وضع الفلاحات في تونس..استغلال طبقي وتهاون بأرواحهن

تعرضت مجموعة من العاملات في القطاع الفلاحي في تونس، الإثنين 5 شباط/ فبراير الجاري لحادث سيرٍ أثناء عودتهن من الضيعات الفلاحية في ولاية سيدي بوزيد.

أدّى الحادث إلى وفاة عاملة تبلغ من العمر 50 عام وإصابة 29 أخريات، بينهن طفلين (5 و6 أعوام) رفقة والدتهما. وذلك نتيجة لانقلاب شاحنة خفيفة كانت تقلّ العاملات والتي أصبحت تعرف بشاحنات الموت.

هذا الحادث هو الثاني منذ بداية السنة. كما تكررت عدة حوادث مشابهة خلال السنوات الماضية، دون تحرّكٍ جاد لوضع قوانين صارمة تجاه وسائل النقل السيئة، وحماية الفلاحات اللواتي يمثّلن 80% من اليد العاملة في مجال القطاع الفلاحي.

رغم ذلك تواجه العاملات ظروف عملٍ قاسية واستغلالية تفتقر إلى أبسط مقومات النقل الآمن. بالإضافة إلى عدم وجود تغطية صحية واجتماعية تكفل للعاملات كرامتهن.

تحركات نسوية ضد العنف الطبقي

نددت جمعية “أصوات النساء” بوضعية العاملات بالقطاع الفلاحي، وتكرار الانتهاكات الجسيمة التي يتعرضن لها بما فيها الموت جراء ظروف النقل الكارثية.

ودعت الجمعية إلى تفعيل القانون عدد 51 لسنة 2019، المتعلق بإحداث صنف جديد لنقل العمال والعاملات في القطاع الفلاحي. إذ أسفر غياب تطبيقيه عن تكرار الحوادث.

وشددت في وقفة تضامنية مع الفلاحات، نظمنها في 8 شباط/ فبراير على ضرورة تفعيل القانون المذكور. بالإضافة إلى وضع حلول فعالة لمشاكل المواطنات/ين من أجل ضمان سلامتهن/م وكرامتهن/م الإنسانية.

واستنكرت الاستغلال الذي تتعرض له العاملات في القطاع الفلاحي من قبل أصحاب الأراضي والوسطاء، وسوء البنية التحتية وحالة الطرقات التي تزيد بدورها من مخاطر الحوادث المماثلة.

وجددت تضامنها المطلق واللّا مشروط مع كافة العاملات في القطاع الفلاحي.

الفلاحات بين الاستغلال الطبقي والاستغلال الجندري

أصبحت الضيعات الفلاحية في تونس مرتبطة بالحوادث المتكررة التي تتعرض لها العاملات، خصوصًا في الأمكان الريفية والقروية. حيث تشكل النساء النسبة الأكبر من العاملات في هذا القطاع، ونسبة مماثلة في إعالة الأسر ورعايتها.


ويعتبر القطاع الفلاحي أحد أكثر القطاعات التي تشهد حوادث عمل تكون ضحيتها الأكبر من هؤلاء العاملات.

فالطرق المؤدية إلى العمل وبيوتهن تفتقر لأبسط مقومات السلامة. فضلًا عن عدم توفير وسائل نقل ملائمة، إذ ينقلن في شاحنات صغيرة ومتهالكة.  ناهيك عن طول الرحلة الذي يمتد لثلاث ساعات ذهابًا وإيابًا.

تعاني الفلاحات من استغلال طبقي موحش، إذ يتلقين أجور زهيدة. أتعابٌ تتمثل بـ 10 دنانير لليوم الواحد من أصل 14 دينارًا يدفعها المُشغل، في حين تذهب الدنانير الأربعة الباقية إلى سائق الشاحنة.

ولا يتوفر لهن تغطية صحية أو اجتماعية، فالمشغلون يستغلون الحاجة الماسة للعمل في القرى، ويعملون على الاستفادة بشكل تام من تلك الظروف.

كما أن وضع القرى السيء المتمثل في انعدام مقومات الحياة الأساسية كالكهرباء والطرق والبنى التحتية، يضع السكان بين قبضة الطبقية المتوحشة. علاوةً على واقع الفقر المؤنث وجندرة الاستغلال الطبقي الذي يرخي بظلاله على حيوات العاملات. فالمشغلين يدركون بعمق تأثير هذه التفاوتات الطبقية والجندرية على استغلال النساء وعدم الاهتمام بسلامتهن.

وغالبًا ما تفشل النقابات العمالية في وضع سياسات جندرية لمقاربة الاستغلال الطبقي. فيكون المشغلون والرأسماليون بمنأى عن المحاسبة الحقيقية.

تكشف الحوادث التي تتعرض لها العاملات في تونس عن أبعاد خطيرة لوضع العمالة النسائية، خصوصًا في القطاعات الفلاحية وفي القرى وهوامش المدن.

بالإضافة إلى أنها تثبت ما تندد به المنظمات النسوية منذ أمد بعيد، وهو أنه لكل استغلال أو انتهاك سياسي واقتصادي مضاعفات أكبر على النساء، بسبب النظام الأبوي والاستغلال الجندري لقوتهن الانتاجية.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد