العنف الجنسي في حالات النزاع يتصاعد وكوفيد19 يزيد من معاناة الناجيات

في كل الحقبات التاريخية رُصِدت هيمنة الطبيعة الذكورية، التي همّشت النساء في وقت السلم، ما جعلهنّ الأكثر عرضة للاستغلال ولسلسلة من الانتهاكات في وقت الحرب.

مع تطور الوعي في ما يتعلق بحقوق الإنسان عموماً والنساء خصوصاً، وانطلاق جهود حثيثة لمنظمات المجتمع المدني بالتزامن مع تطور وسائل الإعلام والاتصال، عوامل رفعت من منسوب الاهتمام الدولي للحؤول دون تعرّض النساء للعنف الجنسي خلال النزاعات تحديداً المسلحة، والتي تواجه خلاله النساء الاغتصاب، والاستعباد الجنسي، والاتجار، والزواج القسري والمبكر وغيرها من الأشكال التي تكون أضرارها على حيوات النساء طويلة المدى، ناهيك عن الوصمة الاجتماعية والافتقار إلى القنوات القانونية الملائمة والتي غالباً ما تترك الضحايا دون دعم حيوي، مع عواقب وخيمة على أنفسهنّ وعائلاتهنّ ومجتمعاتهنّ المحلية.

كما أن تعامل غالبية المجتمعات مع الاغتصاب على أنَّه عار يلصق بالضحية أكثر من الجاني، دفع هذه المجتمعات إلى تجاهله وغض الطرف عنه، وهو ما يجعل توثيق حالات الاغتصاب أثناء الحرب أمراً بالغ الصعوبة، إذ تأبى معظم الضحايا ذكر ماتعرّضت له، ناهيك عن معاقبة الجناة.

كوفيد-19 زاد من معاناة النساء ضحايا العنف الجنسي في حالات النزاع

أُضيف إلى هذا الواقع اجتياح فيروس كورونا العالم، الأمر الذي جعل شعار (تأثير كوفيد-19 على الناجيات من العنف الجنسي في حالات النزاع)، العنوان الأبرز لإحياء اليوم الدولي الخاص بهذه الفئة، فناهيك عن ظاهرة الامتناع عن التبليغ عن جرائم العنف الجنسي ،جاء وباء (كوفيد-19)  ليزيد من حدَّة هذه الظاهرة، نظراً للخوف من الإصابة بالوباء كما جاء ليُضعف هيكل الخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية والقانونية المطلوبة لدعم الناجيات من جرائم العنف الجنسي في حالات النزاع.

هل جهد الأمم المتحدة عبر السنوات الماضية ساهم في إنقاذ النساء من العنف الجنسي في حالات النزاع؟

شكّل العام 2000 نقلة نوعية في توطيد العلاقة بين القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، على قاعدة أنّ سريان الأخير أوقات النزاعات المسلحة لا يعفي الدول من التزاماتها أيضا لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان.

وهنا نشير إلى القرار رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن بالإجماع من قبل مجلس الأمن في 31 أكتوبر/تشرين اﻷول من عام 2000. وهذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها مجلس الأمن بمواجهة التأثير غير المتناسب والفريد من نوعه للنزاعات المسلّحة على المرأة، وكذلك اﻻعتراف بمدى تجاهل مساهماتها في حل النزاعات وبناء السلام. كما شدد القرار على أهمية مشاركة النساء على قدم المساواة وبشكل كامل كعنصر فاعل في إحلال السلام والأمن. القرار 1325 هو قرار ملزم للأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء فيها، كما يشجع الدول الأعضاء على إعداد خطة عمل وطنية (NAP) خاصة بها لتفعيله على المستوى الوطنى.

القرار رقم 1889 لتعزيز تطبيق ومراقبة القرار رقم 1325 والقرار رقم 1820 الخاص بالعنف الجنسي، تم اعتماد القرار  في 5 أكتوبر/تشرين اﻷول من عام 2009. ويعد  فى اﻷساس بمثابة إعادة للتعهدات التى تم اعتمادها بالقرار 1325 ولكنه يركز على مشاركة المرأة خلال مراحل ما بعد النزاع وإعادة البناء. ويشدد القرار على أهمية زيادة عدد العاملات في قوات بناء وحفظ السلام. 

بعد عشرون عاما من الجهود الدولية، أكدت الأمم المتحدة  أن “العنف الجنسي، ما يزال سمة مروعة للصراعات في أنحاء العالم،  ويهدد السلام وأمن الإنسانية”، كما أشارت تقارير دولية إلى ارتفاع نسب حالات العنف الجنسي في المناطق المضطربة، يقابلها مطالب حقوقية بتفعيل دور المجتمع الدولي لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب ومقاضاتهم في محاكم وطنية دولية.

لبنان والقرار 1325

مع إقرار مجلس الأمن القرار 1325 عام 2000، إلتزمت رئاسة مجلس الوزراء في عام 2017، بوضع خطة شاملة وتشاركية لهذا القرار وكلّفت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية مهمة وضع أوّل خطة عمل وطنية حول قرار مجلس الأمن 1325.

بعد ثلاث سنوات أقرّت الحكومة اللبنانية الخطة، التي توفّر مجموعة من الأدوات والموارد التي ترمي إلى المضي قدماً في مشاركة منهجيّة للمرأة في المحادثات حول قضايا السلام والأمن، وتعزّز في الوقت نفسه حماية النساء ووجودهنّ في المراكز القيادية، كما أنَّها توفّر إطار عمل وطني شامل من أجل استقرار لبنان وأمنه على المدى الطويل، والتي تشكل مدماكاً أساسياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للعام 2030.

ولكن كيف سينعكس هذا القرار على النساء في لبنان ؟

بحسب السيدة كلودين عون روكز، رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية إنّ اعتماد الحكومة الخطة، سيدعم مشاركة المرأة في صنع القرار، لتصحيح القوانين المجحفة بحقها، ولحمايتها من العنف الذي قد تتعرض له، كما أن المبادرات التي تتضمنها هذه الخطة، سوف تساعد النساء على تخطي الصعوبات التي تعيشها خلال حالات النزاع وعلى المشاركة في الجهود الرامية إلى الحؤول دون حصول مثل هذه الحالات، وبهذا القرار تلتزم الإدارات الرسمية العمل يداً بيد مع الهيئات والمنظمات الداعمة للمرأة بهدف تعزيز وضع النساء في المجتمع، وإزالة كل أشكال التمييز التي يعانين منها.

بالتزامن مع تنفيذ القرار 1325 ملفات ملحة تحتاج إلى حلول

إلى حين دخول هذا القرار ومخرجاته حيّز الترجمة الواقعية، تبقى اللاجئات في المخيمات وما يعانينه من عنف بكافة أنواعه نموذجاً، ونذكر هنا ورود كنجو (28 سنة)، التي قضت في السابع من حزيران، وبين يديّها طفلها الرضيع برصاص السلاح المتفلّت في مخيم شاتيلا، حيث وُثِّقت الجريمة بكاميرا فيديو صودف تثبيتها في المكان.

ورود التي قُتِلت، سبقها عدد كبير من النساء اللواتي يعشن حال من الرعب اليومي نتيجة تفشي ظاهرة المخدرات، وتقاتل التجّار والمهربين، أو حتى نتيجة أحداث واشتباكات أمنية تشهدها المخيمات بين الفينة والأخرى، وربما بعضهنّ قتل خلف الكاميرات.

نتحدث عن الضحية ورود لأنّ القاتل معروف والجريمة واضحة، فموقع “شريكة ولكن” حاول التواصل مع عائلة ورود التي رفضت الكلام أو حتى الحديث عن الموضوع، فأيّ معطى حول اقتصاص حقها من القتلة لم يظهر،  كذلك الأمر فيما يتعلق بتأمين إجراءات تحمي النساء في المخيم، عِلماً أنّ مسؤول اللجان الشعبية في مخيمات لبنان أبو إياد شعلان في مقابلة مع موقع “شريكة ولكن”، تحدث عن الخطر الذي يعيشه سكان شاتيلا خصوصاً والمخيمات عموماً، وعن عدم جدية تعاطي الدولة اللبنانية في الملف الأمني، لجهة عدم تأمين التغطية والحماية القانونية للقوة الأمنية المشتركة المولجة حماية المخيمات من جهة، وعدم دخول الجيش اللبناني للقبض على الخارجين عن القانون، بل وأكثر من ذلك تعمد السلطات اللبنانية بحسب مصادر خاصة لموقع “شريكة ولكن” إلى الإفراج عن التجار والمروّجين التي تعمد القوى الأمنية المشتركة في المخيمات إلى اعتقالهم.

فهل نحن أمام معضلة تتعلّق بمفهوم القانون والأمن عموماً وأمن النساء خصوصاً؟ خاصة أن مخيم شاتيلا معروف وما يجري فيه أيضا معروف ومن قتل ورود بالإسم معروف تبعا للمثل الشعبي (الحارة ضيقة والناس بتعرف بعض)، فما الذي يؤخر الدولة عن أداء واجبها؟ وإذا كنا أمام قضية إنسانية من هذا النوع ولم نشهد تحركا متى سنشهده؟

 من لبنان إلى مناطق النزاع أرقام وشهادات مؤلمة

  • كشف تقريرٌ أن حوالي 90% من النساء والفتيات تعرضن للاغتصاب من قبل أكثر من مجرم واحد، وغالباً على مدى ساعات عدة، في ولاية الوحدة الشمالية جنوب السودان، رغم تراجع الهجمات بشكل ملحوظ ضد المدنيين منذ توقيع اتفاق السلام في سبتمبر/أيلول 2018.
  • قدّرت الأمم حوادث اغتصاب نساء والأطفال خلال الصراعات الأخيرة في الكونغو بنحو مئتي ألف حادثة.
  • في سيراليون البلد الواقع غرب أفريقيا الذي لا يزال يعاني من حرب أهلية وتفشي فيروس إيبولا الذي أودى بحياة الآلاف، طبقا لـ”نيويورك تايمز”، فإن نصف النساء تعرضن للاغتصاب والاعتداء الجنسي، و77% من الناجيات من الاعتداء الجنسي هنّ دون سن الخامسة عشرة.
  • يعتبر توثيق الانتهاكات الجنسية ضد النساء في سوريا مهمة صعبة محاطة بالكثير من التحديات، نتيجة نقص المعلومات ووصمة العار التي تحيط بالضحية، تقول لورين وولف مسؤولة موقع نساء تحت الحصار “لقد تعرضت بعض النساء للتهديد والطلاق والعزل، وحتى القتل لحديثهن علانية عن الاغتصاب في سوريا”.
  • أصدرت منظمة العفو الدولية اليوم الثلاثاء (17 أبريل/ نيسان 2018) تقريراً، حول وضع النساء اليائسات والمعزولات في العراق اللواتي يتعرضن لخطر الاستغلال الجنسي الكبير على أيدي قوات الأمن والحراس المسلحين وأفراد المليشيات الذين يعملون داخل المخيمات وحولها. ففي كل مخيم من المخيمات الثمانية التي زارها باحثو منظمة العفو الدولية، أُرغمت النساء، بالإكراه والضغط، على الدخول في علاقات جنسية مع رجال مقابل النقود التي هن بحاجة ماسَّة إليها، أو مقابل الحصول على المساعدات الإنسانية أو من أجل الحماية من الرجال الآخرين، حسب التقرير. ووفق الشهادات التي ساقها التقرير قالت أربع نساء “إنهن إما شهدن عمليات اغتصاب بشكل مباشر أو سمعن صرخات نساء في مخيم مجاور وهن يُغتصبن من قبل رجال مسلحين أو موظفين في إدارة المخيم أو غيرهم من سكان المخيم”.
  • وفقا لـ “صندوق الأمم المتحدة للسكان”، زاد العنف ضد المرأة بنسبة 63٪ منذ تصاعد النزاع في اليمن.
  • في ظل سيطرة المليشيات الخارجة عن القانون في طرابلس انتشرت الفترة الأخيرة قضايا خطف الفتيات والنساء بشكل كبير، وتكون دوافع الخطف أم من أجل إشباع الرغبات أو من أجل الحصول على فدية، أو من أجل تسجيل مقاطع فيديو لإبتزاز رب الأسرة أو الزوج من أجل الحصول أيه إجراء إداري أو مصالح خاصة في الدولة، وتزداد هذه الظاهرة غير المألوفة انتشارا مع التكتم ونجاة المغتصبين من اي ملاحقة وقد أعيد اغتصاب فتيات لمرات عديدة بسبب التكتم على حوادث الاغتصاب الأولى التي تعرضن لها وينشأ على ذلك بعض حالات إجهاض تلقي فيها المغتصبات بمساعدة أهاليهن أجنتهن في القمامة أو دفنهم في أماكن نائية.

 

ر

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد