ من العقاب، إلا أن المادة 252 لم تعد إحياءً لهذه الجريمة وحسب، بل ووسّعت دائرة التبريرات لها.

من يسقط وسام الشرف عن الجريمة إذن؟

فالمادة التي كانت تمنح العذر المخفّف “كل من فاجأ زوجه، أو أحد أصوله، أو فروعه أو أخته في حالة الزنى المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع، فأقدم على قتل أحدهما أو إيذائه بغير عمد”، استُعيضت بمادةٍ أخرى أجازت الجريمة بذريعة “ثورة الغضب”.

إذ جاء في نص المادة 252 من قانون العقوبات اللبناني أنه “يستفيد من العذر المخفّف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضبٍ شديدٍ ناتجٍ من عملٍ غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”.

ونتيجةً لذلك، فإن دائرة ذرائع القتلة والمجرمين أصبحت أوسع، وتوسّعت معها رقعة الجرائم التي تحصد أرواح النساء والفتيات بشكلٍ مستمر.

فإذا كان القضاء ليس فقط قاصراً عن حماية النساء والفتيات، بل مبرراً للجريمة ومخففاً لعقاب مرتكبيها، فمن يسقط وسام الشرف عن الجريمة إذن؟

ولمّا كان الناس ليسوا فقط على دين “ملوكهم” الذكوريين، بل وعلى ديدن قضائهم الأبوي الظالم، فمن يصلح الرعية؟

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد