في اليوم العالمي للشعوب الأصلانية.. ندعم مقاومة الشعب الفلسطيني 

يصادف يوم 9 آب/أغسطس اليوم العالمي للشعوب الأصلانية. وهي تظاهرة عالمية تم إقرارها من “الجمعية العامة للأمم المتحدة” سنة 1994، للاحتفاء بالشعوب الأصلية وثقافاتها وحقها في الحياة والحرية. 

تتخذ الشعوب الأصلية هذا اليوم كفرصة للتذكير بتاريخ الإبادات الاستعمارية الممنهجة، التي تعرضت لها في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية والشمالية. 

كما أنها مناسبة للتذكير بجرائم الاستيطان الاستعماري، التي ساهمت في محو كثيرٍ من الثقافات. كما استولت على الأراضي، وعزلت السكان الأصليات/ين بعيدًا عن مواطنهن/م.

النظام الاستعماري والرأسمالي يهجر ويضطهد الشعوب الأصلية، باستخدام الأدوات والمفاهيم الأبوية.

الشعوب الأصلانية مضطهدة في أرضها

تشكّل الشعوب الأصلانية أغنى وأقدم الثقافات واللغات على وجه الأرض. تزخر أراضيهن/م بالثروات الطبيعية، وهي أكبر المساحات الجغرافية في العالم. 

مع ذلك، تعيش الشعوب الأصلية تحت الاستعمار والاضطهاد والتمييز، وتهجّر من أراضيها لصالح مشاريع الاستيطان والتعدين والنهب الرأسمالية. إلى جانب محو ثقافتهن/م ومنعهن/م من الحفاظ على إرثهن/م اللغوي والقيمي باسم التحضّر، والتطوّر الاستعماري.

طيلة قرون من الاستعمار، اختفت ثقافات بأكملها، وواجهت مئات الأجيال خطر القتل والعنف والتمييز والتهجير. لعشرات السنوات، ظلّت هذه الشعوب تقاوم وتبتدع طرقًا جديدة للحفاظ على وجودها، والدفاع عن أراضيها والترافع عن حقها في الحياة. مبرزةً أهمية الترابط بين الأصلانية والطبيعة والأرض والحفاظ على الموارد، وواقفة في وجه التدمير الرأسمالي الاستعماري للعالم.

فلسطين الوجه الأبرز للمقاومة الأصلانية

بالنسبة لشعوب المنطقة، تعدّ فلسطين الوجه الأبرز للنضال الأصلاني ضد الاستعمار والإبادة والاستيطان. فرغم المحاولات الوحشية التي قام بها الاستعمار الصهيوني في محاولاته للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتهجير شعبها واستبداله بالبنية الاستيطانية المكوّنة من آلاف العصابات المسلحة المدعومة بترسانة دينية وسياسية واقتصادية، لم ينتج عن ذلك سوى بزوغ المقاومة الفلسطينية في أقوى تجلياتها.

وكان عنف الاستيطان في فلسطين الوجه الأعنف للاستعمار. ولعلّ أقرب نموذج له هو الإبادة والتهجير اللذان واجهتهما الشعوب الأصلية في أميركا الجنوبية والشمالية. حيث تم الاستيلاء على الأرض واقتلاع سكانها من أراضيهن/م وديارهن/م بالإبادة والتهجير، واستغلال ثرواتهن/م وتبديلهن/م بالبنية الاستيطانية. وهذه البنية تحول البلاد التي تستعمرها إلى “أرضٍ بلا شعب”، فتطمس بذلك أجيالًا وثقافات بأكملها.

منذ 1891، يستخدم الكيان الصهيوني سياسات الاستيطان، كطريقة لبسط هيمنته على الأراضي الفلسطينية. فلا يمكن تحقيق المشروع الاستعماري دون إحلال المستوطنات/ين بالأرض، والزحف على المدن والقرى وتهجير ساكنيها وترويعهن/م.

وتترجم النكبة الفلسطينية المثال الأبرز على جرائم الاستيطان الصهيوني. حيث قام الكيان بهدم مدن وقرى كاملة وتهجير أهلها نحو الشتات واللجوء، فيما قتل ما تبقى منهن/م. ويعيش اليوم ملايين الفلسطينيات/ين من أجيال النكبة في الملاجئ والشتات، بينما يطغى المستوطنات/ون أكثر وأكثر. ويزداد الجشع والعنف والرغبة التدميرية في نهب مزيدٍ من الأراضي الفلسطينية.

المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاستيطان الصهيوني

منذ هجوم العصابات الصهيونية عليها، عرف تاريخ فلسطين حروبًا استعمارية تهدف لمحو الشعب الفلسطيني وهويته بسياسات الإبادة والتهجير. وتنقسم الحرب الاستعمارية الاستيطانية إلى ثلاث مراحل. الأولى، بدأت عام 1948، وهو عام النكبة التي وثقت أبشع جرائم الاستعمار الاستيطاني في فلسطين. حيث وقعت عشرات المجازر وهُجر ما يقارب 750 ألف فلسطيني/ة، وهُدمت أكثر من 500 قرية. ودُمرت المدن الفلسطينية التاريخية. وتحولت لمدن صهيونية لطمس معالمها وهويتها.‬

‫والثانية بعد العدوان الاستعماري عام 1967، حيث استولى الكيان الصهيوني على قطاعي الضفة الغربية وغزة. ولم تخلُ، هي الأخرى، من الإبادة والتهجير.‬

‫أما الحرب الاستيطانية الثالثة، فقد بدأت طلائعها منذ منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر 2018، على أهم المواقع في القدس والخليل والأغوار. 

في هذه السنوات، ظهر حي الشيخ جراح حيث دارت المعركة الأبرز ضد سلسلة الاعتداءات الاستيطانية هذه. فلم يكن أمام السكان الواقفات/ون أمام آلة استعمارية عنيفة وعنصرية، سوى استخدام كاميرات الهواتف. كانت تلك أداة المقاومة، لفضح انتهاكات الكيان الإرهابي، واستمراره في جرائم الإبادة.‬

جرائم الاستعمار والاستيطان ونهب خيرات الشعوب الأصلانية، قد أنتجت أجيالًا مهجرة ومفقرة وغير قادرة على ممارسة أبسط حقوقها.

الاستيلاء الثقافي على الهوية الأصلانية

عندما يتعلق الأمر بالسياق الفلسطيني، يحصل الاستيطان على تغطية إعلامية أقل. فالإعلام العالمي يثبت يوميًا أنه متحيّز وذو توجه إمبريالي. إذ يتم تصوير القضية على أنها نزاع على الأرض، وليست مسألة تصفية استعمارية إحلالية كاملة الأركان.

كما يتم التركيز على الجرائم العسكرية للكيان الصهيوني، مثل القصف والقنص والاعتقال السياسي كأنها الوجه الوحيد للعنف الاستعماري. بينما ارتكز تاريخ الاستعمار، بشكلٍ دائمٍ، على التهجير، كأداة لترسيخ الاستعمار. 

ولا بدّ من الإشارة إلى أن الاستيطان لا يعدّ خطة ناجحة دائمًا. حيث يتعثر بالمقاومة الفلسطينية التي نظمها الشعب في وجه محاولات الإبادة الممنهجة. وعندما تشتد المقاومة، لا يملك المستعمر سوى اللجوء للحيل الخبيثة، مثل الاستيلاء الثقافي على التراث بشقيه المادي كالمباني الأثرية، واللامادي كالتاريخ والطعام، ونسبه إليه.

في هذا السياق، يواصل الكيان الصهيوني ارتكاب انتهاكات وجرائم متكاملة ضد الشعب الفلسطيني. ولولا مقاومة الأخير، لشهدنا أفظع نماذج الإبادة الاستعمارية عبر التاريخ.

الاستعمار قضية نسوية

رغم تطور هذا النضال وزخمه، إلّا أنه ما يزال معزولًا عن الاهتمام الثوري للعديد من الحركات بما فيها الحركة النسوية. حيث تطغى سردية وجود النظام الأبوي، كنظامٍ معزولٍ عن باقي أنظمة القهر. يحدث ذلك دون الانتباه إلى أن النظام الاستعماري الرأسمالي يهجر ويضطهد الشعوب الأصلية، باستخدام الأدوات والمفاهيم الأبوية.

يشكل الاستيطان والاستعمار أحد أفظع ركائز الاضطهاد والعنف التي شهدتها المنطقة. وهذه الجرائم لا تحدث بشكلٍ منفرد، بل تقوّيها القيم والسلطات والمعايير الأبوية. فالكيان الصهيوني يستخدم أيدولوجيا استعمارية تأسست بالاستناد على حق متخيّل في أرض فلسطين. لكن تلك الحجج لا تخلو من الفكر الأبوي ومن استخدام وسائله في تثبيتها كسلطة أيضًا. ولعل أبرزها استخدام عقيدة العنف الجنسي، كسلاح حرب ضد النساء الفلسطينيات، واستخدام خطاب الأمة والتكاثر، لحضّ مزيد من الصهاينة على الاستيطان.

وهذا ما يجعل النداءات التي تطلقها الحركات النسوية الفلسطينية بأن فلسطين قضية نسوية أكثر إلحاحًا اليوم. فنحن نشهد استمرارًا وتوسعًا لهذا الكيان الاستعماري في جرائمه، التي تحظى بدعم القوى الإمبريالية والرأسمالية حول العالم.

كنسوياتٍ، نلتزم بالانخراط في معارك التحرر من الاستعمار ومساندة الشعوب الأصلانية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، في استرداد أراضيه التاريخية وطرد العصابات الاستعمارية، والعيش بكرامة وحرية فوق أرضه.

إن جرائم الاستعمار والاستيطان ونهب خيرات الشعوب الأصلانية، قد أنتجت أجيالًا مهجرة ومفقرة، وغير قادرة على ممارسة أبسط حقوقها. بل وأصبحت هذه الشعوب تعامل بدونية واحتقار، وتقتل فوق أراضيها، وتُسرق هويتها علنًا أمام المجتمع الدولي.

ورغم كل هذا العنف والاضطهاد، لا يزال العالم الاستعماري يخفف من حدة الغضب، إذ يخصص يومًا واحدًا في السنة لتذكّر هذه الشعوب ومآسيها. بينما كل يوم باقٍ من السنة هو شاهد على المقاومة العظيمة للشعوب الأصلانية وعلى ألمها العظيم أيضًا.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد